"اسمي رغد، عمري 17 سنة. كان ابن جيراننا يراقبني دوماً. متى أدخل ومتى أخرج.
لم أعطِ لموضوع مراقبته لي أهمية. فهو ابن جيراننا، أي 'منّا وفينا'.
ذات يوم، كان ينتظرني خارج المعهد الذي عرف مكانه من مراقبته لي، وراح يناديني بصوت عالٍ. سألته: ما بك؟ قال إنه يريد أن يُوصلني إلى المنزل. خجلت من رفض عرضه. قبلت. لاحظت آنذاك أن الطريق غريب. هذا ليس طريق منزلنا. المنزل ليس من هنا. قال لي: 'من هنا. ماذا بك؟'.
خفت. بدأت بالصراخ. خفت كثيراً. ثم أوقف السيارة وقال: لماذا تصرخين؟ انزلي من السيارة. قلت: أين؟ هذا ليس منزلنا.
صرخ ثم نزل. كنت رافضة أن أنزل. نادى اثنين من رفاقه، قال: 'أنور ومحمد تعالوا. شوفوا مين جبت'.
كنت أصرخ وأبكي. المكان مخيف وبعيد عن منزلنا. سحبني الثلاثة، وأنا أبكي، وأدخلوني غرفة ثم نزعوا ملابسي".
تعود هذه الكلمات إلى الشابة اليمنية رغد (17 عاماً) التي زعمت أنها تعرّضت للاغتصاب في 15 أيار/مايو الجاري. وروت ما حدث لها في 10 مقاطع فيديو قصيرة تضمنت صوتها فحسب عبر حساب أنشأته على انستغرام باسم "Pacoione"، يُتابعه حالياً نحو تسعة آلاف شخص.
وعلّقت على سلسلة فيديوهاتها: "أنا بنت عمري 17 سنة. اغتصبوني ثلاثة شباب وأبي (أريد) أفضحهم. هل التشهير بهم جريمة؟ وهل الانتحار من العذاب هذا غلط؟ لأني أفكر أنتحر وأفك نفسي (أتخلص) من العذاب"، لافتةً إلى أن مغتصبيها الذين صوّروا الواقعة يبتزونها ويهددونها بنشر الصور.
من التعليقات التي تلقتها: "ما دامك في اليمن، افقدي الأمل". ردّت: "عارفة هالشيء وفاقدة الأمل من زمان".
بعدما انتقلت قصتها إلى تويتر، وأطلق ناشطون هاشتاغ #كلنا_معك_يا_رغد، وهو من أكثر الهاشتاغات تداولاً في السعودية للمطالبة بمحاسبة مغتصبيها، تعرضت رغد لحملة تُكّذب روايتها. من التعليقات التي تصب في هذه الخانة: "لهجتها سعودية وليست يمنية" (وهو ما دفع برغد لتوضّح أنها كانت تعيش في السعودية قبل أن تعود إلى اليمن)، و"كل من يريد الشهرة، يُهدد بالانتحار"، و"مجرد ممثلة". وما زاد من شكوك متابعين هو "تلفيق حكاية" أنها لا تريد أن تتحدث عن القصة في بث مباشر إلا بعد زيادة عدد المتابعين على حسابها.
وقالت مغردة: "واجب علينا إنسانياً الوقوف معاها حتى إن لم نعرف صحة الموضوع. أنتِ بوقفتك معها ما بتخسرين شي أبداً. ولو طلع الموضوع كذب، بيعدي، لكن لو طلع صدق والبنت متأذية، ما بيحاسبك ضميرك على تكذيبها؟ الاغتصاب جريمة".
ولفتت مغردة أخرى إلى أن من تريد الشهرة لا تطلبها من خلال حادثة مؤلمة.
وأشار مغردون إلى أنه كان من الأجدر برغد أن تُخبر الشرطة بما حصل، بدلاً من الظهور على مواقع التواصل. وهذا ما دفع بأخرين إلى التوضيح: "صعبة تروح للشرطة دون ما تخبر أهلها، وإذا أخبرتهم ذبحوها". ففي بعض المجتمعات، لا تزال ضحية الاغتصاب "مذنبة"، وترافقها وصمة عار.
"حينما أتجرأ كامرأة تعرضت للاغتصاب على الحديث عن الموضوع، لا يحق لأحد أن يقول إنني أفعل ذلك لأحصل على شهرة"... جدل بشأن حادثة اغتصاب فتاة بين متعاطف مع ضحية "أسوأ تجربة على الإطلاق" ومن يدعي فبركة الحكاية
"الخوف من ردة فعل الأهل أساس الابتزاز"
تلقت رغد سيلاً من الرسائل التضامنية برغم حملة التكذيب. قالت ناشطة: "رغد واحدة من عربيات كثيرات تعرضن لمثل ما تعرضت له من اغتصاب وابتزاز، ولكن في مجتمع القهر والقمع لا يمكنهن الحديث عن تجاربهن ومشكلاتهن خوفاً من القتل، فلولا خوف الضحية من أهلها لما استطاع المبتز ابتزازها. الخوف من ردة فعل الأهل أساس الابتزاز".
وغرّدت أخرى: "مجتمع قذر، تكذبوا البنت وهي مغتَصَبة على أساس هذا الشيء جديد في مجتمعنا عشان ما تصدقوا بنت بهذا العمر؟ وصلتوا إلى المرحلة الأخيرة من التشويه والفساد!".
لا يحق لأحد أن يكذبني
تعليقاً على حملة التكذيب، قالت لرصيف22 علياء عواضة الناشطة النسوية والمؤسِسة المشاركة لمنظمة Female المدافعة عن حقوق النساء ومناهضة العنف ضدهنّ: "نعرف جيداً أن في مجتمعاتنا قمعاً للنساء. وحين تخرج سيدة على مواقع التواصل للتحدث، تسعى إلى حماية غيرها من النساء، كما أنها تطلب الدعم".
وتابعت: "حين أتحدث عن قضية ما على مواقع التواصل الاجتماعي، أريد الدعم الذي لم أنلْه من الجار أو من المجتمع الصغير. لذلك أحاول تلقيه من النساء على مواقع التواصل".
ولفتت إلى أن تجربة الاغتصاب سيئة جداً، وقد تكون من أسوأ التجارب التي قد تتعرض لها النساء. قالت: "حين أتجرأ كامرأة تعرضت للاغتصاب على الحديث عن الموضوع، لا يحق لأحد أن يقول إنني أفعل ذلك لأحصل على شهرة. لا. أنا أتحدث لأنني أريد التضامن. أريد أن ينال المجرم عقابه. أريد التعبير على مواقع التواصل لأنني لا أستطيع التعبير في الحياة العادية".
وتابعت أن موضوع الاغتصاب "أكبر من أن تتحدث عنه المرأة من أجل الشهرة"، موضحة أنه نابع من الرغبة في الحديث، والحصول على تضامن ودعم، ومشيرة إلى أنه من الضروري أن تتحدث النساء عن تجاربهن لإظهار المعاناة والقمع في جو ذكوري فاقع.
وأضافت: "نعرف جيداً أن المجتمع الأبوي يخاف من مواقع التواصل، ويحاول أن يجعلها مساحات غير آمنة للمرأة كي يمنعها من الحديث. هذا المجتمع بأنظمته الأمنية والاجتماعية يخاف من كلام النساء على مواقع التواصل، ولذلك تتم مواجهته بحملات واعتقالات لمنعهن من الحديث ومشاركة التجربة والتضامن".
"رغد واحدة من كثيرات لا يمكنهن في مجتمع القهر والقمع الحديث عن تجاربهن خوفاً من القتل. فلولا خوف الضحية من أهلها لما استطاع المبتز ابتزازها. الخوف من ردة فعل الأهل أساس الابتزاز"... تفاصيل حكاية الشابة اليمنية التي تصدّرت مواقع التواصل
المتنفس الوحيد للنساء
وشددت عواضة على أن "الفضاء الإلكتروني مساحة مهمة جداً للنساء من أجل التعبير عن أنفسهنّ في ظل القمع اليومي الذي يتعرضن له في الواقع".
وأكدت أن هذه المساحات هي المتنفس الوحيد لبعض الناشطات والنساء والفتيات لأن هنالك أنظمة تقمع كل ما يتعلق بحقوق النساء والحريات الفردية. وأضافت: "لذلك من المهم أن تكون هذه المساحات آمنة لتتمكن المرأة من التعبير بالطريقة التي تراها مناسبة".
وختمت عواضة: "مساحات مواقع التواصل تنشر التضامن بين النساء بغض النظر عن البلدان التي يقمن فيها"، معتبرةً إياها "مكاناً ممتازاً لنتضامن ونرفع صوتنا دفاعاً عن القضايا التي تتعلق بنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...