أعلنت السلطة القضائية الإيرانية صباح اليوم 14 كانون الثاني/يناير 2023، تنفيذ حكم الإعدام بحق نائب وزير الدفاع الإيراني السابق الذي يحمل الجنسية البريطانية علي رضا أكبري، بتهمة "الإفساد في الأرض، والمسّ بالأمن الداخلي والخارجي للبلاد عبر نقل معلومات استخبارية" إلىى بريطانيا.
واعتقل أكبري عام 2019 وأدين بتهمة التجسس لصالح جهاز استخبارات MI6 للمملكة المتحدة. وصرحت وزارة الاستخبارات الإيرانية أن أكبري والذي سُمّي "الجاسوس الخارق" من قبل السلطات الإيرانية، كان "أحد أهم المتسللين للمراكز الحساسة والإستراتيجية في البلاد" لصالح بريطانيا، وأنه كان "يجمع وينقل المعلومات عن وعي".
ونشرت وكالة "إرنا" للأنباء مقطعاً مصوراً، قالت إنه يظهر أن المواطن البريطاني الإيراني علي رضا أكبري أدى دوراً في اغتيال أكبر عالم نووي في البلاد محسن فَخري زاده في 2020.
من هو المتهم؟
يعتبر أكبري البالغ من العمر 61 عاماً من أبرز المقاتلين في الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، وقد شارك في صفوف الحرب 70 شهراً؛ تقلد أكبري مناصب رفيعة في جهاز الأمن والدفاع الإيراني أثناء تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من قرن الـ21، منها: نائب وزير الدفاع للعلاقات الخارجية ومستشار قائد القوات البحرية، ورئيس قسم في مركز بحوث وزارة الدفاع، إضافة إلى عمله في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي.
جاء إعدام أكبري بعد تنفيذ حكم الإعدام بحق 4 من المحتجين بتهمة "الحرابة"، منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي، وهو ما شكل حساسية عالية تجاه أحكام الإعدام في الآونة الأخيرة
وفي المسؤوليات التي ترأسها في السابق كان نائباً لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، عندما كان الأخير وزيراً للدفاع في حكومة الرئيس الأسبق خاتمي (1997و2005). كذلك عمل أكبري في فريق رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، عندما كان الأخير كبيراً للمفاوضين النوويين بين عامي 2005 و2007.
ونشرت صحيفة "هَمْشَهْرِي"، أن أكبري قد ارتبط بالسفير البريطاني عام 2005، وقد سافر إلى لندن والتقى بضابط جهاز الاستخبارات الإنكليزي عام 2006، كما استكمل لقاءاته مع جهاز MI6 في دول أوروبية في عام 2007. وأضافت أن أكبري تلقى معدات للتواصل مع الاستخبارات البريطانية عام 2008، كما دشن شركة وهمية لتبرير رحلاتها الأوروبية، وفي نفس العام تم اعتقاله من قبل وزارة الأمن الإيراني، وحكم بعقوبة مع وقف التنفيذ، إضافة إلى الحصول على الالتزام منه بقطع تواصلاته مع جهاز MI6.
علي شمخاني
وشرحت الصحيفة الإيرانية أن أكبري عاد إلى أوروباعام 2010 بحجة العلاج وتواصل مجدداً مع استخبارات المملكة المتحدة، كما نال الجنسية البريطانية. وبعد عامين عاد للبلاد وتواصل مع كبار المسؤولين وجمع منهم الكثير من المعلومات السرّية، كما وتسلل إلى مراكز صنع القرار النظام الإيراني، حتي اعتقلته وزارة الاستخبارات مجدداً عام 2019.
وحوكم أمام القاضي أبو القاسم صلَواتي المشهور بإصدار أحكام ثقيلة في الفرع 15 لمحكمة الثورة الإسلامية بطهران، وعوقب بالإعدام كما أيدت المحكمة العليا الحكمَ الأصلي.
ماذا يقول المتهم وأسرته؟
وكانت قناة بي بي سي الناطقة باللغة الفارسية، قد حصلت على رسالة صوتية من أكبري، قد سجلتها أسرته عبر اتصال هاتفي معه، زعم فيها أنه تعرض للتعذيب وأجبر على الاعتراف أمام الكاميرا بجرائم لم يرتكبها.
وقال إنه كان يعيش في بريطانيا قبل بضع سنوات عندما تمت دعوته لزيارة إيران، بناءً على طلب جاء من دبلوماسي إيراني رفيع المستوى، كان مشاركاً في محادثات نووية مع القوى العالمية.
وأضاف أنه بمجرد وصوله إلى هناك، اتُّهم بالحصول على معلومات استخبارية سرية للغاية من أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، مقابل زجاجة عطر وقميص أهداها لشَمخاني.
"لا تعدمو أحداً، إن كان جاسوساً أو غير جاسوس، وإن كان قاتلاً أو غير قاتل، وإن كان مفسداً أو غير ذلك. الإعدام عقوبة غير إنسانية. الإعدام ليس طريقاً"
وكشف مهدي أكبري شقيق المتهم لتلفزيون بي بي سي أن شقيقه عاد إلى إيران في تموز/يوليو 2019، بدعوة من أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شَمخاني، ومنذ البداية وضع تحت المظلة الأمنية وتم استجوابه في مقرات سرية لوزارة الاستخبارات.
كما شرحت مريم زوجة المتهم أكبري في ملف صوتي آخر، نشرته بي بي سي: "أن بعض زملاء علي رضا أكبري، شاهدوا ملفه القضائي وأكدوا أن عقوبة هذه التّهم ليست الإعدام".
وتعتقد زوجته أنه التقى مسؤولين بريطانيين قبل 12 عام في إطار المهام الموكلة إليه من قبل النظام في إيران، كما تقول إن الوثائق المرفوعة ضده قد أعطتها روسيا لإيران.
دوافع سياسية
استنكرت لندن الحكمَ، وكانت قد دعت إلى وقف تنفيذ حكم الإعدام بحقّ أكبري وإطلاق سراحه فوراً، وأعرب رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، اليوم السبت عن انزعاجه العميق من إعدام طهران البريطانيَّ الإيراني علي رضا أكبري، معتبراً إعدامه في إيران "قاسياً وعملاً إرهابياً من قبل نظام همجي".
وأكد وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي أن "الاتهامات الموجهة لأكبري ذات دوافع سياسية وصدرت من نظام وحشي لا يحترم حياة الإنسان". ووصف إعدام أكبري بأنه يستحق الإدانة بكل العبارات. كما قال: "اننا سنسحب سفيرنا من إيران مؤقتاً، لإجراء مزيد من المشاورات، بعد إعدام علي رضا أكبري"، لافتاً إلى أن "ردنا على إيران لن يقتصر على اليوم، وندرس المزيد من الإجراءات".
هذا وفرضت بريطانيا عقوبات على المدعي العام الإيراني محمد منتظري، على خلفية إعدام أكبري.
ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إعدام علي رضا أكبري بأنه "عمل بشع ووحشي". وأكد أنه يتضامن مع بريطانيا. وبدورها، استدعت ألمانيا السفير الإيراني لديها احتجاجاً على هذا الإعدام.
وفي المقابل، أعلنت الخارجية الإيرانية استدعاء السفير البريطاني لدى طهران سايمون شركليف، "رداً على التدخلات غير المتعارف عليها لبريطانيا، بما يشمل مجال الأمن القومي للجمهورية الإسلامية الإيرانية"، وفقاً لها.
وقد دعت واشنطن بدورها طهرانَ إلى الإفراج الفوري عن أكبري، وأكدت أن إعدامه سيكون "غير معقول". وقالت إن لديها أدوات مختلفة لمحاسبة إيران على أفعالها، وإنها تدين الممارسات الإيرانية من "الاعتقالات التعسفية والظالمة والاعترافات القسرية والإعدامات ذات الدوافع السياسية".
ويأتي تنفيذ حكم الإعدام هذا وسط الاحتجاجات التي تشهدها إيران عقب وفاة مهسا أميني في أيلول/ سبتمبر الماضي، حيث أعلنت الحكومة توقيف الكثير من الأشخاص على خلفية قيامهم بالتجسس ضد الجمهورية الإسلامية لحساب أجهزة استخبارات معادية، وقد نفذت حكم الإعدام بحق 4 أشخاص بتهمة التعاون مع إسرائيل في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
من جانب آخر، جاء إعدام أكبري بعد تنفيذ حكم الإعدام بحق 4 من المحتجين بتهمة "الحرابة"، منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي، وهو ما شكل حساسية عالية تجاه أحكام الإعدام في الآونة الأخيرة.
رأي الشارع الإيراني
تفاعل الإيرانيون مع أنباء إعدام نائب وزير الدفاع الأسبق، بين معارض ومؤيد، إذ تناول الصحافي المعارض في خارج إيران بوريا زِراعَتي حكمَ الإعدام من منظار آخر، فعلق: "الأمر يشير إلى أن النظام الإيراني خائف من دخول الحرس الثوري في قائمة الإرهاب للاتحاد الأوروبي وبريطانيا. ستأتي قريباً أنباء مهمة (نسمعها) من أوروبا وإنكلترا. السقوط قريب".
وكتب الناشط الاجتماعي محمد جواد أكبرين: "لم يتمتع علي رضا أكبري من محاكمة عادلة، يبدو أن إعدامه يتم بسبب العناد مع بريطانيا. جيد أنه قد تم تبادل نازنين زاغِري بسرعة". وزاغري هي مواطنة إيرانية تحمل الجنسية البريطانية، سجنت 6 سنوات بتهمة التجسس، وتم الإفراج عنها بعد صفقة بين طهران ولندن في آذار/مارس 2022.
صرحت وزارة الاستخبارات الإيرانية أن أكبري كان "أحد أهم المتسللين للمراكز الحساسة والإستراتيجية في البلاد" لصالح بريطانيا، وأنه كان "يجمع وينقل المعلومات عن وعي"
أما الناشط السياسي عماد الدين باقي، رئيس لجنة الدفاع عن السجناء في إيران (منظمة غير حكومية)، ومن أبرز الوجوه التي أطلقت حملة "لا للإعدام" في البلاد فشرح: "وفق القانون، عقوبة التجسس وتسريب الوثائق السرّية للأجانب من قبل أصحاب المسؤوليات، تكون من سنة إلى 10 سنوات، ولكنهم مع لصق تهمة الحرابة يسلبون حياة الناس بسهولة".
وقالت المحامية فرشته تابانيان: "لا تعدموا أحداً، إن كان جاسوساً أو غير جاسوس، إن كان قاتلاً أو غير قاتل، إن كان مفسداً أو غير ذلك. الإعدام عقوبة غير إنسانية. الإعدام ليس طريقاً"، وأرفقت تغريدتها مع هاشتاغ "لا للإعدام".
كما صرح الناشط الاجتماعي علي موسوي: "تاريخ الثورة الإسلامية مليء بوجود عناصر بمظهر ثوري، يصدحون بشعارات ثورية وأعمال ثورية، ولكنهم ابتعدوا لاحقاً عن النظام الإيراني، بل وقفوا ضده". وأرفق تغريدته بهاشتاع #علیرضا_اکبری.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...