شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الجريئة والوحوش... هل كانت إيناس الدغيدي أجرأ من الرجال في إخراج المشاهد الساخنة؟

الجريئة والوحوش... هل كانت إيناس الدغيدي أجرأ من الرجال في إخراج المشاهد الساخنة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

السبت 7 يناير 202311:20 ص

دائماً ما أثارت المخرجة المصرية إيناس الدغيدي الجدل، فقد أصبحت الـ"تريند" حتى قبل ظهور مصطلح "تريند"، واستطاعت أن تحقق الضجة المطلوبة لصناعة الاسم منذ فيلمها الأول "عفواً أيها القانون" 1985؛ حيث رمت حجراً في الماء الراكد في الحياة المصرية والعربية، من خلال وجودها المغاير على الساحة الفنية، فقد انتقد الفيلم القانون الذي يكيل بمكيالين في قضايا حسّاسة تخص الرجل والمرأة على حد سواء.

أثار الفيلم الذي شاركت في بطولته نجلاء فتحي إلى جانب محمود عبد العزيز لغطًاً كبيراً بسبب جرأته في التناول، إذ ارتبطت الأحداث بالجنس والخيانة والحياة الزوجية، وسلّطت المعالجة الضوءَ على التمييز بين المرأة والرجل، فالرجل إذا قتل زوجته لضبطها متلبسة بالخيانة يخفف عنه الحُكم، بينما لا ينص القانون على تخفيف العقوبة بالنسبة للمرأة. 

العلاقة بين الرجل والمرأة

بلغ عدد الأفلام التي أخرجتها الدغيدي للسينما المصرية 16 فيلماً روائياً، منها "زمن الممنوع" 1988، و"قضية سميحة بدران" 1990، و"لحم رخيص" 1996، و"دانتيلا" 1998، و"القاتلة" 1991، و"ديسكو ديسكو" 1993، و"كلام الليل" 1999، وقد استطاعت أغلب هذه الأفلام أن تحوز على اهتمام المشاهدين والنقاد، وأن تكون مثار اختلاف نظراً لحساسية القضايا التي تطرحها.  

استطاعت الدغيدي منذ بداياتها أن تحقق الضجة المطلوبة لصناعة الاسم في فيلمها الأول "عفواً أيها القانون" 1985؛ حيث رمت حجراً في الماء الراكد بتناولها لقضية الخيانة الزوجية 

كما استطاعت أن تغوص في طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، كاشفة عن الطباع التي تسيطر على كثير من الرجال تجاه المرأة مثل الأنانية والاستقواء والهيمنة والاستبداد بالرأي، ومبينة أثر التحكم الذكوري على حرية المرأة وحالتها النفسية ومصيرها.

في كتاب "أفلام المخرجات في السينما العربية" يوضح مؤلفه سمير فريد أن الدغيدي برزت لسببين الأول أنها لم تتعامل مع نفسها كأنثى وإنما كمخرجة، فلم تقتصر أفلامها على تناول مشاكل المرأة، وبهذا فقد خرجت من "غيتو" المرأة إلى آفاق الحياة العريضة، والثاني أنها من صناع الأفلام الذين يعملون في إطار السينما السائدة. أي السينما التي اعتاد عليها الجمهور، ويؤمنون أن التجديد يجب أن يتم في إطار هذا الجمهور، وليس بمعزل عنه. ليس معنى هذا أن أفلام الدغيدي لا تعبر عنها كامرأة، فهناك تفاصيل لا يمكن أن نراها في أفلام مخرج رجل، وبشكل خاص المعالجة الدرامية للشخصيات النسائية، والعلاقة بين النساء من جهة، وبينهن وبين الرجال من جهة أخرى.     

البدايات كلاسيكية... الطريق ليست كذلك 

بدأت إيناس الدغيدي حياتها الفنية كممثلة أمام فاتن حمامة ومحمود ياسين في فيلم "أفواه وأرانب" 1977، واتجهت بعدها للإخراج، كما قدمت مشهداً قصيراً في نهاية فيلم "إمرأة واحدة لا تكفي" 1990 من إخراجها وأمام الراحل أحمد زكي، بين الفيلمين وبعدهما لم تظهر الدغيدي كممثلة في أي عمل فني، بينما عملت في بداية رحلتها الفنية كمساعدة مخرج مع كل من بركات، وحسن الإمام، وحسام الدين مصطفى، وعلي عبد الخالق، وغيرهم.  

بدأت الدغيدي حياتها الفنية كممثلة أمام فاتن حمامة في فيلم "أفواه وأرانب" 1977، كما قدمت مشهداً في نهاية فيلم "امرأة واحدة لا تكفي" 1990 من إخراجها أمام الراحل أحمد زكي 

جاء التعبير عن المرأة ضحية الأسرة والقوادين صارخاً كما في فيلم "لحم رخيص" الذي ألقى الضوء على زواج القاصرات، حين تباع الفتيات لرجال مسنين.

كذلك عبر فيلم "مذكرات مراهقة" عن حلم الفتاة بالحب، وحينما تجده تكون ضحية لهذا الحب بسبب براءتها وثقتها في شاب يتلاعب بها. وجمع فيلم "الباحثات عن الحرية" بين هموم ثلاث فتيات عربيات من مصر والمغرب ولبنان، فتتسع رؤية المخرجة لتعبر عن المرأة العربية وليس فقط المصرية.

تذهب الفتيات إلى فرنسا بحثًاً عن الحرية، عايدة هرباً من زوجها الذي يعاملها كجارية، وسعاد هرباً من شقيقها لأنه يرفض زواجها من ابن الجيران، وأمل تهرب من الحرب الأهلية في لبنان، لكنهن يكتشفن أن الحرية في باريس منقوصة وليست كما اعتقدن، فتمرّ كل منهن بتحولات تؤثر على حياتها.

وفي فيلم "ما تيجي نرقص" تسعى المرأة إلى الخروج من روتين الحياة الخانق في البيت والعمل بالانضمام لمدرسة تعليم رقص، وتكون النتيجة هي الشك الذي يشعر به زوجها، فتتصاعد الأمور بينهما إلى الطلاق، بينما يقر في النهاية بحبه لها ويشعر بأهمية الرقص وما يمكن أن يحققه من قيم إيجابية، فيندفع إلى تعلمه ليراقص زوجته في مسابقة كبرى، وتجدر الإشارة أن القصة منسوخة عن الفيلم الأمريكي الشهير "Shall we dance".  

هل ساهمت قلة المخرجات العربيات في إبرازها؟ 

يشير الناقد سمير فريد أنه ومن بين كل مخرجات السينما في مصر بل وفي كل العالمين العربي والإسلامي لم تستطع سوى مخرجة واحدة صنع 16 فيلما من 1985 إلى 2009 وهي إيناس الدغيدي، فأغلب المخرجات اللواتي ظهرن من 1983 حتى الآن أخرجن فيلما أو ثلاثة أفلام على الأكثر.  

هناك تفاصيل في أفلامها لا يمكن أن نراها في أفلام مخرج رجل، وبشكل خاص المعالجة الدرامية للشخصيات النسائية، والعلاقات بين النساء من جهة، وبينهن وبين الرجال من جهة أخرى    

لقد كان ظهور عشر مخرجات في تلك الفترة، أي مطلع الثمانينيات يعتبر إنجازاً رغم قلة عدد أفلامهن، ذلك أن السينما لم تعتمد على المرأة كمخرجة كثيراً، مع أنها ظهرت من البداية كمنتجة وممثلة، مثل عزيزة أمير، وآسيا داغر، وبهيجة حافظ، فقد كان الإخراج حكراً على الرجل.  

أعقبت تلك الفترة ظهور مخرجات لهن بصمة خاصة على السينما المصرية والعربية، ممن لا يعتمدن على الكم بقدر ما يبحثن عن التميز بتقديم سينما مختلفة تشكل إضافة حقيقية، من أمثال المخرجة التونسية كوثر بن هنية، والمصرية كاملة أبو ذكري، واللبنانية نادين لبكي، حيث حصدت أعمالهن عديداً من الجوائز، فضلاً عن النجاح الجماهيري.

تم اختيار إيناس الدغيدي عام 2005 من قبل مجلة "نيوزويك" الأمريكية من بين أهم 43 شخصية شخصاً يحدثون تأثيراً في العالم العربي، فضلاً عن الجوائز السينمائية التي حصلت عليها عن بعض أفلامها من مهرجان القاهرة السينمائي، ومهرجان الإسكندرية السينمائي، وجائزة العمل الأول من الجمعية المصرية لفن السينما. 

منذ آخر أفلامها "مجنون أميرة" 2009، تفرغت إيناس الدغيدي للبرامج التلفزيونية والحوارات الصحافية، فقدمت برنامج "هالة شو" خلفاً لصديقتها هالة سرحان، و"السينما والناس مع إيناس"، و"الجريئة"، و"الجريئة والمشاغبين"، و"الجريئة وشيخ الحارة" وعلى الرغم مما حققته هذه البرامج من نجاح إلا أنها أثارت جدلاً كبيراً كالعادة حيث تعرضت للحياة الخاصة للضيوف أكثر من المقبول برأي البعض. 

الجريئة.. وساقها الملفوفة 

يصف الكاتب ياسر ثابت في كتابه "سيرة اللذة والجنس في مصر" الدغيدي بـ"الشخصية المثيرة للجدل، سواء أكانت أمام الكاميرا أم خلفها. أعمالها تشبه تصريحاتها، جريئة إلى حد الصدمة، وقوية إلى حد اتهامها بالانفلات الأخلاقي. غير أنها بقيت هادئة الطباع، وتواصل تحطيم المزيد من التابوهات المجتمعية والدينية".

في حلقة من حلقات برنامجها "الجريئة" استضافت إيناس الدغيدي، الفنانة يسرا التي لعبت دور المذيعة بدلًا من إيناس، وأثناء الحوار سألتها يسرا عن عمرها الحقيقي، فردّت قائلة: "هفضل طول عمري عروسة، وهبين رجلي دايما لأنها حلوة وملفوفة".

واحدة من سمات أعمال الدغيدي هي جرأتها في توظيف المشاهد الجنسية، إذ تعتبر هذه المشاهد القاسم المشترك في مجمل أفلامها، مثل "لحم رخيص"، و"مذكرات مراهقة"، و"كلام الليل"، و"الباحثات عن الحرية"، و"مجنون أميرة"، فلا يخلو فيلم من المشاهد الساخنة للجنسين.

حتى الأفكار حول الجنس موجودة بوضوح وتأتي على لسان الشخصيات، فتقول إحداها عن الحياة في فرنسا: "حياتكم بسيطة، تعملي اللي بدِك إياه، ما حدا يقولك شو لازم تعملي، بدك تحبي بتحبي، بدّك ترقصي بترقصي، بدك تشلحي ثيابك وتمشي بالشارع بالزلط؛ بتشلحي ثيابك وتمشي بالشارع بالزلط.. جيت لهون مشان الحرية.. انفلات.. حب.. وسعادة". 

حديث الجنس لا يغيب  

لم تؤطر هذه الجرأة في البرامج التلفزيونية التي قدمتها الدغيدي وفق حدود اجتماعية لتأتي على مقاس الجزء المحافظ من المجتمع على اعتبار أن التلفزيون مصدر تنفس وتسلية للأسرة العربية.

 وقد صرحت سابقاً بأنها مع ترخيص مهنة الدعارة في مصر لكي تتمكّن الدولة من الإشراف الطبي على ممارسي المهنة، بدلًا من ممارستها في الخفاء ونشر الأمراض، وهو ما أثار المجتمع المصري ضدها وضد آرائها. كما قالت في أحد البرامج التلفزيونية إنها "مش ضد إن الراجل والست يعيشوا مع بعض بدون زواج"، الأمر الذي أثار هجوماً جديداً ضدها.

يرى د. ياسر ثابت أن الدغيدي ممن يعتبرون أن الجنس بشكل عام حرية شخصية، حتى وإن كان خارج إطار الزواج ويدلّل على ذلك بحديثها في برنامج على قناة "دويتشة فيلة" الألمانية، حيث قالت أن هناك أناساً يخافون الإقدام على الجنس، لأنه "محطوط في مخهم من وهم صغيرين إنه حرام".

ويضيف أن الرأي العام صُدم من هذه التصريحات خاصة بعد أن تداولتها الكثير من المواقع لا سيما أن المخرجة ذكرت أن "الجنس اختيار شخصي ليس له أية اعتبارات من الآخرين، وهو حق لكل شخص يمارسه حسب فكره وحسب عقليته وعاداته وتقاليده".  

تعتبر المشاهد الجنسية القاسم المشترك في مجمل أفلامها، مثل "لحم رخيص"، و"مذكرات مراهقة"، و"كلام الليل"، و"الباحثات عن الحرية"، و"مجنون أميرة".  

تراجعت الدغيدي عن آرائها في أحد البرامج التلفزيونية وقالت إن تصريح "الجنس قبل الزواج حلال تم إخراجه من السياق، وأنها تعلم أن الجنس قبل الزواج محرّم في الأديان السماوية، وانها تعلّم ذلك لابنتها". وتابعت: "لم أقل أن ممارسة الجنس قبل الزواج حلال. أنا لست غبية، ولا كافرة، أنا أعلم ديني جيداً".

وبرغم كل شيء، سيظل يُحسب للدغيدي اختلافها، وتحريكها للثوابت والمسلّمات، وأنها قدمت فنانين أصبحوا نجوماً الآن، منهم هند صبري التي أسندت لها البطولة لأول مرة في فيلم مصري، وأحمد عز الذي لم يكن معروفاً قبل أن يقوم ببطولة فيلم "مذكرات مراهقة"، وعارضة الأزياء اللبنانية نيكول بردويل، والمغنية السورية نورا رحّال، والمغربية سناء موزيان.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard