شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مدّعي عام التمييز بعد الطائف... حاكم السلطة

مدّعي عام التمييز بعد الطائف... حاكم السلطة "المطلق" وحاميها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

السبت 28 يناير 202304:42 م
Read in English:

Lebanon’s Public Prosecutor: The absolute ruler and enabler of the system

يتنقل مدّعي عام التمييز اللبناني غسان عويدات، بين أروقة قصر العدل في بيروت، برفقة حراسة مشددة مؤلفة من عددٍ كبير من العناصر الأمنية المدججة بالسلاح، حيث نواب معارضون يلتقون وزير العدل هنري خوري ويطالبونه بإقالته، وفي الخارج، تظاهرة وقمع ومحاولة لاقتحام قصر العدل، من قبل أهالي ضحايا تفجير الرابع من آب/ أغسطس 2020، وناشطين معارضين. هنا أيضاً المطلب هو إقالة مدّعي عام التمييز بسبب ما يرونه "انقلابه على القانون".

ماذا فعل غسان عويدات؟ بعد نحو السنة من توقف التحقيق في انفجار المرفأ، بسبب دعوى ردّ قدّمها بعض المطلوبين والمتهمين في وجه المحقق العدلي في القضية القاضي طارق البيطار، وبسبب تعطيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز المخولة أخذ القرار بدعاوى الردّ هذه لإعادة إطلاق التحقيق، وذلك بدعاوى مخاصمة قدّمها أيضاً بعض المطلوبين والمتهمين بحق قضاة الهيئة، قرر القاضي البيطار العودة إلى التحقيق مستنداً إلى مطالعة قانونية تعدّ أن المحقق العدلي لا يمكن ردّه.

أول قرارات البيطار كان الادّعاء على غسان عويدات نظراً إلى دوره في قضية انفجار المرفأ، فما كان من الأخير إلا أن ادّعى على البيطار بجرم "اغتصاب السلطة"، وأصدر قراراً بمنع سفره وأطلق سراح جميع الموقوفين في القضية.

"انقلاب عويدات"

المحامي نزار صاغية، المدير التنفيذي "للمفكرة القانونية" وأحد مؤسسي "ائتلاف استقلال القضاء في لبنان"، يرى في حديثه إلى رصيف22، أن ما حصل هو "انقلاب كامل". يقول: "لعب عويدات الدور وكأنه مجروح شخصياً، ولكن النتيجة كانت تنفيذ المطلوب سياسياً، إذ كان المطلوب من القاضي الرديف الذي حاولت السلطة السياسية تعيينه لتنفيذ أهدافها بدلاً من البيطار، ونفذه هو من خلال إطلاق سراح الموقوفين في القضية، وأصدر قراراته على الرغم من الادعاء عليه في ملف المرفأ، متجاوزاً تنحّيه عن الملف".

ادّعى عويدات على البيطار بجرم "اغتصاب السلطة"، وأصدر قراراً بمنع سفره وأطلق سراح جميع الموقوفين في القضية

ويشرح صاغية: "قرر عويدات العودة عن تنحّيه الملزم بحسب قانون أصول المحاكمات المدنية، نظراً إلى علاقته بالملف وصلة القرابة التي تجمعه بالوزير السابق المدّعى عليه غازي زعيتر. وبهذا يختلف وضعه عن وضع القاضي البيطار، إذ إن الأخير لم تأخذ المحكمة أي قرار بحقه في موضوع رده عن القضية، بينما أخذت محكمة التمييز قراراً بقبول تنحّي عويدات، وتالياً هناك قرار قضائي يمنعه من العودة إلى الملف، ولكنه عاد وكسر القرار القضائي".

ويضيف: "أخذ صلاحيات ليست له، وأخرج الموقوفين أو بالأحرى هرّبهم معتمداً السطوة السياسية على الأجهزة الأمنية، وهذا يُعدّ جرماً في القانون الجزائي، ثم ادّعى على القاضي الذي ينظر في قضيته".

يسأل صاغية انطلاقاً من أن التدخل في القضاء، جريمة تصل عقوبتها إلى ثلاثة سنوات: "كيف إذا ادّعى المطلوب على القاضي الذي يحقق في قضيته؟"، ليجيب: "هذا يُعدّ من أكبر الجرائم في حق القضاء، وهو من أكبر عمليات الإكراه في حق قاضٍ. ومن هنا نرى أنه منقلب على القانون وعلى القضاء".

موقف صاغية من تصرّف عويدات، يتقاطع مع مواقف أخرى كان لها صدى في الشارع اللبناني. فقد اجتمع نحو أربعين نائباً، عدّوا ما حصل "انقلاباً مدمِّراً، بدأ، بضربته الأولى، باغتيال العدالة في مقتلة بيروت التاريخية، بقرارات ووسائل فاقدة للشرعية، وسريالية، في وجه العدالة والحق"، مطالبين بالمحاسبة الفورية لمدّعي عام التمييز.

من جهته، رأى نادي قضاة لبنان، المؤلف من عدد من القضاة المستقلين، أن ردة فعل عويدات "جاءت خارجةً عن الضوابط والأصول بشكل صارخ يهدم أساسات العدالة والقانون"، داعياً "كل مَن ارتضى ألا يتصرف كقاضٍ ورهن نفسه لخدمة السلطة السياسية واللا عدالة، إلى أن يبادر إلى الاستقالة تمهيداً للمحاسبة والمساءلة لأنه لم يعد يشبهنا وساهم في ضرب هيبة القضاء ودولة القانون والمؤسسات".

كذلك، رأت "نقابة المحامين في بيروت"، أنه لا يجوز للنائب العام التمييزي المتنحي أصلاً، والمقبول تنحّيه أصولاً، أن يتخذ أي قرار أو إجراء في الملف، ما يشكّل تجاوزاً للصلاحيات وخرقاً للقانون، ويقتضي منه احترام الأصول القانونية والرجوع عن قراراته التي تحمل أخطاءً جسيمةً، وترك التحقيق يأخذ مجراه بواسطة المحقق العدلي المعيّن أصولاً".

أما "ائتلاف استقلال القضاء"، الذي يضم منظمات وجمعيات ومجموعات ناشطةً في المجال الحقوقي، فأعلن أنه "لن يألو جهداً لمحاسبة الأشخاص الضالعين في هذا الانقلاب عاجلاً أم آجلاً ضمن معركة المحاسبة الشاملة".

"حراسة" النيترات

سبق لعويدات وللمحامي العام التمييزي غسان خوري، المدّعى عليهما، أن حققا في ملف النيترات قبل وقوع الانفجار. فقد قدم لهما الرائد في أمن الدولة جوزف النداف، العامل في المرفأ، تقريراً أعدّه عن وجود كمية كبيرة من النيترات في العنبر رقم 12، وقد أشار التقرير بشكل واضح إلى "وجود 2،750 طناً من مادة النيترات وهي مادة تُستعمل لتصنيع المتفجرات كونها شديدة الانفجار وسريعة الاشتعال، وأنه بعد استشارة أحد المصادر المختصة بالكيمياء، أكد أنه في حال اشتعالها ستتسبب في انفجار ضخم تكون نتائجه شبه مدمرة لمرفأ بيروت".

حينها، اكتفى عويدات نتيجة التحقيق بطلب تأمين حراسة للعنبر وإقفال الفجوة الموجودة في حائط العنبر رقم 12 واحكام إقفال مداخله، بينما قرر الثاني حفظ التحقيق من دون إزالة خطر المواد.

 لم يأخذ عويدات قراراً بتفريغ العنبر بل بتسكيره، وتالياً إبقاء المادة في المرفأ، فهل أخذ القرار عن جهل أو قلة فهم أو عن إهمال أو لأن أحداً طلب منه هذا الموضوع؟ هذا يفتح مجالاً للتحقيق

برأي صاغية، "كان دور المدّعي العام التمييزي مقلقاً في الموضوع، لأن لديه رأياً مسبقاً حول النيترات، فهو لم يأخذ قراراً بتفريغ العنبر بل بتسكيره، وتالياً إبقاء المادة في المرفأ، فهل أخذ القرار عن جهل أو قلة فهم أو عن إهمال أو لأن أحداً طلب منه هذا الموضوع؟ هذا يفتح مجالاً للتحقيق. من هنا كان يجب أن يتنحى، وكان على الحكومة أن تعيّن مدّعياً عاماً تمييزياً غيره في هذه القضية".

ويستند في رأيه هذا إلى "قانون أصول المحاكمات الجزائية، كي يتمكن المحقق العدلي من أن يقوم بالتحقيق معه مثل أي شخص آخر. لكن لم يحصل هذا الأمر، بل تنحّى وعيّن مدعٍياً عاماً آخر مكانه، هو غسان خوري، الذي كان له دور أيضاً في الملف. وهو لم يتنحَّ مباشرةً، بل انتظر حتى استدعاء قريبه الوزير زعيتر، بعد نحو سنة من الانفجار".

وعن دوره في التحقيق، يشرح صاغية بأنه "طوال فترة التحقيق، امتنعت النيابية العامة عن حضور جلسات الاستجواب في ملف المرفأ، متذرعةً بتنحّي عويدات كما لو أن قضاتها الآخرين غير معنيين بالتحقيق، وسهّلت على المدّعى عليهم مهمة التهرب، وذلك عبر المماطلة في إبداء الرأي بالدفوع الشكلية التي تقدّموا بها لعدم المثول أمام البيطار، وإفساح المجال أمامهم لتقديم دعاوى عرقلة التحقيق. هذا بالإضافة إلى أن رأيه كان دائماً بأنه لا يمكن ملاحقة الوزراء والنواب".

يُكمل في معرض تفنيده لما قام به عويدات: "حين أصدر البيطار مذكرة توقيف في حقّ الوزير السابق علي حسن خليل، أعاقت النيابة العامة تنفيذ المذكرة عبر حصر تنفيذها خارج دورة الانعقاد العادي لمجلس النواب، وهي التي كانت تعلم أن المجلس منعقد أساساً بفعل الانتخابات النيابية. بالإضافة إلى ذلك، كان ينتهج سياسةً أكثر تساهلاً ولم يقُم بأي جهد لتكوين الملف أو لتطويره. دائماً كان المحقق العدلي هو من يقوم بكل الجهد والنيابة العامة من يعرقل".

"سوبر مان" العدلية

أداء عويدات في موضوع المحاسبة في ملف المرفأ، ليس منفصلاً عن أدائه كمدّعٍ عام تمييزي ذي صلاحيات واسعة جعلته سيّداً مطلقاً في العدلية، وتالياً في التحقيق في الجرائم وتحريك الدعاوى العامة أو صرف النظر عنها، بحسب ما يشرح صاغية.

منذ أن استلم عويدات منصبه، قام بتوسيع صلاحياته الواسعة أصلاً بحسب القانون، حتى أصبح بإمكاننا تلقيبه بـ’سوبر مان العدلية

يقول: "منذ أن استلم منصبه، قام بتوسيع صلاحياته الواسعة أصلاً بحسب القانون، حتى أصبح بإمكاننا تلقيبه بـ’سوبر مان العدلية’. فقد وسّع صلاحياته في مجال الرقابة المسبقة على عمل المدّعين العامين الذين يتبعون إدارياً لسلطته. فأصدر قراراً في أيلول/ سبتمبر 2019، يلزم فيه المدّعين العامين بإعلامه بقضايا الشأن العام وقضايا الفساد التي تتعلق بالإدارات العامة التي يحققون فيها، عادّاً أنها من الجرائم الخطيرة التي يجب أن يعملوا وفق توجيهاته بشأنها، عملاً بالمادة 16 من قانون أصول المحاكمات الجزائية".

ويضيف صاغية: "الوجه الثاني لتوسيع التنظيم الهرمي داخل النيابات العامة، تمثّل في تحوّل النيابة العامة التمييزية من سلطة إشراف توجيهية ورقابية إلى سلطة تدخّل مباشر، فذهب في بعض الحالات إلى مصادرة صلاحيات النيابات العامة التابعة له، عبر فرض حصول جميع مراسلات النيابات العامة من خلاله وبواسطته".

وهناك الكثير من المحطات التي اعتمد فيها المدّعي العام التمييزي على "هرمية مخيفة ليضبط كل عمل النيابة العامة"، يُفنّدها المدير التنفيذي للمفكرة القانونية، ويقول: "عندما قرّر القاضي جان طنّوس مداهمة ستة مصارف للحصول على داتا تحويلات شقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة، تدخّل غسان عويدات لوقف العملية في كانون الثاني/ يناير 2022. وفي بداية الأزمة المصرفية في آذار/ مارس 2020، جمّد عويدات قراراً قضائياً يقضي بتجميد أصول 21 مصرفاً وأصول أصحابها، في سابقة قضائية، وبدلاً من أن يحقق مع أصحاب المصارف، اجتمع بهيئة مكتب جمعية المصارف وعمم محضر الاجتماع الذي أعطى نوعاً من الغطاء لإجراءاتهم".

يضيف: "كذلك ادّعى عويدات على القاضية غادة عون، بعدما طالبت بتطبيق قانون رفع السرية المصرفية لتتبّع حسابات مجموعة من المسؤولين اللبنانيين في الخارج، ومنعها من التواصل مع أيٍّ من قوى الأمن الداخلي، متجاوزاً حدود السلطة المنوطة به بموجب المادة 16 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، إذ ذهب إلى فرض عقوبة فورية على قاضية".

برأيه: "كان مدّعي عام التمييز يستخدم صلاحياته الواسعة والتي سمح لنفسه بأن يوسّعها أكثر، ليكرّس نظام الإفلات من العقاب ولينفذ تالياً أجندة السلطة السياسية".

"سلطان العدلية المطلق"

للغوص أكثر في الصلاحيات الواسعة لمدّعي عام التمييز، تحدثنا مع رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر، المطّلع والمتابع لدور المدّعي العام التمييزي في لبنان. يقول الأسمر: "قانون أصول المحاكمات الجزائية يعطي لمدّعي عام التمييز كل الصلاحيات التي تمكّنه من أن يكون سلطاناً مطلقاً في العدلية".

توسع صلاحيات مدّعي عام التمييز زمن الوصاية إلى حدود قصوى، والأخطر من ذلك هو أن هذا المنصب معيّن من قبل مجلس الوزراء، ما يعني أنه الأداة التي تسيطر من خلالها السلطة السياسية على السلطة القضائية

ومن بين هذه الصلاحيات: "توجيه تعليمات خطية أو شفهية في تسيير دعوى الحق العام، والملاحقات الجزائية التي تتطلب لتحريكها ترخيصاً أو إذناً بالملاحقة من مرجع غير قضائي، وفرض عقوبة تأديبية على أي نائب عام قد يجده مقصّراً في عمله، عبر تنبيهه أو إحالته إلى المجلس التأديبي، ومراقبة أعمال موظفي الضابطة العدلية والتحقق من حسن قيامهم بها، والاطلاع على ملف التحقيق الذي يتولاه أحد قضاة التحقيق والطلب من النائب العام إبداء المطالعة التي تتوافق مع تعاليمه وتوجيهاته، وطلب نقض الأحكام أو القرارات الجزائية، وطلب تعيين المرجع وطلب نقل الدعوى من محكمة إلى أخرى".

يضاف إلى هذه الصلاحيات، بحسب الأسمر: "الادعاء في الجرائم المحالة إلى المجلس العدلي، والادعاء في الجرائم التي يرتكبها القضاة سواء أكانت ناشئةً عن الوظيفة أو خارجةً عنها، وتمثيل النيابة العامة لدى محكمة التمييز الجزائية والمجلس العدلي، وإعداد ملفات استرداد المجرمين وإحالتها على وزير العدل مشفوعةً بتقاريره، ووضع تقرير مفصل يُرفَق بملف المحكوم عليه بالإعدام لدى إحالته إلى لجنة العفو الخاصة".

هذه الصلاحيات، كما يروي الأسمر، "تم تكريسها في زمن النفوذ السوري في لبنان. ففي عام 2001، وبعد أن وضع المجلس النيابي قانوناً جديداً لأصول المحاكمات الجزائية، يرقى إلى حد ما إلى المعايير العالمية التي كانت معتمدةً في حينه لناحية استقلالية القضاء واحترام أدوار المدّعين العامين وحقوق الموقوفين، قام رئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود، وبتنسيق مع مدّعي عام التمييز حينها عدنان عضوم، ومدير عام الأمن العام جميل السيد، والمخابرات السورية، باسترداد القانون وبالطلب من المجلس النيابي إعادة درسه".

تزامن ذلك مع أحداث السابع والتاسع من آب/ أغسطس، التي شهدت اعتقال وقمع عشرات الناشطين ضد "الاحتلال السوري".

هذه الأحداث، بحسب الحقوقي والناشط في مجال حقوق الإنسان، "تمت للضغط على النواب، فبعدها تراجع المجلس النيابي عمّا كان قد أقرّه، وأدخل تعديلات توسع صلاحيات مدّعي عام التمييز إلى حدود قصوى، والأخطر من ذلك هو أن هذا المنصب معيّن من قبل مجلس الوزراء، ما يعني أنه الأداة التي تسيطر من خلالها السلطة السياسية على السلطة القضائية".

"العصا الغليظة للسلطة"

وعن الدور السياسي الذي يلعبه مدّعي عام التمييز، يروي النائب جورج عقيص الذي كان بدوره قاضياً منذ العام 1994، قبل أن يقرر الاستقالة في العام 2010، ويقول إنه "بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية عام 1990، لا يمكن فصل من يعيّن في هذا المركز عن سعيه الدفين إلى الوصول إلى المناصب السياسية. لأن مدّعي عام التمييزي، بعد انتهاء زمن الحرب ودخولنا في زمن النفوذ السوري، أصبح أداةً بيد السلطة السياسية التي كانت تتحكم بها سلطة الوصاية، فكانت الرسائل القضائية والأمنية التي تريد سلطة الوصاية توجيهها، تتم عبر المدّعي العام التمييزي".

بعد الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية، لا يمكن فصل من يعيّن في هذا المركز عن سعيه الدفين إلى الوصول إلى المناصب السياسية

ويشرح أنه "كما أي ضابط من الطائفة المارونية يطمح إلى أن يكون قائداً للجيش، ومن ثم رئيساً للجمهورية، هكذا، فإن كل قاضٍ سنّي يطمح إلى أن يكون مدّعي عام تمييز وعسى أن يصبح رئيساً للحكومة. فهذا هو المنصب القضائي الأرفع ويعطيه القانون صلاحيات واسعةً وقدرةً على التأثير في المجتمع بشكل كبير جداً، وقد تعززت هذه الصلاحيات من خلال قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي عُدّل عام 2001، في عزّ القبضة السورية على لبنان."

"قبل زمن الطائف والنفوذ السوري، قليلاً ما كنا نذكر أسماء مدّعي عام التمييز، لأن ممارساتهم كانت تحت سقف القانون وكانت منسجمةً مع سلوك قضائي عام متحفظ لا يتدخل في السياسة ولا يقبل بالتدخل السياسي. أما اليوم، فنجد أن المركز الأول الذي تتم الإضاءة عليه في العدلية، هو مركز مدّعي عام التمييز، أكثر من رئيس مجلس القضاء الأعلى ومن رئيس التفتيش القضائي ومن أي مركز قضائي رفيع آخر، فهو معيّن من السلطة السياسية ويمسك بملفات عامة حساسة، فإذا أساء استعمال السلطة قد يذهب بعيداً في استغلال نفوذه وسلطته"، يقول عقيص.

ويضيف: "كان مدّعي عام التمييز العصا الغليظة في يد السلطة بشكل يتناقض مع مفهوم النيابة العامة التي يجب أن تمثل مصالح المجتمع وليس مصالح الدولة، وذلك بدأ مع منيف عويدات ثم عدنان عضوم ثم سعيد ميرزا وصولاً إلى غسان عويدات".

يشير رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، إلى أن "المطالبة بتعديل صلاحيات مدّعي عام التمييز في القانون الحالي، ليست جديدةً، وإن تمّ ذلك بخطوة منفصلة عن إقرار قانون استقلالية القضاء لأن صلاحياته خطرة جداً وتؤثر على حقوق الإنسان وعلى مسار المحاسبة ولا يمكن الانتظار لتقليصها".

وإلى ذلك، يضيف المحامي صاغية، بأنه "علينا تقليص صلاحيات النائب العام التمييزي في قانون أصول المحاكمات الجزائية، لأن هذه الصلاحيات تمكّنه من أن يفرض نفوذاً مخيفاً على القضاء عموماً، ما يتعارض مع صلاحيات النواب العامّين التمييزيين في القانون المقارن".

"يكفي أن نستذكر تجربة عدنان عضوم في مرحلة النفوذ السوري، إذ كانت المرحلة توصف بالقضاء ‘العضومي’، لنأخذ فكرةً عن هذه الهرمية المخيفة التي كانت تسيطر على العدلية في تلك المرحلة. وعليه، ريثما يتم إصدار قانون استقلالية القضاء الموعود، وفيما كان يُنتظر أن يتمّ التخفيف من حدة هذه الهرمية بالتشريع لإعطاء استقلالية أكبر للنيابات العامة، ذهب النائب العام التمييزي الحالي غسان عويدات، في اتجاه مناقض تماماً، لتعزيز سلطته الهرمية على العدلية. ذهب بعيداً إلى حد الانقلاب على منطق دولة القانون"؛ يختم صاغية. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard
Popup Image