يمكن النظر إلى الثورة الدستورية في إيران (الثورة الشعبية التي أدى انتصارها في العام 1906 إلى تحديد صلاحيات الملكية وتشكيل البرلمان الإيراني) على أنها نهضة للإيرانيين بعدما تمكّن الشعب من كسر علاقة قديمة قيّدتهم طوال أعوام والتحرر منها. في هذه النهضة ساهم الفنانون أيضاً ودعموا الثورة؛ منهم السياسي والشاعر والصحافي محمد بن محمد إبراهيم اليَزدي الذي اشتهر بتخلُّصه "فَرُّخي يَزدي"، وقد طرح في شعره ونتاجاته المطالبَ الشعبية، واشتهر بأشعاره الوطنية المناهضة للحكومة والاستبداد.
الشعراء المداهنون
كان عُمرُ فَرُّخي ثمانية عشر عاماً حين انتصرت الثورة الدستورية. تعلّم في كتاتيب البيوت في مدينة يَزْد اللغتين الفارسية والعربية. بعد ذلك درس في مدرسة المرسلين، وهي مدرسة الإرسالية الإنكليزية، وبسبب إنشاد أبيات سبّ فيها أولياء المدرسة طًرد منها.
قبل طرده من المدرسة عمل في الحياكة والمخبزة، محافظاً في نفس الوقت على اهتمامه بالشعر ولم يكن بعيداً عن أساتذة الشعر والأدب. كان يُعرف بداية باسم فرُّخ، وبعد فترة لقّبه حاكم مدينة يزد بـ"تاج الشعراء".
مع تأسيس "حزب يزد الديمقراطي" انضم إليه وبنصوصه الشعرية السياسية باتت له مكانة خاصة فيه. ومع انتصار الثورة الدستورية أنشد قصيدته الطويلة "فتح نامه" وهي أول عمل أدبي له ويعتبر عمللاً تأسيسياً في الأدب السياسي المعاصر في إيران.
في عيد نوروز عام 1911 وحسب العُرف الرائج أنشد الشعراء قصائد في مدح الحاكم وفي حضرته أي داخل دار الحكومة، لكن فرُّخي، خلافاً للرائج، أنشد ذمّاً في حاكم يزد، بين مجموع المطالبين بالحرية وقد شبههُ بيزيد:
"تعرف جيداً أنني لست من الشعراء المداهنين
ولا أقبّل الأقدامَ من أجل المال"
تفاجأ الحاكم بالقصيدة وأمر بخياطة شفتيه ورميه في السجن.
في عيد نوروز عام 1911 أنشد الشعراء قصائد في مدح الحاكم، لكن فرُّخي يزدي، خلافاً للرائج، أنشد ذمّاً في حاكم يزد وشبههُ بيزيد: "تعرف جيداً أنني لست من الشعراء المداهنين ولا أقبّل الأقدام من أجل المال". تفاجأ الحاكم بالقصيدة وأمر بخياطة شفتيه ورميه في السجن
عن هذا الأمر، كتب الكاتب الإيراني وصديق فرّخي في الحزب، مسرَّت: "غضب ضغيم الدولة (حاكم يزد) من تشبيه فرُّخي له بيزيد وصرخ: يا جلاد، يا جلاد! بيد أنّ الجلاد لم يكن موجوداً وكان قد خرج. صرخ بصوت أعلى إذا لم يكن الجلاد موجوداً أحضروا لي إبرة وخيطاً لأخيط فم الملعون. ثم التفت نحو الخدم وقال: اجلدوهأولاً، ثم خيطوا فمه. دون تأخير جلد الخدم فرُّخي. فتحمّل الضرب نصف ساعة دون كلمة. تقدّم حينها بهلَوان وسحب من حوض الماء رمانة، وقال: اسمح لي بقتل من أهان حضرتك وضرب فرُّخي حتى توّرمت قدماه، وجرى الدم منهما وفقد الوعي. جاء مسؤول آخر وخاط بكل برودة وهدوء فم فرُّخي، ثم ذهب وعاد بعد ثماني ساعات إلى السجن، وقطع خيوط فم فرُّخي المتوّرم".
الهروب من السجن
بعد شهرين هرب فرُّخي من سجن يزد قاصداً طهران منضماً إلى المطالبين بالحرية ليكمل نشاطه الأدبي والصحافي هناك، وأصبح عضواً في الجمعية الأدبية الإيرانية.
وفي الحرب العالمية الأولى، انضم إلى لجنة الدفاع الوطنية. وبعد أن فُتحت بغداد على يد القوات البريطانية، أُجبر على العودة إلى طهران من كربلاء مشياً. سُجن بعد عودته عدة أشهر بسبب معارضته للمستشار وإنشاد شعر في ذمه.
أسس بعد إطلاق سراحه مع أحد أصدقائه من مدينته، صحيفة "طوفان". يقول إيرج إسكندري، السياسي وأحد مؤسسي حزب توده (أحد الأحزاب اليسارية المهمة في إيران): "عَلّق فرُّخي في مكتب صحيفته صوراً ملوّنة عديدة لماركس وإنكلز ولينين، وعبر مقالاته الحادة أراد لصحيفة طوفان أن تكون ممثلة لليسار الجناح الثوري في إيران".
تقدّم بهلوان وسحب من حوض الماء رمانة، وقال للحاكم: "اسمح لي بقتل من أهان حضرتك" وضرب فرُّخي حتى توّرمت قدماه وجرى الدم منهما وفقد الوعي. جاء مسؤول آخر وخاط بكل برودة وهدوء فم فرُّخي، ثم ذهب وعاد بعد ثماني ساعات إلى السجن وقطع خيوط فم فرُّخي المتوّرم
بعد فترة قضاها في أوروبا، واستمرار نشاطاته السياسية ضدّ الحكومة تم طرد فرُّخي من أوروبا بطلب من الحكومة الإيرانية، فعاد للوطن. بعد العودة تقدّم أحد التجار في رفع قضية ضده بطلب من الحكومة مما أدّى إلى دخوله السجن مرة أخرى، وأصدرت المحكمة ضده حكماً بالسجن لثلاث سنوات.
في العام 1939 خلال زواج ولي العهد (محمد رضا شاه البَهْلوي) من فوزية (ابنة الملك فؤاد ملك مصر)، أنشد فرخي قصيدة من السجن أدّت إلى غضب رضا شاه (أول ملك في السلسلة البهلوية ووالد محمد رضا شاه) وأصدر أمراً بقتله. جاء في هذه القصيدة:
"يرجفُ قلبي من هذا العرس مثلما
بحث القاسم حين حرب نينوى عن عروس
أنا مطمئن من خراب هذه الأوضاع
لأنّ بنيان الجفاء والجور لا أساس له".
بعد فترة أُخذ بحجة لقاح التيفوئيد إلى مشفى السجن، ومن ثم إلى الغرفة الخاصة المعروفة بالحمام، وبعد تلقي حقنة هواء على يد طبيب السجن لقي حتفه، ودُفن جسده خِفية.
يوضح مسرت: "في اليوم الثاني قُدّم تقرير كاذب إلى دائرة الأمن: مات محمد فرُّخي مصاباً بالمالاريا والالتهاب الكلوي".
بعد أن أُزيح رضا شاه عن السلطة، تمت محاكمة الطبيب الذي حقنه بالهواء، وصدر حكم بإعدامه.
إضافة إلى نضال فرُّخي عن طريق الصحافة والشعر، قد انتُخب مرتين نائباً في مجلس الشورى الوطني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين