شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل المشترك اليمني في آراب أيدول هو #فرحة_وطن حقاً؟

هل المشترك اليمني في آراب أيدول هو #فرحة_وطن حقاً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 22 فبراير 201706:04 م

يطلّ المتسابق اليمني عمار العزكي كل أسبوع في حلقات برنامج Arab Idol الغنائي على شاشة قناة MBC، من دون أن ينسى إظهار اللمسة اليمنية التي تميّزه عن سائر المتسابقين والمتسابقات. 

منذ بداية مشاركته في البرنامج، الذي انطلق موسمه الرابع في نوفمبر الماضي، يتفنن عمار في عرض أثره اليمني الذي يتجسد إما في تركيزه على أغانٍ يمنية أو من خلال اللباس اليمني، أو الاثنين معاً. كأنه يبعث برسالة أنه هنا ليس لمجرد الغناء فقط، إنما أيضاً ليمثل بلاده. 

 بل أكثر من ذلك، مع كل حلقة تتنامى ثقة عمار بنفسه، فقاعدة محبيه في تزايد مع كل أسبوع يمر من عمر البرنامج، وهو تأهل إلى المرحلة النهائية، لينافس زميليه يعقوب شاهين وأمير دندن من فلسطين على اللقب للموسم الرابع.

علماً أن النتيجة النهائية تتحدد خلال أيام، احتمال فوز عمار عالٍ. الشاب البالغ من العمر 27 عاماً، أحد أبناء محافظة المحويت، الواقعة شمال اليمن، أصبح نجماً في اليمن، حتى لو لم ينل اللقب، فصوره واللافتات الداعية للتّصويت له في السباق الغنائي، تملأ شوارع العاصمة صنعاء.

يبدو هذا النجم اليمني كأنه خرج من وسط الظلام والمعاناة، ليصبح أحد أسباب بهجة اليمنيين، الذين لخّصوها بنشر هاشتاغ #فرحة_وطن.

 هل تعيش اليمن حقاً #فرحة_وطن في رؤية ممثل لها في Arab Idol؟

ما تعيشه اليمن منذ بداية الحرب الأهلية نهاية 2014، ثم بداية حرب التحالف السعودي على جماعة الحوثيين في 2015، بعيد كل البعد عن أي فرحة. ستدخل الحرب عامها الثالث، وآلاف اليمنيين لقوا مصرعهم أو اُصيبوا، وبات الملايين بلا غذاء، ولا دواء، ولا منزل، ولا تعليم، يعانون من النزوح، والحصار، من دون أن تبرز أي مساعدة إنسانية لهذا الشعب في خضم الصراع الدائر في البلاد. فهل هناك فعلاً متسع للفرح؟ وماذا لو فاز عمار باللقب؟ وما الذي يعنيه ذلك لليمن المنكوبة؟

رغم أن عمار كان يقيم في الإمارات قبل مشاركته في البرنامج، إلا أنه لم ينجُ تماماً من لهيب الحرب في اليمن. يغني وهو يفكر بزوجته وأطفاله في اليمن، المهددين بالقصف في أي وقت. ومن ذلك، تجنب التجييش لأيّ من أطراف الحرب، وكان وما زال حيادياً في تعليقاته عن كل ما يخص الأوضاع في اليمن. وكان يشيد باهتمام اليمنيين به في الداخل والتصويت له، برغم الوضع الاقتصادي المزري.

لكن الأمر لم يرق كل متابعيه، إذ يثير وجود عمار في برنامج آراب أيدول وجهاً آخر للاستقطاب الحاد، الذي هو سيد الحالة اليمنية. فنجد قلة اهتمام من اليمنيين الجنوبيين، كأن عمار لا يمثل إلا شمال اليمن، لتتضح آثار الانقسام المناطقي جراء الحرب، وانعكاسها حتى على المساحات الفنية.

كان الإعلام المحلي ووسائل التواصل الاجتماعي مرآة ذلك الانقسام، فهناك من يصوت لعمار بدافع الاحتجاج على الحرب، حتى لو لم يكن من المعجبين بصوته، وهناك من يرى أن في اليمن أولويات أهم من الفن والتصويت لمشترك في برنامج غنائي.

عموماً، وسط كل ما يدور في اليمن، يعيش اليمنيون حالة عزاء دائمة، تبدو بلا بداية ولا نهاية، ومعها تنحسر مساحات الفرح المتاحة لهم. ليس بالضرورة أن يكون الغناء هنا وسيلة مقاومة، فعمار ارتأى أن يجعل بينه وبين الموقف السياسي مسافة كبيرة، لكنه أيضاً ليس حيادياً تماماً، إذ يبدو أنه لا يرغب فقط بالغناء، إنما كذلك في التأكيد على هويته اليمنية من خلال الملابس والأغاني. وفي ذلك إشارة إلى الرغبة في مقاومة كل من يحاول محو تلك الثقافة.

يعي اليمنيون جيداً أن الحرب لا تتسبب فقط بالخسائر البشرية، إنما أيضاً بخسائر مجتمعية وثقافية جمّة.

اتجه عمار إلى الغناء بعدما كان منشداً، وكانت تجربته الأولى في آراب أيدول. فهو فاز عام 2006 بلقب منشد الشارقة في موسمه الأول، ثم عمل مطرباً في القرية العالمية في مدينة دبي، ثم تقدم للمشاركة في البرنامج، لتستمر مسيرته الفنية ناجحة وواعدة. 

يبقى عمار خير ممثل لليمن في هذه المسابقة، لكن اختزال فرحة اليمن فيه مجحف في حقه، وإلقاء مسؤولية تحقيقها على عاتقه، هو مسؤولية كبيرة قد لا يتمكن من تحقيقها وحيداً. في وقت لا يزال اليمنيون يخوضون صراعاتهم، وبلادهم تتفتت على مرأى منهم ومن العالم.

يشكّل عمار فرحة للناس بإنجازه الفني هذا، ومن خلال إصراره على الاستمرار في الطريق الذي اختاره. ولا نستهين أيضاً بتجربة منشد ديني، يسلك طريقه إلى المجال الغنائي، المختلف تماماً عن الإنشاد الديني. عمار مثال حيّ على أن الحياة مستمرة برغم الحرب.

 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image