في أرض شاسعة تقارب مساحتها العشرة دونمات (عشرة آلاف متر مربع)، وتقع وسط مخيمات بلدة عرسال اللبنانية الحدودية، تعمل السوريتان أمّون حمزة (52 عاماً)، وآمنة (39 عاماً)، من السابعة صباحاً وحتى الواحدة ظهراً، في تجهيز التربة لزراعة محصول جديد، الأمر الذي سيتمّ خلال أسابيع.
تختلف مهام السيدتين ضمن هذه الأرض حسب الموسم والفصول، وفي كل الأحوال باتت بمثابة عمل ثابت لهما، وملاذاً من شبح البطالة والجوع وانتظار فرص العمل الموسمية، التي تقولان إنها تقلّ عاماً بعد آخر. والأرض هي عبارة عن مشروع زراعي فريد من نوعه على مستوى البلدة، انطلق قبل نحو عامين بإشراف جمعية "سواعد الخير"، ويحمل في طياته أهدافاً إنسانيةً واقتصاديةً وبيئيةً.
مع شح الموارد الغذائية في لبنان، وارتفاع أسعارها، وازدياد نسبة البطالة بين صفوف اللاجئين، قررنا التوجه نحو الزراعة.
"نزحنا من منطقة القصير السورية قبل عشرة أعوام، وعائلتانا كبيرتان، ولا مفر من العمل حتى نؤمّن معيشتنا، والمهام المرتبطة بالزراعة هي مصدر دخلنا الوحيد في لبنان"، تقول أمون لرصيف22، ونحن جالسات في أثناء استراحتهما، بجانب بعض شتلات السبانخ الصغيرة.
منذ سنوات، اعتادت السيدتان الخروج للقطاف في البلدات المجاورة، وكان الأمر يكلفهما وقتاً وجهداً وأجور وسائل النقل، لكن العمل الحالي "أفضل بكثير"، وفق تعبيرهما، إذ تقع الأرض إلى جانب المخيم الذي تعيشان فيه، والشغل فيها ثابت.
وتشهد المناطق اللبنانية التي استقبلت العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، مثل البقاع وعرسال، انتشار مشاريع زراعية في الأعوام الثلاثة الأخيرة، لمواجهة شتى أشكال الصعوبات التي يعيشونها. بعضها برعاية جمعيات أو فرق تطوعية، والأخرى هي نتاج تعاون أصحاب أراضٍ مع بعض المزارعين.
زرت بعض هذه المشاريع صباح يوم غائم مطلع آذار/ مارس الحالي، وكانت البداية من عرسال. من بعيد، تبدو البلدة بنّيةً وبيضاء اللون، إذ تتداخل الجبال شبه الجرداء مع منازلها الصغيرة، ومئات الخيم المتناثرة على سفوحها الواسعة. أقتربُ أكثر، لألمح اللون الأخضر يغطي مساحات صغيرةً. لا يشكّل هذا اللون متنفسّاً للمكان فحسب، وإنما يشكل أملاً لعشرات العائلات التي اعتادت أن تعيش على وقع الانتظار.
أمّون وآمنة أثناء عملهما في الأرض - تصوير زينة شهلا
تهديدات مضاعفة
في بيان صادر عن الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي، تشير المنسقة المقيمة في لبنان إلى أن "تغيّر المناخ، يشكّل تهديداً مضاعفاً من شأنه أن يزيد من حدّة المشكلات الراهنة في البلاد"، وأنه "من المتوقّع أن يؤدّي إلى ارتفاعٍ في درجات الحرارة وشحّ موارد المياه، ممّا سيؤثّر سلباً على الإنتاج الزراعي وسُبل عيش العديد من المجتمعات"، ويوصي البيان بـ"دعم المجتمعات الزراعية بالمعرفة والتكنولوجيا والتمويل بغية مواصلة توفير خيارات غذائية مستدامة".
هذه التغيرات "الخطيرة" ليست وليدة السنوات الأخيرة. نقرأ في تقارير تعود لأكثر من عشرة أعوام عن تغير المناخ في لبنان، والجفاف، وتدني معدلات التساقطات المائية منذ تسعينيات القرن الماضي، وأن الزراعة من القطاعات الأكثر تأثراً.
في الوقت ذاته، تشير الأمم المتحدة إلى آثار التغير المناخي على مجتمعات اللاجئين المكتظة، ما يؤثر على أمنهم، ويؤدي إلى مزيد من النزاعات بين البيئتين اللاجئة والمضيفة على الموارد الشحيحة أساساً.
ولبنان يستضيف واحداً من أكبر تجمعات اللاجئين في العالم، مع وجود مليون ونصف مليون لاجئ سوري، بجانب مئات آلاف اللاجئين من جنسيات أخرى. تقول الأمم المتحدة إن الأماكن التي يعيشون فيها تفتقر بشكل عام إلى البنى التحتية والخدمات الأساسية، وتشكل تحديات نقص المياه فيها مشكلةً كبيرةً، كما أن معظمهم يعملون في الزراعة، ما يزيد من تداعيات تغيّر المناخ عليهم.
منذ سنوات، اعتادت السيدتان الخروج للقطاف في البلدات المجاورة لعرسال، وكان الأمر يكلفهما وقتاً وجهداً وأجور وسائل النقل، لكن العمل الحالي "أفضل بكثير"، وفق تعبيرهما، إذ تقع الأرض إلى جانب المخيم الذي تعيشان فيه، والشغل فيها ثابت
اكتفاء ذاتي
"مع شح الموارد الغذائية في لبنان، وارتفاع أسعارها، وازدياد نسبة البطالة بين صفوف اللاجئين، قررنا في جمعية سواعد الخير التوجه نحو المشاريع الزراعية في عرسال، بعد أن عملنا لسنوات في مجال الإغاثة والتعليم"، يقول أحمد الرفاعي في لقاء مع رصيف22، وهو من مؤسسي الجمعية، شارحاً عن الأرض التي تعمل فيها اليوم أمّون وآمنة إلى جانب العشرات من السوريين.
يحمل المشروع الذي انطلق بدايةً من تصنيع مواد غذائية وبيعها وتوزيعها، وصولاً إلى استئجار أرض وزراعتها بأنواع مختلفة من المحاصيل، أهدافاً متداخلةً، وفق حديث الرفاعي، القادم من بلدة يبرود السورية.
"أمّنت هذه الأرض فرص عمل ثابتةً لقرابة خمس وثلاثين عائلةً سوريةً، مع حصول كل منها على دخل شهري يتراوح بين 80 و100 دولار، وحصّة أسبوعية من شتى المنتجات، وضمنّا إمدادات معقولة لأسواق البلدة، ووزعنا بعض الكميات بشكل مجاني، كما استفدنا من الإنتاج لتصنيع مواد غذائية نوزعها أو نبيعها، فنحقق عائداً يمكّننا من توسيع مشروعنا الزراعي مستقبلاً"، يقول. وجدير بالذكر أن متوسط الدخل الشهري في لبنان اليوم يبلغ 115 دولاراً.
الأرض المخصصة لمشروع "سواعد الخير" في عرسال - تصوير زينة شهلا
لتحقيق ذلك، استعانت الجمعية بأحمد حمّود، وهو مزارع سوري خمسيني من القلمون، لديه خبرة ثلاثين عاماً في زراعة مختلف أنواع المحاصيل والأشجار، إذ كان يملك أرضاً مساحتها 40 دونماً في سوريا، وهو الآن يعيش في أحد المخيمات المجاورة.
يتحدث حموّد لرصيف22، بشغف كبير عن جهوده خلال العام الفائت لتهيئة الأرض التي لم تكن مزروعةً من قبل، سواء من حيث التربة والأسمدة العضوية، وشبكات الري بالتنقيط والرش، وصولاً إلى ابتكار أجهزة تساعد الفريق على الزراعة بشكل احترافي وبتكلفة قليلة. "زرعنا آلاف الشتلات وكان المحصول ناجحاً بنسبة تفوق توقعاتنا، خاصةً أننا لا زلنا في طور التجريب من حيث طبيعة الأرض والمناخ".
المشروع أعطى لحمود، ويُحبّ أن نناديه "أبو محمد"، شعوراً بالأمان، ويبدو هذا جلياً في تعابير وجهه ونظراته وهو يتحدث. "بقيت لأكثر من ست سنوات عاطلاً، مع إحساس عارم باليأس والضيق. اليوم أنا سعيد بعملي، وبأننا نساعد الآخرين، ويعوضني الأمر نوعاً ما عن خسارتي في سوريا، إذ تركت أرضي التي قُطعت كل أشجارها، وليس لدي أمل اليوم بالعودة إليها".
أحمد حمّود أثناء عمله في الأرض - تصوير زينة شهلا
علاقات جديدة
على بعد عشرات الأمتار من مشروع "سواعد الخير"، وصعوداً باتجاه أحد الجبال حيث تزداد كثافة المخيمات، بدأ السوري محمد حربا قبل عامين، بالإشراف على زراعة بيتين بلاستيكيين يملكهما شخص من أهالي عرسال، مستفيداً من خبرته التي يحملها من بلدته "القصير"، التي نزح منها قبل تسعة أعوام.
"بثقة متبادلة بيني وبين صاحب الأرض، بدأت بزراعة السبانخ والزهرة والبصل وغيرها. المناخ هنا مشابه نوعاً ما لمناخ سوريا، والأمر كان يحتاج إلى تهيئة التربة، ومراقبة الحرارة وكميات المياه، ونوعية السماد العضوي، وفعلاً بعد أسابيع قليلة بدأنا نحصد نتيجة عملنا"، يتحدث الرجل الخمسيني لرصيف22، وبجانبه زوجته التي تحفظ تفاصيل المشروع عن ظهر قلب، من داخل خيمتهما في مخيم "الفهد"، وهو واحد من عشرات المخيمات المتجاورة في عرسال، ويضم 33 عائلةً.
ومع موعد قطاف الموسم، اكتسب حربا، المعروف باسم "أبو نجيب"، شهرةً كبيرةً في المخيم وفي كامل البلدة وحتى في المناطق المجاورة. "أقبل الناس لشراء المنتجات التي قال كثيرون إنهم لم يتذوقوا مثل جودتها منذ زمن، ونفدت الكميات بسرعة"، يقول مبتسماً هو وزوجته، ويضيف بأنه في الموسم التالي تشجع لزراعة البقدونس والخيار والملوخية، ومعظمها نبتت بشكل أفضل من المتوقع، وأنتجت أطناناً عدة من كل صنف.
محمد حربا داخل أحد البيوت البلاستيكية التي يشرف على زراعتها - تصوير زينة شهلا
تحول المشروع إلى مصدر دخل إضافي للرجل، إذ يكسب منه قرابة 25 دولاراً شهرياً، ويحصل على حاجته من الخضروات بشكل دائم، كما شكّل الأمر بالنسبة إليه مصدراً للراحة النفسية، وساعده على بناء جسور جديدة مع صاحب الأرض وأهالي البلدة. "هذه المشاريع غيرت كثيراً من شكل عرسال وطبيعة العلاقات فيها، والنظرة النمطية من البعض إلى السوريين بأنهم اتّكاليون"، يقول.
زراعة "مجتمعية"
في محافظة البقاع، يعمل ناشطون بهدف تأمين بعض أنواع الخضروات لتجمعات اللاجئين، ورفع الوعي بأهمية الزراعة وما يمكن أن تحمله من قيمة غذائية واقتصادية وبيئية. ويضم سهل البقاع وفق آخر الإحصائيات أكثر من 320 ألف لاجئ سوري.
منذ قرابة عام، أطلق يوشي نيشينو، وهو ياباني قدم إلى لبنان بغرض مساعدة اللاجئين، مع صديقه البولندي كميل سميدا الذي يدرس في لبنان، مشروع "غرين هاوس" في بلدة عنجر، بعد تفكيرهما في حاجة الناس إلى مشاريع مستدامة بعيداً عن الاعتماد على المساعدات.
تحول المشروع إلى مصدر دخل إضافي للرجل، إذ يكسب منه قرابة 25 دولاراً شهرياً، ويحصل على حاجته من الخضروات بشكل دائم، كما شكّل الأمر بالنسبة إليه مصدراً للراحة النفسية، وساعده على بناء جسور جديدة مع صاحب الأرض وأهالي البلدة
"فكرتنا أن نتولى بأنفسنا المرحلة الأولى من تحضير البذور والعناية بها لتصبح شتلات صغيرةً، ثم نوزعها على العائلات، سواء تلك التي تعيش داخل خيم أو في شقق. بدأنا بخضروات موسمية، وشجعنا الناس على زراعتها بين الخيم وعلى الشرفات والأسطح، ونتابع معهم أي أمور إضافية يحتاجون إليها من حيث المياه والتربة والأسمدة العضوية"، يتحدث يوشي وإلى جانبه كميل في لقاء مع رصيف22، من الأرض التي يستخدمانها لهذا الغرض ويملكها مزارع لبناني، ويشيران إلى توزيع قرابة 8،500 شتلة حتى الآن.
هذه المساعدة تبدو مهمةً لكثير من السوريين في البقاع. تتحدث أم علي، وهي سيدة تعيش مع عائلتها المكونة من تسعة أفراد في مخيم في منطقة قب الياس، عن دور الشتلات التي حصلت عليها من "غرين هاوس"، وزرعتها بجانب خيمتها، في تأمين جزء من احتياجات الأسرة. "مذ بدأت الأزمة الاقتصادية في لبنان، صرت أحضّر الخبز بنفسي، وأزرع النعنع والبقدونس. مع الشتلات الجديدة صرت قادرةً على تأمين وجبة واحدة على الأقل كل يوم لأولادي"، تقول.
من مشروع "غرين هاوس"
يرى يوشي وكميل أن مبادرتهما تحقق أهدافاً عدة. توفر المرحلة الأولى من العناية بالشتلات داخل "غرين هاوس"، تكاليف غير قليلة خاصةً في ما يتعلق بالمياه والتربة. ومن ثم، تحصل العائلات على بعضٍ من حاجاتها الغذائية، ومن ناحية أخرى يكتشفون أن الأمر ليس صعباً، ويمكن أن يتحول إلى إلهام لهم ولجيرانهم. "اليوم نجد عائلات كثيرةً تنتظر قدومنا، وأخرى تطلب المزيد من الشتلات"، يقولان بسعادة.
وعلى المدى الأبعد، يطمح الشابان إلى زيادة الوعي بأهمية الزراعة والبيئة، خاصةً بين الأجيال الجديدة التي لم يُتَح لها أن تعيش هذه التجربة في بلدها الأم. "نتحدث معهم أكثر عن قيمة الزراعة المجتمعية وفوائدها. الأمر طبعاً ليس بهذه السهولة والبساطة، خاصةً أننا فريق صغير من المتطوعين، لكنه يستحق ما نبذله من جهود"، يختم كميل.
يوشي نيشينو يعمل داخل مشروع "غرين هاوس"
مشاريع ملهمة
يتفق المتحدثون على النوعية الممتازة للخضروات التي تنتجها المشاريع الجديدة، وسعادتهم بها كخطوة تساهم في الاكتفاء الذاتي. تقول سيدة في عرسال: "ما عدنا بحاجة إلى الخضروات من بلدات أخرى. أفخر عندما أسأل محلاً عن مصدر بضاعته وتكون الإجابة: عرسالية".
هذا الصدى الإيجابي وصل إلى أصحاب الأراضي والمهتمين بالشأن الزراعي. "لم يتوقع كثيرون أن نكون قادرين على الإنتاج بهذه الجودة، ويستغربون من رؤية اللون الأخضر في عرسال. يسألنا البعض ويطلبون منا النصائح، ولا نبخل على أحد. سيكون جميلاً أن يتكرر الأمر"، يقول أبو محمد.
لم يتوقع كثيرون أن نكون قادرين على الإنتاج بهذه الجودة، ويستغربون من رؤية اللون الأخضر في عرسال.
التكرار سيتمثل أيضاً في توسيع المشاريع ذاتها. يشير أحمد الرفاعي إلى استئجار الأرض المجاورة بمساحة 12 دونماً، وتجهيزها للموسم القادم مع الاستعانة بعشرين عائلةً جديدةً. ويضيف محمد حربا حول طلب صاحب البيوت البلاستيكية منه التوسع نحو بيوت مجاورة وأراضٍ أبعد يمكن تهيئتها للزراعة.
المياه... التحدي الأكبر
يجمع القائمون على هذه المشاريع على أن التحدي الأكبر الذي يواجهونه هو الحصول على كميات كافية من المياه لري محاصيلهم بشكل مستدام، وللأمر أسباب عدة. حسب وصف محمد حربا، "الأرض هنا طيبة، لكنها تحتاج إلى التعب، ومكلفة من ناحية المياه".
قد يندر أن يزور شخص ما عرسال، من دون أن يسمع أحاديث الناس عن المناخ وطبيعة البلدة المتغيرين في العقود الأخيرة. تتحدث السيدة هدى بريدي عن "مساحات شاسعة من الكروم اختفت عاماً بعد آخر نتيجة الكثافة السكانية والعمرانية"، والأهم عن "تراجع واضح لموسم الثلوج، التي اعتدنا أن تستمر لفترات طويلة، وهي الأساس لتغذية المياه الجوفية، التي يزيد استهلاكها أيضاً". وجدير بالذكر أن عدد سكان البلدة يقارب 30 ألف نسمة، وهي تحتضن اليوم نحو 80 ألف لاجئ، وفقاً لتقديرات ناشطين.
من إنتاج مشروع "سواعد الخير"
تحتاج الأرض التي يعمل فيها أبو محمد إلى السقاية كل يوم خلال الأسابيع التي تُعدّ "قمة الإنتاج" في الصيف، وعدا عن ذلك تُسقى كل عدة أيام، ويكلف الحصول على مياه الآبار 15 دولاراً يومياً، وهو مبلغ مرتفع كما يقول، بسبب ارتفاع تكاليف المحروقات.
"نسعى إلى الاعتماد هذا الموسم على الطاقة الشمسية في الريّ، فذلك يوفر في التكاليف، ما يعني فائدةً أكبر للعمال والمشروع ككل"، يشرح، ويضيف أنهم يحرصون على التنويع في المحاصيل حسب كميات المياه التي تتطلبها، في محاولة لترشيد الاستهلاك.
أما البيوت البلاستيكية التي يعمل فيها أبو نجيب، وتبلغ مساحة كل منها قرابة 400 متر، فتحتاج في ذروة الإنتاج إلى 5،000 ليتر مياه كل يوم، بكلفة 120 ألف ليرة لبنانية (ستة دولارات)، ويقول: "ألاحظ أن كميات الثلوج تقل نسبياً، ويتأخر موسمها، وهي المغذّي الأساسي للآبار، ولدينا عبارة متداولة تقول إن الثلج خليل الأرض. بالإضافة إلى ذلك، كان البعض يعمد إلى تجميع مياه الأمطار ضمن حفر لاستخدامها خلال الصيف، وهو أمر بات أكثر صعوبةً وتكلفةً اليوم".
من إنتاج مشروع البيوت البلاستيكية التي يشرف عليها محمد حربا
الحاجة إلى تقنيات مبتكرة
لا يخفي المهندس البيئي اللبناني زياد أبي شاكر، خلال لقاء مع رصيف22، أهمية المشاريع الزراعية في مخيمات اللاجئين، سواء على مستويات فردية أو ضمن وحدات سكنية، ويرى أن الأمر تجب مقاربته بحلول إنسانية وبيئية، تخلق بحبوحةً اقتصاديةً، وفي الوقت نفسه تستغل الموارد البيئية بشكل أفضل، "المشكلة برأيي ليست في شح المياه أو ندرة الأمطار، وإنما في التقنيات البدائية التي ما زالت مستخدمةً هناك لاستخراج المياه".
ويطرح مؤسس شركة "سيدر إنفيرومنتال"، التي تعمل على إعادة تدوير النفايات تحت شعار "صفر نفايات في لبنان"، حلولاً تتمثل في تركيب أنظمة "المياه الرمادية Greywater" في المخيمات، للاستفادة من المياه الخارجة من المغاسل وأحواض الغسيل والجلي، ومعالجتها بطرق بسيطة لاستخدامها لاحقاً في الريّ، بالإضافة إلى إدارة نفايات المخيمات لإنتاج أسمدة عضوية.
لا بد أن نزرع كي نأكل، والجميع هنا سيأتي يوم يجدون فيه أنفسهم مجبرين على ذلك لا محالة.
"بعد ذلك يمكننا التفكير في الزراعة العامودية ضمن الوحدات السكنية، بما يسمح بإنتاج آلاف الشتلات، ويمكن لكل وحدة أن تزرع أنواعاً محددةً ومن ثم التبادل مع الوحدات الأخرى بما يسمح باكتفاء ذاتي بنسب كبيرة"، يشرح، ويضيف أن لبنان اليوم بات يضيق بسكانه، ولا مهرب من التفكير في هذه الحلول البيئية، ليس بالنسبة إلى اللاجئين فحسب، وإنما في كامل البلاد.
يعي كثيرون من المزارعين السوريين وأهالي المخيمات في لبنان اليوم، أهمية الزراعة يوماً بعد آخر، ويأملون بحلول تقدّم لهم تسهيلات وتجعل الأمر أقل كلفةً، إذ يقولون إن تراجع القدرة على الزراعة يعني خطراً كبيراً عليهم. "رأينا مزارعين سوريين في لبنان تضررت أعمالهم أو حتى توقفت، سواء من يعملون ضمن مشاريع خاصة، أو كعمال في أراضٍ تعود لملاكين لبنانيين، وهم الأغلبية، لذلك ندرك أهمية الأمر. لا بد أن نزرع كي نأكل، والجميع هنا سيأتي يوم يجدون فيه أنفسهم مجبرين على ذلك لا محالة"، يقول أحمد الرفاعي في ختام حديثه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...