شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
نساء حاولن التوعية بمخاطر

نساء حاولن التوعية بمخاطر "زواج القاصرات"... و"تحرير الشام حامية العقيدة" تنفيهنّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 19 يناير 202303:24 م

"عملت مع عدد من الناشطات في مخيمات إدلب على تشكيل فريق تطوعي مهمته زيارة النساء في خيامهم، من أجل التوعية والتنبيه حول مخاطر الزواج المبكر، وضرورة أن تتلقى الفتاة التعليم والرعاية الكافية برغم الظروف الصعبة، لكن سرعان ما توقف المشروع بعد أن استدعتني إحدى المحاكم التابعة لهيئة تحرير الشام في منطقة سرمدا، بحجة العمل وتشكيل فريق تطوعي من دون ترخيص".

بهذه الكلمات تختصر هالة محمد علي غفير(37 عاماً)، وهي قابلة قانونية عملت لمدة ثلاث سنوات في مخيم مشهد روحين في إدلب قبل انتقالها للعيش والعمل في مدينة إعزاز شمال حلب، تجربتها مع تنظيم متشدد، حين أرادت أن تمارس دورها في التوعية.

تُكمل هالة في روايتها لما حصل معها: "وصلتني ورقة تطلب مني الحضور إلى إحدى المحاكم جنوب مدينة سرمدا، في حزيران/يونيو 2020، وفعلاً ذهبت إلى هناك برفقة زوجي، فتم تفتيش هاتفي بشكل دقيق من قبل محقق في غرفة صغيرة، ثم بدأ يسأل عن الجهات التي تموّل هذا المشروع ومن يقف خلفه وما الهدف منه، وبعد أن بيّنت له أن الأمر مجرد مبادرة فردية من دون تنسيق مع أحد، تمّ تغريمي مبلغ 2،000 ليرة تركية، والسجن لمدة شهر مع وقف التنفيذ، بسبب تشكيل فريق تطوعي من دون ترخيص أو تنسيق مع الحكومة، وهُددت في حال العودة إلى هكذا نشاط بأنني سأخسر وظيفتي في المركز الصحي في مخيم مشهد روحين".

يُعد الزواج المبكر، ظاهرةً قديمةً في المجتمعات السورية لكنها أخذت بالازدياد مع تصاعد حدّة ذلك النزاع وطول أمده

ولكن ما الذي دفع هالة إلى هذه المبادرة؟ تقول: "بعيداً عن قدرتهن على الأنجاب وعلى المشكلات المترتبة على زواج الفتيات في سن مبكرة، دائماً ما أقول في نفسي ولمن حولي من زميلات في المركز الصحي؛ كيف لرجل أن تغويه أو تثيره طفلة، فكثيرات من الفتيات اللواتي يحضرن إلى المركز يشتكين من آلام الحمل وتبعاته، وألاحظ أن أجسادهنّ لم يكتمل نموها بعد برغم وصولهن إلى البلوغ. ولاحظت ذلك أيضاً خلال قيامي بتوليد بعض الفتيات في خيامهن، وبالرغم من أنني ابنة هذا الواقع وعلى علم ودراية بتفاصيله وأعلم الكثير من القصص المؤلمة، إلا أنني أحاول دائماً وفي كل مرة تأتي إلى المركز فتاة تزوجت في سن مبكرة، أن أستمع إلى قصتها".

إحدى هذه القصص، أنه في إحدى الليالي، وفي وقت متأخر، أتت إلى بيتها امرأة تريد منها أن تولد ابنتها التي كان عمرها آنذاك 25 عاماً، وبعد أن تمّت الولادة، جلست هالة مع الأم لتستفسر عن سبب تزويج ابنتها وهي صغيرة، فعاجلتها الأم بقولها: "وهل هو عيب أو حرام؟"، لتكمل بالعامية وهي تضحك: "إي شو رح يصير عليها، أنا تزوجت عمري 16 سنةً، وأمي تزوجت بنت أربعة عشر وهلق زوجها رح يدللها لأنها جابتله ولد. وحتى بنتي التانية عمرها 14 سنةً ومخطوبة لابن عمها وبنتي التالتة عمرها 11 سنةً كتيرين عم يطلبوها بس بعدها صغيرة، ما رح زوجها هلق، وهم البنات للممات خلّيني ارتاح منهن وزوجهن".

الخطاب الديني الضيّق

ترك النزاع السوري المستمّر منذ أكثر من تسع سنوات، معاناةً ستظلّ آثارها ملازمةً للعديد من النساء وخاصةً الفتيات اليافعات منهن، إذ يواجهنَ تحديات معقّدةً على نحو متواصل، من شأنها أن تغير مجرى نموهنّ وحياتهنّ إلى الأبد، ولعلّ من أبرز تلك التحديات هو الزواج المبكر، الذي يُعدّ ظاهرةً قديمةً في المجتمعات السورية لكنها أخذت بالازدياد مع تصاعد حدّة ذلك النزاع وطول أمده.

وبرغم وجود هذه الظاهرة في مختلف المناطق السورية، إلا أن النسب المئوية لا يمكن مقارنتها مع ما تعانيه المخيمات العشوائية في محافظة إدلب من تفشي ظاهرة الزواج المبكر، ولعبت ظروف مركبة عدة في انتشارها، إلا أن هيئة تحرير الشام التي تسيطر على تلك المحافظة وأجزاء من ريفي حماه وحلب، تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية في تغذية هذه الظاهرة من خلال محاربتها لأي أنشطة توعوية أو تثقيفية مرتبطة بالأطفال والنساء، والتي تقيمها المنظمات الإنسانية، وتغذية الخطاب الذي يحض على ضرورة تزويج الفتاة في سن صغيرة.

ويمكن للمراقب ملاحظة سياسة تحرير الشام حول هذا الموضوع من خلال ما يرمي به خطباء المساجد المعيّنين من قبل تحرير الشام، في عموم إدلب، عن أن معظم المنظمات الإنسانية ومن خلال هذه الأفكار الدخيلة على المجتمع السوري، تهدف إلى تفكيكه ونشر الرذيلة فيه وإفساد الفتيات والنساء، وأن المرأة ليس لها سوى بيت زوجها وأطفالها ولا مشكلة في زواج الفتيات طالما كنّ قادرات على الإنجاب. ويستشهد الخطباء بعادات العرب قديماً في مسألة الزواج المبكر، متناسين تماماً الظروف المعيشية المختلفة بين الحقبتين الماضية ووقتنا الحاضر.

الحرب المستمرّة

ميساء، أم محمود(42 عاماً)، هي ناشطة نسوية من مدينة الأتارب في ريف حلب، تقيم اليوم في مدينة عفرين حيث كانت مديرةً لمركز متخصص في تقديم المساعدة للنساء في المدينة، من خلال تعليمهن مهناً مختلفةً كالخياطة والأشغال اليدوية بالإضافة إلى دورات محو الأمية فضلاً عن التثقيف والتوعية حول حقوقهن كنساء.

"إي شو رح يصير عليها، أنا تزوجت عمري 16 سنةً، وأمي تزوجت بنت أربعة عشر وهلق زوجها رح يدللها لأنها جابتله ولد. وبنتي التانية عمرها 14 سنةً ومخطوبة لابن عمها، وهم البنات للممات خلّيني ارتاح منهن وزوجهن"

اضطرت أم محمود إلى الهرب من مدينة الأتارب، بعد أن داهم عناصر أمنيون يتبعون لهيئة تحرير الشام المركز في أيار/مايو 2019، وقاموا بمصادرة محتوياته من أجهزة كمبيوتر وغيرها واعتقال جميع العاملين فيه قبل أن يفرَج عنهم لاحقاً، وتقول لرصيف22: "أنا امرأة خسرت زوجي ومنزلي في حلب، بسبب موقفي من الثورة السورية، وعانيت كثيراً، ومن رحم هذه المعاناة قررت أن أُسخّر كل جهدي ووقتي لمساعدة النساء اللواتي لا ذنب لهنّ في ما حصل سوى أنهن الحلقة الأضعف في هذا المجتمع".

تضيف: "عملت مع مجموعة من الناشطات على إنشاء مركز متخصص في التدريب والتوعية في منطقة الأتارب، واستطعنا خلال الأعوام الثلاثة التي سبقت إغلاق المركز، مساعدة أكثر من 300 امرأة من خلال تعليمهن مهناً مختلفةً ومتابعتهن ومساعدتهم في مشاريعهن الخاصة، برغم قلة الدعم الذي كنا نحصل عليه، ومن خلال نشاطي وعملي في هذا المركز، كنت شاهدةً على مئات القصص المأساوية لفتيات أُجبرنَ على الزواج مبكراً ووقعن ضحيته".

تعطي أم محمود مثالاً على هذا الواقع، فتروي عن الطفلة مريم التي أثّرت فيها كثيراً، فالأخيرة من منطقة سنجار في ريف حلب، ونازحة في مخيمات دير حسان شمال إدلب، وكانت أيضاً إحدى الفتيات اللواتي أُجبرن على الزواج في سن 14 عاماً من ابن عمها البالغ من العمر (22 عاماً)، وتحديداً في العام 2018، لكنه اختفى فجأةً بداية العام 2019، وعلمت بأنه قرر سلوك طرق التهريب إلى أوروبا من دون أن يخبرها، فوجدت نفسها عرضةً لانتقادات المجتمع المحيط بها وظلمه، وعادت إلى خيمة عائلتها وهي تحمل طفلها حديث الولادة، والذي تخلّى عنه والده.

تبعات الزواج المبكر

يقول المحامي علي السواح، لرصيف22، إن "أبرز التبعات السلبية التي يخلّفها الزواج المبكر في مناطق مختلفة من سوريا وخاصةً في إدلب وريف حلب الشمالي، هي ازدياد حالات الطلاق وعدم قدرة الزوجين على فهم مؤسسة الزواج، بسبب صغر سنّهما ولعل العاقبة الأخطر هي عدم تثبيت هذه الزيجات في السجلات الرسمية".

حذرت الأمم المتحدة من أن ثلث النساء في البلدان النامية يصبحن أمهات في مرحلة المراهقة (أقل من 19 عاماً)، ويُصَبن بمضاعفات جسدية ونفسية

يتحدث المحامي عن أن "غالبية الزيجات الحاصلة في محافظة إدلب لم يتم تثبيتها في المحاكم الشرعية المختصة والتابعة لسلطة هيئة تحرير الشام، لكونها غير معترف بها، كما لم يتم تثبيتها في المحاكم الموجودة ضمن مناطق سيطرة النظام السوري نتيجة خوف العائلات من الاعتقال في حال توجهوا إلى هذه المناطق، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف معاملة الزواج والبطاقة العائلية إذا ما أراد الزوج استخراجها بطريقة غير قانونية".

ويضيف: "عدم تثبيت الزواج في السجلات الرسمية يؤدي إلى عواقب وخيمة، خاصةً على الزوجة والأطفال، وأهمّها حرمان الزوجة من تثبيت زواجها بالإضافة إلى تثبيت نسب أطفالها، وحرمانها من الحصول على حقوقها في الميراث أو الحصول على مهرها وباقي حقوقها كأقل تقدير في حال وقع خلاف بين الزوجين، في حين تترتب مخاطر كبيرة على الأطفال نتيجة ذلك إذ يصبح هؤلاء في عداد مكتومي القيد ما يؤدي إلى حرمانهم من حقّ التعلم والإرث وتكوين الأسرة والعمل".

ويُكمل السواح: "من عواقب الزواج المبكر أيضاً، معاناة الزوجة القاصر سيما أن بعضهن لم يكتمل جسدهن بالشكل القويم والسويّ الذي يساعد على الزواج، مما يؤدي إلى عواقب كارثية على صحة الفتاة وجسدها، ولا شك أن السبب الأكبر لانتشار ظاهرة الزواج المبكر وخصوصاً بين النازحين هو الفقر والتشرد وتفشّي الأمية والجهل".

وحذرت الأمم المتحدة من أن ثلث النساء في البلدان النامية يصبحن أمهات في مرحلة المراهقة (أقل من 19 عاماً)، ويُصَبن بمضاعفات جسدية ونفسية.

ووفق أحدث دراسة لصندوق الأمم المتحدة للسكان، نُشرت في تموز/ يوليو الماضي، فإن ما يقرب من نصف الولادات الأولى للفتيات أقل من 17 عاماً، تنتهي بالإجهاض، ومعظمها يحدث في ظروف غير آمنة. وقالت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان ناتاليا كانيم: "عندما يصبح ما يقرب من ثلث جميع النساء في البلدان النامية أمهات خلال فترة المراهقة فمن الواضح أن العالم يخذل الفتيات اليافعات".

وحددت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا في دراسة سابقة أسباب المشكلة والتي تتركز على العلاقات الأسرية والمجتمعية والنظرة إلى أدوار كل من الجنسين والمحدِّدات الناتجة عن انعدام الاستقرار والتشريد والفقر المدقع.

وتنتشر ظاهرة زواج القاصرات بكثافة في المنطقة العربية، لا سيما في المغرب واليمن ومصر وسوريا والعراق والسودان ولبنان والصومال وليبيا.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard
Popup Image