"أرى أن واجبي أكثر من ذلك، الواجب الذي جعلني أرى أنني احتاج فترة لالتقاط الأنفاس والدراسة، وأهم ما فيها، هو الإطلاع على تجارب دول مرت بالظروف التي نمر بها".
بهذه الكلمات خرج الرئيس السابق لحزب الكرامة (تحت التأسيس) النائب البرلماني السابق أحمد طنطاوي عن صمته في منفاه الاختياري بالعاصمة اللبنانية بيروت، في فيديو وجه فيه كلمة لمواطنيه في مصر بمناسبة العيد الثاني عشر للثورة المصرية، في خطوة دعمت التكهنات حول نيته خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024 منافساً للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
وتم تعديل الدستور في 2019 لمنح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحده، الحق في خوض الانتخابات لفترة رئاسية ثالثة، على خلاف القواعد الدستورية المستقرة التي لم تألف تخصيص استثناء دستوري لشخص بعينه.
في الفيديو الذي مدته من 30 دقيقة، هاجم طنطاوي عبر صفحته على فيسبوك الرئيس السيسي، معتبراً أنه "العقبة الرئيسية والكبرى في وجه مستقبل الدولة المصرية، لأنه غير مستعد بأي صورة لأن يعترف باخطائه"، وأن "الإصلاح لا بد أن يكون بالتغيير".
ما قاله طنطاوي -رغم عدم إعلانه صراحة- دعم التكهنات الذاهبة إلى عزمه خوض انتخابات الرئاسة المقررة في أبريل/ نيسان 2024، رغم ضبابية دعم القوى السياسية له، أو حتى دعم الكتلة الناصرية التي يمثلها حزبه "الكرامة" الذي ترأسه طنطاوي لفترة قصيرة
وقال طنطاوي: "تغيير السلطة ليس هدفاً بحد ذاته، وتغييرها بالثورة ليس ترفاً، والأفضل للشعب والدولة وللسلطة نفسها أن يتم عبر الصناديق، وهو التغيير الآمن والديمقراطي".
وتحدى النظام المصري بإجراء استفتاء أو "انتخابات حقيقية" ليكشف زيف ادعاءات تمتع الرئيس الحالي بدعم الناس.
برنامج رئاسي في ستة أشهر
في كلمته أيضاً، قال طنطاوي إنه بعد ستة شهور من "الرحيل المؤقت"، انتهى من "صياغة رؤيته للإصلاح بشكل كامل" وإنه سيقدمها "في الوقت المناسب والسياق المناسب لتحقيق الأهداف التي ثار من أجلها الشعب المصري من 12 سنة".
ما قاله طنطاوي، رغم عدم إعلانه صراحة، دعم التكهنات بشأن عزمه خوض انتخابات الرئاسة المقررة في أبريل/ نيسان 2024، رغم ضبابية دعم القوى السياسية له، أو حتى دعم الكتلة الناصرية التي يمثلها حزبه "الكرامة" الذي ترأسه 19 شهراً خلفاً للمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي. وترك طنطاوي رئاسة الحزب بشكل مفاجئ في 2022، وسط أنباء تم نفيها عن غضبه من أداء الحزب تجاه الحوار الوطني.
مع التعديلات الدستورية في 2019، برز نجم طنطاوي بعد تداول مقاطع يرفض فيها التعديلات الدستورية، قائلاً عبارته الشهيرة "أنا لا أحب الرئيس ولا أثق في أدائه ولست راضياً عنه، وهذا حقي كمواطن مصري قبل أن أكون نائباً"
من البرلمان للحزب
المتابع للوضع السياسي قبل الانتخابات البرلمانية عام 2016، سيجد اسم أحمد طنطاوي يظهر على استحياء، فرغم كونه أحد الأعضاء المؤسسين لحزب الكرامة، لم يكن ضمن البارزين داخل الحزب، لا سيما مع استقراره في دائرته بمركز "قلين" بمحافظة كفر الشيخ، شمال غربي الدلتا، إلا أنه عرف أكثر بكونه صحافياً بالجريدة الصادرة عن الحزب، وذلك رغم توليه أمانة الحزب في مسقط رأسه، والانضمام لعضوية المكتب السياسي للحزب في 2012.
استقال طنطاوي من عضوية المكتب السياسي للحزب في مرحلة لاحقة، ورغم عدم الإفصاح عن أسباب الاستقالة، فثمة شائعات دعمتها بعض المصادر في الحزب، ذهبت إلى أنه استقال اعتراضاً على قيام أستاذه حمدين صباحي بلعب دور في شرعنة خوض الرئيس عبد الفتاح السيسي للانتخابات في المرة الأولى عام 2014، عبر الترشح أمامه في منافسة صورية.
استمر طنطاوي في إعلان مواقفه الرافضة للنظام المصري الحاكم طوال الوقت، وهو ما ظهر في مقالاته بموقع "المنصة" المستقل، وأهمها مقال "كيف يتم عزل رئيس الجمهورية ومحاكمته" الذي تسبب سريعاً في حجب الموقع مرة أخرى
في 2015، خاض طنطاوي الانتخابات البرلمانية عن دائرة قلين، وفاز ليصبح أحد أعضاء تكتل 25/30 البرلماني، وسطع نجمه بصورة كبيرة داخل البرلمان، بسبب معارضته لسياسات النظام الحالي وخاصة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية التي باتت معروفة باسم اتفاقية التنازل عن تيران وصنافير، وهو ما وضعه في مرمى نيران الأجهزة المصرية التي تتحكم في المشهد البرلماني والإعلامي، إذ أحيل للجنة القيم بسبب ارتدائه "بلوفر". ويذكر له أيضاً معارضة موقف الدولة في العديد من القضايا وخاصة قانون السلطة القضائية.
ومع التعديلات الدستورية في 2019، التي سمحت للرئيس المصري بالبقاء في السلطة حتى 2024 بدلاً من إجراء الانتخابات في موعدها الطبيعي 2022، كما تسمح له بالترشح لمدة جديدة تنتهي في 2030، برز نجم طنطاوي أكثر بعد تداول مقاطع يرفض فيها التعديلات الدستورية، قائلاً عبارته الشهيرة "أنا لا أحب الرئيس ولا أثق في أدائه ولست راضياً عنه، وهذا حقي كمواطن مصري قبل أن أكون نائباً".
كان أول ضحية لمواقفه مدير مكتبه الذي اعتقل في قضية "تحالف الأمل"، كما قدمت ضد طنطاوي العديد من البلاغات للنائب العام، وكلفته مواقفه أيضاً مقعده داخل البرلمان حيث تكاتفت أجهزة رسمية لإسقاطه في جولة الإعادة في الانتخابات البرلمانية 2020.
شعبية شبابية وغضب من القيادات
بحسب مصدر من كتلة شباب حزب الكرامة، أثار أداء أحمد طنطاوي إعجاب قطاع الشباب الساخط على أداء قيادات الحزب بعد الانتخابات الرئاسية الفائتة (2018)، لا سيما القيادات مثل محمد سامي وحامد جبر، بعد ابتعاد القيادات التاريخية للحزب، وعلى رأسهم حمدين صباحي عن إدارة شؤون الحزب، واعتقال القائد الشبابي حسام مؤنس، وهو ما دفعهم للمطالبة بتولي طنطاوي رئاسة الحزب، خاصة بعد خسارته الانتخابية التي استدعت إلى اذهانهم خسارة حمدين للانتخابات البرلمانية في 2010 بعد تكاتف دولة الحزب الوطني ضده.
الحوار الوطني وبداية الأزمة
في ديسمبر/ كانون الأول 2020، اختير طنطاوي بالتزكية رئيساً للحزب ضمن ما يعرف بـ "دورة الأمل التنظيمية" لاختيار رئيس الحزب والهيئة العليا، وبدأت إجراءات إحياء الحزب من جديد بطرح استمارة عضوية عبر الإنترنت، وتحول مقر الحزب في "الدقي" لخلية نحل تشبه الحالة التي تلت ثورة يناير.
إلا أن هذه الحالة لم تستمر فترة طويلة، مع حضور حمدين صباحي إفطار الأسرة المصرية الذي دعا له الرئيس المصري، في مارس/ آذار الماضي، على الرغم من أن هذه الخطوة أعقبها الإفراج عن مؤنس.
وفي أبريل/ نيسان الماضي، دعا الرئيس المصري إلى "حوار وطني" بين نظامه والمعاضة، وهي الدعوة التي قوبلت بالترحيب من قيادات الحزب، عدا طنطاوي، الذي خرج وأعلن تحفظه وعدم ثقته في الدعوة للحوار، وأنه وحزب الكرامة يقبلان الدعوة من موقع المسؤولية الوطنية، معتبراً أن الرافضين للدعوة لهم أسبابهم الوجيهة، وذلك في لقاء مع برنامج "بتوقيت مصر" عبر قناة BBC العربية.
في المقابل، استمر طنطاوي في إعلان مواقفه من النظام المصري الحاكم طوال الوقت، وهو ما ظهر في مقالاته بموقع "المنصة" المستقل، وأهمها مقال "كيف يتم عزل رئيس الجمهورية ومحاكمته" في منتصف يوليو/ تموز" الماضي. أغضب المقال دوائر الحكم العليا وتسبب سريعاً في حجب الموقع مرة أخرى، فيما أعلن طنطاوي توقفه عن الكتابة للموقع بعد هذا المقال.
ثمن الدعوة لمحاسبة الرئيس
لم تكن المقالات الشيء الوحيد الذي اضطر طنطاوي إلى التخلي عنه، إذ أعلن استقالته من رئاسة الحزب في يوليو/ تموز الماضي، ورفض الحزب قبول الاستقالة، وسافر إلى بيروت، ونشر موقع مدى مصر تقريراً حول سفر طنطاوي إلى بيروت بعد ضغوط أمنية مورست على صباحي، إذ نقل الموقع عن مصادر أن صباحي تلقى اتصالات من "مصدر سيادي". ويشير هذا عادة إلى صاحب منصب رفيع في جهاز المخابرات العامة أو الحربية أو مؤسسة الرئاسة، مع وعد بالإفراج عن عدد كبير من المعتقلين مقابل إبعاد طنطاوي، وإلى أن صباحي أقنع طنطاوي بالسفر لبيروت لحضور فعالية سياسية ناصرية.
حزب الكرامة نفي ما نقله الموقع، وقال في بيان: "حزب الكرامة ينفي بما لا يدع مجالاً للشك أو الإدعاء بأنه أو أي مستوى تنظيمي فيه، قد مارس ضغطاً على رئيس الحزب لتقديم استقالته. ولن يحدث. فحزب الكرامة الذي دفع الثمن كثيراً دفاعاً عن ثوابته ورؤيته، التي يقدمها أملاً في التغيير لواقع أفضل يستحقه كل مواطن فوق أرض هذا الوطن، ما قبل يوماً المساومة على مواقفه ولن يقبل، وهو أمر يعلمه المختلفون معنا قبل شركائنا في الحركة الوطنية" فيما نشر حمدين صورة تجمعه مع طنطاوي رداً على التقرير.
كذلك أعلن طنطاوي أنه سافر للدراسة ولم يخضع لأية تهديدات أو ضغوط، وأن استقالته طبيعية لتركه منصبه قبل الموعد الطبيعي.
قال مصدر من كتلة شباب حزب الكرامة أن القيادات التاريخية كانت غاضبة على اختيار طنطاوي رئيساً للحزب باعتبار أنه "عيل متهور سيودي بالحزب للتهلكة، ولا يحترم خبرتهم وحكمتهم"
خلافات غير معلنة
بحسب المصدر الشبابي السابق، يضم حزب الكرامة عدداً من الأجنحة غير المتفقة بالضرورة، الجناح الأول هو القيادات التاريخية التي خرجت مع حمدين من الحزب الناصري، وهي قيادات تجاوز أغلبها الستين، إلا أنهم "هم المتحكمون في كافة شؤون الحزب، لا سيما مع إنفاقهم على الشؤون الإدارية للحزب الذي يعاني من أزمة مالية"، يعقب المصدر لرصيف22: "هو ما جعل أولى وسائل إحياء الحزب وضع نظام مالي يضمن للحزب دخلاً يمكنه من الإنفاق على الحد الأدنى من الأنشطة، والتخلص من سيطرة رأس المال".
أما الفصيل التاني فهو جناح التيار الشعبي، ويضم في أغلبه القطاع الشبابي، لا سيما الذين لا ينحدرون من عائلات ناصرية بالأساس، أو لديهم انتقادات لأداء الحزب، ويرون أنه "بات محملاً بأمراض الحزب الناصري".
وكشف المصدر أن القيادات التاريخية كانت غاضبة على اختيار طنطاوي رئيساً للحزب باعتبار أنه "عيل متهور سيودي بالحزب للتهلكة، ولا يحترم خبرتهم وحكمتهم"، وأن حمدين صباحي هو من رجح كفة النائب الشاب، لأنه يرى في طنطاوي "فرصة لتصحيح مسار الحزب، وإعادة إحيائه مرة أخرى"، مدعوماً في ذلك بالعديد من قيادات حملته الإنتخابية السابقة.
كشف مصدر داخل الهيئة العليا للحزب أن ترشيح طنطاوي نفسه للرئاسة "قد يفجر الحزب من الداخل، لأن الحزب لا نية له لخوض أي انتخابات رئاسية مقبلة"
وأضاف المصدر أن النية كانت مبيتة ضد طنطاوي داخل الحزب، وهو ما ناقشه حمدين في لقاءات مغلقة مع طنطاوي دعاه فيه إلى مسايرة الوضع لصالح المعتقلين، إلا أن طنطاوي لم يلتزم كثيراً بما دار في هذه اللقاءات.
وفيما نفى قادة الحزب ما جاء في تقرير مدى الذي سبقت الإشارة إليه، يؤكد مصدرنا الشاب صحة التقرير، وأن ما جاء فيه حول اتهام قيادات الحزب بطنطاوي بأنه يورط الحزب في معارك بسبب "حب الظهور"، قيل بالنص في رسائل تم نقلها لـحمدين صباحي من قيادات الحزب، ومارست هذه القيادات ضغطاً على حمدين قالوا فيه إن طنطاوي "لا يهتم بأمر المعتقلين ولا يبالي بهم"، وأن من سيدفع ثمن هذه المعارك هم شباب الحزب الذين سيتم اعتقالهم، وليس حمدين أو حتى طنطاوي.
في المقابل كشف مصدر داخل الهيئة العليا للحزب أن ترشيح طنطاوي نفسه للرئاسة "قد يفجر الحزب من الداخل، لأن الحزب لا نية له لخوض أي انتخابات رئاسية مقبلة"، وأن الحزب ينتظر ما تتفق عليه القوى المدنية من دعم مرشح، لكن هذه الملف مؤجل إلى منتصف العام الحالي على الأقل.
ولفت المصدر إلى أن الحزب لا يرى أي فرصة لطنطاوي في الفوز في انتخابات رئاسية، ويرى ترشحه مغامرة قد تكلف القوى السياسية الكثير.
سوابق لا تبشر بالخير
وعقب يونيو/ حزيران 2013، شهدت مصر انتخابات رئاسية مرتين، الأولى كان بطلها حمدين صباحي أمام السيسي، واضطر للانسحاب بعد تمديد التصويت لليوم الثالث، وتعرض العديد من مناصريه للاعتداء، إلا أن هذا الانسحاب كلفه أن يأتي في المركز الثالث بعد الأصوات الباطلة، وهو ما قرأته أطراف سياسية محلية ودولية بأنه عقوبة متعمدة من السلطات لصباحي على انسحابه الذي كان يعني أن الانتخابات غير سليمة.
واتهم صباحي من المعارضة قبل مؤيدي النظام بأنه مجرد "كومبارس" و"محلل للسيسي" حتى لا تخرج الانتخابات في شكل استفتاء ينال من شرعية السيسي المهتزة بفعل وصوله للسلطة عقب إطاحة رئيس منتخب شارك هو في إطاحته بعد غضبة شعبية.
وفي 2018، أعلن خالد علي ترشحه للانتخابات، وبدأ في جمع التوكيلات اللازمة للترشح، إلا أنه أعلن انسحابه سريعاً بسبب التضييق والصعوبات التي تواجهها الحملة، التي "تنم عن أن الانتخابات لن تكون نزيهة"، وذلك بعد يوم واحد من القبض على رئيس الأركان الأسبق سامي عنان لإعلانه الترشح على منصب الرئيس من دون موافقة القوت المسلحة.
وينتظر ان تشهد الانتخابات المقبلة في 2024 ممارسات شبيهة في ظل تقارير دولية ترصد تراجعاً حاداً في شعبية الرئيس الحالي والمؤسسات الداعمة له والتي كانت تحظى تاريخياً باحترام واسع لدى المصريين، وكذلك في ظل أزمة اقتصادية خانقة تهدد بسقوط المزيد من المصريين تحت خط الفقر. ولم يعد الإعلام الذي تسيطر عليه الأجهزة الأمنية قادراً على إقناع الجمهور بعدم مسؤولية الرئيس عنها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت