شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
تهدد بيانات المواطنين وحقهم في التقاضي... أزمة

تهدد بيانات المواطنين وحقهم في التقاضي... أزمة "الفاتورة الإلكترونية" مستمرة رغم محاولات التهدئة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 13 ديسمبر 202210:10 ص


جدد المحامون المصريون احتجاجاتهم ضد إلزامهم باستخدام "الفاتورة الإلكترونية" لتسجيل إيراداتهم، بعد أن أعلنت وزارة المالية، يوم الخميس 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عن تأجيل تطبيق الفاتورة على المهنيين حتى نهاية أبريل/ نيسان المقبل، عقب احتجاجات تبعتها اجتماعات مع نقابات المهن الطبية والمحامين والمهندسين. 

لكن المحامين لم يكتفوا باللجوء إلى القضاء للرفض أو القبول بـ"توفيق الأوضاع" حتى أبريل المقبل، بل عادوا للتظاهر رافعين شعار "إلغاء لا إرجاء"، بعد ساعات قلائل من إعلان قرار وزير المالية. 

كانت نقابة المحامين هي الوحيدة التي لجأ أعضاؤها للتظاهر وأشكال أخرى من الاحتجاج ضد القرار، إذ قامت بعض النقابات الفرعية (خارج القاهرة) بالوقفات الاحتجاجية المتفرقة، والامتناع عن دفع الرسوم القضائية إلا الضروري والعاجل منها لعدم الإضرار بمصالح موكليهم. 

مصالح الموكلين هي مفتاح آخر من مفاتيح اعتراض المحامين على تطبيق الفاتورة الإلكترونية، إذ يدفعون في احتجاجاتهم بأن تطبيقها يضر بحق المواطنين في التقاضي، فهل حقاً يمكن أن يتأثر حق المواطنين في التقاضي والسعي للعدالة بسبب الفاتورة الإلكترونية؟ 

يمكنك التعرف على التفاصيل القانونية والمالية للفاتورة الإلكترونية، واحتجاجات النقابات المهنية، عبر قراءة تقريرنا "الفاتورة الإلكترونية... خطوة نحو العدالة الضريبية أم وسيلة جديدة لتفتيش جيوب المواطنين".

ضد "تسليع العدالة"

من البداية اعتبر المحامون أن قرار إلزامهم باستخدام الفاتورة الإلكترونية: "حركة حكومية جديدة لـ«تسليع العدالة»"، وأن القرار "يدفع لتحويلهم إلى تجار في مواجهة موكليهم"، الذين قد يحجمون بدورهم – خاصة محدودي الدخل منهم - عن حقهم الدستوري في التقاضي، بسبب ارتفاع تكلفته، فضلاً عن زيادة الأعباء المالية المفروضة عليهم (المحامين) بشكل يعدونه غير قانوني، قياساً على التزامهم القائم بدفع ضريبتين، إحداهما على الدخل، والأخرى للقيمة المضافة، فضلاً عن رسوم وتكاليف أخرى. 

يرى المحامي بالنقض أحمد قناوي في حديثه لرصيف22 أن القرار الحكومي اتخذ على عجالة، "دون مراعاة خصوصية المحاماة كمهنة لا تقدم خدمة مفوترة". معتبراً أن الامتداد الجغرافي لاحتجاجات المحامين في جميع محافظات الجمهورية، هو موجة غضب لم تشهدها النقابة على مدار تاريخها إلا نادراً. ما يعني – في رأيه- "إدراك المحامين لحجم الخطر الشديد الذي يشكله القرار، مع علمهم بفداحة الثمن الذي قد يدفعونه مقابل اعتراضهم، في ظل اشتداد قبضة السلطة".

المصروفات المرتبطة بمنظومة الفاتورة الإلكترونية، سيتم تحميلها بالتبعية على الموكلين، إضافة إلى أتعاب المحامي والمصروفات القضائية، وهو ما يرى المحامون أنه سيعني اضطرارهم للتوقف عن قبول القضايا المجانية أو ذات الأتعاب الرمزية من غير القادرين، إلى جانب إحجام متواضعي الدخول عن اللجوء للقضاء

محكمة القضاء الإداري المصرية استقبلت 10 طعون للمطالبة بوقف تنفيذ قرار وزير المالية. واستندت معظم تلك الطعون إلى الدفع بأن "الفاتورة الإلكترونية تؤثر بالسلب على ظروف عمل المهنة، وتحول المحاماة من مهنة رسالة إلى سلعة، فضلاً عن تأثيرها على حق التقاضي المكفول لجميع المواطنين دستوريًا، إذ تؤدي إلى زيادة أتعاب المحاماة وزيادة رسوم التقاضي، ما يعوق المواطن الفقير عن المطالبة بحقه في التقاضي نظراً لارتفاع التكلفة".

كما أشارت الطعون إلى شبهة "الازدواج الضريبي" في القرار، مؤكدة أنه لا يجوز تطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية والإيصال الإلكتروني على المحامي، لأنه يدفع ضريبة القيمة المضافة أثناء رفع الدعوى، فضلاً عن ضريبة أخرى على الدخل.

الأزمة وصلت أيضاً إلى أروقة البرلمان المصري، حيث تقدم النائبان ضياء الدين داود وإيهاب رمزي بطلبي إحاطة لاستدعاء وزير المالية، ومطالبته بإلغاء القرار مختصين بحديثهما تطبيق الفاتورة على مهنة المحاماة.

باتت هناك تكاليف إضافية يتحملها المحامون ويلقي معظمهم بها على عاتق المتقدمين بالدعاوى القضائية من المواطنين، خاصة مع الارتفاع المطرد لرسوم التقاضي وبطء إجراءاته، ففيما كان الاطلاع على أوراق وجداول الدعاوى وتقديم حوافظ المستندات بالمجان في وقت سابق، باتت الآن بمقابل مادي إلزامي

واعتبر النائبان أن القرار "يمثل تكرار افتعال الحكومة الأزمات مع فئات المجتمع المختلفة"، وأنه عملاً بحكم المادة 198 من الدستور، تعد المحاماة مهنة حرة مستقلة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، ومن ثم، فإنها ليست عملاً تجارياً ولا سلعة تباع وتشترى، وإنما هي جهد عقلي استلزمه الدستور والقانون في محراب تطبيق القانون لتحقيق العدالة". وكان النائبان نفسيهما ضمن 81 عضواً بالبرلمان تقدموا بطلبات إحاطة تستهدف إلغاء إلزام المحامين باستخدام الفاتورة الإلكترونية، وذلك بحسب ما ذكره ضياء الدين داوود على حسابه الرسمي. 


ضرائب على الضرائب

فضلاً عن اعتبارها "عبئاً مالياً إضافياً غير مبرر"، يواجه تطبيق الفاتورة الإلكترونية اعتراضات أخرى تشكل عقبات على طريق تنفيذها، أبرزها تكلفتها المطلوب دفعها مسبقاً بشكل سنوي، وتنقسم إلى الاشتراك السنوي في الموقع الإلكتروني المخصص لإصدار الفاتورة (4000 جنيه) تدفع كل سنة، و2000 جنيه مقابل تسجيل التوقيع الإلكتروني وتأكيد صحته بشكل دوري لم يعلن عن دوريته أو تكلفته، إلى جانب مصروفات نثرية أخرى تتضمن الاشتراك في موقع مصلحة الضرائب، وشهادة الخدمة، ورسم التصديق، بالإضافة إلى ما يقارب 7 إلى 10 آلاف جنيه أخرى في المتوسط، مقابل شراء أجهزة إصدار فاتورة إلكترونية وإيصال إلكتروني.

الأزمة وصلت أيضاً إلى أروقة البرلمان المصري، حيث تقدم النائبان ضياء الدين داود وإيهاب رمزي بطلبي إحاطة لاستدعاء وزير المالية، ومطالبته بإلغاء القرار، مختصين بحديثهما تطبيق الفاتورة على مهنة المحاماة

هذه المبالغ، يتعين على الممولين أي المهنيين بمن فيهم المحامون أن يدفعوها جميعها، من دون النظر إلى طبيعة عملهم أو حصوله على أتعاب، وتضاف إلى ذلك الضريبة الإلكترونية نفسها عن كل دعوى، وفقاً للمحامي الحقوقي مالك عدلي، مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

هذه المصروفات جميعها سيتم تحميلها بالتبعية للموكلين، إضافة إلى أتعاب المحامي والمصروفات القضائية، وهو ما يرى المحامون أنه يعني اضطرارهم للتوقف عن قبول القضايا المجانية أو ذات الأتعاب الرمزية من غير القادرين، إلى جانب إحجام متواضعي الدخل عن اللجوء للقضاء. 

لكن رشا عبد العال معاونة رئيس مصلحة الضرائب، نفت صحة وجود أي مصاريف تسجيل على الفاتورة الإلكترونية، مؤكدة أن التسجيل مجاني.

صعوبة الحصول على فاتورة عن أوجه صرف المحامي تحديداً مقابل كل دعوى، تشكل أيضاً عائقاً كبيراً أمام تطبيق القرار، خاصة أن معظم الخدمات والرسوم لا تزال غير موثقة إلكترونياً. هنا يتطرق عدلي في حديثه إلى رصيف22 إلى ما يتكلفه المحامي لمباشرة عمله من بدل إيجار المكتب وفواتير الخدمات، فضلاً عن رسوم التقاضي ذاتها وغيرها من التكاليف، متسائلاً: "كيف سأطلب من المحكمة إعطائي فاتورة إلكترونية مقابل رسوم الدعوى التي تحملت تكلفتها؟ وكيف سأطلب من جهات الدولة منحي فاتورة إلكترونية عن الكهرباء والغاز وخلافهما من الخدمات؟ وكيف سأطلب من سائق التاكسي فاتورة إلكترونية مقابل توصيلي لمقر المحكمة أو النيابة في قضايا قد تستغرق سنوات للفصل فيها؟".

الأتعاب نفسها لا تخضع لأسعار ثابتة، ويحددها كل محام حسب طبيعة الدعوى، بحسب مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فالبعض يتطوع للترافع بالمجان في قضايا أخرى، خاصة المتعلقة بالعمال المفصولين أو المحبوسين، لذا فإن "حصار المحامين ضريبياً، كقائمين على دعم الحق في الوصول إلى مرافق العدالة؛ يدفعهم للتوحش ويحولهم بالتدريج إلى تجار يسلعون الخدمة في وجه طالبي الخدمة القانونية، وهو ما يتعارض مع جوهر المحاماة كمهنة ذات طابع إنساني" في رأيه.

أحمد قناوي: القرارات الضريبية الحكومية تأتي في سياق "حالة جباية عامة" يعيشها الاقتصاد المصري منذ 10 سنوات، ولا يدفع ثمنها سوى المواطنين وأصحاب المهن الحرة

مهنة على المحك

يرى المحامي أحمد قناوي أن القرارات الضريبية الحكومية تأتي في سياق "حالة جباية عامة" يعيشها الاقتصاد المصري منذ 10 سنوات، ولا يدفع ثمنها سوى المواطنين وأصحاب المهن الحرة، لافتاً إلى أن 98% من المحامين تقع دخولهم ضمن حد الإعفاء الضريبي (30 ألف جنيه سنوياً) بسبب أوضاعهم المالية المتردية بالفعل.

خلال فترة الإغلاق تزامناً مع انتشار متلازمة كوفيد 19، أقرت الحكومة حزمة إجراءات اقتصادية، من بينها إعانات لتخفيف الأضرار الناشئة عن الجائحة، شملت موظفي الدولة، والعمالة غير المنتظمة، والمصابين من الأطقم الطبية وأسر المتوفين منهم، فضلاً عن تعويضات أخرى لأصحاب الأعمال في القطاع الخاص وغيرهم، إلا أن المحامين لم يكن لهم أي نصيب منها – على غرار كثيرين من أصحاب المهن الحرة – على الرغم من إغلاق المحاكم والشهر العقاري وغيرها من أماكن عملهم، في وقت لا يملكون أية مصدر دخل أخرى بعيداً عن مهنتهم.


يقول المحامي مالك عدلي: "بعضنا لم يكن يملك ما ينفق به على أسرته أو يدفع إيجاره خلال هذه الفترة. قد يبدو الأمر مقبولاً حال تمتعنا بأية مميزات؛ لكن أبناء المهنة في حقيقة الأمر لا يحصلون على أي خدمات تذكر من الدولة، حيث يتحملون مصاريف العلاج وغيرها من الخدمات على نفقاتهم الخاصة، كما لا يحصلون على أي معاشات أو تأمينات"، وهو ما يعيد إلى مناقشة حق المواطنين في المدفوعات الضريبية، وحقهم في التمثيل والرقابة على إنفاق الحصيلة الضريبية المجموعة منهم.

تكاليف إضافية يتحملها المحامون أيضاً، مع الارتفاع المطرد لرسوم التقاضي وبطء إجراءاته، ففيما كان الاطلاع على أوراق وجداول الدعاوى وتقديم حوافظ المستندات بالمجان في وقت سابق، باتت الآن بمقابل مادي إلزامي، فضلاً عن رسوم رفع الدعاوى ذاتها. ما وضع بدوره أعباء إضافية على كواهلهم المثقلة بالأعباء بالفعل.

أما الضغط الحكومي الساري في اتجاه "ادفع أولاً ثم تظلَّم"، فلا يقبله المحامون استناداً إلى طول أمد التقاضي، كما ظهر في موقف القضاء من الطعون المقدمة منذ العام 2016 في شأن تطبيق ضريبة القيمة المضافة على المحاماة. 

وما تزال المحكمة الدستورية العليا تنظر في طعون عدة، قدمت إليها منذ 2016 بعدم دستورية الضريبة، ولم تصدر فيها أحكام في كل تلك القضايا حتى الآن.

 وطالب عدلي "الدستورية العليا" بسرعة الفصل في الدعاوى المقدمة إليها "لتضرر أبناء المهنة من الضريبة وسط ظروف اقتصادية صعبة، يعاني منها الجميع ومنهم المحامون".

يتفق عدلي مع القناوي في أن 98% من المحامين لا قبل لهم بالأعباء المالية التي يجري تحميلها على عواتقهم. لافتاً إلى أنه "بطبيعة المهنة، ينشد المحامون تحقيق العدالة، ومن بينها العدالة الضريبية، التي لا تستوجب التكالب على جيوب الفقراء، وإنما فرض ضرائب تصاعدية وضرائب على الأرباح الرأسمالية والثروات المتراكمة، ووقف الإعفاءات الضريبية لمقدمي بعض الخدمات وممارسي بعض الأعمال التابعين لجهات بعينها".

وحقوق مهددة كذلك

الدستور المصري يوجب حقي التقاضي والعلاج المجانيين للمواطنين غير القادرين، إذ تنص المادة 18 من الدستور الساري منذ 2014 على التزام الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم، كما يجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة.

المادة 98 تنص أيضاً على أن "حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول، واستقلال المحاماة وحماية حقوقها ضمان لكفالة حق الدفاع"، وأن القانون يضمن لغير القادرين ماليًا وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم، لكن على الرغم من ذلك قد تهدد الفاتورة – في نظر المحامين- هذه الحقوق التي كفلها الدستور.

يتخوف عدلي من تداعيات القرار التي وصفها بـ"الكارثية" على المتقاضين من محدودي الدخل، إذ يضع – في رأيه- عقبات تحول بينهم وبين حقهم في التقاضي، وتكبدهم أعباء مالية تفوق قدرات بعضهم، ما قد يدفعهم للإحجام عن المطالبة بحقهم في الأساس، لعدم قدرتهم على تحمل تكلفته، كما يهدد بدوره تطوع المحامين للترافع المجاني أو بمقابل زهيد عن ذوي الحالات الإنسانية وغيرهم، لاضطرارهم إلى تحمل هذه التكلفة عن موكليهم، وهو الأمر الذي قد يقود إلى "انفجار اجتماعي" لا تُحمد عقباه.

يشاركه قناوي الرأي، مؤكداً أن المحامي سيضطر للحصول على مقابل أتعاب وتحميل المتقاضي ثمن الضريبة الجديدة، ما يعني أنه سيعمل "موصلاتي ضريبي" بين المواطن والحكومة، وهو الأمر الذي يعد بدوره ضريبة التفافية على المواطن نفسه.

بخلاف المحامين، من المتوقع أن يؤثر القرار أيضاً على حياة المواطنين في جوانب أخرى، على رأسها الحق في العلاج إذ سيدفع بدوره الأطباء والصيادلة إلى رفع أسعار خدماتهم إجبارياً، في محاولات لتقليل أعباء الفاتورة المفروضة عليهم. 

تهديد الخصوصية

لم تفلح محاولات التهدئة والتسويف مع المحامين الذين اتهموا مجلسهم بمحاباة الحكومة على حساب أبناء المهنة - بسبب "مصالح مشتركة" - وتسليم بيانات رسمية تتضمن أسماء جميع أعضاء النقابة وبياناتهم الشخصية إلى مصلحة الضرائب، بل وتسجيل سبعة أعضاء من المجلس في المنظومة الإلكترونية من دون اعتبار لرأي الجمعية العمومية للمحامين (مجموع أعضاء النقابة)، محملين أعضاء المجلس المسؤولية عن أية تداعيات قد تتسبب فيها "صفقاتهم مع الحكومة".


يرى قناوي أن المحامين "أدركوا تراجع مجلس النقابة في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم في هذه القضية، ما دفعهم للتقدم خطوة للأمام بتنظيم الفعاليات والاحتجاجات ووسائل التصعيد المفتوحة على مستويات مختلفة منها الإضراب الشامل، مع قيادة حملة واسعة مع النقابات المهنية الأخرى اعتراضاً على الفاتورة "التي هبطت من السماء دون دراسة أو مراعاة لخصوصية كل مهنة".

ويعتبر أن هناك تراجعاً من الحكومة في الدخول على خط المواجهة مع المحامين وأصحاب المهن الحرة في الوقت الحالي، إلا أنه عزا ذلك إلى "محاولة السلطة المماطلة لحين امتصاص غضبهم، قبل اختيار الوقت المناسب لمفاجئتهم بإقرار الفاتورة الإلكترونية رسمياً".

في 19 يوليو/ تموز 2022، أعلنت مصلحة الضرائب الاستعانة بشركة تكنولوجيا تشغيل الحلول الضريبية  E- Ta لتقديم الخدمة الإلكترونية بمنظومة الفاتورة الضريبية، وهي إحدى الشركات التابعة لوزارة المالية المصرية وشركة الاستثمارات المالية والرقمية E-Finance.

إي فاينانس هي شركة مساهمة حكومية الطابع، يملك أكثر حصصها  بنك الاستثمار القومي (حكومي) وبنكا الأهلى ومصر (حكوميان أيضاً) وجهات أخرى تابعة كلها للحكومة، إلا أن صندوق الاستثمار السعودي، اشترى حصة بلغت 25% من الأسهم، ليصبح أكبر ملاكها، مزيحاً بنك الاستثمار القومي. وتسيطر الشركة على المعاملات المالية بين المواطنين والحكومة في مصر. وهو ما يرى فيه المحامون تهديداً لسرية بياناتهم وموكليهم لصالح جهة غير مصرية.

المادة الثانية من القرار المنشور في الجريدة الرسمية نصت على أن تلتزم E- Tax، بأن تؤدي إلى مصلحة الضرائب المصرية مبلغ 100 ألف جنيه مقابل الترخيص بتقديم الخدمة. كما تدفع ما يعادل 10% من قيمة ما تحصله من اشتراكات ومقابل الخدمات التي تقدمها للممولين. كما نص القرار على أن تلتزم الشركة بتقديم ضمان مالي لمصلحة الضرائب قدره خمسة ملايين جنيه.

تعاقد الحكومة المصرية مع الشركة لتقديم وتحصيل الفاتورة الإلكترونية، أثار العديد من التساؤلات، بشأن مؤسس الشركة ذاتها، فضلاً عن الشركاء المساهمين فيها - الصندوق السيادي السعودي بشكل خاص – فضلاً عن مصير الـ90% من قيمة مقابل الخدمة التي تتولى تحصيلها من الممولين والمكلفين المتعاقدين معها لتقديم الخدمة. كما يتساءل المهنيون عن أسباب إلزامهم بالتعامل مع وسيط (الشركة) يحصل منهم مقابل خدمة فيما يمكنهم تقديم الإقرارات والفواتير بأنفسهم إلى الموقع الإلكتروني المخصص. 

يتساءل المحامي عدلي عن مصير هذه البيانات التي ستقع تحت أيدي هذه الشركة، التي يعد أحد مساهميها تابعاً لدولة أجنبية: "هذا الأمر قد يعني أن هذا المساهم الأجنبي ستكون لديه الصلاحية للاطلاع على البيانات الشخصية والمالية للمواطن المصري، وحتى تاريخه المرضي".

ويتساءل: "ما الذي يمنع هذا المساهم من استغلال هذه البيانات لأغراض أخرى، وما الذي يضمن حماية سريتها، وكيف عقدت الحكومة اتفاقية معه لتحصيل 10% فقط من قيمة مقابل الخدمة، ماذا عن الـ90% الأخرى".

أزمات كثيرة فجرها القرار الحكومي الصادم، لكن يبدو الطريق لا يزال طويلاً لفك شفرات هذه الإشكاليات، في الوقت الذي يمتد تأثيرها إلى حقوق المواطنين الأساسية، من دون انشغال بالتفسير أو بحقوق المواطنين من الأساس. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image