بعد الدعم الكبير الذي قدّمته إيران لروسيا، عبر المسيّرات التي استخدمتها الأخيرة في حربها الدائرة في أوكرانيا، تتوارد المعلومات عن قيام الأخيرة بتزويد إيران بطائرات SU35، ومنظومة الدفاع الجوي S400، وهو ما يدعو إلى التساؤل عن أفق وإمكانية تطور العلاقة الإستراتيجية بين البلدين.
وفقاً لمجلة "فورين بوليسي"، ينشغل البلدان في بناء شبكات تجارية جديدة للالتفاف على العقوبات الغربية، بما فيها طرق إمداد المعدّات العسكرية من إيران إلى روسيا عبر بحر قزوين وروابط الأنهار والسكك الحديدية. وفي إشارة إلى تعميق التحالف الإستراتيجي بينهما، يذكر التقرير الذي نُشر في 5 كانون الثاني/ يناير الجاري، أن "روسيا وافقت على إطلاق قمر اصطناعي إيراني جديد إلى مداره، في آب/ أغسطس 2022، وبحسب مسؤولين أمريكيين فإن مهمته جمع المعلومات لروسيا في أوكرانيا".
في المقابل، نشر الكاتب والباحث السياسي حسن بهشتي بور، في مقال له في جريدة "أسكناس" الحكومية الناطقة بالفارسية، مقالاً تحت عنوان "التعقيد في العلاقات الإيرانية الروسية"، في 11 كانون الثاني/ يناير الجاري، يشير فيه إلى أنه "عندما وصفت طهران علاقتها بموسكو بالإستراتيجية، امتنعت الأخيرة عن استخدام المصطلح، لعدم اعتقادها برقيّ العلاقات بينهما إلى هذا المستوى، واتفاقيات التعاون في سوريا لا تعني بلوغ العلاقة نقطة التحالف الإستراتيجي".
ظلال تاريخية مظلمة
في مسعى لضمان المصالح التجارية الروسية، قام القيصر الروسي بطرس الأكبر، عام 1722، بحملة عسكرية على بلاد فارس (إيران)، أسفرت عن ضم دربنت وباكو وإقليم جيلان إلى روسيا. وفي عام 1946، خرج آخر جندي سوفياتي من إيران، بعد مفاوضات طبعتها الخديعة، استطاع خلالها رئيس الوزراء الإيراني، أحمد قوام السلطنة، إقناع موسكو بالانسحاب والتخلي عن دعمها "للانفصاليين" في جمهوريتي أذربيجان الشعبية ومهاباد، مقابل امتيازات نفطية، مع عدد من الحقائب الوزارية لأعضاء حزب توده، المحسوب على موسكو.
ينشغل البلدان في بناء شبكات تجارية جديدة للالتفاف على العقوبات الغربية، بما فيها طرق إمداد المعدّات العسكرية من إيران إلى روسيا عبر بحر قزوين
وما بين التاريخين، حفرت الأحداث مجراها في ذاكرة الجارتين، لا سيما الإيرانية، حتى بات الإيرانيون يطلقون على أي اتفاق غير متكافئ، اتفاقية كلستان، في إشارة إلى الاتفاقية التي أنهت حرب عام 1804-1813 مع روسيا، والتي تم تثقيل بنودها في اتفاقية تركمنشاي، المنعقدة عقب حرب 1826-1828، والتي بموجبهما تنازلت إيران لروسيا عن جزء من أراضيها في جنوب القوقاز، مع امتيازات روسية في إيران وإغلاق بحر قزوين في وجه الأخيرة.
حاول الروس البلاشفة تحسين العلاقة مع جارتهم الجنوبية، فقاموا بالتنازل عن جميع الامتيازات والأراضي التي اقتطعتها روسيا القيصرية من إيران، وفق اتفاقية وُقّعت عام 1921. ومع ذلك، بقيت إيران مسرحاً للتنافس والتوافق الروسي البريطاني. وكان التوافق بينهما أخطر على إيران من تنافسهما، ففي عام 1938، سيطرت القوات الروسية على شمال إيران، وسيطرت القوات البريطانية على جنوبها، واشتركتا في إرغام الشاه رضا على التنازل عن العرش لابنه محمد رضا.
سقوط الشاه محمد رضا، حليف واشنطن والغرب، عام 1979، ولّد ارتياحاً حذراً لدى موسكو. غير أن أيديولوجيا النظام الثوري في إيران، المتعارضة مع الأيديولوجيا الشيوعية، أبقت العلاقة دون مستوى التعاون المستقر. لذا ظهر تناقض الطرفين في أماكن، منها أفغانستان، وتوافقهما في أماكن أخرى، كالوقوف إلى جانب أرمينيا في حربها مع أذربيجان.
وتلخص الأكاديمية نيفين مسعد، بحسب مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، العلاقات الروسية-الإيرانية المضطربة، بالقول إنه "في عام 1995، بدأ التعاون الروسي-الإيراني في مفاعل بوشهر. في الوقت ذاته، قيل إن اتفاقاً سرّياً أُبرم بين كل من رئيس الوزراء الروسي فيكتور تشيرنومردين ونائب الرئيس الأمريكي ألبرت آل غور، لتقييد التعاون العسكري الإيراني-الروسي. فالورقة الإيرانية تُستخدم للضغط المتبادل بين روسيا والولايات المتحدة. ومن جانبها، تعي طهران ذلك، لذا تقوم بالاستثمار في التنافس الأمريكي-الروسي وتوظيفه لصالحها".
نقطة التحوّل
في إفادته لمجلة فورين بوليسي، يقول مدير دراسات الشرق الأوسط في Geocase، إميل أفدالياني: "غيّرت الحرب في أوكرانيا الطريقة التي تنظر بها روسيا إلى علاقاتها مع إيران. قبل عام 2022، كانت العلاقات الثنائية تتّسم بالتناقض؛ محادثات كثيفة ولكن القليل من الجوهر. مع الحرب، أصبح تحول روسيا إلى آسيا كاملاً، وأصبح دعم إيران الآن أمراً بالغ الأهمية في الكرملين".
وفي إشارة إلى تزايد الدور الإيراني كمزوّد لموسكو، أرسلت طهران في 18 أيلول/ سبتمبر الفائت، عدداً من مسؤوليها لاستكمال شروط شحنات عسكرية إضافية، بما فيها نوعين من صواريخ أرض-أرض إيرانية الصنع، حسب مسؤولين أمريكيين ودولة حليفة، ترصد النشاطات الإيرانية. وأكد تقييم أمني أمريكي أوكراني مشترك، استعداد طهران لأول شحنة من صواريخ فاتح-110 و"ذو الفقار"، وفي حال تمت الشحنة، ستكون أول صفقة عسكرية إيرانية لروسيا منذ بداية الحرب.
عوامل كثيرة، تشترك فيها الدولتان، بحسب الباحث السياسي والخبير بالشأن الروسي، نصر اليوسف، من أهمها: "عداوة الطرفين للغرب، مع تلاقي الرؤية لعالم متعدد الأقطاب، بالإضافة إلى كونهما واقعتين تحت عقوبات غربية صارمة"، نافياً "تأثر العلاقات الروسية-الخليجية، نتيجة تعميق العلاقة الروسية الإيرانية. وفي ما يخص العلاقة مع إسرائيل، فإن مواقف تل أبيب المتماهية مع الموقف الغربي في الحرب الأوكرانية، أبعدتها عن موسكو".
يُطلق الإيرانيون على أي اتفاق غير متكافئ، اتفاقية كلستان، في إشارة إلى الاتفاقية التي أنهت حرب عام 1804-1813 مع روسيا، والتي تم تثقيل بنودها في اتفاقية تركمنشاي، فما هي التنازلات التي قدمتها طهران لموسكو؟
ويعّبر اليوسف في حديثه إلى رصيف22، عن اعتقاده بأن "الشراكة الدفاعية بين روسيا وإيران، أصبحت واقعاً ملموساً، بعد أن بات معروفاً أن إيران تزوّد موسكو بالمسيّرات. وفي المقابل، يتكشف يوماً بعد يوم، أن روسيا بصدد تزويد إيران بالتكنولوجيا الخاصة بصناعة الطائرات من الجيل الخامس، ومن ضمنها SU35. وهذا يعني أن الشراكة الدفاعية أصبحت حقيقةً واقعةً، ونحن على بعد بضعة أسابيع من اتفاقية واسعة يجري إعدادها منذ أكثر من سنتين، سترفع العلاقات بين الجانبين إلى مستوى إستراتيجي رفيع".
خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إلى موسكو مطلع عام 2022، صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، بأنّ "صياغة وثيقة التعاون التي تبلغ مدتها 20 عاماً مع روسيا أوشكت أن تنتهي"، وأنّها ستكون مماثلةً لـ"وثيقة التعاون الإيرانية الصينية التي تبلغ مدتها 25 عاماً"، إلا أن الجانب الروسي لم يوقّع على الوثيقة حتى اليوم.
وكان البلدان قد وقّعا، لأول مرة، في 12 آذار/ مارس 2001، على اتفاقية عنوانها "قانون الاتفاقية الأساسية للعلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين جمهورية إيران الإسلامية والاتحاد الروسي"، ولمدة 10 سنوات، وإذا لم يقم أي من الطرفين بإخطار الطرف الآخر كتابياً بنيته إنهاء الاتفاقية قبل عام واحد على الأقل من انتهاء سريانها، فسيتم تمديدها تلقائياً لمدة 5 سنوات.
وتضم الاتفاقية مقدمةً و21 مادةً، وتنص المادة السادسة منها، على أن "يتعاون الطرفان بهدف توسيع علاقات طويلة الأمد لتنفيذ مشاريع مشتركة في مجالي النقل والطاقة (بما فيها الطاقة النووية)، بما في ذلك الاستخدام السلمي للطاقة النووية وبناء محطات الطاقة النووية والصناعات والعلوم والتكنولوجيا والزراعة والصحة العامة".
المسيّرات ومحاذيرها
في حواره مع صحيفة انتخاب، لمّح نعمت الله إزدي، آخر سفير إيراني لدى الاتحاد السوفياتي، إلى إمكانية وجود لعبة روسية ورّطت فيها إيران (الطائرات المسيّرة)، للحصول على تنازلات من طهران والغرب في ما يتعلق بالقضايا والأحداث التي تجري في أوكرانيا.
ويؤيده في ذلك، الدبلوماسي الإيراني السابق، جاويد قربان أوغلو، بقوله إن "روسيا، بتصميم ذكي، جرّت أقدامنا إلى حرب أوكرانيا. فاحتياج ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم إلى مساعدة إيران في تغيير مسار الحرب، فكرة فجة بعيدة عن الواقع"، مشيراً إلى أن "دخول إيران في حرب أوكرانيا، كان سيناريو موسكو لتحديد مصير إيران والمفاوضات النووية واستكمال حلقة النظر إلى الشرق في سياسة إيران الخارجية".
وقع البلدان لأول مرة، في 12 آذار/ مارس 2001، اتفاقاً للعلاقات المتبادلة والتعاون في مجالات عدة ولمدة 10 سنوات
في هذا السياق، ينبّه المحلل السياسي والباحث في جامعة الصداقة بين الشعوب، ومقرّها موسكو، ديمتري بريجع، إلى حاجة روسيا إلى الخبرة الإيرانية في مجال التهرب من العقوبات الدولية، وهي ركيزة تقريب بين الجانبين، مشيراً إلى "خلاف الدولتين في الرؤية والمنهج، إذ تهتم السياسة الروسية بما يمكن تسميته بالعالم الروسي، أي الدفاع عن كل شيء روسي. أما السياسة الإيرانية، فتقوم على الاهتمام بما هو فارسي وشيعي. ما يدعو للتساؤل: هل إيران دولة إسلامية أم دولة فارسية؟".
ويقول بريجع في حديثه إلى رصيف22: "تساعد روسيا إيران عسكرياً، ضمن اتفاقيات وُقّعت حديثاً، وهناك تطوير عسكري مشترك بين الدولة الروسية والإيرانية وقد يستمر هذا التعاون، وقد يزداد بسبب التهديدات الخارجية، لكن هناك رؤيةً مختلفةً للعالم لدى الطرفين، وهذه الرؤية تقف حاجزاً بينهما. صحيح أن الضغوط الخارجية تزيد التقارب بينهما، إلا أن هذا التقارب قد يكون مؤقتاً، وقد يدوم، إذا ما استمر الوضع الجيوسياسي كما هو عليه الآن".
وبرأيه، فإن "غياب التنافس بين الدولتين حالياً، لا يعني أنه لن يحدث مجدداً، كما حدث زمن الإمبراطورية الروسية مع الممالك التي حكمت بلاد فارس. وقد يعود هذا التنافس مجدداً في منطقة القوقاز مستقبلاً".
وبحسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، اعتبر حسين علائي، القائد السابق في بحرية الحرس الثوري، أن "موسكو سعت إلى جرّ طهران إلى الحرب منذ البداية، من أجل جعل السياسة الخارجية الإيرانية "رهينةً" والتخفيف من عزلتها. وبالتشارك مع الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، اتّهم علائي، روسيا، بتعمد تسريب تفاصيل شحنة الطائرات المسيّرة لوسائل الإعلام. ما يذكّر بتفاخر موسكو عام 2016، بالترتيبات التي سمحت بموجبه طهران سرّاً للقاذفات الروسية باستخدام قاعدة جوية إيرانية لضرب أهداف في سوريا، مما أثار السخط العام في إيران، وأدى إلى انتقاد موسكو من قبل طهران، وإلغاء الاتفاق مع موسكو، بعد أيام من ولادته".
أرضية يُبنى عليها
تتلخص ركائز أي علاقة إستراتيجية بين بلدين، بانعدام الصراع، والثقة، والشفافية في العلاقات، والعلاقات طويلة الأجل، والتعاون الاقتصادي والسياسي المتشابك، والتهديدات والشواغل الأمنية المشتركة، وأولويات السياسة المشتركة، كما تُعدّ الخلفية التاريخية مكوّناً أساسياً لبنائها، بحسب صحيفة فرارو الإيرانية.
ويضيف تقرير الصحيفة: "بالنظر إلى الذاكرة الإيرانية حيال روسيا، فهي مظلمة ومتشائمة. وفي ما يخص التقارب والتعاون العميق، فالأمر مشكوك فيه، نظراً إلى الموافقات الروسية على عدد من قرارات مجلس الأمن ضد إيران. وفي سوريا تتباين مواقفهما، برغم دعمهما المشترك لنظام الأسد، بالإضافة إلى إفساح موسكو المجال لإسرائيل لاستهداف إيران".
يبلغ حجم التجارة بين طهران وموسكو، 4 مليارات دولار، وذلك لا يشكل حافزاً لتوسيع التحالف. كما أن الاقتصادين، الإيراني والروسي المعتمدين على صادرات الطاقة، يقومان على التنافس بدل التكامل، فكيف ستتعاونان؟
وتتعارض الدولتان في أولوياتهما، فالسياسة الخارجية الروسية ترتكز بشكل أكبر على أوروبا الشرقية والبلقان وآسيا الوسطى، مع مواجهة نفوذ الناتو، فيما يشكل الشرق الأوسط أولوية السياسة الخارجية الإيرانية.
ويشير بريجع، إلى عودة روسيا إلى الشرق الأوسط، من خلال علاقات التعاون مع دوله، لا سيما دول الخليج العربي، بعد فشل الولايات المتحدة في المنطقة العربية.
وفي تطور لافت، فتحت الإمارات العربية المتحدة أبوابها لرجال الأعمال الروس، ما يساعد الكرملين على تخطّي العقوبات الاقتصادية الغربية، والهادفة إلى تغيير موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الملف الأوكراني، مع إضعاف قدرات الآلة العسكرية الروسية هناك. وهو ما باء بالفشل، بالإضافة إلى فشل الجهود الغربية في وقف التمدد الروسي في الشرق الأوسط.
وتقول فرارو في تقريرها: "بالنظر إلى حجم التجارة بين طهران وموسكو، 4 مليارات دولار، فإن ذلك لا يشكل حافزاً لتوسيع التحالف. كما أن الاقتصادين، الإيراني والروسي المعتمدين على صادرات الطاقة، يقومان على التنافس بدل التكامل. وعليه، استخدام مصطلح الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، أمر مبالغ فيه، ناهيك عن التحالف الإستراتيجي، في ظل غياب الإمكانات اللازمة للعلاقات الإستراتيجية".
في عام 2000، أخطرت روسيا الولايات المتحدة رسمياً بانسحابها من المذكرة المتعلقة بوقف التعاون مع إيران، مستأنفةً تنفيذ اتفاقياتها السابقة مع طهران. كما قامت موسكو بتوجيه شركة "روس أبارون إكسبورت"، للتفاوض مع إيران بشأن إمكانية توفير إمدادات عسكرية جديدة.
ويحظر قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1020 الصادر في التاسع من حزيران/ يونيو 2010، إمداد إيران بأي دبابات قتالية أو مركبات قتالية مصفحة أو أنظمة مدفعية من العيار الثقيل أو طائرات مقاتلة أو طائرات هليكوبتر قتالية أو سفن حربية أو صواريخ أو أنظمة صواريخ، باستثناء "إس-300" (S-300).
"على مرّ التاريخ، كانت هناك حالة من عدم الثقة وحتى العداء بين الإمبراطوريتين الروسية والإيرانية. الروس لا يثقون بالإيرانيين، وهذا أمر مسلّم به، لكن من الناحية السياسية والبراغماتية، كانت هناك خطوات كبيرة اتُّخذت على مدى العقدين الماضيين، تحديداً بعد وصل بوتين إلى السلطة وإستراتيجيته القائمة على استعادة المجد الروسي"، بحسب الصحافي والباحث الأهوازي، رحيم حميد.
في عام 2000، أخطرت روسيا الولايات المتحدة رسمياً بانسحابها من المذكرة المتعلقة بوقف التعاون مع إيران، مستأنفةً تنفيذ اتفاقياتها السابقة مع طهران
ويقول في حديثه إلى رصيف22: "هناك العديد من الملفات التي تتشارك فيها كل من روسيا وإيران، ومنها ملفات خلافية، مثل اقتسام موارد بحر قزوين، ومنها ما هي توافقية أو توافقية مع بعض التباينات، كالاتفاق النووي والملف السوري".
ويشرح: "لدى روسيا وإيران موقف موحد تقريباً حول الاتفاق النووي. تقف روسيا إلى جانب إيران، على عكس أوروبا التي اختارت موقف الحياد، وهو مختلف عن الموقف الأمريكي. وفي سوريا، دعم الجانبان نظام الأسد، لكن كانت لهما خلافاتهما التي وصلت إلى اشتباكات عسكرية في بعض الأحيان بين الميليشيات المتحالفة مع كل جانب. ولكن بشكل عام، هناك تعاون عميق وقوي بين روسيا وإيران في سوريا، محدود ومحدود، بسبب الموقف تجاه الضربات الإسرائيلية ضد مواقع الميليشيات المدعومة من إيران".
ينطلق حميد، في قراءته لأفق روسيا وإيران في المنطقة، بالإشارة إلى أنه "لدى تركيا ودول الخليج، بشكل عام، علاقات قوية مع الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل، وهذا يجعل روسيا تنظر إليهم بحذر، بالنظر إلى إيران ذات الغالبية الشيعية، والتي يحكمها نظام ديني ذو مخططات إقليمية واسعة تهدف إلى تعزيز التشيع، وتعمل على تقويض دول الخليج السنية، وتقدّم نفسها كخصم لتركيا السنّية، وتالياً كل هذا يجعل طهران وموسكو أقرب، مما يبقي تركيا والخليج في وضع حرج".
أما في ما يتعلق بإسرائيل، فيقول إنه "منذ قيام الجمهورية الإسلامية في عام 1979، كان العداء لإسرائيل من ركائز الأجندة السياسية الإيرانية ومن ركائز التعبئة الأيديولوجية والسياسية، وموقف إسرائيل من الحرب في أوكرانيا، قرّبها من الغرب وأبعدها عن روسيا. وعليه، فإن لدى إيران وروسيا قواسم مشتركةً أكثر من كل منهما مع الغرب أو تركيا أو إسرائيل".
تفكيك الشراكة
يُقرّ خبير العلاقات الدولية والبرلماني العراقي السابق، الدكتور عمر عبد الستار، بولادة شراكة إستراتيجية بين موسكو وطهران، ويستطرد بعدها في الحديث عن بلورة موقف غربي لضرب هذه الشراكة، "فواشنطن ومن خلفها شركاؤها الأطلسيون والإقليميون، معنيون بتفكيك الشراكة الروسية-الإيرانية، باستهداف حلقتها الأضعف، إيران، قبل وصول طائرات الـSU35 و S400، إليها".
ويضيف عبد الستار، في حديثه إلى رصيف22: "تصفية قاسم سليماني تصبّ في خانة استهداف الحرس الثوري الإيراني بالمجمل، والعمل على إنهائه. كذلك تصفية محسن فخري زاده، هي تصفية للمشروع النووي الإيراني. وبالربط بين حديث الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن موت الاتفاق النووي، وتغريدة حمد بن جاسم بن جبر، رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية السابق، يمكننا التكهن بعمل عسكري وشيك يستهدف المشروع النووي الإيراني. هذا العمل العسكري ستقدم عليه إسرائيل مدعومة بتحالف الناتو مع دول إقليمية، وقد يكون أوانه بين آذار/ مارس وحزيران/ يونيو، قبل وصول الأسلحة الإستراتيجية الروسية إلى إيران".
وكان حمد بن جاسم، قد غرّد على موقع تويتر، في 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قائلاً إن "الاتفاق المرتقب بين إيران والدول الغربية حول نشاطها النووي سيكون فرصةً مهمةً لخفض التوتر في المنطقة، خاصةً أن أي عمل عسكري سيؤثر بشكل مباشر على دول المنطقة ولن يخدم مصالحنا على الأمد القريب والبعيد".
بحسب حميد، فإن التعاون المتزايد بين روسيا وإيران هو رد مباشر على الموقف الموحد للمجتمع الدولي ضد كلا النظامين، المشتركين في عدائهما للغرب، بدعوى أنهما يقفان في وجه النظام الاحتكاري الذي تقوده الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن تقدّم العلاقات الإيرانية الروسية يعتمد على قدرة طهران أو فشلها في إقامة علاقات أقوى مع الغرب، والتوصل إلى تسوية معها في الملف النووي.
ويضيف: "مع استمرار الوضع الراهن -خاصةً في ما يتعلق بالاتفاق النووي والحرب في أوكرانيا- ستزداد قوة العلاقات الروسية الإيرانية. ومع ذلك، فإن لهذه العلاقات حدودها. العلاقة قوية الآن وقد تكون أقوى في المستقبل في حال فشل إيران في إصلاح علاقاتها ومشكلاتها مع الدول الغربية. ولكن إذا تم إصلاح هذه المشكلات، وفي مقدمتها الاتفاق النووي، فعلاقاتها مع روسيا لن تكون قويةً أو إستراتيجيةً كما هي الآن أو على المدى القريب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...