بات تغيّر المناخ يهدد حياة الإنسان بشكل كبير، فمن نقص الأمن الغذائي والجفاف والفيضانات، إلى نقص جودة الهواء المفعم بالملوثات كأدخنة المصانع، والرياح الشديدة المحملة بالأتربة. لكن هل تخيلتم يوماً أن فئة كبار السن هي أكثر تأثراً وأشدّ بتبعات هذه التغيّرات؟
"أستيقظ من النوم ليلاً على ضيق حاد في التنفس، وسعال مستمر، وألم في الصدر. كانت حالتي بسيطةً في بداية معاناتي مع حساسية الصدر، لكن مع التغيّرات المناخية التي اشتدت وتيرتها في السنوات الأخيرة، تفاقمت حالتي إلى حساسية صدر مزمنة طوال العام، فلا أتوقف عن استخدام البخاخات المضادة لها"، تقول رفعة أحمد، لرصيف22، وهي سيدة سعودية ستينية مقيمة في مدينة جدة.
وتضيف: "تشتد معاناتي في فصلي الخريف والشتاء من كل عام، وتحديداً في شهري تشرين الثاني/ نوفمبر، وكانون الأول/ ديسمبر، المعروفين ببداية التقلبات الجوية من رياح وأمطار وبرودة".
تغير المناخ من حيث البرودة أو الحرارة الشديدتين وكذلك الجفاف، يؤثر على كبار السن ويهدد صحتهم.
وتشير السيدة إلى أنه في أثناء هطول الأمطار شتاءً، تشتد وتيرة حساسية الصدر لديها، فبمجرد استنشاق رائحة المطر وتنفسها، تبدأ نوبة من الربو الشعبي لمدة طويلة، مما يدفعها إلى شراء البخاخات الخاصة بعلاج حساسية الصدر باستمرار. وهذه تكلفة اقتصادية لسيدة متقاعدة على المعاش، إذ يبلغ سعر البخاخة الواحدة 600 ريال سعودي (25 دولاراً)، والحد الأدنى لمعاش المتقاعد 2،500 ريال.
حساسية مزمنة
مشكلة رفعة، ليست فريدةً من نوعها، وقد تواصل رصيف22 مع أشخاص من فئة كبار السن في بلدان عربية مختلفة، ليتحدثوا عن معاناتهم المتزايدة في السنوات الفائتة.
تقول وسمية العجمي (65 عاماً)، وهي سيدة كويتية مقيمة في مدينة الجهراء، إنها تعاني هي الأخرى من حساسية الصدر طوال العام، وتسبب لها نوبات حادةً، بل يصل الأمر معها إلى اللجوء إلى المشفى لوضعها على جهاز الاستنشاق في غرفة الطوارئ، لعدم تمكّنها من التنفس بسلاسة ويسر في أثناء النوبات الحادة.
من جهته أيضاً، يقول طارق الربيعي إمارة (59 عاماً)، لرصيف22، وهو مواطن عراقي متقاعد مقيم في بغداد، إنه يعاني أيضاً من حساسية الصدر، والتي تسبب له نوبات ضيق تنفسي، ويصفها قائلاً: "أشعر بأن الأوكسجين لا يصل إلى داخل صدري كي أتمكن من التنفس بشكل طبيعي".
أما عن العلاج الدوائي، فأشار إلى أنه يستعمل دوماً البخاخات، ويختم حديثه قائلاً: "الجو القارس يؤثر على مرضى الحساسية بشكل عام، سواء كانت حساسية أنف أو ربو شعبي، وأيضاً الجو الحار الرطب".
في أثناء هطول الأمطار شتاءً، تشتد وتيرة حساسية الصدر لدى رفعة، فبمجرد استنشاق رائحة المطر وتنفسها، تبدأ نوبة من الربو الشعبي لمدة طويلة، مما يدفعها إلى شراء البخاخات الخاصة بعلاج حساسية الصدر باستمرار. وهي تكلفة اقتصادية لسيدة متقاعدة
وقد توصلت دراسات حديثة إلى أن تغير المناخ من حيث البرودة أو الحرارة الشديدتين وكذلك الجفاف، يؤثر على كبار السن ويهدد صحتهم، إذ تتفاقم لديهم أمراض الجهاز التنفسي كالربو، والانسداد الرئوي، وحساسية الأنف، نتيجة رداءة نوعية الهواء وانخفاض الحرارة والرطوبة. وتتحدث دراسات أخرى عن أن كبار السن من السيدات، هن الأكثر تأثراً بتبعات تغير المناخ من الرجال، نتيجة عوامل مرتبطة بأوضاعهن الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
كيف تحدث حساسية الصدر؟
يشير الطبيب أحمد عادل، دكتور أمراض الصدر والحساسية للأطفال والكبار في مستشفيات جامعة الأزهر في القاهرة، إلى أن حساسية الصدر هي رد فعل تحسسي نتيجة التعرض لمثيرات خارجية كالغبار والرياح والأمطار، وأيضاً المثيرات الداخلية مثل العطور والبخور. ويقول لرصيف22: "كل هذه المثيرات التحسسية تعمل على تشنج وانقباض العضلات المحيطة بالقصبات الهوائية، والتي يتدفق الهواء داخلها، فيؤدي ذلك إلى التهابها وتورمها وزيادة إفراز المخاط والبلغم في هذا المجرى، مما يسبب السعال المستمر والذي بدوره يؤدي إلى ضيق التنفس وصفير الصدر".
ويتابع قائلاً: "هذا النوع من الربو الناتج عن التعرض للمثيرات البيئية يُسمى بالربو المستحث بالعوامل البيئية، أي أن هذه العوامل تلعب دوراً متزايداً في الإصابة به، وهو يصيب فئة كبار السن بشكل خاص، لأن جهازهم المناعي أضعف ثلاث مرات من الشخص العادي وهم في مرحلة الشيخوخة، ولذلك تؤثر التغيرات المناخية على صحتهم".
نظام حياة صحي
يطرح الطبيب نظاماً صحياً لمرضى حساسية الصدر، يمكّنهم من التعايش مع هذه المتلازمة المزمنة، وهو عبارة عن مجموعة من الممارسات:
- الابتعاد عن مثيرات حساسية الصدر، مثل الغبار والأمطار وروائح البخور والعطور.
- عدم رش المبيدات الحشرية في المنزل في أثناء وجود الشخص المصاب بحساسية الصدر.
- الالتزام بتطعيمات الإنفلونزا الموسمية، لأنها تحفز من نوبات التعرض للحساسية.
الجهاز المناعي لكبار السن أضعف ثلاث مرات من الشخص العادي، ولذلك تؤثر التغيرات المناخية على صحتهم.
- تناول المشروبات الدافئة باستمرار، كالزنجبيل والكركم، وهما من مضادات الأكسدة والالتهابات التي تهدئ من حساسية الصدر.
- شرب الماء بكثرة (2-3 ليترات يومياً) يقلل من لزوجة المخاط والبلغم، وتالياً يهدئ السعال المستمر.
أمراض مناعية ووهن وخمول
إلى جانب ذلك، تشير دراسات إلى أن التغيرات المناخية كالبرودة الشديدة وتلوث الهواء وارتفاع درجات الحرارة، تؤدي إلى زيادة حدة أعراض الأمراض المناعية والإصابة بها أيضاً، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، والتصلب الفقاري، وتُضعف هذه العوامل البيئية بشكل خاص من عمل الجهاز المناعي لكبار السن بكفاءة، مما يؤدي إلى زيادة الإصابة بهذه الأمراض المناعية، زيادةً على الاحساس بوهن الجسم وخموله باستمرار، وعدم القدرة على ممارسة النشاطات اليومية المعتادة.
تقول أمينة محمد (60 عاماً)، وهي مواطنة مصرية مقيمة في القاهرة لرصيف22: "ازدادت حدة أعراض مرض الروماتويد لدي خلال السنوات الخمس الأخيرة. يفاقم الشتاء الأعراض لدي بصورة كبيرة، وقد استخدمت الكثير من العلاجات للتغلب عليه دون جدوى. في الفترة الأخيرة نجح دواء الميثوتركسيت في تقليل معاناتي، لكن المشكلة الأساسية تكمن في سعره، فهو مكلف جداً، ويصل سعر الحقنة الواحدة منه إلى 800 جنيه مصري (33 دولاراً)، والمعاش المستحق لي شهرياً لا يتعدى 1،500 جنيه".
مرض الروماتويد من أشد الأمراض المناعية التي تهاجم جسم الإنسان، وقد ساهمت التغيرات المناخية في تسارع وتيرة أعراض هذا المرض، فالشتاء والبرد القارس أحد أهم مثيراته، لأنه يعمل على تقليص الأوعية الدموية، التي من وظيفتها ضخ الدم بطريقة سليمة إلى الجسد
بدوره يحكي يقول رضا بيبرس (68 عاماً)، وهو سفير سابق واستشاري تعاون دولي مصري، مقيم في القاهرة لرصيف22: "أعاني من حساسية الجيوب الأنفية بشكل مزمن في فصل الشتاء، وتسبب لي الخمول والوهن الجسماني وملازمة المنزل في بعض الأحيان". كما أشار إلى أن العقاقير المخصّصة لعلاج حساسية الأنف لها العديد من الآثار الجانبية ككثرة النوم وفتح الشهية والتأثير على المثانة.
يجيب عن ذلك الطبيب عبد القوي مغازي، أستاذ الروماتيزم وأمراض المفاصل في طب القصر العيني جامعة القاهرة، إذ يقول لرصيف22: "مرض الروماتويد من أشد الأمراض المناعية التي تهاجم جسم الإنسان وأفتكها، وقد ساهمت التغيرات المناخية في تسارع وتيرة أعراض هذا المرض، فالشتاء والبرد القارس أحد أهم مثيراته، لأنه يعمل على تقليص الأوعية الدموية، التي من وظيفتها ضخ الدم بطريقة سليمة إلى سائر أعضاء الجسد، أي تروية الجسم، وبذلك تتقلص العضلات المحيطة بالمفاصل والأوتار، فيشعر المريض بآلام حادة".
ويتابع الطبيب قائلاً: "على مريض الروماتويد أن يلتزم ببعض الممارسات، مثل تجنب التعرض للجو القارس، لأنه يزيد من نشاط وحساسية المفاصل للألم، وتدفئة المنزل وارتداء الملابس الثقيلة للحفاظ على حرارة الجسم دافئةً، وضرورة تناول الأدوية الخاصة بالتهاب المفاصل الروماتويدي بانتظام واستمرارية، لأنها تقلل من النوبات والهجمات الخاصة بهذا المرض، إلى جانب تقليل تناول اللحوم الحمراء، لأنها تزيد من أعراض التهاب المفاصل"، ويختم بالقول: "إذا سار مريض الروماتويد على أسلوب حياة سليم ونهج صحي، فمن الممكن جداً أن يتحكم في هذا المرض".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع