شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ذكرى 25 يناير

ذكرى 25 يناير "المهددة"*... كيف تحوّلت الثورة إلى "شغف خفي"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 26 يناير 202211:30 ص

كأنّها هجمة مرتدة من دون مبرر واضح، عادت ذكريات المشاركة في ثورة 25 يناير إلى الظهور على حسابات الذين شاركوا فيها أو أيدوها من دون مشاركة، خلال الذكرى الحادية عشرة للثورة التي تحل هذا العام بعد عدة سنوات من تواري ذكرياتها وتراجعها، بالتزامن مع تحوّل 25 يناير مناسبة للقبض على الناشطين والتفتيش العشوائي في ميادين المحافظات التي شهدت الموجة الأولى للثورة في العام 2011. 

فمنذ العام 2015، بات تفتيش المنازل المحيطة بالميادين الكبرى التي شهدت الثورة، وبخاصة ميدان التحرير، عادة دورية تتحول فيها شوارع وسط القاهرة إلى ساحة للقلق وسط انتشار أمني مكثف يصحبه احياناً تفتيش عشوائي وإلقاء القبض على المارة والصحافيين. ومع إجبار العابرين وسكان وسط القاهرة على فتح حساباتهم على الشبكات الاجتماعية كي يستطيع ممثلو القوى الأمنية استعراضها، أصبحت مشاركة ذكريات الثورة القديمة على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الـ18 يوماً مصدر تهديد لصاحبها، وعاماً بعد عام بات مجرد تذكر الثورة تهديداً لأمان الذين يقدمون عليه. 

في المقابل، تستمر وسائل الإعلام الرسمية في تجاهل ذكرى الثورة، وترفع شعار عيد الشرطة كلما اقتربت ذكرى يناير، على عكس الاحتفاء الواسع الذي قدمته تلك الوسائل عينها خلال سنوات صعود الثورة حتى العام 2016.

منذ العام 2015، بات تفتيش المنازل المحيطة بالميادين الكبرى التي شهدت الثورة، وبخاصة ميدان التحرير، عادة دورية تتحول فيها شوارع وسط القاهرة إلى ساحة للقلق وسط انتشار أمني مكثف يصحبه احياناً تفتيش عشوائي وإلقاء القبض على المارة والصحافيين

جهراً ثم سراً

حقوق الصورة للمصور طارق وجيه

طارق وجيه من المصورين الصحافيين الذين تولوا توثيق أحداث 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وهو صاحب الصورة الأيقونية للشاب الذي يقف بثبات أمام مدرعة الأمن المركزي، مواجهاً اندفاع المياه الصادر عنها. بعد ساعات قليلة من نشر طارق تلك الصورة مساء 25 يناير/ كانون الثاني 2011 على حسابه في فيسبوك، ظهرت صورته على صفحة "كلنا خالد سعيد" وأضحت سريعاً أيقونة للثورة بعد انتشارها من الصفحة التي دعت إلى التظاهر في يوم عيد الشرطة للاحتجاج على ممارسات التعذيب والقتل التي كان خالد سعيد أحد شهدائها. 

لا ينتظر أنس التغيير، وربما كف عن الحديث علناً عن الثورة وما خبره فيها، لكنه يبقى الشغف بها في قلبه

كان طارق يراقب كل عام حرص عشرات الآلاف من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من الذين شاركوا في الثورة أو آمنوا بها، على صورته تلك، وفي السنوات الأولى كان يسعد بانتشارها ويتحدث عنها وعن غيرها من الصور التي التقطها يوم جمعة الغضب (28 يناير/ كانون الأول 2011). 

لكن في السنوات الأخيرة راح طارق يتفادى الحديث عن الصورة أو الثورة. "الثورة حدث وانتهى"، يقول لرصيف22، ويضيف: "الروح التي شعرت بها خلال الثورة انطفأت على مر السنوات، كان هناك أمل واعد وروح جديدة، لكن هذا انتهى الآن".

ويرى أن 11 عاماً من التقلبات كانت كافية لأن يفقد شغفه بإعادة نشر الصور مرة أخرى، إذ باتت هناك مسؤوليات أخرى تستوجب الالتفات والحرص، "الثورة انتهت يوم التنحي".

الصحافي محمد أنس** كان واحداً من الذين غطوا أحداث الثورة خلال أيامها الأولى، يقول: "كان كل شيء جديداً علينا، لم يكن لدى أي صحافي خبرة في تغطية هذا القدر من العنف والعمل وسط الغاز المسيل للدموع والالتحام بالمتظاهرين". 

عاش الصحافيون المصريون خبرة مختلفة جداً وقتذاك، لو قيست بالمقاييس المهنية لكان معظمهم مخالفين للقيم المهنية التي تفرض على الصحافي الحياد التام تجاه الحدث ومشاركيه، إلا أن الصحافيين المصريين كانوا يسجلون ويوثقون الأحداث بينما تصدح حناجرهم بالهتاف، أو يسيرون بين المتظاهرين رافضين كل ما يتردد على ألسنتهم. 

كان أنس من الفئة الأولى التي أيدت شعارات الثورة ومبادئها وتحركات متظاهريها، وإن لم يشارك في الهتاف أو تسيير التظاهرات، لكنه وجد أن إخلاصه في توثيق ما تشهده ميادين الثورة، وتصحيح المفاهيم والأخبار المغلوطة لأبناء منطقته الذين كانوا يتلقون الدعاية السلبية عن الثورة من التلفزيون المصري والقنوات المصرية والخليجية، هما مشاركته الحقيقية والواعية في 25 يناير.

مع إجبار العابرين وسكان وسط القاهرة على فتح حساباتهم على الشبكات الاجتماعية كي يستطيع ممثلو القوى الأمنية استعراضها، أصبحت مشاركة ذكريات الثورة القديمة على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الـ18 يوماً مصدر تهديد لصاحبها

بدا أنس فخوراً جداً بتلك المشاركة، يتذكرها ويحكي عنها كلما حانت ذكرى الثورة، ويتحدث عن دور التوعية السياسية وتصحيح الأخبار والمعلومات المغلوطة في صناعة الوعي القادر على التغيير. يقول: "الإحباطات تراكمت ليس من المناخ السياسي الحالي نفسه، ولكن من الدرجة المتدنية التي وصل إليها وعي الناس". 

ويلفت إلى أن "الناس باتت لديهم رغبة ملحة في إبقاء الوضع على ما هو عليه. لا يريدون التغيير، ولا يشعرون أن هناك أهمية في المطالبة بحقوقهم السياسية والاجتماعية".

ويتابع: "قواعد التغيير بتقول أن لما عجلة التغيير بتدور مش بتقف حتي لو خدت وقت طويل وبالتالي التغير موجود وأنا مؤمن بما صنعته الثورة من بث روح التغيير وبالتالي مازالت مهتم بذكرى أحداث الميدان وممتن لهذه الفترة التي علمتنا التغيير".

ويضيف: "لا يعني هذا أنني فقدت محبتي للثورة". وهو لا ينتظر التغيير، وربما كف عن الحديث علناً عن الثورة وما خبره فيها، لكنه يبقى الشغف بها في قلبه. يقول: "ربما لم يعد للثورة وجود على المستويين الرسمي والشعبي، لكنها تعيش داخلي بكل ما خلقته وكل ما رأيته في ميادينها، وتذكر تلك الأيام هو ترياقي ضد الإحباط والاكتئاب".

مارينا نبيل طبيبة سكندرية غادرت مصر مثلما فعل المئات من أبناء يناير الذين آثروا ترك البلاد عقب "إهدار الثورة". لم تتمكن مارينا من المشاركة في الأيام الأولى من خلال التظاهر في ميدان القائد إبراهيم بالأسكندرية (كان يوازي ميدان التحرير القاهري) لكنها تبنت شعارات الثورة وتمثلت مشاركتها في التوعية في منطقتها السكنية لتصحيح الدعاية الكاذبة التي كان يبثها الإعلام المصري. تشرح: "حرصت على المشاركة خلال 18 يوماً على وسائل التواصل الاجتماعي وشاركت دعوات زملائي الأطباء إلى المكوث بالميدان والمشاركة في علاج المصابين، أو إلى التظاهر، وظلت حالة الأمل وإمكان التغيير تسكنني بعض الوقت إلى أن سكن مكانها الإحباط واليأس". 


وتقول لرصيف22: "أصبحت مشاعر الانهزام والاحباط هي المسيطرة علي، وإن كنت أتذكر أيام الثورة بشيء من الحنين. لكنه حنين مُتعِب. ففشل الثورة في تحقيق أهدافها "عيش، حرية، عدالة إجتماعية" من أكثر عوامل الإحباط".

وترى مارينا أن هناك "طمساً متعمداً" لمعالم الثورة على المستوى الرسمي "خاصة مع إصرار جهات في الدولة على تسميتها (أحداث يناير) ومحاولة تذكير المواطنين بأنها كانت فترة عصيبة ويجب أن لا تتكرر. بهذا باتت ذكراها فرصة لإعادة سيطرة الإحباط".

الطبيب النفسي إيهاب الخراط:  أصيب الناس بحالة إرهاق من استمرار العنف والتقلبات السياسية التي تلت الثورة. ومع تراجع شعارات الثورة، بقي قليلون يحتفظون ببعض الطموح

هذه المشاعر تنتاب أيضاً منة حسام التي عملت صحافية في مصر في ذلك الحين، وحالياً تعيش في الخارج وقد تركت العمل الصحافي نهائياً. أيدت منة الثورة منذ البداية من دون أن تشارك فيها مباشرة حتى حلت أحداث محمد محمود الثانية (19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011)، فشاركت بالتظاهر وتوثيق الأحداث. 

اختارت منة الهجرة قبل ست سنوات لأسباب تتصل مباشرة بالتحولات التي شهدتها مصر خلال السنوات الأخيرة، لكن "رغم الإحباط، لا أزال أتمسك بروح التغير. الثورة غيرت حياتي. حتى إحباطاتها ساعدتني على اتخاذ قرار بدء حياة جديدة"، تقول بشيء من التعزية الذاتية.

الطبيب النفسي إيهاب الخراط من أبرز أبناء يناير، وإلى جانب دوره السياسي فيها، كانت عيادته المشتركة مع الدكتور نبيل القط في قلب ميدان التحرير مفتوحة لمساعدة من أصابتهم "تروما" الثورة وما شهده المتظاهرون خلالها من عنف تبعته آثار نفسية. 

يقول إن التقلبات السياسية التي حدثت بعد ثورة يناير بدءاً من تشتت قوى المدنية والثورية والتوافق بين المجلس العسكري والإخوان ثم التصادم بينهما ثم تعدي الأخوان على مبادئ المدنية التي نادت بها الثورة ثم تحركات جبهة الإنقاذ التي تبعها انحياز المجلس العسكري، هذه كلها أحداث لا تنفصل عن الثورة نفسها.

ويضيف الخراط: "بات مطلب الجميع بعدها هو الاستقرار، إذ أصيب الناس بحالة إرهاق من استمرار العنف والتقلبات السياسية التي تلت الثورة. ومع تراجع شعارات الثورة، بقي قليلون يحتفظون ببعض الطموح".

ويتابع: "النار تحت الرماد، والشعب يشتاق للعيش في الحرية". مؤكداً: "الحالة التي صنعتها الثورة ما زالت كامنة. لكن فترات عدم الاستقرار وانتهازية جماعة الإخوان المسلمين وانقسام القوى المدنية الثورية وشعورهم بأنهم أفضل من غيرهم، ذلك كله جعل لدى المواطن شعوراً بأهمية الاستقرار وسط 'قوى الدولة' غير المنقسمة والمستقرة إلى حد كبير".

لكن الطبيب النفسي الذي آمن بيناير لم يصبه الإحباط، ولا يتفادى الذكرى أو يبقيها خفية. يقول: "جميع الثورات تحتاج إلى وقت حتى تحقق التغيير الملموس، فالثورة الفرنسية صاحبها عدد من موجات الصعود والهبوط طوال 70 سنة، إلى أن استقر المواطن مع الدولة القوية ثم حدث التغيير".

ويضيف: "الناس قبل 25 يناير 2011 كانوا حاسين إن كل حاجة بتتسرق وفي محاولات فرض أمر واقع وهو ما سبب الانفجار". ويرى أن تجاهل مطالب الشعب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أدى إلى الانفجار الحقيقي، ولكن بموجات التشتت التي تلت الثورة جعلت المواطن يميل إلى الاستقرار ولو على نحو مؤقت".

ويشير الخراط إلى أن هذا هو سبب تراجع اهتمام الناس، بمن فيهم ثوار يناير، عن استعادة ذكرى الثورة خلال السنوات الأخيرة. ويزيد: "لكن ما خلفته 25 يناير هو دعم روح التغيير ولو بشكل تدريجي. يظهر هذا في الإجراءات الجديدة التي يتم اتخاذها. فهناك مشروعات تعطي أملاً في التغيير، مثل مشروع "حياة كريمة" والاهتمام بتأسيس تنسيقية شباب الأحزاب وتمثيلهم في البرلمان الحالي.

ويختم: "هناك أمل في إصلاح تدريجي من دون انفجارات أو انتفاضات أخرى".

-------------

(*) يمكنط أن تقرأها على النحو الذي يناسب قناعاتك السياسية بكسر الدال الأولى أو فتحها

(**) تم تغيير الاسم بناء على طلب المصدر


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image