شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
التحقيق في تفجير مرفأ بيروت... هكذا تتجه السلطة لطمس العدالة

التحقيق في تفجير مرفأ بيروت... هكذا تتجه السلطة لطمس العدالة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الجمعة 27 يناير 202303:37 م

اشتدت المواجهات القضائية خلال الأيام الماضية، بين المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، والمحقق العدلي طارق البيطار، على خلفية التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020، بعد استئناف الأخير عمله كمحقق عدلي انطلاقاً من اجتهاد قانونيّ اعتمده في 23 كانون الثاني/يناير الجاري، للعودة إلى الملف بعد أن تمّ كف يده قبل سنة، استند فيه إلى أن "المجلس العدلي هيئة مستقلة موازية للهيئة العامة لمحكمة التمييز، وأي قرار ينصّ على تنحية المحقق العدلي هو إلغاء لموقع تم إنشاؤه بموجب مرسوم وزاريّ".

قرار البيطار المفاجئ للكثيرين، أدى إلى تصادم في الآراء حول قانونية هذا القرار أو عدمه، واستدعى "انتفاضة" النيابة العامة التمييزية، خاصّة بعد أن قام المحقق العدلي بالادعاء على مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، والمحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري، وتحديد جلسة لاستجوابهما في 20 شباط/فبراير المقبل.

سريعاً، أطلق عويدات مجموعة من القرارات التي اعتبرها قانونية في 24 كانون الثاني/يناير 2023، بدأها بإصدار كتاب توجّه فيه إلى البيطار، يُذكّره فيه أن يده مكفوفة عن الملف، ثم قام بأمر الضابطة العدلية بعدم تنفيذ قرارات البيطار، وهي سلسلة من القرارات التي أراد مدعي عام التمييز من خلالها تجريد البيطار من صلاحياته كمحقق عدلي.

أكمل عويدات تصعيده، فهو يعتبر أن البيطار "تجاوز القانون وانتهكه"، فأصدر قراراً فجائياً يقضي بإطلاق سراح جميع الموقوفين في ملف المرفأ مع منعهم من السفر، وطالب موظفي النيابة العامة التمييزية بعدم استلام أي قرار أو تبليغ أو استنابة أو كتاب أو إحالة أو أي مستند من أي نوع صادر من القاضي طارق البيطار، في 26 كانون الثاني/يناير الجاري.

طالب عويدات موظفي النيابة العامة التمييزية بعدم استلام أي قرار أو تبليغ أو استنابة أو كتاب أو إحالة من المحقق العدلي

وجدير بالذكر أن عويدات سبق وأعلن تنحيه عن متابعة النظر في ملف انفجار المرفأ بصفته مدعياً عدلياً في القضية، لوجود صلة قرابة بينه وبين الوزير السابق النائب غازي زعيتر(متأهل من شقيقة عويدات) والذي ادعى عليه البيطار في القضية، ووفقاً للقانون، تعود صلاحية متابعة التحقيق فيما خصّ دور النيابة العامة التمييزية في الملف، إلى المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري، الذي ادعى عليه البيطار في قراره الأخير.

كيديات أم قانون؟

اختلفت الآراء حول تصعيد عويدات، فهناك من اعتبر أن الكيديات ستؤدي لإقفال ملف المرفأ ولتعطيل التحقيق مجدداً، وجزء آخر اعتبر أن البيطار انتهك القانون ولا يحق له الادعاء على عويدات، فهو المدعي العام التمييزي الذي سيقوم بالإمضاء على قرارات البيطار، فكيف يستدعيه للتحقيق؟

على هذا الأساس، حفل يوم أمس الخميس 26 كانون الثاني/يناير بأحداث كثيرة، إذ دعا أهالي ضحايا تفجير المرفأ إلى وقفة احتجاجية أمام قصر العدل، للتنديد بقرارات عويدات التي قضت بإخلاء سبيل الموقوفين، وانضم إليهم مجموعة من نواب المعارضة الذين أعلنوا تضامنهم الكامل مع قضيتهم.

من جهته، عاد وزير العدل هنري خوري إلى التأكيد أمام النوّاب الذي اجتمعوا به في مكتبه، أن "لا علاقة له بكل قرارات عويدات"، وأنه "يتابع المستجدات من خلال الإعلام، ولا سلطة له على مجلس القضاء الأعلى، المخوّل بتنحية البيطار وتعيين قاضٍ رديف له".

واللافت أن خوري الذي يردّد موقفه هذا في جميع اجتماعاته، كان حاول سابقاً التدخّل لدى مجلس القضاء الأعلى لفرض عقد جلسة لانتخاب محقق عدلي رديف للبيطار، وتعيين القاضية سمرنده نصار، المقرّبة من التيار الوطني الحر، والتي كان التقاها مجدداً الأربعاء في 25 كانون الثاني/يناير الجاري.

ولكن أين يقف القانون فيما يحصل بين البيطار وعويدات؟

يقول المدعي العام التمييزي السابق، حاتم ماضي في حديثه لرصيف22، إن اجتهاد المحقق العدلي ليس قانونياً، وقد أخطأ في ذلك، إذ لا يحق له العودة إلى استئناف تحقيقاته فهو مكفوف اليد عن الملف بفعل دعاوى الرد، وأيضاً القاضي عويدات أخطأ في قراره بإخلاء سبيل الموقوفين، فكيف سيتم إعادتهم إلى السجن في حال أثبت تورطهم؟ خصوصاً بعد أن قام محمد زياد العوف بالسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، من سيعيده إلى لبنان للتحقيق معه؟".

ما يحصل اليوم من مواجهات قضائية يوحي بأن شيئاً ما يتحضّر، وهي محاولة لإخفاء الحقيقة والتستر عليها، ولا أحد قادر على تحديد دوافع البيطار وعويدات خلال هذه المواجهات، فإلى أين ستتجه الأمور؟

ويضيف: "عويدات أخطأ بإخلاء سبيل الموقوفين وبالتدخّل في ملف المرفأ، وهو متنحٍّ عن الملف ولا يحق له التدخّل في الملف، فالقرار الوحيد يعود للمحقق العدلي الأصيل"، مشيراً إلى أن "ما يحصل اليوم خلال هذه المواجهات القضائية يوحي بأن شيئاً ما يتحضّر، وهي محاولة لإخفاء الحقيقة والتستر عليها، ولا علم لنا ما هي دوافع البيطار وعويدات خلال هذه المواجهات، ولكن الأيام كفيلة بشرح ذلك".

دور "القضاء الأعلى"

كان من المقرر أن يجتمع مجلس القضاء الأعلى أمس، وكانت قرارات البيطار الأخيرة على جدول أعمال الاجتماع، إضافة إلى الكتاب الموجّه من مدعي عام التمييز إلى المحقق العدلي، إلّا أنه تمّ تأجيل الجلسة نتيجة التصعيد الذي شهده الشارع أمام قصر العدل في بيروت.

ورشحت معلومات عن تضارب واضح في الآراء بين أعضاء مجلس القضاء الأعلى، بين تعيين قاض رديف أو تجنّب هذا البند، بسبب ضغط الشارع والرأي العام ولما يمكن أن يؤدي هذا القرار من فوضى. وقد ظهر هذا التضارب في الجلسات الماضية التي كانت حافلة بالاختلافات بين رئيس مجلس القضاء الأعلى، سهيل عبود، وبعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى.

الانقسام داخل مجلس القضاء الأعلى المؤلف من 7 أعضاء واضح، ولكنه بالمجمل يصبّ في خانة تنحية البيطار

وتقول مصادر قضائية مطلعة على ما يجري حالياً لرصيف22، إن "الانقسام داخل مجلس القضاء الأعلى المؤلف من 7 أعضاء واضح، ولكنه بالمجمل يصبّ في خانة تنحية البيطار وتعيين قاضٍ رديف"، وتشرح: "هناك 7 أعضاء في المجلس، 5 منهم مع تعيين قاضٍ رديف وتنحية البيطار نهائياً، وهناك قاضٍ يقف على حياد إيجابي ويميل لصالح إبقاء البيطار، ورئيس المجلس غسان عبود الذي بكل الأحوال لن يكون له سلطة، كون الغالبية مع قرار تعيين رديف".

وتشرح المصادر أن "الخيار الذي يتم تداوله اليوم، هو أن يجتمع مجلس القضاء الأعلى، ويقرّر تنحية البيطار عن مهامه، ويعيّن خلفاً له، ويحيله إلى وزير العدل هنري خوري، ليصدر قرار عن وزارة العدل بتعيين القاضي الجديد، فهو الوزير الوصي، وكما تم تعيين البيطار بقرار وزاري تتم إقالته وتعيين خلفه بالأسلوب نفسه".

برأي ماضي، فإن "قرار تنحية البيطار عن ملف المرفأ يأتي بالاتفاق بين وزير العدل وأعضاء مجلس القضاء الأعلى، ويحق فقط لوزير العدل أن يوقع على إقالة البيطار، في حال قرّر مجلس القضاء الأعلى أن يُبعَد عن ملف المرفأ ليعيّن قاضياً بديلاً عنه، وقانونياً لا يحق لمجلس القضاء الأعلى اتخاذ هذا القرار من دون التشاور مع وزير العدل للاتفاق على التنحية".

ويضيف: "هكذا خطوة من الممكن أن تؤدي إلى هزّ الرأي العام وتحريك الشارع، فأهالي ضحايا المرفأ لن يقبلوا بهذا الأمر، ولكن أعتقد بأن مجلس القضاء الأعلى لن يقدم على هذه الخطوة، إذ تعتبر تصعيداً مباشراً وخطيراً، ولكن من الممكن في حال قرّرت السلطة السياسية التدخّل في السلطة القضائية، أن تضغط على وزير العدل وعلى مجلس القضاء الأعلى، فتتم تنحية البيطار، ولكن لا يمكن اخفاء تداعيات هذا القرار الخطير".

نتائج المعركة

يعتقد رئيس مجلس شورى الدولة السابق، القاضي شكري صادر، في حديثه لرصيف22، أن "الشرخ الحاصل داخل القضاء اللبناني سيدفع ثمنه غالياً جميع اللبنانيين الذين فقدوا ثقتهم بالقضاء اللبناني، وهذا الانفجار القضائي وإن دل على شيء، فإنه يدل على أن السلطة السياسية تخاف من حقيقة الرابع من آب، وتسعى إلى إخفاء العدالة، وستحاول إلهاء الأهالي بمواجهتهم مع الأجهزة الأمنية دوماً، فهي تحاول جاهداً فرض قوة نفوذها داخل القضاء اللبناني للتخلص من هذا الملف".

قرار تنحية البيطار عن ملف المرفأ يأتي بالاتفاق بين وزير العدل وأعضاء مجلس القضاء الأعلى، ويحق فقط لوزير العدل أن يوقع على إقالة البيطار، فما الذي ينتظره؟

يضيف: "اليوم نرى أن مبدأ فصل السلطات لم يعد يطبّق، فالسلطة السياسية تتدخّل بشكل واضح في السلطة القضائية، واليوم هناك صراعان في لبنان، الأول يكمن في مجموعة تحاول الوصول إلى حقيقة ما حصل في مرفأ بيروت، والمتمثلة بالقاضي البيطار، والثانية بمجموعة السلطة التي تحاول قمع هذه الحقيقة والقضاء عليها، فالقرار الاتهامي يحمل اتهامات خطيرة للسياسيين، وهم من اللحظة الأولى حاولوا منع التدخّل القضائي الدولي في التحقيق، وقرروا إبقاء التحقيقات داخلياً، وذلك لقدرتهم على التدخّل في القضاء اللبناني والتحكّم به".

ويختم صادر بأنه "لا يمكن إلا أن نتأكد أن الأيام المقبلة ستكون متجهة نحو إقفال الملف نهائياً، ولكن لا يمكن أن نعلم كيف ستقوم السلطة باتخاذ هذا القرار الذي من شأنه إشعال الشارع".

يصف النائب فراس حمدان لرصيف22، الواقع الذي يعيشه القضاء اليوم، بالقول إن "المنظومة السياسية تتعامل بشراسةٍ للقضاء على ما تبقى من التحقيق ولمنع البيطار من إكمال تحقيقاته للوصول إلى القرار الاتهامي، وبالرغم من تعويلنا وأملنا بما تبقى من نزاهة القضاء، فإن مجلس القضاء الأعلى صار اليوم مقسوماً بين قضاة تابعين للسلطة السياسية وبين بعض القضاة الذين يسعون إلى الوقوف إلى جانب الناس".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard