شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
وكان النهار يشبه نهاراً سبقه

وكان النهار يشبه نهاراً سبقه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والفئات المهمشة

السبت 17 ديسمبر 202212:09 م

يبدأ الناس نهارهم، كما لو أنّ هذا هو الشيء الأكثر طبيعيّةً في الوجود. تستيقظ العائلة في خيمتها بعد نوم متقطع في ليل بارد، يحضّرون طعام الفطور، ومن ثمّ يتجهون إلى الخارج: الأطفال إلى الملعب أو إلى خيمة أخرى خُصصت كمدرسة، أو في أغلب الأحوال إلى الطرقات التي تفصل الخيام عن بعضها، يلعبون بأيّ شيء متوفر؛ حجارة، كرات، وألعاب وزعتها منظمة ما في يوم ما... إلخ.

النساء يبقين في الخيام وما حولها، ويحاولن تحسين ظروف حيواتهن بما استطعن، وينظفن الخيام، ويتحادثن عن آخر المستجدات في المخيّم، ويتباحثن في حلول للخروج من هذا اللجوء الأبدي كي يعشن مع عائلاتهن حياة شبه طبيعيّة.

يتجالس الرجال جنباً إلى جنب، يشربون الشاي، ويدخنون، ويتوجهون إلى العاملين في المنظمات غير الحكوميّة التي تهتم بهم. يبحثون عن طرق للنجاة من هذا المكان. يحاولون أحياناً الحصول على خيمة جديدة لأنّ خيمتهم اهترأت، وأحياناً يحاولون الحصول على هذه البيوت المسبقة الصنع التي صارت بعض المنظمات تعطيها للعائلات وتبني مخيمات كاملةً منها، بيوت تعطي حلولاً مؤقتةً أفضل من الخيمة، تحميهم من برد قارس أو حرّ شديد، وتمنحهم بعض الخصوصيّة، وتحميهم من حرائق الخيام المنتشرة بكثرة.

رجال وأطفال يجلسون أمام أحد البيوت المسبقة الصنع في مخيم الروضة، تصوير علي حاج سليمان، تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.

حاصرت قوات النظام السوري والميليشيات المواليّة له مناطق كثيرةً من سوريا، وشنّتا حملات عسكريّةً شرسةً على المدن والأحياء السوريّة، ومن ثمّ تصارعت ميليشيات أخرى على مناطق سيطرة ونفوذ، تنفيذاً لأجندات دول مختلفة لها أهداف مختلفة في الأراضي السوريّة، تحولت البلاد بطولها وعرضها إلى ساحة حرب، نتج عن ذلك تهجير الملايين من السوريين والسوريّات: كثيرون منهم إلى خارج البلاد، لكنّ كثيرين أيضاً بقوا في سوريا يعيشون أينما استطاعوا العيش.

أقاموا الخيام في أي أرض وجدوها، أحياناً استغلتهم ميليشيات متحاربة، وأحياناً استغلتهم منظمات غير حكوميّة تابعة، وأحياناً أخرى وجدوا أناساً يشبهونهم أو آخرين يعملون في منظمات غير حكوميّة يعينونهم على ضنك العيش، ربّما حتى يجدوا حلاً أفضل من العيش في خيمة.

نسوا أشياء كثيرةً. نسوا مواقد الغاز واستعملوا الحطب في ما يشبه مطابخهم. نسوا الكهرباء والمياه الجارية. جعلتهم الحياة في المخيم يبدون أكبر سنّاً. يبدو أنّ سنوات العيش داخل المخيّم تُعدّ بأكثر مّما تُعدّ به سنوات الحياة خارجه.

نسي الأطفال، أو حتى لم يعرف بعضهم، كيف هي الحياة خارج حدود المخيم. فكيف ستكون حياتهم بعد أن يخرجوا؟ كيف سيكون شكل مستقبلهم؟ كيف سيؤثر هذا الحرمان عليهم؟

نسي الأطفال، أو حتى لم يعرف بعضهم، كيف هي الحياة خارج حدود المخيم. وُلدوا وكبروا ولم يعرفوا من الحياة غير بحرٍ من طين المخيم. لا يعرفون الطعام الذين نعرفه ولا الألعاب التي نلعبها ولا الأشياء التي نختبرها. أطفال لم يعيشوا طفولةً عاديةً، مثل معظم أطفال العالم. كيف ستكون حياتهم بعد أن يخرجوا من هذا المخيم؟ كيف سيكون شكل مستقبلهم؟ كيف سيؤثر هذا الحرمان عليهم؟

تحاول الكثير من المنظمات غير الحكوميّة، المحليّة والدوليّة، مساعدة أولئك اللاجئين واللاجئات. بعضهم يقدّم خدمات تعليميّةً وبعضهم يقدّم الطعام والشراب، فيما يحاول آخرون تقديم "بيوتٍ" أكثر أماناً للّاجئين واللاجئات، بهدف "تحسين جودة حياة اللاجئين وإعطائهم الحق في الشعور بالأمان، بالإضافة إلى أنّ هذه ‘البيوت’ توفّر خصوصيّةً كبيرةً للّاجئين، وهي تقاوم العوامل المناخيّة المختلفة على عكس الخيام التي تُدمّر عند أول عاصفة"، حسب ما قال أحد العاملين في إحدى هذه المؤسسات ذات مرة.

تُعطى هذه البيوت المسبقة الصنع والسهلة التركيب وذات السقوف المائلة، والمُسماة (RHU (Refugee Housing Unit، إلى العائلات بديلاً من الخيمة، حتى أنّ حملات كبيرةً نشأت على هذا الأساس، لعلّ أشهرها حملة #حتى_آخر_خيمة، كذلك أعلنت بعض المؤسسات حملات أخرى في مخيمات عديدة، مبنية بالكامل أو تحتوي على مساكن RHU في شمال سوريا وشمال غربها. حملات تحاول توفير مساحات أكثر أماناً، أو حملات تعليميّة، أو حملات تُعنى بكرامة الإنسان.


بناء أحد مساكن RHU في مخيم الروضة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، شمال غرب سوريا. تصوير: علي حاج سليمان.

لكن، هل حقاً هذا هو الحل الوحيد الذي يستطيع العالم أن يقدّمه لسكّان المخيم وساكناته؟ هل حقاً ننتظر أن تشرق الشمس عليهم وعلى مساكنهم كلّ يوم، وننتظر أن تكون حيواتهم أفضل بمعجزة ما؟ كل سكّان هذه المخيمات لا يريدون البقاء حيث هم، ومعظمهم يريدون أن يعودوا إلى بيوتهم، وبعضهم يريد أن يغادر كلّ هذه البلاد، ربّما يكون حظهم أفضل في بلاد أخرى. ربّما يكون مستقبلهم أو مستقبل أطفالهم أفضل من حاضرهم هذا.

لكن وبكلّ تأكيد، جميعهم يبحثون عن حاضر أفضل، ولو قليلاً، عن حاضر يعيشون فيه بكرامة، حاضر يهيّئ أطفالهم لمستقبل أفضل، حاضر لا مكان فيه للقهر والظلم والاستبداد.

* تأتي هذه المدوّنة ضمن مشروع تعمل عليه ريلينك ميديا reelink.media، وهي شركة إنتاج أفلام ومحتويات سمعيّة وبصريّة، تأسّست في العاصمة الألمانيّة برلين.

* معظم المعلومات الواردة في هذه المقالة مبنيّة على زيارات عديدة ومقابلات مع أشخاص يعيشون أو يعملون في مخيم الروضة في منطقة مشهد روحين في شمال غرب سوريا، خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image