أعلن وزير المالية المصري محمد معيط صباح اليوم الخميس 8 ديسمبر/ كانون الأول، عن تمديد الموعد النهائي للتسجيل في "الفاتورة الضريبية" حتى نهاية أبريل/ نيسان المقبل، بعد أن اتفقت النقابات المهنية المصرية - من دون تنسيق في ما بينها- على إعلان رفض تسجيل أعضائها لآداء ضرائب الدخل والمعاملات عبر الفاتورة الإلكترونية، قبل الموعد الذي كان محدداً له 15 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
وأعلنت نقابات المحامين والأطباء وأطباء الأسنان والمهندسين، كل منها بشكل مستقل، عن اتخاذ إجراءات قانونية واحتجاجية ضد قرارات وزارة المالية التي تلزمهم بالتسجيل لإصدار الفاتورة الإلكترونية، في مواجهة التهديد باتهامات التهرب الضريبي التي توجب عقوبات جنائية تصل إلى الحبس والغرامة.
الإجراءات القانونية والاحتجاجية الرافضة شملت إلى جانب مظاهرات حاشدة للمحامين، إقامة نقابة أطباء مصر دعوى قضائية أمام مجلس الدولة، للطعن على قرار وزارة المالية، مطالبة بوقف تنفيذ القرار على الأطباء، في مقابل إصرار وزارة المالية على قرارها. وعقب اجتماع جمع وفدين من نقابتي الأطباء والبيطريين من جانب، وممثلي وزارة المالية ومصلحة الضرائب على الجانب الآخر، يوم الثلاثاء 6 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أعلنت الجهات المشاركة تشكيل لجنة مشتركة بين النقابتين ووزارة المالية لبحث المشكلات المتعلقة بالمنظومة وحلها، وعدم تطبيق أية إجراءات ضد الأطباء إلا بعد الانتهاء من عمل اللجنة.
في حين أن الدولة أعلنت أن الفاتورة الإلكترونية هدفها محاصرة التهرب الضريبي وتقليل فجوة غياب العدالة الضريبية، فإن هناك عدة إشكاليات تنطوي عليها هذه الآلية وتسببت في انتفاضة المهنيين
ما هي الفاتورة الإلكترونية؟
خلال الأيام الأخيرة، تصاعدت حالة من الجدل في مصر، بعد إلزام مصلحة الضرائب المصرية، أصحاب المهن الحرة الذين لديهم تعاملات مع المستهلكين النهائيين بالتسجيل في منظومة "الفاتورة الإلكترونية"، أحد النظم الحديثة التي تطبقها الدولة ضمن استراتيجية التحول الرقمي.
وفي بيان أصدره رئيس مصلحة الضرائب، مختار توفيق، قال إنه في موعد أقصاه 15 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، ستكون كل المنشآت الفردية، سواء كانت تجارية أو صناعية أو خدمية أو مهنية مثل: الدكتور، المهندس، الفنان، المحاسب القانوني، الاستشاري وجميع أصحاب المهن الحرة، "ملزمة بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية دون استثناء لأي ممول"، وهو الأمر الذي أثار حفيظة عدد من النقابات المهنية وبخاصة الأطباء والمحامين، الذين اعترضوا على هذه الطريقة من المحاسبة الضريبية باعتبارهم "أصحاب رسالات سامية وليسوا تجاراً لسلع".
ووفقاً لمصلحة الضرائب، تمثل "الفاتورة الإلكترونية" تحولاً من الفاتورة الورقية التي كانت موجودة لدى الشركات والمنشآت العامة والخاصة، إلى فاتورة إلكترونية تصل لمصلحة الضرائب في نفس وقت اتمام المعاملة بين الشركة والعميل، و"بالتالي تساعد على تحديد الضرائب والإعفاءات الضريبية بدقة متناهية".
ومن أهم أهداف المعلنة للفاتورة الإلكترونية، ضم الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي، والحد من التهرب الضريبي، إذ أنها بحسب تعريف مصلحة الضرائب المصرية "مستند رقمي يثبت عملية البيع والشراء، ولا يمكن تزييفه أو التعامل فيه بأي طريقة كانت، إضافة إلى تسهيل إجراءات التعامل بين مصلحة الضرائب والممول". ومع تطبيق الفاتورة الإلكترونية لن يعود بإمكان أي ممول التعامل بالفاتورة الورقية مرة أخرى.
رفض وتظاهرات وطلبات إحاطة
مع إعلان مصلحة الضرائب تعميم تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية على كل أصحاب المهن الحرة المتعاملين من المستهلك ومتلقي الخدمة النهائي بمن فيهم المهنيون، ثار المحامون ونظموا وقفة احتجاجية أمام مبنى النقابة العامة للمحامين، بوسط القاهرة، اعتراضاً على القرار.
وأصدر نقيب المحامين، السبت، بياناً مطولاً، أعلن فيه موقف النقابة الرافض مطلقاً لإخضاع المحامين للتسجيل الإجباري في منظومة الفاتورة الإلكترونية "التي تتعارض مع طبيعة عملهم من حيث المبدأ"، مشيراً إلى لقاء النقابة بوزير المالية ومساعديه ورئيس مصلحة الضرائب، الذين أبدوا تفهماً لاعتراض المحامين، وقرروا تشكيل لجنة لبحث الأمر، مع إرجاء إلزام المحامين بالتسجيل في المنظومة في الموعد المعلن عنه سابقاً في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2022.
رخصت الحكومة المصرية لشركة وحيدة، لم يُعلن بشفافية عن مالكيها وتبعيتها، لاحتكار خدمات التسجيل وتقديم خدمات الفاتورة الإلكترونية للممولين المحتملين، وهو ما يراه المهنيون المُطَالَبون بالتسجيل انتهاكاً لسرية بياناتهم، واحتكاراً للخدمة و"جباية إضافية لا داعي لها"
وتقدم النائب ضياء الدين داوود، بطلب إحاطة لرئيس مجلس النواب، بشأن عدم مشروعية إخضاع رسالة المحاماة للفاتورة الإلكترونية، مشيراً إلى أن القرار يمثل تكراراً لافتعال الأزمات مع فئات المجتمع المختلفة، على غير سند من دستور أو قانون.
كذلك اعترضت نقابة الأطباء على إلزام أعضائها بتطبيق آلية الفاتورة الإلكترونية، وأكد مجلس النقابة دعمه لوجود آلية لمحاسبة ضريبية عادلة، إلا أن الإجراءات المعقدة في استخدام آلية الفاتورة الإلكترونية في مهنة حيوية مثل الطب قد تعوق تقديم الخدمات الطبية، "كما من غير المنطقي تطبيق رسوم على خدمة مهنية مثل الخدمة الطبية ومساواتها بالخدمات التجارية رغم اختلاف مخاطبة قانون الضرائب لهذه المهن".
وفي نفس الوقت، قررت النقابة التعاقد مع مكتب محاسبة ذي خبرة لتوعية الأطباء بالإجراءات المتبعة في التسجيل والإقرار الضريبي، حرصاً من النقابة العامة للأطباء على عدم تعرض الطبيب لأي أضرار في كل الأحوال.
كذلك رفضت نقابة المهندسين منظومة الفاتورة الإلكترونية، موضحة أن منظومة الفاتورة الإلكترونية غير ملائمة لقواعد ممارسة المهنة، وجميع أعمال المهندس يمكن حصرها من خلال الاطلاع على السجل الهندسي، أو من خلال حصر التراخيص الصادرة من الحكومة ولا مجال للتهرب الضربي، كما أن المنظومة تفرض على المهندس رسوماً مرتفعة لصالح شركات خاصة وليس لخزينة الدولة، دون النظر لحجم الأعمال السنوية او تحقيق الأرباح من عدمه.
عدد طلبات الإحاطة المقدمة للبرلمان منذ بدء أزمة الفاتورة الإلكترونية وحتى الآن وصلت إلى 37 طلباً، لدعوة الحكومة لحوار مع المتضررين منها، لكن من دون جدوى
وقد رخصت الحكومة المصرية لشركة وحيدة لم يعلن بشفافية عن مالكيها وتبعيتها، لاحتكار خدمات التسجيل وتقديم خدمات الفاتورة الإلكترونية للممولين المحتملين، وهو ما يراه المهنيون المطالبون بالتسجيل انتهاكاً لسرية معلوماتهم، واحتكاراً للخدمة و"جباية إضافية لا داعي لها".
وتداول الرافضون للفاتورة الإلكترونية منشوراً سابقاًً صادراً عن وزارة المالية، ينص على استثناء بعض الفئات من منظومة الفاتورة الإلكترونية، بينها: جهاز المخابرات العامة والوحدات التابعة له، صندوق تحسين خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية لأعضاء هيئة الشرطة وأسرهم، شركة تحسين التنمية والاستثمارات التابعة لزارة الداخلية، منظومة أمان "جمعية أمان التعاونية الاستهلاكية"، التابعة لوزارة الداخلية.
وفي تصريح لرصيف22، قال المحامي بالنقد والدستورية والإدارية العليا، ياسر سيد أحمد، إن عدد طلبات الإحاطة المقدمة للبرلمان منذ بدء أزمة الفاتورة الإلكترونية وحتى الآن وصلت إلى 37 طلباً، لدعوة الحكومة لحوار مع المتضررين منها، لكن من دون جدوى.
على الجميع أن يدفع
بدوره يقول الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، رشاد عبده، إن "هناك غياباً للعدالة الضريبية في مصر نتيجة عدم شمول المنظومة للكثير من الأفراد الذين يحققون مكاسب هائلة". مؤكداً أن الفاتورة الإلكترونية تمثل "خطوة على طريق تقليل الفجوات بين المواطنين وتحقيق العدالة الضريبية".
وأكد لرصيف22 أن القانون لا بد ألا يُستثنى منه أحد: "ماينفعش نقول الفئة دي بتقدم رسالة وخدمة، طالما بتتقاضى أجر يبقى مش خدمة، الضرائب حق الدولة ومحدش على رأسه ريشة، ولو كلنا ملتزمانش بدفع الضرائب؛ الدولة مش هتقدر تقدم الخدمات، وده مش في مصر بس".
وتابع أن العبء الضريبي يقع على الموظفين والعمال الذين تختصم ضرائبهم من المنبع، وفي مقابلهم آلاف لا يدفعون ضرائب ويكسبون أكثر: "لاعبو الكرة والفنانون الذين يسجلون عقوداً بأرقام أقل كثيراً مما يتقاضونه من أجل التهرب الضريبي يضرون بحق الدولة، وحق الفقراء فيها وعند مواجهتهم بالتهرب يجرون مصالحة ويدفعون ملاليم"، مشيراً إلى أنه لا مانع من تطبيق عقوبات بدنية على المتهربين من الضرائب أو الرافضين للانضمام لمنظومة الفاتورة الإلكترونية: "لا بد من وسيلة ردع مثل السجن، لأن الضرائب رافد أساسي لدخل الدولة علشان تقدر تقوم بواجبها تجاه مسؤوليتها من تعليم وصحة، ليه مش عايزين ندفع ضرائب بس لو دخلنا مستشفى مفيهاش معدات بنزعل ونكسرها؟".
للتعرف على التبعات المالية التي سيضطر إليها الراغبين في اللجوء للقضاء عند تطبيق الفاتورة الإلكترونية على مهنة المحاماة، يمكنك مطالعة تقريرنا المخصص لهذه القضية "أزمة الفاتورة الإلكترونية مستمرة رغم التهدئة"
لنتكلم عن المصروفات
وتواصل رصيف22 مع بعض ممن يشملهم القانون ويعترضون عليه، فقال أستاذ جراحة القلب بمستشفى جامعة عين شمس وعضو مجلس نقابة الأطباء سابقاً، خالد سمير، إن المهنيين خاضعون لقوانين الضرائب ويقدمون إقرارتهم الضريبية بشكل سنوي، والقانون يفرق بين فئتين منهما، الأولى تقدم إقراراً مقيداً بمستندات، وهم الذين يحققون أرباحاً سنوية تزيد على 100 ألف جنيه من النشاط الحر، والثانية فئة تقدم إقراراً غير مقيد بمستندات، وهم صغار المهنيين الذين لا يتجاوز دخلهم السنوي بضعة آلاف من الجنيهات، كالطبيب المبتدئ أو المحامي الصغير وهكذا، وهؤلاء يقدمون إقراراتهم كل عام ويدفعون 20% من أرباحهم.
ويعتقد سمير أن الهدف من إقرار الفاتورة الإلكترونية ليس له علاقة بالتحول الرقمي، الذي يعني الشمول المالي لكل المواطنين، وهي مرحلة لم تصل إليها الدولة بعد، لكن الهدف الأساسي "خلق وسيلة جديدة لمص دم الناس"، مشيراً إلى أن القانون الجديد حدد آلية حصر الدخل لكنه لم يضع آليات لحصر المصروفات: "المفروض تحصر في الاتجاهين، لكن عايزني أطلع فاتورة بكل مريض دخل عندي وقيمة الكشف، بدون ما أحدد الموظفين اللي عندي ومرتباتهم وأجهزة وإيجار العيادة والمرافق، لو هتعمل كدا أنا موافق لكن المنظومة مش مكتملة".
باحث متخصص في المالية العامة: مخاوف المهنيين من الجباية وتسليع الخدمات الضرورية له ما يدعمه، واستمرار حصد الضرائب من دون تمثيل سياسي، وتغييب قدرة الشعب دافع الضرائب على المراقبة والمحاسبة، تهدم مبدأ العدالة الضريبية الذي تتذرع به الدولة
كما اعترض أستاذ جراحة القلب على طريقة إصدار القانون دون مناقشات مع المعنيين وتحديد حد أقصى لانضمام جميع الفئات للمنظومة: "ده مش معقول، لو البلد مديونة تاخد فلوس من الأغنياء مش من الفقراء بطريقة مباشرة وغير مباشرة، في النهاية كلنا عارفين إن المواطن هو اللي هيتضرر لإن الطبيب هيضطر يرفع قيمة الفيزيتا علشان يسدد الضرائب، معقول مريض راح يكشف عند دكتور فيدفع ضريبة؟ في حين إن الدولة المفروض توفرله تأمين صحي!"، لافتاً إلى أن الدولة ترفض تطبيق الضرائب التصاعدية كما في دول العالم أجمع: "في العالم كله فيه ضرائب تصاعدية والأغنى بيدفع نسبة أكبر، لكن عندنا كل الناس بتدفع 20% ضرائب واللي بيكسب 30 ألف زي اللي بيكسب 300".
كذلك قال الأمين العام المساعد لنقابة المحامين، أبو بكر الضوة، إن المحامي "لا يبيع سلعة لكنه يؤدي رسالة، وهو أحد جناحي العدالة التي يتشارك فيها مع السلطة القضائية"، مشيراً إلى أن المحامي يدفع رسوماً قبل رفع كل قضية، ويقدم إقراراً ضريبياً بكل القضايا التي أقامها في نهاية كل عام، أما الفاتورة الإلكترونية فلا تناسب عمل المحامي وتثقل كاهله بإجراءات معقدة: "هل لو أنا اتفقت مع موكل على 5000 جنيه أتعاب قضية، وهو مادفعش أو دفع على سنتين أو لغى القضية أو تصالح فيها، هقدم الفاتورة بكام؟ وهعملها مع بداية القضية ولا في نهايتها؟ أوضاعنا مختلفة عن بيع السلع"، مؤكداً أن المحامين لن يشاركوا في هذه المنظومة.
احتكارات وأعباء إضافية
ويشير محمود رسلان إلى أن الدخول في منظومة الفاتورة الإلكترونية، يتوجب على كل ممول شراء جهاز الإيصال الإلكتروني الذي يصل الحد الأدنى لسعره 4400 جنيه، إضافة إلى التوقيع الإلكتروني بقيمة 3000 جنيه، بخلاف رسوم البرمجة وحقوق الاستخدام التي تجدد كل عام، وهذه التكلفة لا تفرق بين الشركة الكبيرة والمستثمر الصغير.
واستنكر خالد سمير تحميل الممولين تكلفة الاشتراك في منظومة الفاتورة الإلكترونية التي تجدد كل عام: "الحكومة متفقة مع شركات تستورد الأجهزة وتبيعها لنا، هل ده منطقي؟ يعني ندفع كل سنة حوالي 10 آلاف جنيه علشان بس نسجل، غير الضرائب اللي علينا؟". وعقب ياسر سيد أحمد، بأن هذه المنظومة لا تفرق بين الممولين: "لو محامي عندي بيقبض 3000 جنيه في الشهر، مطالب بشراء هذه الأجهزة لإنه له ملف ضريبي".
وقال أحمد إن الدولة تفرض نظاماً على الممولين لا تتحمل تكلفته: "يعني انت جايب لنا سيستم مش دافع تكلفته وبتفرضه علينا؟ هل التعاقد مع الشركات دي قانوني؟، مشكلة الدولة إنها شايفة الـ650 ألف محامي في مصر -بينهم 400 ألف عاملين- كلهم فريد الديب".
ماذا عن القانون والدستور؟
يشير ياسر سيد أحمد إلى أن منظومة الفاتورة الإلكترونية التي تضع التجاريين والمهنيين على حد سواء، لا تتفق مع القانون والدستور، فالقانون رقم 531 لسنة 2005، حدد أصحاب المهن التجارية على سبيل الحصر، بينهم: الأطباء، المحامون، المهندسون، الصحافيون، وهم فئات تخصم منهم 5% من كل مبلغ يزيد على 100 جنيه كضريبة بحسب المادة 70 من قانون الضريبة على الدخل، وبالتالي هناك فرق بينهم وبين التجاريين: "لإن الناس دي مش معنية بالفواتير اللي هي نظام تجاري بحت".
وأضاف أن لمهنة المحاماة وضعاً خاصاً، لأن المادة 198 من الدستور تناولتها فجاء بها: المحاماة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون وكفالة حق الدفاع، ويمارسها المحامي مستقلاً ومحاميو الهيئات وشركات القطاع العام ومحاميو قطاع الأعمال العام، ويضيف: "وبالتالي المحامي هو شريك للقضاء بنص الدستور، فهل تفرض على القاضي فاتورة إلكترونية؟".
وأكد المحامي بالنقد والدستورية العليا أن تحويل أصحاب المهن إلى تجاريين، يجعلهم "جباة يحصرون الضرائب من المرضى والمظلومين"، مشيراً إلى عدم جدوى الطعن على القانون أمام المحكمة الدستورية العليا: "المحكمة الدستورية العليا ليست ملاذاً لأنها حتى الآن لم تفصل في الطعن على ضريبة القيمة المضافة المقام منذ سنوات والسارية الآن بشكل طبيعي، علشان أطعن دلوقتي على الفاتورة الإلكترونية وتفضل في الدرج زيها زي اللي قبلها يبقى عملت إيه؟ الحل في النقاش وتعديل النظام... ماينفعش تطبق عليا نظام أنا غير خاضع ليه لإني غير تجاري".
هل تسمح لي الدولة بمحاسبتها؟
وتساءل سيد أحمد، عن قدرة المواطن على محاسبة الحكومة بذات الدقة التي تطالبه الأخيرة بها: "هل المواطن عنده قدرة على معرفة الضرائب بتروح فين بالظبط؟ هل الحكومة عندها الشفافية الكافية علشان تحدد أوجه إنفاق الضرائب؟ على الورق فيه مجلس شعب المفروض يحاسب الحكومة، وفيه موازنة عامة بتحدد أوجه الإنفاق، لكن في الواقع كل شيء بيعرض بشكل عام: "يعني أنت عشوائي وبتعرض أوجه إنفاقك بشكل عام، وعايز تحاسبني أنا بالمليم؟" مؤكداً أن الفاتورة الإلكترونية لن تغني عن التلاعب إذا أراد أحد ذلك: "لو محامي اتفق مع الموكل على عدم الإفصاح عن القيمة الحقيقية للأتعاب لصالح الطرفين، لن تعرف الحكومة صافي الربح الحقيقي، الأزمة الكبيرة في مستلزمات التسجيل في نظام الفاتورة الإلكترونية التي تحمل أعباء على الممول يتكبدها كل عام".
هناك أعباء إضافية تضعها المالية عند تطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية، بإجبار الممولين على شراء النظام الإلكتروني ورسوم تجديده كل عام، وفرضه على الجميع بغض النظر عن قيمة الإيراد الحقيقية، ويجب معالجة ذلك بتقسيمها إلى شرائح تبعاً للإيراد
هيكل ضريبي يفتقر للعدالة
وتناول الكاتب والباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني، الهيكل الضريبي في مصر بشيء من التفصيل، مستعيناً بموازنة العام 2022/ 2023، التي تمثل فيها الضريبة المستقطعة من الأجور والرواتب نسبة 26% من ضرائب الدخل بإجمالي 110.9 مليار جنيه، بينما ضرائب الأرباح التجارية والصناعية تصل إلى 62.5 مليار بنسبة 19%، ثم تأتي ضرائب المهن الحرة التي لا تتجاوز 6.2 مليار جنيه بنسبة 2%، ما يعكس غياب العدالة الضريبية، ويوضح أن غالبية المهنيين من أطباء ومحامين ومهندسين وفنانين واستشاريين متهربين من الضرائب على الدخل، بينما يدفع العمال والموظفون فوق ضريبتهم 3.5 مليار جنيه دمغة مرتبات.
هذا بالإضافة إلى ضريبة المبيعات التي تحولت إلى "القيمة المضافة" بعد اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي، وهي ضريبة تتسع لتشمل السلع والخدمات وتزيد الأعباء على كاهل المواطنين، إذ تصل إلى 14%، مقابل 7% في الولايات المتحدة، و5% في كندا وتايوان والإمارات واليمن، وهناك دول يتراوح فيها سعر الضريبة بين 15 و20% كذلك، وأوضح الميرغني أن ضريبة القيمة المضافة تسمى الضريبة العمياء لأنها تطبق على الجميع بنفس السعر ولا تفرق بين الأغنياء والفقراء، وفي مصر تمثل 47% من الإيرادات الضريبية، بينما ضرائب الدخل تمثل 37% فقط، رغم أنها الأكثر عدالة.
ولتحقيق العدالة الضريبية طالب الميرغني بتعديل التشريعات وتخفيض ضريبة القيمة المضافة، وتطبيق نظام الضرائب التصاعدية على الدخل، وإيجاد آليات لحصر إيرادات ومصروفات المهنيين، ومواجهة التهرب الضريبي وتشديد العقوبات على المتهربين.
وبحسب دراسة أجراها الباحث محمد سالم، لموقع مصر 360، بعنوان: "الضرائب في مصر.. أسئلة العدالة والكفاءة وسبل التطوير- نوفمبر 2022"، ينقسم الهيكل الضريبي المصري إلى ضرائب مباشرة تفرض على الدخول ولا يمكن نقل أعبائها للآخرين، وتشمل الضريبة على الأرباح والدخول، وضرائب غير مباشرة تفرض على السلع والخدمات ويمكن نقل عبئها على المستهلكين مثل ضرائب القيمة المضافة أو ضرائب المهن الحرة، وهو ما يطرح أسئلة عن العدالة في الهيكل الضريبي المصري.
وفي موازنة العام المالي الجاري 2022/ 2023، تمثل الضرائب 1.168 تريليون جنيه، بنسبة 12.84% من الناتج المحلي الإجمالي، بينها 581.78 مليار جنيه ضرائب مباشرة، و586.99 مليار جنيه ضرائب غير مباشرة.
وأشارت الدراسة إلى ما يعرف بـ"الجهد الضريبي" وهو نسبة التحصيل الضريبي الفعلي إلى الإمكانات الضريبي التقديرية، وكلما زاد الجهد الضريبي في دولة تضاءلت الفجوة بين التحصيل الضريبي الفعلي والإمكانات الضريبية التقديرية. وفي مصر، رغم زيادة حجم الإيرادات الضريبية من عام 2005/2006 إذ كانت 97.2 مليار دولار، إلى عام 2022/2023 إذ وصلت إلى 1.16 تريليون جنيه، إلا أن نسبة الإيرادات إلى الناتج المحلي الإجمالي انخفضت من 15.8%% إلى 13% خلال نفس الفترة، وهي إجمالاً نسب منخفضة إذا ما قورنت بالنسب العالمية.
ومن التفسيرات التي قدمتها الدراسة حول انخفاض مساهمة الجهد الضريبي في الاقتصاد القومي المصري، جاءت محدودية المجتمع الضريبي وحركة اقتصاد الظل أو الاقتصاد غير الرسمي على رأس الأسباب، خاصة مع عدم القدرة على تحديد حجمه. وتشير دراسة لوكالة الأمم المتحدة الإنمائية إلى أن 60% من الوظائف في مصر في الفترة بين 2006 و 2010 تقع ضمن الاقتصاد غير الرسمي.
ملخص الاعتراضات
وفي حين أن الدولة أعلنت أن الفاتورة الإلكترونية هدفها محاصرة التهرب الضريبي وتقليل فجوة غياب العدالة الضريبية، فإن هناك عدة إشكاليات تنطوي عليها هذه الآلية وتسببت في انتفاضة المهنيين، وحددها الميرغني في 4 نقاط كالتالي:
1- قانون الفاتورة الإلكترونية وضع قواعد لحساب الإيرادات فقط، ولم يضع قواعد لحساب المصروفات والمصروفات المهنية، وهو خلل كبير يحول دون تطبيقه.
2- لم يفرق القانون بين المهنيين حسب حجم نشاطهم وعامل الجميع نفس المعاملة، وبالتالي هو نظام مهمته الجباية ويظلم آلاف المهنيين. ويجب تقسيم المهنيين إلى 3 أو 4 فئات بحسب حجم الإيرادات، لتنظيم المجتمع الضريبي وتحقيق الحصيلة دون معاملة الجميع وكأنهم مليونيرات.
3- يجب التفاوض بين وزارة المالية والنقابات المهنية على طريقة موضوعية لحساب المصروفات دون تعسف على المهنيين، ودون التركيز على الجباية فقط، لان الإيرادات تقابلها مصروفات يجب حسابها أولاً بطريقة سهلة ترضي الطرفين.
4- هناك أعباء إضافية تضعها المالية عند تطبيق نظام الفاتورة الإلكتورنية، بإجبار الممولين على شراء النظام الإلكتروني ورسوم تجديده كل عام، وفرضه على الجميع بغض النظر عن قيمة الإيراد الحقيقية، ويجب معالجة ذلك بتقسيمها إلى شرائح تبعاً للإيراد.
وأكد الميرغني أن احتجاج المهنيين مهم دفاعاً عن حقوق أصيلة ورفضاً للجباية والتسليع، لكن يجب ان يتبعه الاتفاق والتوافق حول طريقة لحساب المصروفات ووضع شرائح للأعباء الإضافية للنظام، مشدداً على أن الضرائب مورد رئيسي لتمويل التنمية والقروض، ولا بد من تطبيق نظام ضريبي عادل يحقق مصالح الوطن والممولين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...