شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"شهيد سوء التفاهم أكثر مما هو شهيد الثورة"... الشاعر الإيراني ميرزاده عِشقي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 13 فبراير 202305:22 م

يمكن النظر إلى الثورة الدستورية التي حدثت مطلع القرن العشرين في إيران على أنها نهضة للإيرانيين في العصر الحديث، إذ تمكن الشعب من كسر علاقة قديمة بالنظام الملكي قيّدته طوال أعوام فتحرر منها؛ فالثورة الدستورية كانت ثورة شعبية أدى انتصارها عام 1906 إلى تحديد صلاحيات الملك وتشكيل برلمان وطني أثناء عهد الملك مظفر الدين شاه، خامس ملوك السلالة القاجارية.


ساهم الفنانون في هذه النهضة ودعموا مبادئها عبر فنهم كي يتخلص الوطن من الحكم الاستبدادي ويأخذ المواطنون بوطنهم نحو الديمقراطية، وعلى هذا الغرار استمر الفنانون بأداء دور فاعل في الحفاظ على المكتسبات الدستورية في ظل ملك ضعيف، ومجتمع تقليدي محافظ. ومن هؤلاء هو میر محمد رضا کردستاني الملّقب بـ "ميرزاده عِشقي"، صحافي وشاعر وكاتب ومسرحي، تجلّت في نصوصه روح الدفاع عن الوطن والمجتمع، حتى تركت أثرها في أروقة السياسة الملتهبة آنذاك.

كان عمره أثناء وقوع الثورة الدستورية عشر سنوات فلم يشارك في أحداثها، ومع بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914، استطاع أن يدخل صفوف المطالبين بالحرية، ويلتحق بلجنة الدفاع الوطنية

"رجل عدواني وسيم ونرجسي وشاعر، مات بسرعة وقد كان شهيد سوء التفاهم أكثر مما هو شهيد الثورة الدستورية أو الدكتاتور أو أيّ شيء آخر".، بهذه الكلمات يصفه الكاتب والباحث الإيراني محمد قائد.

كان عشقي، صغيراً في السن حين وقعت الثورة الدستورية، ولهذا يمكن القول إنه من ثمار الثورة، وبرغم عمره الصغير فقد قام بأعمال كثيرة وملهمة في سبيل وطنه، منها كتابة أول أوبرا في إيران وعرضها العام.

ولد عشقي عام 1894، في مدينة همدان (غرب إيران). تعلّم القراءة والكتابة باللغتين العربية والفارسية، ثمّ دخل المدرسة الفرنسية وتعلم اللغة الفرنسية بشكل جيد. استطاع كسب قوته عن طريق العمل مترجماً في مكتب تاجر فرنسي مقيم في إيران. ولأن عائلته كانت لا تعاني من مشاكل مادية، استطاع خلال فترة عمله الذي لم يكن يأخذ كلّ وقته، أن يسافر إلى الكثير من المدن الإيرانية كي يتعرف على بلاده.

جندياً للدفاع عن الوطن

كان عمره أثناء وقوع الثورة الدستورية عشر سنوات فلم يشارك في أحداثها، ومع بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914، استطاع أن يدخل في صفوف المطالبين بالحرية، والالتحاق بلجنة الدفاع الوطنية.

احتلت إيران رغم إعلان محايدتها في الحرب في بداية عام 1916، فدخلت القوات الروسية من شمال البلاد وغزت القوات البريطانية إيران من جنوبها. واحتجاجاً على ذلك قدم مندوبي البرلمان استقالتهم، وقرر بعضهم الذهاب إلى غرب البلاد بمعية رجال سياسيين كبار، ومع إعلان اتحادهم مع ألمانيا والعثمانيين، شكّلوا لجنة الدفاع الوطني لمواجهة القوات الروسية والبريطانية، وكان معهم عشقي مدافعاً عن بلاده، بيد أن اللجنة لم تنجح في المقاومة والصمود أمام الغزو الروسي والبريطاني، واستسلموا في نهاية المطاف وقبلوا بالهزيمة أمام التحالف.

"سأميت هذا النصف موتاً طبيعياً
وأهدر هذا الكأس من الدم على الراحة"

إنهارت اللجنة وقرر الشاب الطامح في استقلال وحرية بلاده أن يترك بلاده نحو اسطنبول للعيش فيها فترة مؤقتة، بعد ما تركت  اللجنة وحركتها أثراً سلبياً على أفكاره، ليتجلى ذلك في نصّه الشعري:

"إيران في هذه الأثناء ليست في صفوف الجدل/ ولا تخلفت

بات شرذمة نخبة لإيران/ ليستغلوا الوضع

أصبحنا نحن المهاجرون المشردون/ أظهر لنا القدر نهاية القمع"

دخل السجن بقصيدة وخرج منه بقصيدة أخرى

الحياة في تركيا والتعرف على أفكار وعقائد متجددة بين العثمانيين، أدت إلى اتخاذ عشقي موقفاً مهاجماً لسياسات بلاده عند عودته في نهاية الحرب العالمية الأولى، حتى أنشد شعراً حاداً ضدّ شخصية المستشار، وصمت الشعب أمام إنعدام العدالة مما أدّى إلى سجنه:

"هل خلقت يا ربّ هذا المخلوق من خشب؟

هل رميت عليهم تراب الموتى؟

هل بالوا فيهم بدل الدماء والشعور؟

مع الخصم في غاية اللطف"


وحتى يتم إطلاق سراحه كان عليه أن يمدح المستشار في قصيدة أخرى، فعل ذلك ميرزادة عشقي وذهب إلى مدينة أصفهان ليعرض أوبرا "بعث الملوك"، وهي أوبرا ذات مضامين تاريخية ووطنية وملحمية وسياسية تكونت أثناء سفره إلى اسطنبول في طريق بغداد، حينما شاهد خرائب المدائن، عاصمة الدولة الساسانية ما قبل الإسلام.

ويعد التاريخ المسرحي الإيراني أوبرا بعث الملوك، أول مسرحية منفردة من نوعها في البلاد ويصف عشقي لغتها: "ولكي لا تُضاف كلمة أخرى إلى الكلمات الأجنبية في اللغة الفارسية. ترجمنا الأوبرا إلى موسيقى".

استمر عشقي في عمله الفني الفريد، وبعد فترة وجيزة قدم أوبرا أخرى كذلك، في غضون ذلك كتب مسرحية، وعرض عدّة مسرحيات.

كما أنه لم يبتعد عن الشعر قط وقمة أعماله هي قصيدة تحت عنوان المثالية كتبها على نمط "الأسطورة" وهي قصيدة للشاعر الكبير نيما يُوشِيج، الملقب بأبو الشعر الحديث في إيران حيث يرى كثيرون أنّ هذا النص نقطة البداية في الشعر الحديث الإيراني.

صحيفة القرن العشرين

الشعر والمسرح والأوبرا لم يلبي كل طموحات عشقي، فقام بطرح أفكاره عبر إصدار صحيفة "القرن العشرين"، لينشر إضافة إلى نصوصه الشعرية، سلسلة بحوث فكرية حول النساء وحقوقها ودورها ومكانتها برفقة زملاءه، وأقام استطلاع رأي في صحيفته ووعد أنّ الفائز سيحصل على اشتراك سنوي بالمجان.

إصدار الصحيفة لثلاث سنوات وصلت به إلى حدود الإفلاس، "نطلب من القراء المحترمين لو كانوا يملكون طريقة للوقوف أمام هذه القضية (اعطاء الصحيفة للإيجار) إذ في كلّ أسبوع نخسر مبلغاً، أن يكاتبوا القرن العشرين"، هكذا طلب عشقي الشاب الطموح في عدد من صحيفته من القراء أن يوقفوا إيجار الصحيفة.

الشعر والمسرح والأوبرا لم يلبي كل طموحات عشقي، فقام بطرح أفكاره عبر إصدار صحيفة "القرن العشرين"، لينشر إضافة إلى نصوصه الشعرية، سلسلة بحوث فكرية حول النساء وحقوقها ودورها ومكانتها 

حاول رئيس الوزراء الجديد رضا خان عام 1925، أن يغير النظام الملكي المشروط إلى نظام جمهوري ويترأس الحكومة بنفسه، فتصدى له عشقي بمقال نقدي تحت عنوان "جمهورية نامه"، ليفصح له وللحكومة أن الجمهورية لا يمكن تقبلها ولو ليوم واحد، إذ أن المسألة تحتاج إلى ترسيخ ثقافتها بين المجتمع المحافظ التقليدي الذي تعود على الملكية عبر تاريخ طويل يمتد لنحو 2500 سنة. 

غضبت حكومة رضا خان من انتقاداته، لكنه كتب في قصيدة:

"كم عان هذا الشعب الحزين

يستحال الرقي في هذه البلاد

عملة نادرة الرجال فيها

آتٍ الدمار من الجنوب والشمال

الحرية وباء لهذا المخلوق"

موت دموي

بعد مرور خمس أيام على نشر المقال أطلق شخصان منسوبان إلى الشرطة النار على عشقي أمام بيته في صيف 1925ونُقل إلى المشفى ومات فيه وهو لا يزال في 31 من عمره. أقام له أصدقائه تشييعاً كبيراً حضره جمهور غفير من متابعيه وقراء صحيفته. وكان عشقي قد تكهن مرات عديدة بموت دموي:

"سأميت هذا النصف موتاً طبيعياً

وأهدر هذا الكأس من الدم على الراحة"

يذكر الكاتب والباحث محمد قائد: "كان عشقي صحافياً شريفاً وفي نواحي أخرى أيضاً ينظر إلى الأفق، ويعمل على أعمال لا يمكنه بعد القيام بها. كان يحتاج إلى علم أكبر وموقع مساعد. كأن حظّه ورسالته التاريخية هي أن يُدفن شاباً".

إلى جانب صحيفة القرن العشرين، هناك لعشقي آثاراً أدبية فارسية مازالت خالدة لدى المهتمين بالأدب الإيراني وهي: "رسالة الجمهورية" و"الأدب الكلاسيكي" و"رسالة النوروز".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image