مددت الدورة السابعة والعشرون لمؤتمر المناخ أعمالها إلى يوم غد السبت، بعد أن كان مقرراً ختامها اليوم، في محاولة للتوصل إلى آلية واضحة لتمويل الأضرار الناتجة عن الكوارث المناخية التي تضرب الدول النامية أو الفقيرة. وتقود دول الـ77، وهي تحالف من الدول النامية، بجانب المجموعة الإفريقية، جهود إلزام دول الشمال بالموافقة على إنشاء الصندوق الخاص بتلك الآلية، وتحديد طرق تمويله.
وقد اقترحت مجموعة الـ77 والصين، إنشاء صندوق الخسائر والأضرار خلال Cop27، المبني على اتفاقية باريس للمناخ، بموجب الفقرتين 1 و3 من المادة 11 من الاتفاقية، لتغطية معالجة الخسائر والأضرار الاقتصادية وغير الاقتصادية، الناجمة عن التغير المناخي، بما في ذلك الظواهر الجوية الشديدة والظواهر البطيئة.
يتشكل الصندوق المقترح من لجنة انتقالية مكونة من 35 عضواً، ممثلين عن الدول النامية والمتقدمة: 20 عضواً من البلدان النامية، مع وجود أربعة أشخاص من كل من إفريقيا، وآسيا والمحيط الهادئ، وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، والدول الجزرية الصغيرة والنامية، وأقل البلدان نمواً، و15 عضواً من الدول المتقدمة، على أساس محدد المدة، ويتم اختيار الأعضاء بحلول 31 كانون الأول/ ديسمبر، وتصميم هيكل الصندوق وآليته ليتم التوافق عليه في المؤتمر القادم Cop28.
يُقصد بالخسائر والأضرار، الآثار السلبية لتغير المناخ وكذلك الخسائر الناتجة عن الكوارث المناخية التي تضرب دولاً عدة .
شمل المقترح عقد أربعة اجتماعات على الأقل في السنة، للّجنة الانتقالية، على أن يدعو الأمين التنفيذي للأمانة، بالتشاور مع رئيس مؤتمر الأطراف، إلى عقد الاجتماع الأولي للّجنة الانتقالية في موعد أقصاه آذار/ مارس 2023، مع الأعضاء الذين لديهم الخبرة اللازمة، ولا سيما في مجال التمويل والخسائر والأضرار وتغير المناخ.
الخسائر والأضرار
يُقصد بالخسائر والأضرار، الآثار السلبية لتغير المناخ وكذلك الخسائر الناتجة عن الكوارث المناخية التي تضرب دولاً عدة بفعل التغيرات المناخية، الناتجة عن الغازات الدفيئة الناتجة جراء استخدام الوقود الأحفوري في الصناعة ووسائل النقل.
وقد تسببت دول الشمال في ارتفاع متوسط درجة الحرارة عالمياً بمقدار 1.2 درجة مئوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، ما أدى إلى بعض ظواهر التطرف المناخي، بينها جفاف الأنهار في مناطق والفيضانات في مناطق أخرى، بالإضافة إلى ذوبان الثلوج وارتفاع مستوى سطح البحر، وهي ظواهر تضرب الدول النامية بشكل أكبر من غيرها، بالرغم من مساهمتها القليلة جداً في مسبباتها.
الخسارة والضرر معترف بهما رسمياً من قبل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، ودائماً ما تتم مناقشتهما في مؤتمرات الأطراف، ولكن لم يوفر تمويل مخصص لهما، وخلال قمة المناخ العام الماضي، كانا نقطةً شائكةً في المفاوضات، لخوف الدول المتقدمة من المسؤولية القانونية، وأن تقع في مطب التقاضي المفتوح والتعويض عن الكوارث المناخية.
وفقاً لميريام مسعد، الناشطة المناخية الجزائرية العاملة في إحدى منظمات المجتمع المدني، فإن الخسائر والأضرار تشمل مجموعةً واسعةً من الظروف، هي الطقس القاسي أو الأحداث السريعة الحدوث، مثل العواصف والأعاصير وموجات الحر والفيضانات، وكذلك الأحداث البطيئة الحدوث، مثل الجفاف والتصحر وارتفاع درجة الحرارة والأرض التدهور وارتفاع مستوى سطح البحر وتملح التربة.
وقدّر تقرير صدر في حزيران/ يونيو الماضي، عن مجموعة من 58 دولةً معرضةً للخطر، خسائرها المرتبطة بالمناخ على مدار العقدين الماضيين، بنحو 525 مليار دولار، تمثل نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي لها جميعاً، وتشير بعض الأبحاث إلى أن مثل هذه الخسائر قد تصل بحلول عام 2030، إلى 580 مليار دولار كل عام.
الخسارة والضرر معترف بهما رسمياً من قبل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، ودائماً ما تتم مناقشتهما في مؤتمرات الأطراف، ولكن لم يوفر تمويل مخصص لهما، وخلال قمة المناخ العام الماضي، كانا نقطةً شائكةً في المفاوضات لخوف الدول المتقدمة من المسؤولية القانونية
الدول المتقدمة تعرقل إنشاء الصندوق
تسعى الدول المتقدمة خلال الدورة الحالية، وعلى رأسها أمريكا ونيوزيلندا والنرويج وأستراليا، إلى عرقلة أي تقدم حول إنشاء صندوق تمويل الخسائر والأضرار المناخيّة، الذي تعول الدول النامية المتضررة من تأثيرات التغيرات المناخية على إنشائه، بينما بدت أوروبا أكثر استجابةً للنقاشات.
وقال أحمد الدروبي، مدير الحملات في منظمة السلام الأخضر "غرينبيس" البيئية العالمية، إن الدول المتقدمة تحاول تسويف النقاشات حول إنشاء الصندوق، وهو المحور الثالث في التفاوض والنقاشات حول المناخ بعد التخفيف والتكيف، موضحاً أن هذه الدول تتحدث عن آليات تمويل الخسائر في العموم، وتريد أن تقرر بعد عامين إن كانت ستنشئ الصندوق أم لا.
وكشف الناشط المصري في لقاء مع رصيف22، أنهم يشيرون إلى آلية التأمين عبر شركات التأمين العالمية، بمعنى أن تؤمّن الدول ضد الخسائر والكوارث، وفي حال حدوث كوارث أو أضرار تدفع شركات التأمين للدول المتضررة، لتعويض الخسائر، مشيراً إلى أن ألمانيا تتبنى هذا الاتجاه، ولديها تصور ورؤية واضحين للتطبيق، موضحاً أنه ينبغي على إفريقيا أن تستغل فرصة إقامة مؤتمر المناخ على أراضيها هذا العام، وتفرض رغبتها في إنشاء الصندوق على الدول المتقدمة.
مقترح "درع عالمي"
وقدمت الدول المتقدمة G7، مبادرة الدرع العالمي ضد مخاطر المناخ، بهدف توفير الأموال بسرعة للمجتمعات المحلية المتضررة من الكوارث المناخية في البلدان الأكثر تضرراً. وقالت ألمانيا التي تقود المجموعة المكونة من أمريكا والمملكة المتحدة واليابان وكندا وفرنسا وإيطاليا، إنها تستهدف توفير الحماية من مخاطر المناخ لأكبر عدد ممكن من الفقراء والضعفاء، وقد ساهمت بـ170 مليون يورو للدرع، 84 مليون يورو منها للهيكل التمويلي المركزي، والصناديق الأخرى للأدوات التكميلية لتمويل مخاطر المناخ.
إنشاء الدرع العالمي ضد مخاطر المناخ، استمرار لتهرب الدول الصناعية من إنشاء صندوق المخاطر والأضرار.
وقد أكد وزير الخارجية الأمريكي السابق والمبعوث الرئاسي للمناخ، أن الدرع العالمي للمناخ هو "بداية جيدة للدول المتضررة من ظواهر التغيرات المناخية، وهو محاولة عاجلة للتعامل مع الظاهرة، لكنه غير كافٍ لتعويض الدول النامية عن الأضرار التي لحقت بها بسبب الكوارث المناخية، أو لتعويض المجتمعات المحلية المتضررة من المناخ مستقبلاً".
من جانبه، قال الناشط المصري مصطفى عدوي، إن إنشاء الدرع العالمي ضد مخاطر المناخ، استمرار لتهرب الدول الصناعية من إنشاء صندوق المخاطر والأضرار، الذي يلزمها بدفع مبالغ سنوية، وهو غير فعال على المدى البعيد، ولا يشمل تعويض جميع الأضرار أو المتضررين.
وأضاف لرصيف22: "الدرع مبني على دفع مبلغ سنوي لشركات تأمين ضد أضرار الكوارث المناخية لأكثر 20 دولةً معرضةً للتغيرات المناخية، وتتحمل الشركات كلفة التعويض، في حين أن صندوق الخسائر والأضرار من المقرر أن يعوض جميع الدول المتضررة من الكوارث المناخية، وليس عشرين دولةً فقط".
وضمن السياق نفسه، يتحدث هارجيت سينغ، وهو مسؤول باكستاني بارز في شبكة العمل المناخي الدولية (منظمة مجتمع مدني بيئية)، عن أن الهدف الأساسي للدول النامية هو إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، ولا يمكن صرف النظر عنه وعدّ أن الدرع سيشكل بديلاً له، لأن الأخير لن يعوض الجميع، موضحاً أن الدرع لن يتمكن من معالجة النطاق المتزايد للفيضانات والعواصف والجفاف.
وأضاف سنيغ في لقاء مع رصيف22: "لا يمكن الاحتفاء بإنشاء الصندوق بأي طريقة، فكيف يمكن وضع مقياس للمخاطر والأضرار؟ وما هي إجراءات حسابه؟ ومن يمكنه فعل ذلك؟"، موضحاً أن التركيز غير المتناسب على آلية جديدة لا تُغطي الأحداث البطيئة مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، أو فقدان اللغة والثقافة، لا يمكن أن يفي باحتياجات المجتمعات على الأرض.
الدول الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية تنتظر مساعدات ودعماً مالياً من الدول المتقدمة، كونها المسؤولة تاريخياً عن أزمة الاحتباس الحراري، لكن المساعدات وحدها لا تكفي، وينبغي على هذه الدول أن تفكر في وسائل وأدوات جديدة وحلول محلية فاعلة، كي تقلل فاتورة الضرر الواقع عليها
ظواهر مناخية "بالجملة"
يقول الدكتور عاصم عبد المنعم، أستاذ مساعد مصري في اقتصاديات التغيرات المناخية، إن الدول المتقدمة تتهرب من مسؤوليتها عن الأمة وتتهرب من دعم وتمويل الضرر في الدول النامية، بالرغم من رصد قرابة 120 حدثاً مناخياً شديداً في البلدان النامية خلال 2022، ناتجاً عن ظواهر الطقس المتطرف وما تبعه من خسائر في الأرواح والممتلكات. وعلى الجانب الآخر، حققت 6 شركات فقط للوقود الأحفوري، خلال النصف الأول من 2022، ما يكفي لتغطية تكلفة الظواهر المناخية والظواهر المتطرفة الكبرى في البلدان النامية، ولا يزال لديها ما يقرب من 70 مليار دولار متبقية في صورة ربح خالص، وفق حديثه.
الفيضانات في باكستان والسودان، مثال واضح للتأثير الضار للتغيرات المناخية على الدول النامية، فقد أثّرت الفيضانات في باكستان، في أيلول/ سبتمبر الماضي، على حياة نحو 33 مليون شخص، وقتلت المئات وسببت أضراراً تعدّت تكلفتها 200 مليار دولار، وفقاً لمصدر رسمي من الوفد الباكستاني لـCop27. وقد خلّفت فيضانات السودان، التي وقعت في الشهر ذاته، مئات القتلى والمصابين، ودمّرت قرابة 34 ألف منزل، وفقاً لإحصائيات الدفاع المدني السوداني.
من جانبه، يعلّق الخبير البيئي خالد سليمان المقيم في كندا، قائلاً إن الدول الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية والدول الفقيرة مالياً وتكنولوجياً، تنتظر مساعدات ودعماً مالياً من الدول المتقدمة الغنية، كونها المسؤولة تاريخياً عن أزمة الاحتباس الحراري، لكن المساعدات وحدها لا تكفي، وينبغي على هذه الدول أن تفكر في وسائل وأدوات جديدة وحلول محلية فاعلة، كي تقلل فاتورة الضرر الواقع عليها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.