شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
استقبال ملكي وتلفزيون خارج التغطية... كيف أفسد الإعلام المغربي فرحة استقبال

استقبال ملكي وتلفزيون خارج التغطية... كيف أفسد الإعلام المغربي فرحة استقبال "أسود الأطلس"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 21 ديسمبر 202203:32 م

"سِيرْ سير سير؛ هِيهُو مبروك علينا هادي البداية مازال مازال"؛ بمثل هذه الشعارات، والكثير من الهتافات الحماسية، علَت حناجر آلاف المغاربة، المُطلّين من نوافذ المنازل وأسطحها، وشُرفات المقاهي، أو الواقفين على طول شوارع العاصمة المغربية الرباط، أمس الثلاثاء 20 كانون الأول/ ديسمبر، لاستقبال "أسود الأطلس"، بعد تمكنهم من كتابة تاريخ جديد للكرة العربية والإفريقية، في أول نسخة من كأس العالم تُقام على أرض عربية، هي قطر.

هدف يوسف النصيري، في مرمى البرتغال، كان بمثابة ورقة التأهل للمنتخب المغربي، ليُصبح ثالث منتخب من خارج أوروبا وأمريكا الجنوبية يتأهل إلى المربع الذهبي في نهائيات كأس العالم بعد الولايات المتحدة عام 1930، وكوريا الجنوبية في 2002، ليدخل التاريخ من بابه الواسع. وبالرغم من الهزيمة أمام فرنسا في نصف النهائي، فقد احتشد في قلب الرباط، آلاف المواطنين المغاربة، القادمين من مدن أخرى، ليعبّروا عن فرحتهم، ملوّحين بالأعلام الوطنية، وأطلقوا الألعاب النارية، للاحتفاء بـ"الأسود"، الذين استقلّوا حافلةً مكشوفةً، لتحية الجماهير، على طول الطريق المؤدية إلى القصر الملكي حيث خصّهم الملك محمد السادس باستقبال رسميّ في قاعة العرش، وُشّح خلاله اللاعبون والمدرب ورئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بأوسمة ملكية.

احتفال كبير... وإعلام خارج التغطية

مشاهد الاحتفاء بأسود الأطلس، جابت ربوع العالم، وجاء في الحساب الرسمي لـ"فيفا"، في موقع تويتر، أن "المُنتخب خلفه شعب كامل، بل أمة ككاملة"، متابعاً: "استقبال رائع حظي به المغاربة في بلدهم"؛ وكذلك علّق عدد من الجماهير من الأرجنتين في تويتر بعبارة (1 المغرب / 0 الأرجنتين)، مشيرين إلى أن الاحتفاء المغربي بمنتخب أسود الأطلس، وهم في الرتبة الرابعة، أفضل بكثير من الاحتفاء بالمنتخب الأرجنتيني وهو حامل لكأس العالم، وفق رأيهم، وكذا عبّرت جُملة من وسائل الإعلام الأجنبية عن "انبهارها" بحجم احتفاء المغاربة بأبطالهم.

يقول صلاح الدين، لرصيف22، وهو شاب مغربي يعمل في التنشيط الثقافي حضر فعاليات الاستقبال الجماهيري لأسود الأطلس: "قلوب المغاربة أصبحت تشعّ فرحاً، بعد أن تجاوزنا أخيراً نُكتة المشاركة المشرّفة في المحافل الرياضية الدولية، وأصبحنا نقف في دائرة الكبار، ونحتفل بالإنجاز التاريخي، واللعب النظيف"، مضيفاً أنه لا بد من تعميم "عقلية الركراكي، على كافة المؤسسات المغربية، بما فيها الإعلامية، و’نديرو النية’ (نؤمن بإمكانياتنا ونعمل بصدق)، لنمضي قدماً نحو مُستقبل مشرق، لتحقيق الأفضل في كافة المجالات، ونتخلص من عقلية المنهزمين قبل نيل شرف المحاولة".

خص الشعب المغربي  "أسود الأطلس" باستقبال احتفالي في العاصمة الرباط فيما وشحهم الملك محمد السادس في القصر الملكي بأوسمة تقديرا للإنجاز الذي حققوه في مونديال قطر

"كانت هناك الكثير من المشاهد المعبرة التي كان يجب على الإعلام المغربي تسليط الضوء عليها، بطريقة أفضل، واحترافية أكبر، ليصل الشعور بفخر هذا الإنجاز إلى جُلّ القلوب المغربية، والعربية والإفريقية في أي مكان عبر العالم، من أهمها مشاهد أسود الأطلس فوق الحافلات المكشوفة وسط الجماهير الشعبية في وقت غروب الشمس، وكذا صور اللاعبين برفقة الملك محمد السادس مرافَقين بأمهاتهم، كما افتقرنا كذلك إلى تغطية إعلامية تضيف لنا كل ما هو جديد ومميز، بعيداً عن الوصف المباشر لما نراه فقط"، يضيف صلاح الدين، مردفاً بأسلوب ساخر: "لكن لا بأس، البث المباشر لأسود الأطلس، وعدد من المقاطع التي نشرها المواطنون، غطّت الفراغ الذي تركه الإعلام الرسمي".

غضب صلاح الدين من الإعلام العمومي، له ما يبرّره، فخلال بث الاستقبال كانت الصورة ضعيفةً، والمشاهدة مكبّرةً لا تقترب من اللاعبين، فيما تحوّل التعليق الصحافي إلى مادة للتندر لضعف المضمون الذي قدّمه صحافيو القناة ومعلّقوها.

في خضم جُملة من الانتقادات التي وُجّهت إلى تغطية الإعلام الرسمي المغربي لهذا الحدث التاريخي، راهن المُشاهدون المغاربة على إتمام الصورة من خلال مُتابعة حسابات لاعبي المنتخب الوطني في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصةً إنستغرام، إذ كان بينهم من هو حريص على البث المُباشر، وكذا على متابعة حسابات مواطنين من عين المكان، مشيرين في الوقت ذاته على أنه "للأسف كانت قنوات القطب العمومي، تنقل بإخراج سيئ، وصورة تنقطع مراراً وتكراراً، وكأن أجهزة التصوير المُعتمدة تعود إلى زمن غابر".

أوسمة ملكية

خلال حفل الاستقبال في القصر الملكي، قلّد الملك كلّاً من رئيس اتحاد الكرة "الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم"، فوزي لقجع، والمدرب وليد الركراكي، وسام القائد، أما اللاعبون فحصلوا على وسام ضابط.

نشر سفيان أمرابط، لاعب وسط ميدان المنتخب، صورةً له وهو يُقلّد من طرف الملك بوسام، وأرفقها بعبارة "لي شرف كبير أنني التقيتك وكنبغيك بزاف والله يحفظك لينا"، فيما نشر بلال خنوس، أصغر لاعب في المنتخب المغربي، صورته وهو موشح بالوسام الملكي، معلقاً عليها بشعار المملكة: "الله، الوطن، الملك"، وعلّق حارس مرمى المنتخب المغربي منير المحمدي الكجوي، الذي حل محل الحارس النجم ياسين بونو في مبارة المنتخب الثالثة في دور المجموعات، على صورة توشيحه بأنه "يوم لا يُنسى".

من جهته، نشر عبد الرزاق حمد الله، صوراً للاستقبال الجماهيري، معلّقاً عليها بالقول: "يا له من شعور... أحبك يا وطني"، وكتب رضا التكناوتي: "أحبك يا مغرب... فخور"، وقال أشرف حكيمي، الظهير الأيمن لأسود الأطلس، إن هذا "الاستقبال الملكي يُعدّ مبعث فرح كبير لنا"، مضيفاً أنه: "كنا في ما بيننا فقط، لكن القدوم إلى المغرب ورؤية الشعب المغربي سعيداً للغاية يمنحاننا الكثير من التحفيز والقوة للنجاحات الكبيرة التي سيعرفها فريقنا الوطني؛ لقد أعطينا كل ما لدينا هذا الشهر لنجعل بلادنا فخورةً بنا".

عبّر اللاعبون المغاربة عن افتخارهم بالاستقبال الشعبي وحفاوة العاهل محمد السادس بهم، وتقليدهم بأوسمة

أما نايف أكرد، مدافع المنتخب المغربي، فكتب على حسابه الشخصي: "لا أجد الكلمات لوصف شعوري اليوم... أمسية تاريخية اختلطت فيها مشاعر الفرح والفخر بالأوسمة"، مردفاً بعد شكر الملك: "شكراً للجماهير المغربية التي حضرت من مختلف مدن المملكة، لاستقبالنا على طول الطريق الرابطة بين مطار الرباط سلا، وشارع محمد الخامس، أنتم الأبطال الحقيقيون، تشجيعكم وحبكم لنا جرعة زائدة لتقديم الأفضل".

"بيع الوهم للمُشاهد"

احتفاء الجماهير المغربية بأسودها، فاق الرقعة الجغرافية للعاصمة الرباط، ليمتد إلى ملايين الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، بكثير من الصور ومقاطع الفيديو وآلاف المنشورات وعبارات الفخر والشكر.

لكن هذا الفرح ظل بطعم "مرّ"، إذ انتقد كثيرون في الوقت نفسه ما وصفوه بضعف جودة التغطية الصحافية لهذا الحدث التاريخي في الإعلام المغربي الرسمي، مؤكدين على أنه كان من الواجب تجنيد خيرة الكفاءات الإعلامية والتقنية لتقديم صورة أكثر إشراقاً لأسود الأطلس أمام العالم.

كلّ شيء في الاستقبال المغربي لأسود الأطلس كان مميزا... لكن اللطخة التي أثارت غضب كثيرين هي تغطية التلفزيون العمومي للحدث التي أظهرت الارتجالية ومقاربة إعلامية تقليدية لا تليق بالحدث

في هذا السياق، قال أحمد مدياني، سكرتير تحرير موقع "تيل كيل عربي"، إن "المغاربة كانوا اليوم على موعد مع حدث تاريخي، تحلم به كل دول العالم وشعوبه، لكن للأسف لم تكن التغطية الرسمية بحجم الانتظارات، خاصةً أن النقل المباشر وصل إلى كل بقاع العالم، نظراً إلى أن إنجاز المنتخب المغربي كان الاستثناء بحنكة مدرب استثنائي ولاعبين مقاتلين"، مضيفاً أن "المغاربة خلف شاشات التلفاز، عانوا من رداءة الصورة والارتجالية في الإخراج، ولم يستطيعوا مواكبة الاحتفاء بأبطالهم".

"لماذا كانت الصورة رديئة؟ ولماذا انتقلنا من تغطية تفاعل الجماهير مع صنّاع الفرح إلى نقل لقطات للشوارع؟ وكيف باعت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة الوهم بأنها وفّرت كل الإمكانيات ليكون النقل المباشر بحجم الحدث؟"، يسأل مدياني مستنكراً في حديثه إلى رصيف22، ويؤكد على أن "هذه ليست المرة الأولى التي يخلف فيها الإعلام الرسمي في الموعد، في الوقت الذي تسخّر كل الدول إعلامها لتقديم صورة تسويقية ذات جودة".

أما عن الأسباب المؤدية إلى هذه النوعية من التغطية الإعلامية لمثل هذا الحدث التاريخي، فأشار مدياني، إلى أن "المشكلة تكمن في استمرار مسؤولين على رأس قنوات 'القطب العمومي'، ليس من أولوياتهم تقديم خدمة صحافية مهنية تحترم الشعب المغربي أولاً، لأنهم فقط موظفون، يتقاضون رواتبهم من جيوب من يدفع الضرائب، لكن غياب المحاسبة والمساءلة عن كل صغيرة قبل كبيرة، يمنحهم هامشاً واسعاً من اقتراف ما يحلو لهم من كوارث. هم مقتنعون بأنهم مهما اقترفوا، سوف يستمرون حيث هم". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image