شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
من

من "ظرفاء الغلابة" إلى "بسة ووردة"... الفيديوهات الفُكاهية تزج بأبطالها في سجون مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

الأربعاء 1 فبراير 202304:48 م

تسبب مقطع فيديو فكاهي في احتجاز أربعة من صناع المحتوى المصريين على تيك توك، بعد اشتراكهم معاً في تصوير مقطع قصير عن فتاة تزور حبيبها في السجن ومعها صديق له.

تمكنت السلطات حتى نشر هذا التقرير من القبض على محمد حسام الدين الشهير، وبسمة حجازي وأحمد طارق، وأكد محامون على صلة بالتحقيقات أن القبض على صناع الفيديو حصل يوم 24 يناير/ كانون الثاني 2023، بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، وصدر قرار عن نيابة أمن الدولة العليا بحبسهم 15 يوماً على ذمة التحقيق.

الفيديو نشره محمد حسام الشهير بـ "بسة" بالاشتراك مع بسمة حجازي الشهيرة بـ"وردة" قبل تاريخ القبض عليه بأسبوعين.

@mohamedhossam1993 الزيارة#محمدحسام ♬ original sound - محمد حسام الدين

 وحقق الفيديو المعروف باسم "الزيارة" أكثر من سبعة ملايين مشاهدة على تطبيق تيك توك ونحو 50 ألفاً عبر يوتيوب، وآلاف الإعجابات والتعليقات التي جعلت أبطال مقطع الفيديو الذي لم تصل مدته إلى أربع دقائق، حديث وسائل التواصل الاجتماعي  ومحط أنظار السلطات الأمنية.

ظهرت الفتاة وردة في الفيديو الكوميدي تمثل دور فتاة ترتدي عباءة سوداء جرت العادة أن ترتديها نساء الأحياء الشعبية في مصر. تصطحب الفتاة صديق "بسة" وهو أحمد طارق الشهير بـ" شوكولاته" لزيارة خطيبها في قسم شرطة، بعد أن ألقي القبض عليه من الشارع وأودع في "ميكروباص" شرطة. تنصرف الفتاة بعد الزيارة، تاركة خطيبها يتغزل بها بعبارات أثارت إعجاب من شاهدوا الفيديو.

القبض على صناع المحتوى في مصر ليس جديداً. فهناك وقائع احتجاز كان ضحاياها صناع المحتوى على تيك توك خصيصاً، مثل الطالبة حنين حسام وكذلك مودة الأدهم

المكان الذي صوّر فيه بسة ووردة مقطع الفيديو كان في كافيتريا بالإسكندرية بها باب حديدي استغلاه ليعطيا إيحاءً بقضبان الزنزانة، وذلك بحسب الأقوال التي أدلى به صناع المحتوى في التحقيقات التي تجريها نيابة أمن الدولة العليا، ونفيا أن يكونا قد أقاما "ديكور" على شكل زنزانة.

قال مصدر قانوني من هيئة الدفاع التي حضرت مع المتهمين، إن فيديو الزيارة هو الفيديو الوحيد التي واجهت به النيابة المتهمين، وإن بطلي الفيديو اللذين قُبض عليهما أولاً – محمد حسام وبسمة حجازي- نفيا وجود أي قصد جنائي من تصوير الفيديو، مؤكدين أنهما يهدفان إلى الإضحاك والانتشار وزيادة كم المشاهدات والتفاعل.

ويتزامن ذلك مع اقتراح مقدم في مجلس الشيوخ بحظر تطبيق تيك توك في مصر ضمن تطبيقات "لا تتوافر في شأنها سياسات ومعايير سلامة الاستخدام لا سيما في قطاعي الشباب والنشء" بحسب نص المقترح المقدم من النائبة ريهام عفيي، والذي أُرفق بتوقيعات من 20 عضواً آخرين.

ممنوع الضحك

اشتهر بطل الفيديو حسام "بسة" بنشر محتوى ضاحك على منصات السوشيال ميديا بلهجة شعبية، تحقق مشاهدات بالملايين، بينما الفتاة وردة التي ظهرت معه بدأت على "تيك توك" بمقاطع عن الموضة والملابس ومستحضرات التجميل.

بتصفح حساب بسة لم نجد أي محتوى يتصل بالسياسة بشكل مباشر، إذ دأب صانع المحتوى الشاب على نشر عشرات مقاطع الفيديو ذات طابع فكاهي عن كأس العالم أو موعد غرامي مع فتاة أو فيديو يشرح فيه "إزاي تتغلب على نكد خطيبتك" بوجبة من ماكدونالدز، إلى جانب مقاطع أخرى تكشف يوميات بسة وهو يشاهد مبارة على المقهى أو وهو يشتري شيئاً ما من السوق.

إلّا أنه نشر قبل شهرين مقطعاً بعنوان "الدولار داخل عالجنيه قالع البنطلون" يتحدث عن تكاليف الزواج والغلاء. وقبله نشر فيديو بعنوان "المدعي العام" لا يحوي إشارة حقيقية إلى أي منصب سياسي أو قضائي وإن ألمح إلى علاقة الغلاء وأزمة الدولار بتجارة المخدرات.

تكشف سجلات البحث على الإنترنت عن توجُّس السلطات الأمنية المصرية من كل وارد أو منصة جديدة في فضاء العالم الرقمي، غالباً ما تعكسها تلك السلطات عبر نواب متعاونين في البرلمان، يتقدمون بمشروعات قوانين هدفها الرصد والمراقبة والحظر

وتشهد مصر أزمة اقتصادية حادة منذ نهاية العام 2021، فاقمتها الحرب الروسية على أوركرانيا في فبراير/ شباط 2022، إذ أطلقت موجة من تخارج المستثمرين في أدوات الدين المصرية التي اعتمدت عليها حكومات الرئيس عبد التاح السيسي في تمويل احتياجات البلاد من العملات الصعبة إلى جانب القروض والودائع الخليجية. وتفتقد مصر أزمة في استعادة ثقة المستثمرين في أدوات الدين، في ظل فشلها المستمر في جذب الاستثمارات الإنتاجية والخدمية.

من "الفجور" إلى الاتهامات السياسية

القبض على صناع المحتوى في مصر ليس جديداً. فهناك وقائع احتجاز كان ضحاياها صناع المحتوى على تيك توك خصيصاً، مثل الطالبة حنين حسام التي تواجه حكماً بالسجن ثلاث سنوات بتهمة الاتجار بالبشر. وكذلك مودة الأدهم التي تقضي حكماً بالسجن ست سنوات وغرامة 200 ألف جنيه بتهمة الاتجار بالبشر، بعدما قُبض عليهما بموجب قانون الجرائم الإلكترونية الصادر عام 2018، بحسب معهد التحرير لسياسات الشَّرق الأوسط.

وتنصّ المادة 25 من القانون التي تحظر استخدام التكنولوجيا في "انتهاك أي مِن المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري" على عقوبة لا تقلّ عن الحبس ستّة أشهر وغرامة تراوح بين 50 ألفاً و100 ألف جنيه، في حين تحظُر المادة 62 نشر المواد "المُخلَّة بالآداب العامة" وتنصّ على عقوبة بالسجن مدة تراوح بين سنتين وخمس سنوات وغرامة تراوح بين 100 ألف و300 ألف جنيه.

وعلى غرار مودة الأهم وحنين حسام، وقع الكثير من صناع المحتوى خصوصاً النساء، في قبضة السلطات بتهم أخلاقية تتعلق بنشر الفسق والفجور وانتهاك قيم الأسرة المصرية، إذ اعتقلت السلطات نحو 10 من صناع المحتوى حتى عام 2020، وخلال العام الماضي وسّعت السلطات حملاتها للقبض على صناع المحتوى وكان اليوتيوبر أحمد الدسوقي، الذي اعتاد التمثيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من أبرز الأسماء التي جرى إيقافها، بسبب نشره أفلاماً قصيرة مفبركة يتقمص فيها دور رجال الشرطة، برفقة ثلاثة آخرين وسيدة.

وفي أبريل/نيسان 2022، وقع مجموعة من الشباب "ظرفاء الغلابة" في قبضة السلطات الأمنية بسبب فيديوهات ساخرة على تيك توك من غلاء الأسعار، ووجهت لهم نيابة أمن الدولة تهمة نشر أخبار كاذبة لانتقادهم غلاء الأسعار في مقاطع غنائية ساخرة.

وأصبحت السلطات تنتهج توجيه الاتهامات ذات الطبيعة السياسية إلى المؤثرين وصناع المحتوى على التيك توك، وهي الاتهامات نفسها التي اعتادت تلك السلطات استخدامها في ملاحقة المعارضين والصحافيين والكتاب ذوي الآراء الناقدة لسياسات الدولة، وهما تهمتا "نشر الأخبار الكاذبة" و"الانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها"، وقد قُبض بموجبها على نحو 60 ألف معتقل وسجين سياسي في السجون المصرية، بحسب تقارير دولية.

في مقال للباحث ياسر الضبع نشره معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، أن استخدام منصة تيك توك حظى باهتمام السُّلطات المصرية التي سعت بدورها إلى توجيه تُهمٍ أخلاقيةٍ إلى "المُتَهمات"، وضبط الأرباح المالية للشخصيّات المُؤثّرة والسيطرة على التعبير المُستقلّ عن الرأي.

وفقاً لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، هناك جانب آخر يفسر ملاحقة السلطات الأمنية للمحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، وهو رغبة السلطات في فرض السيطرة على مستويين، المستوى الأول هو المرتبط بفرض الرقابة على المحتوى وما ينتج عنه من حجب وملاحقة للمستخدمين، والمستوى الآخر يتعلق بالمكاسب المالية، التي تترتب على النشاط الرقمي".

الاتهامات التي توجه إلى صانعي المحتوى في مصر عادة ما تكون أخلاقية، تتأرجح بين الاتجار بالبشر أو نشر محتوى يحض على الفسق والفجور. لكن في قضية بسة ووردة كانت التهم الموجهة هي نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة محظورة، وهي تهم جرت العادة أن توجه إلى سجناء الرأي في مصر

هواجس "أمنو-نيابية"

وتكشف سجلات البحث على الإنترنت عن توجُّس السلطات الأمنية من كل وارد أو منصة جديدة في فضاء العالم الرقمي غالباً ما تعكسها تلك السلطات عبر نواب متعاونين في البرلمان. ففي عام 2017، أعلن النائب جمال العقبي عضو المكتب السياسي لائتلاف دعم مصر "المعبر عن الدولة"، عن نيته تقديم طلب إحاطة إلى البرلمان، بشأن ضرورة إصدار قانون لإلزام مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك بإجبار جميع رواد التطبيق من المصريين على إنشاء حساباتهم باستخدام الرقم القومي، وذكر محل الإقامة، لتحديد هوية كل مستخدم، لكن هذا الاقتراح لم ينفذ.

وحسب الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان،  كانت هناك محاولة شبيهة، في عام 2005، عندما هددت الشرطة أصحاب مقاهي الإنترنت بغلق محالّ عملهم، إن لم يلتزموا بأوامرها فيما يتعلق بتسجيل أسماء وأرقام الرقم القومي لكل الراغبين في استخدام الإنترنت.

لماذا ألقي القبض على بسة ووردة؟

ما يلفت الانتباه هو أن الاتهامات التي توجه إلى صانعي المحتوى في مصر هي تهم أخلاقية تتأرجح بين الاتجار بالبشر أو نشر محتوى يحض على الفسق والفجور، لكن في قضية بسة ووردة كانت التهم الموجهة لهما هي نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة محظورة - رغم المحتوى الفكاهي الذي يقدمانه -  وهي تهم جرت العادة أن توجه إلى سجناء الرأي في مصر.

تتشابه التهم الموجهة إلى بسة ووردة بعد فيديو "الزيارة" مع التهم التي وجهت إلى البلوغر أحمد الدسوقي الذي ألقي القبض عليه في أغسطس / آب 2022 بعد مقطع فيديو تقمص فيه دور ضابط شرطة، وقد وجهت له مع اثنين آخرين تهم "سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، والإساءة إلى الشرطة المصرية، ونشر أخبار كاذبة".

يفسر المحامي والباحث القانوني حسن الأزهري لرصيف22 أن المحتوى المنشور هو الفيصل في قضية بسة ووردة، وقضايا صناع المحتوى الآخرين مثل مودة الأدهم التي كانت تنشر محتوى ترفيهياً فقط، لكن في حالة بسة ووردة، رأت السلطات أن في المحتوى "إسقاطاً على وزارة الداخلية وعلى وضع السجناء، فلذلك كان الاختلاف في نوعية التهم الموجهة".

ويرى الأزهري أن قضية بسة ووردة هي القضية الأكثر شهرة بين صناع المحتوى على المنصات الرقمية التي يواجه أبطالها تهماً تتعلق بنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة محظورة، وقد تكون هناك قضايا مثلها لكنه لا يعلم بها لأنه "في بعض الأحيان يفضل أهالي المحتجزين من صناع المحتوى عدم الإعلان عن القبض على أبنائهم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image