بعد جدل قانوني، دام قرابة نصف العام، قضت محكمة سودانية بالسجن 6 أشهر، للسيدة مريم تيراب (20 عاماً)، بعد تحويل قضيتها من ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج الرسمية، إلى "الأعمال الفاحشة" التي تعني وفقاً للقانون الجنائي ممارسة الجنس مع آخر من دون أن ترقى إلى ممارسة فعلية، وذلك بعد أن استئنف فريقها القانوني حكماً بإعدامها رجماً بالحجارة.
صدر حكم الرجم، في 26 حزيران/ يونيو الماضي، وجرى تخفيف الحكم بعد ضغوط حقوقية كثيفة.
لن تكون مريم الضحية الأخيرة للقوانين التي وضعها مشرّعو نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وفقاً لتصوراتهم الدينية، إذ سبقتها آلاف الضحايا من بينهن حواء عبد الله.
واقع مختصر لظلم المرأة
تخشى حواء (28 عاماً)، والتي تعمل بائعة شاي وقهوة على طريق عام في مدينة الحصاحيصا في وسط السودان، من زوجها الذي اعتاد ضربها إذا امتنعت عن منحه جزءاً من دخلها اليومي، وذلك بعد أن أعادتها محكمة إلى طاعته قبل أعوام.
تقول حواء لرصيف22: "في ثقافتنا، لا تشتكي المرأة من زوجها وإن رفعت دعوى ضده فلن ينصفني القضاء مثل المرة الأولى. أفضّل منحه ما يريد من أجل البقاء مع أطفالي الثلاث".
هذا الإذعان ناجم عن إجحاف قانون الأحوال الشخصية، هكذا تستهل المحامية هاجر بخيت، حديثها إلى رصيف22. وتضيف: "القانون وضع شروطاً لطاعة الزوج تتمثل في إيفائه معجل مهرها، وأن يكون مأموناً عليها ويعدّ لها منزلاً، وإن امتنعت عن طاعته بعد ذلك يعدّها ناشزاً وتسقط عنه النفقة عليها حال الانفصال بينهما.
لكن التفسير الشائع، هو أن الطاعة واجبة، خاصةً في المدن الصغيرة والأرياف التي عادةً ما يكون التقاضي فيها وفقاً لنظام الإدارة الأهلية الذي يميل إلى الصلح".
وتتحدث المحامية نون كشكوش، عن التفسيرات الشائعة وسط أجهزة إنفاذ القانون والقُضاة في ما يتعلق بالمادة 162 من قانون الإجراءات التي تتيح للزوجة رفع دعوى تطليقها من الزوج لوقوع ضرر عليها. وتقول لرصيف22: "تقييم دعوى الضرر خاضع للقاضي، وبعض القُضاة يحملون ثقافةً ترى أنه من حق الرجل ضرب زوجته فيما يعتقد قضاة آخرون بأن التعنيف اللفظي لا يرقى إلى مرحلة الجريمة".
يحق للأب تزويج ابنته البالغة من العمر 10 سنوات، ولهذا ينتشر الزواج بين الصغيرات على نطاق واسع في السودان.
بعض الظلم الواقع على المرأة
بموجب مفهوم الولاية، المفصل في الفرع الثالث لقانون الإجراءات الشخصية، فإن المرأة لا تسطيع تزويج نفسها من دون موافقة الأب، وفي حال رفضه يحق لها أن تزوّج نفسها عبر القضاء.
كما أنه يحق للأب تزويج المميزة، وقد حدد عمر التمييز بـ10 سنوات، وهو ما يعني السماح بزواج القاصرات. وربما لهذا ينتشر الزواج بين الصغيرات على نطاق واسع في السودان.
ويوضح مسح الأسرة الذي أجرته الحكومة في 2010، أن 37.5% من النساء في عمر 20 إلى 49، تزوجن قبل الـ18 عاماً، أي في مرحلة الطفولة، فيما تتحدث نتائج المسح العنقودي المتعدد المؤشرات لعام 2014، عن أن 12% من النساء متزوجات قبل سن الـ15 عاماً، و38% قبل عمر الـ18 عاماً.
تعلّق وزارة التنمية الاجتماعية على هذا الأمر، بالقول: "هذه المعدلات أعلى بالنسبة إلى المناطق الريفية والأسر الأقل تعليماً والأسر الفقيرة". ويحق للرجل، وفقاً لهذا القانون، إعلان الانفصال عن زوجته من جانب واحد، فيما لا يحق للمرأة الانفصال إلا بموجب حكم قضائي استناداً إلى الضرر الذي قالت نون كشكوش، إنه خاضع لتقييم القضاة. أما في ما يلي الميراث، فهو خاضع للدين الإسلامي الذي منح المرأة نصيباً أقل من الرجل.
حقوق المواطنة
ولا ينفصل الظلم القانوني على النساء، وفق قانون الأحوال الشخصية الذي تقول المبادرة الإستراتيجية لنساء القرن الإفريقي، إنه يعيق حقوق المواطنة المتساوية بحيث لا تستطيع المرأة توثيق ميلاد أطفالها والمواطنة وشهادات الوفاة، عن القانون الجنائي.
فالأخير يُعاقب صانعات الكحول المحلية المنتشرات في كل مناطق السودان تقريباً، بالسجن لمدة تصل إلى عام كامل لمنعه تعاطي الخمر وصناعتها وتجارتها.
كما يُعاقب ما عدّه المشرعون أفعالاً فاضحةً من قبيل الأفعال المخلّة بالحياء والممارسات الجنسية مع الرجل أو المرأة في حال التراضي، بالسجن لمدة عام. أيضاً، يفرض عقوبات الجلد على المرأة التي ترتدي ملابس تسبب مضايقة الشعور العام، وهذه العقوبة المهينة بسبب أفعال تندرج في باب الحرية الشخصية لم يضع مشرّعو القانون تعريفات واضحةً لها بل تركوها لتقدير عناصر الشرطة الذين يمكنهم استخدام القانون كوسيلة تجريم.
تعلّق القانونية نون كشكوش، على هذه القوانين، قائلةً: "نحن النساء، خضنا معارك كثيرةً طوال عقود، ولا تزال أمامنا معارك أخرى إذ إنال كثير من القوانين يضم إشكاليات بعضها مستند إلى الشريعة، وإلى إشكاليات أخرى وهي منشورات وزارة الداخلية". وتشير إلى أن الظلم الواقع على المرأة وصل إلى ممانعة أجهزة إنفاذ القانون بعدم قبول ضمانة النساء للمشتبه بهم أو المتهمين على الرغم من عدم وجود نص قانوني يمنع ذلك.
قطع استيلاء الجيش على السّلطة الطريق على إصلاحات بدأتها حكومة الانتقال بتعديل بنود بعض القوانين،
مطالب عديدة تحتاج إلى نضال جديد
قطع استيلاء الجيش على السّلطة، والذي تصنّفه الأمم المتحدة انقلاباً عسكرياً، في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، إصلاحات بدأتها حكومة الانتقال بتعديل بنود بعض القوانين، وسمحت للمرأة باستطحاب أطفالها إلى خارج السودان من دون إذن الزوج وموافقته، وتجريم تشوية الأعضاء التناسلية للإناث "الختان". لكن هذه التعديلات التي أُجريت في تموز/ يوليو 2020، لم ترضِ طموح النساء، فواصلن نضالهن الذي وصل إلى أعلى مستوياته في نيسان/ أبريل 2021، حين نظّمن احتجاجات ضخمةً، ليصدرن بعدها البيان النسوي الذي طالب بإلغاء ولاية الذكور ومنح النساء حق الانفصال والمساواة في الميراث وقبول شهادتهن كاملةً في القضايا الجنائية وأعطائهن حق تسمية أطفالهن في حال كان الأب مجهول الهوية، بالإضافة إلى إلغاء القانون الجنائي وقانون الأحوال الشخصية وسن تشريعات جديدة تُجرّم زواج الطفلات والزواج القسري والعنف المنزلي والاغتصاب الزوجي والتوقيع على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو". بعد ثلاثة أسابيع من هذا الموكب، صادق مجلس الوزراء بصورة تمهيدية على الاتفاقية مع التحفظ على المادتين 2 و16 والفقرة الأولى من المادة 29، وعلى الرغم من التحفظ على المواد الحيوية التي تتيح مساواة الرجال مع النساء، إلا أن المجلس التشريعي لم يجِزها آنذاك، ربما لتجنّب انتقادات رافضة لتوقيعها وذلك من دون إغفال أن التشريع كان في تلك الفقرة يُجرى في اجتماع مشترك بين مجلسَي السيادة والوزراء، وفقاً لبنود الوثيقة الدستورية. ولا يزال نضال السودانيات مستمراً.
هذه البيئة القانونية، وعدم تجريم العنف المنزلي وانتشار ثقافة التسامح، وهي توسط الأقارب لحل الخلافات مهما بلغ مدى عنفها بالطرق الودية، ربما هي التي جعلت 2.7 ملايين امرأة من أصل 22.5 مليون سودانية في حاجة إلى خدمات الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه