شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
عقاقير التسمين... سودانيات يبحثن عن الجمال على حساب صحتهن

عقاقير التسمين... سودانيات يبحثن عن الجمال على حساب صحتهن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الأربعاء 11 يناير 202302:00 م
Read in English:

Sudani women and weight gain pills, aesthetics before health

تواظب هالة الطيب، على الذهاب إلى الطبيب شهرياً، منذ عامين، لعلاج اضطرابات الدورة الشهرية التي سببها تناول عقاقير زيادة الوزن، دافعةً ثمناً غالياً يتمثل في عدم إنجاب طفل على الرغم من مرور فترة طويلة من زواجها الذي جرت مراسمه في 13 حزيران/ يونيو 2020.

تناولت هالة (24 عاماً)، عقار الأستيرويد لشهر متواصل قبل الزواج، ما زاد من وزنها لكنه قاد إلى مخاطر اضطرابات الدورة الشهرية وتخاف من أن تتطور إلى فشل كلوي، وهي تعمل حالياً على تأسيس مؤسسة أهلية لتُكافح تناول عقاقير التسمين؛ وهذا العقار الذي يُعرف محلياً باسم النجمة، وهو الاسم الأكثر شيوعاً بين الكثير من الأسماء التي تُطلق على عقاقير التسمين في السودان.

يرجع تهافت فتيات، خاصةً المقبلات منهن على الزواج، على تناول عقاقير زيادة الوزن إلى جذور قديمة لتفضيلات الرجال للمرأة السمينة كون صحتها جيدةً، وذلك حسب الباحث الاجتماعي ناصر فاروق 

إقبال برغم الأضرار

تقول سماهر المبارك، وهي قيادية بارزة في تجمع الصيادلة النقابي، إن عقاقير التسمين في أغلب الأحيان عبارة عن مشتقات من الكورتيزون الذي يُصرف بواسطة الأطباء، لحالات مرضية مُحددة وفق جرعات معيّنة وبناءً على فحوصات طبية، كما أن إيقاف الدواء يحدث وفق تدرّج مُحدد -حسب كل حالة- نظراً إلى خطورة مضاعفات انسحابه التي تشمل الفشل الكلوي وقد تصل إلى فقدان الحياة في عدد كبير من الحالات.

وتشير، خلال حديثها لرصيف22، إلى أن آثار مشتقات الكورتيزون أو الأستيرويد الجانبية هي زيادة الوزن، وعادةً ما تؤخذ لهذا الغرض بجرعات عالية من دون متابعة طبية، وهذا ما يفسر أسباب الأمراض المميتة لمن تستخدم هذه العقاقير من دون استشارة طبية.

وتُباع عقاقير السمنة في السودان، في محال بيع الملابس النسائية ومستحضرات التجميل بطرق غير قانونية ومن دون وصفات طبية، فضلاً عن توافرها في الصيدليات وهذا ما يشير اليه الصيدلاني هشام الطاهر، الذي يعمل في صيدلية في العاصمة الخرطوم. ويقول لرصيف22، إنه لاحظ بحكم عمله وتجواله في عدد من الولايات، أن هذه العقاقير تُباع أكثر في الأطراف.

وتحدّث عن أن هذه العقاقير عادةً ما توضع في صناديق صغيرة، من دون معلومات مُرفقة عن كيفية استخدامها أو مضارّها الطبية، ومع ذلك تقبل عليها الفتيات من دون أن يفاصلن في الأسعار؛ مما يعني أن رغبتهن فيها تجعلهن يغضضن الطرف عن سعرها الذي يصل في بعض المناطق إلى 700 جنيه (أي دولار وعشرين سنتاً).

تنجم عن عقاقير السمنة مضاعفات مثل الاضطرابات في الدورة الشهرية والفشل الكلوي وتغيير الشكل الجسماني وتقرّح المعدة، وتزداد خطورتها حسب الكمية التي تناولتها الفتاة، وفقاً للطاهر.

فشل الرقابة

تقول سماهر المبارك، إن عقاقير زيادة الوزن ظاهرة خطيرة، ذات أثر سلبي على الصحة العامة والمجتمع والنظام الصحي، وإن زيادة الوزن عن المناسب بحسب قياسات الـBMI أي body mass index ويعني مؤشر كتلة الجسم، في حد ذاته ظاهرة غير صحية ويجب التعاطي معها بحذر لما يصحبها من تعقيدات صحية.

وتصل هذه العقاقير إلى السودان عبر التهريب عبر منافذ عديدة، ساعدت على ذلك الاضطرابات السياسية والأمنية، وفي هذه تقول المبارك: "عقاقير زيادة الوزن بمختلف مسمياتها الرائجة يتم استيرادها عبر قنوات غير رسمية، وهي غالباً غير مسجلة لدى السلطة الرقابية كما لا تمر عبر قنوات الدواء الرسمية المعروفة والمضبوطة لضمان أمانها وفعاليتها.

 الدولة السودانية غير جادة في محاربة عقاقير  التسمين، إذ تُباع في الأسواق والبوتيكات على الملأ ومن دون أدنى مراعاة لخطورتها.

ونفت بيع العقاقير المستخدمة في غير موضعها بغرض التسمين في الصيدليات لهذا الغرض، وقالت إنها تُباع في محال الملابس النسائية وأسواق مستحضرات التجميل بشكل غير رسمي، مؤكدةً مرةً أخرى على أن غالبيتها غير مسجلة في الأصل عند المجلس القومي للأدوية والسموم (المؤسسة الحكومية المسؤولة عن ترخيص بيع الأدوية في السودان)، حيث إنه يتم التعامل معها من دون إشراف طبي لا في الوصف ولا في الصرف ولا عند الاستخدام.

تعرف السُّلطة أنها لا تملك رقابةً على قطاع الأدوية، خاصةً التي تُهرَّب منها، ويقرّ الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم علي بابكر، بوجود تحديات تُواجه "الرقابة الدوائية لأسباب منها الحدود المشتركة لبعض الولايات مع دول الجوار مما يسهم في دخول الأدوية المهرّبة والمغشوشة، فيما أشار إلى أنه سيتم وضع خطة تهدف إلى تقوية العمل الرقابي في الولايات".

لكن سماهر المبارك، تقول إن الدولة غير جادة في محاربة العقاقير التي تُتناول لأغراض التسمين، إذ تُباع في الأسواق والبوتيكات على الملأ ومن دون أدنى مراعاة لخطورتها وخارج المؤسسات الصيدلانية المرخصة لتداولها وحفظها بطريقة مناسبة.

وأفادت بأن تجمع الصيادلة المهنيين ينصح من يرغب في زيادة أو إنقاص وزنه بممارسة الرياضة واتّباع حمية غذائية مناسبة بعد استشارة المختصين، ودعت الفتيات إلى عدم تناول أي عقاقير من دون نصيحة طبية.

الجذور التاريخية للتسمين

يقول الباحث الاجتماعي ناصر فاروق، لرصيف22: يرجع تهافت الفتيات، خاصةً المقبلات منهن على الزواج، على تناول عقاقير زيادة الوزن إلى جذور قديمة لتفضيلات الرجال للمرأة السمينة كون صحتها جيدةً.

ويوضح أن أي أسرة، كانت في القدم تحرص على تغذية بناتها جيداً قبل أشهر الزواج، بحيث يعدون لها أطعمةً مثل: "مديدة الحلبة، والعكارة، وأم جنقر وغيرها من الوجبات المحلية".

فاروق أضاف أن تسمين المرأة المُقبلة على الزواج ثقافة أخذها السودانيون من العرب الذين كانوا يعانون من شظف العيش في القدم، فكانت السُّمنة أحد مقاييس جمال الأنثى. ويشير إلى النساء الكبيرات في العمر اللواتي سودنْنَ هذه العادة بوصايا مثل "ادهني خُريَّ والبسي جُرّيَّ وكلي هري".

وادهني خُريَّ، تعني ترطيب الجسد بالزيت من أجل جذب اهتمام الزوج، فيما تعني البسي جُريَّ، جعل الثوب ملاصقاً للأرض من أجل اسئتنزاف الرجل مادياً في شراء الصابون، أما كلي هري فهي هنا تحضّها على الأكل كثيراً من أجل تحسين صحتها، ويقول إن هذه الوصايا هي أحدى أسس الزوجة لمحاربة تعدد الزوجات.

لكن الذي استجد هو استبدال الأغذية الطبيعية لهذه الغاية بأخرى كيميائية.

وترفض هديل عباس (اسم مستعار، 22 عاماً)، وهي مُقبلة على الزواج بعد أشهر، تناول أغذية التسمين خاصةً وضع الحِلبة في أي نوع طعام لخوفها من الرائحة، وتقول لرصيف22: "ما تسمونها الأغذية الطبيعية تحتاج إلى وقت لا أملكه لتُظهر مفعولها، فيما العقاقير ذات مفعول يظهر سريعاً".

تتناول هديل عقاقير زيادة الوزن الموضعي، لعدم تحمّلها تعيير رفيقاتها لها بضعف بنيتها الجسمانية، ومع ذلك فهي لم تستشر عائلتها أو خطيبها، خوفاً من أن يمنعوها من المواصلة. وتقول: "على الأغلب، لن يعترض خطيبي على هذا، فهو دوماً ما يعيّرني بضعفي".

أما الناشطة إسراء الشيخ، فترى أن الثقافة التي تضع مقاييس محددةً لجمال المرأة، هي الدافع الرئيسي لتناول هذه العقاقير، وهي ظاهرة موجودة بكثرة وسط مذيعات الإعلام والفنانات، وتجعل الآخريات يقلدنهن، وقد أصبحت جزءاً من لا وعي الناس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard
Popup Image