بعد سنوات من غربة قسرية، تنوعت تجارب السوريات والسوريين في بلاد المنفى فيما يتعلق بالاندماج وإيجاد عمل واستقرار. يرتبط سؤالا الهجرة واللجوء بقضية الاندماج الذي تعتبره بعض الدول المستضيفة شرطاً لاستمرار إقامة اللاجئة/ اللاجئ أو المهاجرات/ المهاجرين. وفي حالات يتم التلويح بملف الاندماج من قبل البلاد المستضيفة والمؤسسات المعنية فيها والإعلام، كسبب لوقف الهجرة واللجوء، بحجة أن القادمات والقادمين الجدد لم يندمجن/وا.
وساهم تطور التكنولوجيا ووسائل التواصل بمنحنا إمكانية العمل عن بعد وعدم الحاجة للعمل في البلاد المستضيفة.
كما يمكن التصريح عن الضرائب بهذه البلاد وتحصيل وضع نظامي دون الحاجة للعمل فيها. وكذلك، في بعض الحالات ساعد هذا في تجنب اختيار مهن لا تناسبنا لمجرد كوننا لا نتكلم لغة البلد. وضمن هذه الشروط، بات التواصل مع البلد المستضيف محدوداً بالنسبة للفئة التي تعمل عن بعد وتمتلك مهارات اختصاصية لا تتناسب مع الوظائف الحرفية التي تبحث عنها هذه الدول.
ويبدو أن خصوصية العمل الحر أو في منظمات دولية مختلطة الجنسيات وفي مهن يمكن أداؤها من خلال الفضاء الإلكتروني، لا يتم التشجيع عليها في مكاتب العمل في الدول المستضيفة.
معظم من يعملون عن بعد لديهم خبرات اختصاصية لا تتفق مع ملفات منظومة العمل في أوروبا، التي تسعى لتوظيف القادمات/ين في المجالات الحرفية غالباً.
فمعظم من يعملون عن بعد لديهم خبرات اختصاصية لا تتفق مع ملفات منظومة العمل في هذه البلاد، التي تسعى لتوظيف القادمات/ين في المجالات الحرفية غالباً، أو في مهن لا يرغب سكانها من ذوي الشهادات بالقيام بها. بهذا تصبح هذه المهن الحرفية والخدماتية مرتبطة بجنسيات خاصة من المهاجرين/المهاجرات. في المقابل، يعجز مكتب العمل في هذه البلاد، عن إيجاد وظائف لمن يملكن/ون خبرات في مجالات إدارية وبحثية وفنية وثقافية، وخاصة في حال عدم إتقان لغة هذه البلد.
بالتالي، ومع إمكانية دفع الضرائب وتحدي التنميط الذي يربط القادمات/ين الجدد بالبطالة والكسل، كيف يمكن معالجة سؤال الاندماج؟ عادة تنطلق الدول المستضيفة من تعريف الاندماج بضرورة العمل والتصريح بالضرائب وامتلاك أوراق وسكن ووضع نظامي. وقد تمكنت الفئة التي تعمل عن بعد من تحقيق هذه الشروط، لكنها فئة لا تزال تعاني من تهميش مجتمعي على صعيد نقص التواصل الإنساني بمعناه المباشر. ما الذي يعنيه الاندماج لفئة تمتلك وضعاً نظامياً وقادرة على دفع ضرائبها لكنها لا تمتلك علاقة إنسانية مع بلاد التبني؟
ما الذي يعنيه الاندماج لفئة تمتلك وضعاً نظامياً وقادرة على دفع ضرائبها لكنها لا تمتلك علاقة إنسانية مع البلاد المستضيفة؟
قابل رصيف22 عدداً من الخبيرات والخبراء في مجال المنظمات الإنسانية والمدنية والثقافية للاطلاع على آرائهن/م بموضوع الاندماج والعمل عن بعد، ضمن بلاد مستضيفة تفرض شروطاً معقدة ترتبط بالأوراق والإقامة والضرائب والسكن وغيرها.
رانية من سوريا -اسم مستعار بناء على طلبها- 40 عاماً، خبيرة في المنظمات غير الربحية، وتعمل حالياً بمجال الاستجابة الإنسانية، بينت علاقتها مع بلد اللجوء وهي فرنسا بقولها: "يعيق عملي قضية الاندماج في فرنسا، مع قدومي انشغلت بتعقيدات الأوراق الذي يستهلك وقتاً وجهداً. ومع دراسة الماجستير في الجامعة لم أستطع تكوين صداقات حقيقية وعميقة خاصة بوجود حاجز العمر بيني وبين زملائي وزميلاتي. كما أعاق الكوفيد 19 والحجر تكوين صداقات مع فرنسيات وفرنسيين. ومع ضغوط العمل أبذل جهداً للتعرف على الثقافة الفرنسية والتي انفتح عليها وأحب الكثير من مكوناتها. في عملي، الذي يتطلب السفر والوجود في مناطق نزاع، أجدني أتواصل بسهولة مع زملائي الأجانب الذين يتفهمون طبيعة عملي، بينما على العكس أشعر أن الفرنسيين غير مطلعين عليها".
تضيف رانية أنها لم تبحث بشكل جدي عن عمل في فرنسا: "المجموعة السورية التي تملك خبرات واختصاصات احترافية، تستصعب منظومة دمج الأفراد ضمن فرنسا، إذ تقوم على فرض خيارات مهنية على هذه الفئة بمجالات لا تناسب خبراتهن/م وبرواتب متدنية. ويشعر أغلبنا بالتعب بسبب اضطرارنا إلى الابتداء من الصفر في عدد من الدول والمدن التي هُجرنا إليها. هناك حاجز بيني وبين بلد الاستضافة، إذ أشعر أنه يتوقع مني أن أذوب بكل عناصره وأنسى ماضي وثقافتي. وبينما يتم الحديث عن "الانسجام المجتمعي" في البلاد أخرى، تستمر فرنسا بفرض ثقافتها بشكل متعالٍ. كما نرى توقعات غير واقعية تفترض وجود "السوبر لاجئ أو السوبر مهاجر" الذي يتمكن من تعلم اللغة وتحصيل عمل بشكل سريع وميسر، وهو أمر لا يراعي الفروق بين الأفراد ولا يدرك حجم التهميش، وعدم امتلاك هذه الفئة للامتيازات".
"نرى توقعات تفترض وجود "السوبر لاجئ" الذي يتمكن من تعلم اللغة وتحصيل عمل بشكل سريع، وهو أمر لا يراعي الفروق بين الأفراد وعدم امتلاك هذه الفئة للامتيازات". رانية، سورية مقيمة في فرنسا تعمل عن بعد مع منظمة غير ربحية
وعن شعورها كسورية ضمن المجتمع الفرنسي تقول رانية: "أدرك أنني لن أصبح فرنسية، ولن أظل سورية بالمعنى الصرف، أحب دمج الثقافات، وأدرك في نفس الوقت أنني سأظل غريبة وأجنبية بنظر الفرنسيين/ات. أشعر بأن التعاطف والتفهم الذي يظهره الفرنسيون لتجاربي هو شكلي ولا ينطوي على مشاعر عميقة. وتظل التروما التي عشناها كسوريين أمراً عصياً على التفهم. وأعاني من وضعي في علبة من الافتراضات والصور النمطية، والتي تتغير بحسب من حولي من هذا المجتمع، لكنها تظل علبة مفروضة علي ولا تسمح لي بالتعبير عن ذاتي خارج التنميط. عندي قلق من بناء علاقة عاطفية مع مكان ثابت، وذلك لخوفي من الاضطرار للرحيل. أعجز عن مد جذوري في مكان جديد".
يقول وائل قدور، كاتب مسرحي سوري، 41 عاماً: "أشعر بعزلة عن بلد التبني، فرنسا، يفرضها عملي عن بعد كصانع مسرح وفي المجال الثقافي. ومع كون شريكتي من نفس بلدي ونتكلم اللغة العربية، نشعر أحياناً بالبعد عن محيطنا، تشكل ابنتنا الصغيرة نافذة لنا إلى هذه البلاد التي جلبتنا الصدف إليها، والتي كان هناك إمكانية أن تكون أي بلد أخرى غير هذه البلد. يشير الفرنسيون بطريقة ساخرة أحياناً إلى أن ابنتنا ستعلمنا اللغة وعادات البلد المضيف. في الحقيقة، لا نشعر بالعار الذي تفرضه التلميحات الساخرة علينا ونرحب بالتعلم منها. ندرك أيضاً أنها ستتعلم الكثير حول الأماكن الأخرى منا ومن تجاربنا، ونشعر أنه رغم قسوة قصتنا إلا أنها قصة ستمنح ابنتا عمقاً يميزها ويعطيها قوة وغنى. كما نشجع ابنتنا على حب فرنسا بقدر تشجيعها على حب بلدها الذي لم تره يوماً في حياتها. نحن نتقن اللغة بالمستوى المطلوب لتحصيل جنسية وعمل، ورغم أننا نملك ظروفاً تشابه ظروف الطبقة الوسطى من البيض (من حيث امتلكنا الأوراق وعمل ولغة) لا نملك الوقت للتواصل مع محيطنا بسبب عملنا عن بعد، وخاصة لأن ليس لدينا زملاء في هذه البلاد بالمفهوم التقليدي الذي يسمح به العمل على الأرض، كما لا نملك هنا عائلة لتخفف من عزلتنا كما هو الحال بالنسبة لسكان هذه البلاد".
"يشير الفرنسيون أحياناً إلى أن ابنتنا ستعلمنا اللغة وعادات البلد المضيف. في الحقيقة، لا نشعر بالعار الذي تفرضه التلميحات علينا ونرحب بالتعلم منها". وائل قدرو، كاتب مسرحي سوري مقيم في فرنسا
يضيف وائل أنه رغم حصولهم على الجنسية الفرنسية مؤخراً يعرفون أنهم سيظلون غرباء: "ليست قصتنا استثنائية، فهي قصة المهاجرين والمهاجرات المرتبطة بحقبة ما بعد الاستعمار، وهي قصة تساهم بالتغيير المرتبط بتعقيدات الهوية، والذي يستمر بتحدي منظومة العولمة القائمة على ضمان حرية المنتج في مقابل تقييد حرية التنقل للبشر".
الاندماج هو الشعور بالراحة في التواجد في البلد المستضيف
تقول رباب البالغة نحو الثلاثين من عمرها وهي عاملة في مجال المنظمات الإنسانية: "يشكل عملي عن بعد حاجزاً كبيراً في وجه تعلم لغة البلد المستضيف. وهو يستغرق 80% من يومنا، نكتب خلاله الرسائل والتقارير ونتبادل الأفكار ونخطط الإستراتيجيات، كل هذا بلغة البلد الأم، كون عملي مرتبطاً بسوريا. تشكل هذه الحقيقة عقبةً في وجه تعلم لغة البلد المستضيف، أولاً من حيث ضيق الوقت، وثانياً من ناحية انعدام ممارسة اللغة مع سكان البلد المستضيف".
وتتابع رباب عن فهمها للاندماج وتعريفه: "الاندماج هو الشعور بالراحة في الوجود في البلد المستضيف، وهو القدرة على التعامل مع المتطلبات الحياتية واليومية على أنها أمور تعنيك وليست متطلبات تحدد أحقية وجودك في البلد المستضيف. أن تكون قادراً على تخليص المعاملات لوحدك، دون الشعور بحاجة للاستعانة بشخص للتحدث مع الموظفين في الدوائر الحكومية، وهذا الأمر ليس خاصاً فقط بعدم إتقان اللغة، إذ من الممكن الشعور بالحاجة إلى مساعدة من أحد سكان البلد أو من المهاجرين القدامى حتى مع توافر مهارة اللغة. الاندماج أيضاً هو أن تستطيع البحث عن عمل وأن تتمكن من إيجاد عمل ترغب به دون الشعور بضرورة قبول أي فرصة وإن لم تكن مناسبة. وهو أن تتمكن من إنشاء الصداقات والعلاقات مع سكان البلد المستضيف دون تكلف أو شعور بحتمية هذا الأمر لأنه سيحدد مدى صلاحية وجودك في البلد. أنا معنية بقضية الاندماج لأنني مطالبة به، ولأنه أحد شروط الحصول على الإقامة. وقد فرض علي الذهاب لعدد من الجلسات التوضيحية والتعليمية عن تاريخ البلد المستضيف وقوانينه، والتي كان الكثير منها بديهياً بالنسبة إلي ومزعجاً في نفس الوقت لاعتبار معظم المهاجرين جهلة لا يفقهون القانون ولا أساليب التعامل البشري الأساسية. وبما أنه أمر تفرضه البلاد المستضيفة وتحدد صلاحية وجودك فيه بناءً على مدى إثباتك للغور في تمثله، فإنه أمر يعنيني شئت أم أبيت!".
"الاندماج أيضاً هو أن تتمكن من إيجاد عمل ترغب به دون الشعور بضرورة قبول أي فرصة وإن لم تكن مناسبة". رباب، سورية. مقيمة في فرنسا، تعمل عن بعد مع منظمات إنسانية
توضح رباب وجهة نظرها، بأنها لا ترى أن الاندماج يجب أن يكون فرضاً، وإنماً أمر تحدده الرغبة الشخصية وفي الوقت الذي يراه الشخص مناسباً. تقول: "مع إدراك وجود موضوع التروما التي مررنا بها كلاجئين قادمين من بلدٍ يعيش الحرب والحزن والقتل والتهجير، فنحن بحاجة إلى وقتٍ مستقطع نعيش فيه مع ذواتنا أولاً لنلتقط أنفاسنا ونستوعب واقعنا الجديد الذي تم فرضه علينا. قد يكون من الضروري التعامل مع الأوراق وتسيير المعاملات كمرحلةٍ إجبارية في عصرٍ بات فيه كل شيء محصوراً بملفٍ ضخمٍ من الأوراق التي تحدد حقوقك في البلد المستضيف، لكن الاندماج بمعناه الأكبر والأعم هو أمر يجب أن يكون تبعاً للرغبة الشخصية والقدرة النفسية للخوض فيه. أشعر بأنني في محطة جديدة في كل بلدٍ أرحل إليه وأعيش فيه بعد خروجي من دمشق. هو ليس قراراً، إنما هو شعورٌ نفسيٌ وضمنيٌ لا يمكن التخلي عنه لأنني في حالة عدم استقرارٍ دائم وكل مكان جديد بالنسة لي هو محطة في دوامة لا منتهية من المحطات اللانهائية. نعم أود تعزيز علاقتي مع البلد المستضيف، لأنني أعلم أن لا مهرب من التعامل مع هذا الشعور أولاً وأخيراً، ولأنني أود أن أفهم المكان الذي يستضيفني منذ حوالى الأربع سنوات والذي قد تمتد استضافته سنين عديدة قادمة، وربما يكون المحطة الأخير في دوامة الترحال المستمر".
تضيف رباب أن الاندماج لا يمنع الحفاظ على علاقة مع الموطن الأم، إذ قد يتغير شكل العلاقة معه، من حيث الشعور بالحاجة والإلحاح للوجود فيه والاستمرار على تواصل وثيق معه، تقول: "إن الشعور بوجوده كنقطة أساس وركيزة نفسية لوجودنا هو أمر لا يمكن التخلي عنه ببساطة. يحدد البلد الأم هويتنا ويرسم ملامحنا ووجوهنا وطبائعنا وعاداتنا بشكلٍ أو بآخر، يضيف إليها البلد المستضيف ويلونها بألوان جديدة لكنه لا يمحوها".
وفي لقاء مع مروة - اسم مستعار- 40 عاماً، سورية مقيمة في ألمانيا، تقول بهذا الخصوص: "الاندماج هو الشعور بالراحة الاقتصادية والاستقرار من ناحية السكن وتأمين الدخل. اجتماعياً الموضوع صعب، نجد أنفسنا في فقاعة اجتماعية محاطين بمن هم في مثل ظروفنا ونظل منعزلات عن سكان البلد. أتساءل أحياناً إن اتخذت القرار المناسب بمباشرة العمل بالمنظمات غير الربحية، قبل أن أتعرف على بلد اللجوء، وخاصة كوني جئت للبلد محملة بمشاكل كبرى ترتبط بقضيتنا كسوريات وسوريين، فلسنا مهاجرين ولا نمتلك رفاهية الاختيار، أعتقد أنه كان يجب أن أتابع اللغة والتعلم وعدم التفكير كثيراً بتحصيل الاكتفاء الاقتصادي. لم أحصل على فرصة الاندماج والتعرف أكثر على البلد وتاريخها وناسها. وأتساءل لماذا ربطت نفسي بشكل قهري بقضية بلدي. أشعر أنني بنيت شرنقة حول نفسي، حيث أعمل بلغة غير لغة البلد. كما فرضت فترة الحجر حالة من العزلة. ولم أنسجم مع التعلم عن بعد وأفضل التعلم من خلال معلم ودورة لغة ميدانية. ربما ظلمت نفسي لعدم مباشرتي التعلم وسمحت للعمل وضغطه بأخذ القسم الأكبر من حياتي. أتمنى أن أفتح لنفسي أبواباً جديدة تسمح لي باستقرار حقيقي. لكنني، منذ فترة عندما وصلت من سفر، إلى المطار شعرت بالراحة التي ترتبط بشعورنا بالوصول للبيت وتفاجأت من ذلك! حقيقةً، أحب برلين وأحب جمالها ولا أشعر أني غريبة، لكن يظل هناك نوع من العزلة أرغب بكسرها وبخلق علاقة متينة مع هذه البلد".
كيف يمكن خلق علاقة إنسانية صحية مع البلاد المستضيفة؟
تتضح من خلال الشهادات السابقة إشكالية حاجة الخبراء والخبيرات لخلق علاقة مع الدول المستضيفة تتعارض مع طبيعة وظائفهم التي يؤدونها عن بعد. هذه المهن التي تمنحهم الاعتراف بقيمتهم الفكرية والتي لا يرغبون بالتخلي عنها والعمل في مهن حرفية ويدوية أو غيرها مما لا تستجيب لتطلعاتهم.
في زمن تطور وسائل التواصل الاجتماعي التي سمحت بتحدي مفهوم المكان، يصبح العمل عن بعد بديهية تتعارض مع حقيقة الحاجة للتواصل الإنساني على الأرض.
في زمن تطور وسائل التواصل الاجتماعي التي سمحت بتحدي مفهوم المكان، يصبح العمل عن بعد بديهية تتعارض مع حقيقة الحاجة للتواصل الإنساني على الأرض. يبدو أن مكاتب العمل في البلاد المستضيفة عاجزة عن استيعاب هذا التطور، إذ ظلت صورة المهاجر أو اللاجئ محصورة ضمن تنميط يفترض امتهان هذه الفئة لمهن لا تتطلب مستوى تعليمياً معيناً والتي يفضل تجنبها أبناء هذه البلاد وخاصة من الطبقة الوسطى. بالتالي، تعاني هذه الفئة من تحدٍ يتركها على هامش الحياة الاجتماعية. ليس هذا الوضع استثنائياً ضمن ملف الاندماج في دول يمكن وصفها بالدول الغنية، لكن الاختلاف يأتي في أن هذه الفئة تملك عدداً من اللغات والشهادات والمهارات.
لذا، يصبح السؤال، كيف يمكن خلق علاقة إنسانية صحية مع بلاد تعمل فيها هذه الفئة دون وجود أرضية لخلق هذا التواصل. تدرك هذه الفئة من المثقفات والمثقفين والفنانات والفنانين والصحافيات والصحافيين عجز المنظومة عن ضمهن/م. كما يعرفون أنهم سيبقون غرباء كجيل محمل بقهرية بلاد منهكة. ويبقى أن هذه الاستثنائية التي سمحت لهن/م بالعمل عن بعد رغم تكلفتها على الصعيد الاجتماعي، إلا أنها في المقابل، تحافظ على استمرارية العمل في مهن تمنحهم الرضى عن الذات. ورغم الخسارات فإن هذه الإمكانية تساهم بتغيير الصور النمطية التي تربط الوافدين الجدد بمهن يترفع عنها أصحاب الامتيازات. يخلق العمل عن بعد إمكانيات تتحدى المنظومة التي تفرض على هذه الفئة التخلي عن آخر زاوية من زوايا الأمان وهي العمل في مهن تؤكد على خبرات الذين عملوا بجد للترقي بمناصبهم وتطوير خبراتهم.
إشكالية العمل عن البعد هي ملف يتوجب على البلاد المستضيفة البدء بالتوجه بجدية نحوه، لتمكين هؤلاء من تحقيق اندماج صحي دون الحاجة للتخلي عن مهن يتقنونها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...