اختارت مجلة شارلي إيبدو الفرنسية نحو 35 عملاً كاريكاتيرياً يسخر من المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، وذلك من أصل 300 عمل، تلقتها عبر مسابقة أطلقتها في بداية كانون الأول/ديسمبر الماضي، إذ نشرت الرسوم المختارة في عدد خاص، الأربعاء الماضي 4 كانون الثاني/يناير الحالي.
واجتهد معدّو هذه الأعمال من حول العالم بما فيهم من إيرانيين في رسم خامنئي في أوضاع مختلفة، منها ما تظهره حاملاً لأسلحة فتاكة وأخرى يبدو فيها متعرضاً للضرب واللكمات من النساء، ويتعرض كذلك للشنق بشعر النساء المحتجّات، كما ولبعض هذه الرسوم محتوى يتعلق بالجنس.
السخرية من رأس النظام الإيراني، جاءت لدعم احتجاجات الشعب الإيراني التي اندلعت في 16 أيلول/سبتمبر الماضي وهي مستمرة حتى الآن، والتي جاءت عقب وفاة الشابة مهسا أميني على إثر احتجازها من قبل شرطة الحجاب، حسب قول شارلي إيبدو. وجرت المسابقة دون جوائز وترتيب للفائزين وحتى دون تصنيف للرسومات كي لا ينتقص من قيمتها المتثملة في دفاعها عن حرية التعبير والتفكير في إيران، ويمكن مشاهدة الرسوم هنا في صفحة شارلي إيبدو.
وأوضح مدير المجلة لوران سوريسو أن ذلك "كان طريقة لإظهار دعمنا للرجال والنساء الإيرانيين الذين يخاطرون بحياتهم للدفاع عن حريتهم ضد النظام الديني الذي يضطهدهم منذ عام 1979".
تفاعل الإيرانيون مع رسوم شارلي إيبدو بإعادة نشرها بشبكات التواصل والتعليق عليها، ووسط ترحيب البعض بها، ووصفها بأنها أدت الواجب تجاه حقيقة خامنئي، كتبت المحامية فِرِشته تابانيان: "معظم رسوم شارلي إيبدو ضد المرأة كما أنها جنسية".
سلّمت الخارجية الإيرانية، السفير الفرنسي، مذكرةَ احتجاج رسمية باسم وزارة الخارجية في هذا الخصوص، مؤكدةً أن "الجمهورية الإسلامية تتوقع ردَّ وإيضاح الحكومة الفرنسية واتخاذ إجراءات تعويضية عبر التنديد بسلوك المجلة"
أما الصحافي المعارض بوريا زِراعتي فعلّق على عمل يرسم خامنئي على هيئة هيكل عظمي للديناصور: "الجيل المقبل سيبحث عن الملالي في متحف علوم الأرض. أقترح (أن يكون المتحف) مقبرة الخميني".
وأشاد رواد آخرون بالرسامة الإيرانية الشهيرة على منصة التويتر ويظهر حسابها الاسم المستعار "قلم فَرسَا"، حيث رسمت خامنئي متعمماً بحبال المشانق التي يعدَم بها المعارضون، ويُعتبر حساب الفنانة من الحسابات التي تنشر أعمالاً ساخرة كاريكاتيرية دعماً للاحتجاجات طيلة الأشهر الماضية.
"نضع إهانة مجلة شارلي إيبدو السخيفة لمقدسات المسلمين في سياق الإنجاب غير الشرعي بنسبة 55 بالمئة في فرنسا. فهذه الأعمال المهينة لا تظهر من أولاد الحلال"، هكذا علّق محمود قائدي الناشط الإيراني المحافظ.
أما البرلماني المحافظ مجتبى تَوانْكَر فغرد: "خلافاً لما أراده الاستكبار العالمي، البحث عن اسم قائد الثورة الإسلامية المعظَّم، بات ترنداً عالمياً حالياً، متوفقاً على المجلة المهينة، ويتوقع مع بدء دفاع أحرار العالم (من خامنئي) يتحول هذا العمل المهين ضد نفسه، كما وعد الله".
الإيرانيون في الداخل والتي تطاردهم لعنة الاعتقالات بعد تعليقهم على أبسط الأشياء، فما بالهم بالسخرية من أعلى شخصية سياسية في البلاد، اكتفوا بالتعليقات على رد النظام الإيراني والذي توعد بأن يكون ردّه حاسماً على الفرنسيين.
طهران تحرم نفسها من خدمات بحثية
بعد نشرها بياناً تنديدياً، استدعت خارجية الجمهورية الإسلامية، السفير الفرنسي في طهران نيكولا روش على خلفية "السلوك المسيء لإحدى الصحف الفرنسية للمرجعية والمقدسات والقيم الدينية والوطنية"، حسب وكالة "إرنا" الإيرانية للأنباء.
وسلّمت الخارجية الإيرانية، السفير الفرنسي، مذكرة احتجاج رسمية باسم وزارة الخارجية في هذا الخصوص، مؤكدةً أن "الجمهورية الإسلامية تتوقع ردّ وإيضاح الحكومة الفرنسية واتخاذ إجراءات تعويضية عبر التنديد بسلوك المجلة".
وبعد الانتهاء من الاستدعاء أعلنت إيران إغلاق مركز البحوث الفرنسية في إيران، وجاء في بيان الخارجية: "وضعت الوزارة حداً لنشاطات مركز البحوث الفرنسية في إيران كمرحلة أولى"، كردّ إيراني على الرسوم الكاريكاتيرية.
ويعتبر المركز ملحقاً لوزارة الخارجية الفرنسية، إذ يعمل فيه باحثون إيرانيون في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية منذ عام 1983، بعد اندماج "البعثة الأثرية الفرنسية في إيران"، التي أنشئت عام 1897، والمعهد الفرنسي للدراسات الإيرانية في طهران الذي أسسه هنري كوربان عام 1947.
صرح الباحثون الإيرانيون بمخالفتهم لهذا القرار، فأجرى المؤرخ الإيراني مجيد تَفرِشي، لقاءً صحفياً مع موقع "فَراز ديلي"، حلل فيه أبعاد هذا القرار الخاطئ وقال: "إغلاق المركز، يضر بإيران أكثر من فرنسا".
أما الناشط إحسان بُداغي، تساءل من الخارجية ما إذا رأت "قائمة الخدمات البحثية والعلمية التي قدمها المركز لتاريخ وثقافة إيران؟"، ووصف المركز بأنه "ثروة إيرانية أكثر من أنها فرنسية".
كما نددت صفحة "فلات إيران"، المعنية بنشر تاريخ وطبيعة البلاد على منصة تويتر، بقرار الخارجية واعتبرت المركز الفرنسي الإيراني بأنه جاء "للبحث في علم الآثار والحث على الدراسات الإيرانية".
وبعد تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان: "إن العمل المهين وغير اللائق الذي بادرت به مجلة فرنسية ضد المرجعية السياسية والدينية لن يمرّ دون ردّ حاسم وفعال. لن نسمح للحكومة الفرنسية بتجاوز حدودها. لقد اختاروا طريقاً خاطئاً بالتأكيد"، انهالت عليه الانتقادات لعدم معرفته بحرية التعبير في فرنسا.
"يعترض عبد اللهيان على الحكومة الفرنسية، ويعتقد بأن إيمانويل ماكرون، قادر على أن يأمر بعدم طباعة الرسوم خلال اتصال هاتفي"، "ينسبون نشاط شارلي إيبدو للحكومة الفرنسية ويهددونها، هذا في حال أن المجلة كانت قد سخرت من الرئيس الفرنسي وزوجته سابقاً. نشاط الصحف خارج إطار قدرة الدولة"، هذه عينة من انتقادات رواد منصات التواصل.
جدران السفارة الفرنسية ساحة للتصفيات
تداول المغردون صوراً من جدران السفارة الفرنسية في طهران، تعكس كتابات تندد بالحكومة الفرنسية، وتظهر الصور شعارات منها: "للبيع"، "ماكرون الحيوان"، "الإبادة في الجزائر"، "دار المثليين"، "داعمي الإرهاب"، "فرنسا الاستعمارية".
وبات أسلوب كتاب الشعارات على حيطان السفارات في طهران، عادة يلتزم بها المتشددون من أنصار النظام وبدعم حكومي واضح، حيث كان قد تكرر مع السفارة البريطانية من قبل وفي أكثر من مرة.
وعلّق الإيرانيون كذلك على نهج البلطجية المدعومين، واعتبروه هجوماً من أنصار خامئني على السفارة، وغرد المعارض السياسي جَمشيد بَرزَكَر: "شككت الصين في وحدة أراضي إيران (في بيان رسمي مع دول الخليج)، لكن الخارجية دعت السفير الصيني بمنتهى الذُّل، وأما عن رسوم شارلي إيبدو الكاريكاتيرية فيتم استدعاء السفير الفرنسي وكتابة الشعارات على جدران السفارة".
يأتي السجال الإيراني الفرنسي بعد تدهور العلاقات بين فرنسا وإيران في الأشهر الأخيرة مع تعطل جهود إحياء المحادثات النووية التي تشمل فرنسا، ومع دعم الحكومة الفرنسية من الاحتجاجات ووصفها بـ"الثورة"، وكذلك مع اعتقال طهران لفرنسيين تعتبرهم جواسيس
الحكومة الفرنسية وعلى لسان وزيرة خارجيتها كاثرين كولونا، قالت إن على إيران أن تهتم بما يحدث داخلها قبل أن تنتقد فرنسا، ووصفت طهران بأنها تنتهج سياسات سيئة عبر اتباع العنف مع مواطنيها وباعتقال فرنسيين.
وتابعت: "دعونا نتذكر أن حرية الصحافة موجودة في فرنسا على عكس ما يحدث في إيران وأن تلك (الحرية) يشرف عليها قاض في إطار قضاء مستقل وهو أمر لا تعرفه إيران جيداً بلا شك"، مضيفة أن فرنسا ليست بها قوانين تجرم التجديف.
جواسيس فرنسا في طهران
يأتي السجال الإيراني الفرنسي بعد تدهور العلاقات بين فرنسا وإيران في الأشهر الأخيرة مع تعطل جهود إحياء المحادثات النووية التي تشمل فرنسا، ومع دعم الحكومة الفرنسية من الاحتجاجات ووصفها بـ"الثورة"، وكذلك مع اعتقال طهران لفرنسيين تعتبرهم جواسيس.
وكان قد نشر التلفزيون الإيراني في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، مقطع فيديو يُظهر مواطنيْن فرنسيين تم القبض عليهما بتهمة التجسس، هما "سيسيل كولر" و"جاك باريس"، وهما نقابيان مرتبطان بالاتحاد الوطني الفرنسي للتعليم والثقافة والتدريب المهني.
وفي المقاطع، ترتدي كولر (37 عاماً) الحجاب وتصف نفسها بأنها '"عميلة استخبارات وعمليات في جهاز الأمن الأجنبي الفرنسي". وقال باريس (69 عاماً): "أهدافنا في جهاز الأمن الخارجي الفرنسي هي الضغط على الحكومة الإيرانية".
واعترف "الجاسوسان"، بأنهما قدما إلى إيران بهدف "إثارة اضطرابات من خلال تنظيم احتجاجات نقابية"، وأضافت كولر أنها حصلت على أموال مقابل ذلك، واستخدمت الأموال لتغطية تكاليف التظاهرات والإضرابات.
كما أشار كولر وباريس إلى أنهما كانا بحاجة لجميع الأدوات بما في ذلك الأسلحة لتنفيذ العمليات، ومحاربة الشرطة إذا تطلب الأمر، بغرض الإطاحة بالحكومة.
وجاء في الفيديو لقطات لوصول الشخصين إلى مطار الإمام الخميني الدولي في طهران، 28 نيسان/أبريل الماضي، على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية التركية، واعتقالهما وهما في طريقهما إلى المطار في 7 أيار/مايو الماضي.
ورداً على ذلك، نفت الخارجية الفرنسية بشكل قاطع اعترافات مواطنيها اللذين اعترفا في مقطع فيديو بأنهما "أعضاء في المخابرات الفرنسية"، واعتبرت هذا الأمر "غير مقبول".
وقالت المتحدثة باسم الوزارة، آن كلير ليجيندر في بيان إن "تنظيم اعترافاتهما المزعومة أمر شائن ومروع وغير مقبول ومخالف للقانون الدولي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...