شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
جيل السقا... أفلام بلا سينما

جيل السقا... أفلام بلا سينما

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 20 أكتوبر 202101:21 م

أصوات كثيرة حلوة لكن دماغ مفيش

بيغنوا ويطربوا لكن معاني متلقيش

نجوم بعيد عنك بتقولك إزاي تعيش

مأساتك سبوبة بياكلوا منها عيش 

"كان لك معايا، أغنية لأمير عيد"


صرح أحمد السقا في مهرجان الجونة، أن السينما، منذ عام 1967 وحتى عام 1997، قبل ظهور أفلام جيلهم، كان "خلقها ضيق"، وأنهم ساهموا بنقلة كبيرة على مستوى الإيرادات والتكنولوجيا المستخدمة، لم يبلغها من سبقهم.

معه كل الحق، لكن ما لن يفهمه السقا أن ثمن ذلك التطوير كان على حساب ما أنجزته السينما المصرية فعلاً قبلهم، وهو تطوير لغة سينمائية تخص مصر تسعى للحقيقة، وهو ما أوقفته رحلة ذلك الجيل.

ما قدموه كان يعني أن تكفّ السينما أن تتحدث عن الحقيقة وأن نقدم بدلاً منها أفكاراً معلبة وسطحية، لا تلامس الواقع، مع استثناءات قليلة، لا تقارن بما يستحقه ربع قرن من أفلام.

ما لن يفهمه السقا أبداً، أن نجوميته وهو رفاقه التي مهّدها الفيلم الرديء "إسماعيلية رايح جاي"، بدا لطالب الثانوي الذي كنته في عام 1997، أشبه بثورة وأمل، كنت منتبهاً حينها، ويا للمفارقة، عبر أفلام أهم مخرجي وممثلي ما قبل عام 1997 إلى أن الوضع خانق وراكد، والتغيير شبه مستحيل.

صرح أحمد السقا في مهرجان الجونة، أن السينما، منذ عام 1967 وحتى عام 1997، قبل ظهور أفلام جيلهم، كان "خلقها ضيق"، وأنهم ساهموا بنقلة كبيرة على مستوى الإيرادات والتكنولوجيا المستخدمة، لم يبلغها من سبقهم

القطب الأوحد

إللي يقولك إحنا بنتفائل ده بكرة أحلى
إوعي في يوم تسلم كمل بسيطة سهلة
إنت جامد إنت تقدر دنيا حلوة عبي غنوة
إعمل فلوس إعمل فيوز إحلم وطرمخ ع الكابوس

كانت مصر في تلك المرحلة، تدور كلها في فلك قطب أوحد، زعيم أوحد: مبارك. صحفي أوحد: محمد حسنين هيكل. المعارضة السياسية: رفعت السعيد، زعيم الأغلبية البرلمانية: كمال الشاذلي، رئيس البرلمان: فتحي سرور، وزير الإعلام: صفوت الشريف، رجل دين أوحد: الشعراوي، السيناريو السينمائي: وحيد حامد. السيناريو التليفزيوني: أسامة أنور عكاشة، الغناء: عمرو دياب، وفي مجال السينما والمسرح بالطبع: عادل إمام.

الباقون هم لاعبون يدورون في أفلاكهم، مهما بلغت موهبتهم أو إنجازاتهم، لا يتجاوزون نجوميتهم أبداً، ولم يبد أن هناك أملاً حتى لتجاوز الأقطاب أو النجوم التابعين في الفلك، وكأنما هناك سيناريو مخطوط بيد القدر، وزعت فيه الأدوار بصرامة. بدا الأفق مسدوداً، حتى أن حياتي نفسها بدت أن عليها أن تستسلم لمصير أوحد.

لا أنسى حواراً أجرته جريدة الدستور المصرية عام 1996، مع عادل إمام، بمناسبة حصوله على أعلى أجر له (مليون وربع مليون جنيه). في أثناء الحوار، وصله خبر أن إيرادات الفيلم بلغت ثلاثة ملايين جنيه، وكان حينها رقماً غير مسبوق، ما جعله يصرّح للمحاور: "أنا أقل الممثلين أجراً في مصر، آخذ مليون وأردهم للمنتج ثلاثة".

كانت السينما في أزمة حقيقية، الأفلام قليلة، أفلام عادل إمام ونادية الجندي وحدها هي التي تضمن نجاحاً مسبقاً، وكل نجاح لهما يعني أن تزداد الأزمة والانغلاق على أسماء قليلة تنفصل عن الزمن أكثر.

كانت تحتاج إلى تجديد بالفعل، لكن في أي اتجاه؟

اتجهت أفلام أحمد السقا بعد أفلام جيدة (تيتو، الجزيرة، إبراهيم الأبيض) أن تكون مجرد أكشن فارغ، يروج لفكرة رجعية عن الذكر المصري المتشنج

"أمل جديد"

بيبعولك الهوا بيحطوا السم في الدوا
إنت واحد هما سوا
نجوم بعيد في السما
باصين عليك من فوق
جعانين شهرة فلوس وضوء
يدولك مليون أمارة وانت تاخد بالذوق

قادتني الصدفة إلى دخول "فيلم إسماعيلية رايح جاي" في أسبوعه الأول، لم يكن قد صنع ضجته بعد. جذبني الزحام على مدخل السينما والذي كان أغلبه لشباب صغار السن، هالني سوء الفيلم، سأمنحه جائزة أسوأ فيلم أنتجته السينما المصرية على الإطلاق.

تفاعلت مع غناء الصالة لأغنية آكاتش كادر في الألولو". ضحكت بحماس على إيفيهات هنيدي الطازجة بمقاييس تلك الفترة (وأتعجب الآن أنها أضحكتني من الأساس)، لكنها كانت تنقل لغة الشارع وقتها كما فعل أحمد مكي ومحمد سعد، قبل أن ينفصلوا سريعاً عن تيار الحياة الحقيقية ولم يتبق لهم سوى الوعظ الأخلاقي أو التبشير بصورة متخيلة لا أساس لها في الواقع، أو التماهي مع الاستبداد داخل الفيلم وخارجه، وهو ما لم يفعله أبداً عادل إمام، الذي كان يداهن الدولة في العلن، لكن في السينما وحتى في أفلامه الهزلية كان موقفه منحازاً إلى المواطن.

لم أستوعب حينها أني أشاهد ميلاد ظاهرة، ستفسح المجال لظهور أسماء جديدة.

من ذلك التاريخ وحتى عام 2010، صرت ألاحق فيلماً تلو آخر، مهما كان سيئاً، وفي كل مرة كنت على أمل: كل هذا الهراء سينتهي، سريان الدماء الجديدة في الصناعة سينتج شيئاً جيداً، سيستعيد الحقيقة.

نيولوك

يديلك مليون أمارة وحلول كل المشاكل
يرمولك طُعم في صنارة تاكل تتشد تتاكل في أغنية أو إعلان
التوجه ياصاحبي عام ويفوت ستين عام
والعمر يجري قوام
يفضلوا يقولو بكرة أحلى طب ياخي أخي أحلى ليه زعلان

في مقارنة بين فيلم "مراتي مدير عام" الذي أنتج في نهاية الستينيات والذي ينتصر لعمل المرأة، يخرج علينا السقا بتحفته" تيمور وشفيقة" التي ترى أن مكانها في المنزل

لست سنوات، جلس منها عامين بالمنزل، ناضل عادل إمام للحاق بالركب مجدداً، أفلامه تحصد الملايين الثلاث، لكنها لا تقارب ما تحققه أفلام الشباب التي تتخطى الثلاثين مليوناً. أما نادية الجندي وكل هذا الهراء، فقد انهزم أخيراً وإلى الأبد.

وجد عادل إمام الحل أخيراً: نيولوك، يتخلى فيه عن التوليفة السابقة، يحيط نفسه بالشباب ويمثل دور الأب. في 2005 فعل مبارك الشيء عينه، عندما سمح أخيراً أن يترشح أمامه أحد، وظهر في الصور بنكهة شبابية وسمح بتصوير فيلم دعائي يظهره كإنسان.

بزغ حينها نجم أيمن نور، وكما لاحقت أفلام الشباب بحماسة تنتظر وعداً لم يتحقق، حرصت أن أشجع إخوتي ودائرة أصدقائي وزملائي على التصويت لأيمن نور، وكانت خسارته أقرب لفوز للأمل.

ما ستفصح عنه الأيام، أن أيمن نور في الجوهر، لم يكن إلا كما كان جيل النجوم الجدد مقارنة بعادل إمام، نسخة أكثر تفاهة وخواء من مبارك.

كان تغييراً كارتونياً إذن، أفلام الجيل الذي يدعي السقا هزيمته، كانت تمتلك شيئاً صلباً في العمق، رؤية ما حتى وهي تمارس استبدادها واحتكارها للسوق، كانت تستند على شيء ما.

لم يصمد نجم واحد من نجوم الجيل الشاب! (أي شباب وقد مضى على تجربتهم ربع قرن) لأكثر من ثلاثة أفلام متتالية، سقط هنيدي، محمد سعد، أحمد مكي، كانوا نجوماً بلا مشروع أو رؤية أو هدف. حتى أن أفلام عادل إمام كـ"السفارة في العمارة" و"عريس من جهة أمنية" و"مرجان أحمد مرجان"، بدت أفلاماً مهمة مقارنة بأفلامهم، بل نجحت أخيراً أن تنتزع عرش أعلى الإيرادات. تراجع هائل للخلف، وردّة في الزمن.

اتجهت أفلام أحمد السقا بعد أفلام جيدة (تيتو، الجزيرة، إبراهيم الأبيض) أن تكون مجرد أكشن فارغ، يروج لفكرة رجعية عن الذكر المصري المتشنج، وفي مقارنة بين فيلم "مراتي مدير عام" الذي أنتج في نهاية الستينيات والذي ينتصر لعمل المرأة، يخرج علينا السقا بتحفته" تيمور وشفيقة" التي ترى أن مكانها في المنزل. ويستمر غثاء المرحلة المخلوطة بشعارات أخلاقية وعظية ومخرجين منفذين يستنسخون تكنيكات سينمائية متطورة، لكن دون سينما.

"سبوبة"

الأمل في بوقهم زي اللبانة
كل حاجة اشتغالة والحقيقة بقت رزالة
عاوزينك دايما ساكن وعقلك هو الزنزانة
زيهم زي الدبانة شغالين زن زن زن

 لم يصمد إلا أحمد حلمي لفترة أطول، ليس لأنه يحمل أي فكرة مهمة، بل لأنه راهن على المضمون (أفلام متوسطة المستوى) تراهن على أفكار التنمية البشرية الساذجة وتصورات الدعاة المودرن، عن شكل العلاقات المثالي والمنضبط بين الرجل والمرأة، صمد تحديداً لأنه بلور حقيقة هذا الجيل: ميديوكر يمارس "سبوبة" ويربي ثروة، نرجسي، يحرق الحاضر والمستقبل، أهم من المخرج، السيناريو، الفيلم نفسه.

لكني أتذكر ما مثله فيلم "ألف مبروك" لأحمد حلمي بالنسبة لنا، والذي عرض في الفترة ما بين 2009 إلى 2010، قبل الثورة بعام، والذي عرض في نفس توقيت فيلم "بوبوس" لعادل إمام، الذي فقد فيه البوصلة مجدداً، كمبارك الذي فقد توليفة أعضاء حكومته المتمرسين في الحكم، لصالح جيل جمال مبارك وأحمد عز الشاب، فأغلق هامش الحريات الذي سمح له بالبقاء 10 سنوات إضافية بعد عشرين عاماً من حكمه، ولم يسمح لمعارض واحد بدخول البرلمان، الذي قال في افتتاحه هازئاً من كل أحلامنا في التغيير: خليهم يتسلوا.

كنا محتشدين لدخول فيلم "ألف مبروك" في عرضه الأول بحفلة التاسعة مساء، لكننا فوجئنا أن الفيلم لم ينزل في موعده، كي يترك الفرصة لفيلم عادل إمام البائس. لقد أدرك عادل إمام هزيمته أخيراً، لكنه كمبارك كان في حالة إنكار، لم تفده الفرصة، تجاهلناه تماماً. نجح فيلم "ألف مبروك" نجاحاً ساحقاً، ومنحناه ما ظننا أنه يستحقه، فرصة للتغير.

مقارنة عادل إمام بمبارك غير دقيقة بالطبع، لكنها تقرب فكرة، فالأول فنان لديه رؤية اختاره شعبه، والثاني ديكتاتور مستبد قهر شعبه.

لم نعرف أن جيل السقا سيهدر كل فرصة وسيخذلنا في كل اختيار، وأن التجريف الذي صنعه مبارك كان هائلاً إلى ذلك الحد. أن الكابوس عميق.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image