شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الكاتب المغربي محمد إشويكة لرصيف22... نحن غارقون في الثقة والسخرية تساعدنا

الكاتب المغربي محمد إشويكة لرصيف22... نحن غارقون في الثقة والسخرية تساعدنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 11 مارس 202302:49 م

يعتبر محمد إشويكة الحاصل على دكتوراه في الفلسفة من أهم النقاد السينمائيين المغاربة٬ حيث أصدر عدة دراسات عن السينما٬ منها: "الصورة السينمائية: التقنية والقراءة" 2005، "السينما المغاربية... قضايا الفرادة" 2017، و"السينما المغربية: من الخدمة العمومية إلى النقاش العمومي" 2020. كما كتب سيناريوهات عدة أفلام قصيرة وطويلة، منها: "بيدوزا"، و"الاحتضار"، و"قفل على القلب"، و"المشردون". وأصدر مؤخراً مجموعة قصصية تحت عنوان "الكراطيط". في هذا الحوار سيكشف لنا محمد إشويكة عن علاقة وتقاطعات القصة والسينما وقضايا الكتابة و الأدب.

محمد اشويكة

هل يمكن أن نعتبر القصة القصيرة فيلماً وثائقياً؟

 يمكن الحديث عن أوجه التعالق؛ فالفيلم له طبيعة إبداعية خاصة، تَسِمُهَا اللغة السينمائية المخصوصة للفيلم الوثائقي، بينما تنطبع القصة القصيرة في لغة الكتابة. فإن أردنا إيجاد ملامح التواشج، فلنبدأ من عناصر "التعارض" التي هي عينها عناصر "التقارب"، حتى لو لم يكن لهذه العلاقة أفق كبير لأن عناصر القَصَصِيَّة في الفيلم الوثائقي مهذبة، وعناصر الوثائقية في القصة القصيرة مشذبة، لكن رؤيتنا للتخصص تنطوي على إيجاد مكامن التعاون القائم والممكن بين التخصصات الراسخة، والتي تخلق، بالتالي، آفاقاً واعدة للخلق الإبداعي.

من هذا المنظور، نحن لا نشكك في قيمة هذا الأفق، لاعتقادنا بأن يتم تعزيز كل خصوصية بشكل أكبر؛ يمكن للفيلم الوثائقي أن يستند على قصة قصيرة للعودة إلى توثيق ظاهرة معينة، لو كانت ملامحها الواقعية ضافية وبارزة، ويمكن لبعض خصائص القصة القصيرة أن تكون حاضرة في المتن الفيلمي الوثائقي.

كيف للقصة القصيرة أن ترصد الواقع؟

كل كاتب خزان للواقع بمعنى من المعاني، ولكن المبدع ينساه كي يخلق عالمه الواقعي في الخيال، وبذلك يتحول الواقع بمعناه المكرور والعادي (Ordinaire) إلى منطلق للبحث في القيمة المضافة للخيال الإنساني، بوصفه الوسيط المتسامي الفاصل بين المستويات المُحَدِّدة لانتساب الناس للواقع العادي.

تدفع الحقائق العينية الأفرادَ إلى استخدامها وفق اتجاهات متعددة، لكن انسحابها نحو النص القصصي يجردها، وفق وعي كاتبها من فقر التداول العام. ولعل أول ما يحصل لها، وضعها في شكليات معينة تظل خاصة بالدراسات الأدبية وغيرها من الدراسات الثقافية، التي وإن ربطت المجال الأدبي بالمجال الاجتماعي (الأكثر واقعية)، فهي لا تتجاوز في اعتقادي الشخصي حدود الاهتمام بدراسات الاستخدام لأنها تحجب قيمة الأسئلة الهامشية التي تحاول إدراك القصة القصيرة (والأدب) داخل أحزمته المحروسة.

هل القصة القصيرة طريقة للإدراك والتواصل؟

كل عمل أدبي يحتوي في جوهره خلفيات إدراكية وتواصلية، لأنه صادر عن ذات واعية، وموجه إلى ذوات أخرى، لكنه، وعلى سبيل المثال، من المثير الاهتمامُ بمعرفة ما إذا كانت هياكل النص القصصي مُتَضَمِّنَة لبنية إدراكية مُوَجَهَة وفق خلفية ما، فالإبداع يضع الموضوعات والأشياء والشخوص التي يطرحها ضمن رؤية خاصة بالعَالَم، وبالتالي، فهي لا تتواجد بشكل مستقل ومنفصل عن غيرها من العناصر الإبداعية الأخرى، ومن هنا، فالتواصل العادي الذي يتحقق مع القصة ويحدد أشكال تداولها، مثير للاهتمام ولو من باب إدراك هياكل العمل القصصي، سواء كان تقليديا أم تجريبيا.

الكاتب والإعلامي المغربي محمد إشويكة: يمكن القول إن السخرية خط ناظم لجلِّ قصصي، عبرها تطور النقد الاجتماعي والسياسي والديني والفكري والثقافي

ويمكن أن نستشهد بمثال ثانٍ: تحليل اللقاء الذي يحدث للمتلقين بين النص والمتصور، بوصفه آلية ضرورية للإدراك والتواصل٫ لأن ربط التحول في النص ينقل القراء من مستوى التواصل إلى الإدراك، وقد تزودنا الثقافة المرئية والمفاهيم الجديدة للصورة بتوسيعِ أفق تصورنا للإبداع في علاقته بالإدراك والتواصل.

لماذا الاعتناء الدقيق بالتفاصيل في القصة؟

تمنحنا القصة القصيرة إمكانيات هائلة وطموحة للاهتمام بالتفاصيل وتطوير القدرة الإبداعية لمفاهيم فلسفية ورياضية تساعدنا على الوصول إلى الإلمام بالتفاصيل، ولو في حده الأدنى، لأنه يظل مستعصياً ورهاناً محدداً لقيمة الإبداع القصصي برمته، ويمكننا في سياق هذا التحدي أن نَسِمَ القصة القصيرة بذلك الفن الذي يسعى إلى الاستناد على التفاصيل لخلق الانسجام وكشف الغموض والإحاطة الممكنة باللانهائي.

يدفع التركيب القصصي نحو تطوير ما يمكن أن نصفه بالملاحقة البنائية للتفاصيل التي طالما ظلت القصة تدافع بها عن نفسها، دون أن تهتم بالعرض المثالي الذي تقدمه لها. لا تقف القصة عند حد الاعتناء بالتفاصيل، ولكنها تضخ فيه جرعات الشك اللازمة لخلق المعنى، ففي الحياة تتزاحم التناقضات الحاجبة لها، وبالتالي، فلن يكون من السهل أن نستنتج، على عجل، استحالة المعرفة الموضوعية، أو التفسير الحقيقي الذي يؤدي إلى إضفاء الشرعية على أشكال السلط التي تلف الحياة، وهي الجرعات التي تضخها فينا القصة القصيرة كي نأخذ الوقت الكافي للتفكير بجدية في تفاصيل الحياة عسانا نتمكن من اقتراح مفهوم أكثر غنى عنها.

 لماذا السخرية في نصوصك القصصية؟

عندما يجتاحنا العَالَم، ونحس بأننا كائنات هشة فيه، فلم يعد أمامنا من متسع لتفادي الفصام سوى السخرية، أقصد مقاربة الأشياء من منظور يسمح لنا بمساءلة العَالَم داخل مضايق العيش.

عندما يجتاحنا العَالَم، ونحس بأننا كائنات هشة فيه، لم يعد أمامنا من متسع لتفادي الفصام سوى السخرية، أي مقاربة الأشياء من منظور يسمح لنا بمساءلة العَالَم داخل مضايق العيش

يمكن القول إن السخرية خط ناظم لجل قصصي، عبرها تطور النقد الاجتماعي والسياسي والديني والفكري والثقافي. تلك التي ظلت تتردد أصداؤها في قراءاتي الفلسفية٬ حيث كانت السخرية الفلسفية تأخذ طابع المواقف النقدية٬ كما تجلت لدى بعض المدارس القديمة٬ مثل الأبيقورية (فضح الجهل أو التحيز أو الخرافات٬ فلسفة ساخرة لنقد أسلوب الحياة المُهَيْمِن وتقديم نمط بديل)٬ أو بالرجوع إلى بعض المؤلفين الذين قدموها ضمن ممارسة أدبية وليست محض مكون. وبهذا، فإننا نشتغل ضمن نمط أدبي قابل للنقاش، فالسخرية ليست أسلوب خطاب، بل تحوي في شموليتها القصد النقدي ومختلف الإجراءات والتقنيات الساخرة من قبيل التلميح والطابع الكاريكاتوري والإفراط الجامح وغيرها.

هل الكاتب المغربي قادر الآن على كتابة واقعه؟

من يستطيع أن يكتب الواقع اليوم؟! أظنه يتجاوز كل التخصصات، العامة والدقيقة، ولكن هذا لا يعني مشاكسته، وتعريضه للتأمل والسخرية المُطَوَّقَة بفضيلة الاستفزاز، وهذا يدخل ضمن غنى الفلسفة الناظمة للعملية الإبداعية، سواء كان الأمر يتعلق بالتلميح إلى الشك أو إثارة التساؤل، ولنا في السخرية السقراطية خير دليل. اللجوء إلى وصف الواقع عملية مضنية، وهي جزء من الذاكرة الإبداعية، لكن طابع الإخفاء يحجب عنا قصر أدواتنا الإنسانية، ويدعونا لتحدي الاحتباس الخيالي.

هل استطاعت القصة المغربية أن تخلق لها مكاناً في العالم العربي؟

للقصة القصيرة مكانتها في العالم العربي، لكن وضعيتها مرتبطة بوضع القصة المنكمش ضمن خريطة الإبداع العربي، فالناشر العربي مهتم بما تطلبه الأقلية القارئة والمعزولة نظراً لانحيازها إلى القراءة الوظيفية المرتبطة بالدراسة أو القراءة السَّيَّارة التي تسير حسب الأكثر رواجاً وتأثيراً؛ فلا نعثر من ضمن قراء القصة إلا على عينة قليلة تستهويها القصة٬ لأن الرواية تهيمن على المستوى التسويقي، ويميل إليها الناشر لارتباطها بالجوائز ذات المبالغ المالية المرتفعة. بالرغم من هذا، تصل النصوص القصصية المغربية عبر النشر الإلكتروني، وتنتشر المجاميع القصصية في شتى دور النشر العربية، ومعها يمتد النبوغ المغربي الذي يسلك طريق التجديد بوصفه متأصلاً في تاريخ الإبداع.

هل هناك علاقة بين القصة والسينما؟

سبق وأن قاربت هذا السؤال في غير ما موضع، لكنه يظل جديراً بالحظوة وملهما لإعادة التفكير في تلك العلاقة: طالما ظلت السينما السردية جاذبة٬ فالقصة لحاؤها، فكرتها المقتضبة التي تسعى السينما إلى دمجها ضمن مفهوم الـ(Synopsis) بمعناه التقني. ويمكن للسينما غير الروائية أن تنطلق من تصور يظل في حد ذاته قصصياً ما دام يرسم طريق الإنجاز. تشترك القصة والسينما في كل ما يشير إلى عناصر البناء الدرامي، ولكنهما يختلفان في الأسلوب وميكانيزمات المقاربة.

ما يثيرني اليوم في هذه العلاقة هو محاولةُ إقامةِ نوعٍ من التوازي الدقيق بين الكتابة السينمائية والكتابة الأدبية، عبر البحث في كشف وفهم غرابة السينما التي انطلقت مع بدايتها الصامتة، مدشنة خصوصيتها وأصالتها، عكس فرادة الأدب التي تجلت في دلائل اللغة، وانكشفت في النصوص المكتوبة. يثيرني ذلك الجدل المتبدي في إثارة البصري داخل الأدب، واستجلاء عناصر الأدبية القصصية داخل السينما، أي تلك الصفات القادرة على منحنا نفس الشغف الذي يقودنا نحو اختيار التمتع بهما معاً.

هل نرى يوماً ما مجموعتك القصصية "الكراطيط" كعمل سينمائي؟

هذه المسألة متوقفة على اقتراب السينمائيين من القصة المغربية القصيرة في عمومها، فلا أستطيع أن أعرض عليهم قراءتها أو تحويلها ما دمت أبحث عن مشاهدة أعمالهم والكتابة عن بعضها محاولاً عدم اللجوء إليهم كي أتزود بالمسافة اللازمة لتحقيق المتعة. في مقابل ذلك، اهتم بها بعضُ المسرحيين وكتاب المواقف الساخرة، ولكن المحاولات لم تظهر بعد.

بعد الرجوع، بإيعاز من قراء المجموعة، إلى متنها، أظن أن السخرية تفيدنا في تجاوز الثقة التي نغرق فيها، وتبديد ما نمتلكه من أسيجة اليقين، ضداً للتشبث بما نذهب إليه من انحيازات غامضة. يبدو أن فاعلية السخرية والتهكم والضحك واضحة في التمهيد لمعالجتها٬ ومُيَسِّرَة لولوج السينما أو لغيرها من فنون العرض لطرق أبوابها. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image