شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الأموال المنهوبة من بن علي وحاشيته... لماذا تعجز تونس عن استعادتها؟

الأموال المنهوبة من بن علي وحاشيته... لماذا تعجز تونس عن استعادتها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 9 ديسمبر 202203:26 م

بعد الثورة التونسية، فرح الشعب بقرار تجميد أموال وأصول عائلة الرئيس التونسي المخلوع، ومقربين منه، وانتظروا أن تعود مليارات الدولارات إلى خزائن الدولة. إلا أن ما انتظره الشعب لسنوات ذهب سدى، عقب إعلان الاتحاد الأوروبي رسمياً، عن رفع التجميد عن سبعة أفراد من أسرة زين العابدين بن علي والمقربين منها، من قائمة المجمدة أموالهم، وهم قيس بن علي، حمد بن علي، نجم الدين بن علي، ونجاة بن علي... كما تشمل القائمة كلاً من محمد الطرابلسي وعماد اللطيف وأيضاً نوفل اللطيف.

"بن علي" كسب المعركة

"لماذا كل هذه البلبلة والضجيج إزاء مسائل لن تُحلّ، صحيح أننا فرحنا حين جُمّدت أموالنا كشعب بعد الثورة في الدول الأوروبية، لكن في المقابل لم نكن ننتظر أي نتائج حاسمة أو تصب في مصلحتنا والسبب بكل بساطة هو تقاعس الحكومات المتعاقبة أو بالأحرى تواطؤها في تعطيل هذا الملف. في النهاية نستحق ما يحدث لنا"، بصوت خشن وكلمات نابية عبّر الكهل فؤاد بوغانمي، عن غضبه لرصيف22. المواطن الذي بدا وكأنه كابد لسنوات الاضطهاد والانتظار بهذا القرار الميؤوس منه، مثله مثل كثيرين تأملوا خيراً بعد الثورة، لكن وصلوا إلى يقين بأن لا شيء سيتغير.

حنان العوادي هي الأخرى قالت، لرصيف22، إن "ليلى الطرابلسي وأوساط بن علي لم يكفهم ما أخذوه منا. سرقوا طموحنا وآمالنا لعقود من الزمن، وها هم أعادوا الكرة مرةً أخرى وكسبوا معركةً أخرى ضدنا واستعادوا أموالاً ليست لهم ولا نستغرب أن يعودوا إلى الحكم يوماً ما".

واصلت حنان: "من الواضح أننا بلد يُدمن تفويت الفرص، ففرصة استعادة أموال لا تحصى ولا تعد كانت كفيلةً بأن تقلب حال تونس رأساً على عقب. كنا على ثقة تامة برئيسنا قيس سعيّد حينما وعدنا باستعادة أموالنا المنهوبة من أوساط بن علي، وما راعنا إلا أن هذا الملف أُغلق منذ بدايته، فلم نسمع أرقاماً عنه ولا تطورات ولا حتى تململ إلينا رئيس البلاد ببيان توضيحي عما يحدث. أهكذا تسير الأمور؟ وبماذا هم منشغلون إلى هذا الحد؟"، و"لو عادت أموالنا المنهوبة لما وقفنا على كيلو سكر وليتر حليب. ولما انتظرنا صندوق النقد الدولي حتى يحنّ علينا بقرض".

"ليلى الطرابلسي وأوساط بن علي لم يكفهم ما أخذوه منا. سرقوا طموحنا وآمالنا لعقود من الزمن، وها هم أعادوا الكرة مرةً أخرى وكسبوا معركةً أخرى ضدنا واستعادوا أموالاً ليست لهم

تقاعس دبلوماسي وانهيار خطابي

في كانون الثاني/ يناير 2021، قال مسؤول في الرئاسة التونسية إن المجلس الفيدرالي السويسري أعلن أن التجميد الإداري لجزء من الأصول التابعة لعائلة الرئيس الراحل بن علي، سينتهي منتصف ليل التاسع عشر من الشهر نفسه، وإنه تم إبلاغهم بهذا الأمر من خلال قنوات دبلوماسية. وأضاف المسؤول أنه نتيجة رفع تجميده الأصول، سيتمكن ما بين 30 و50 شخصاً من أوساط بن علي من استعادة هذه الأموال، خصوصاً زوجته ليلى الطرابلسي وشقيقها بلحسن.

خلال تعليقها بـ"هذا القرار غير المنصف" بالنسبة إليها، قالت منظمة أنا يقظ، إن قرار رفع التجميد ليس فقط جديداً للدبلوماسية التونسية بل هو انهيار للخطاب الشعبوي والزائف للرئيس قيس سعيّد الذي لطالما ادّعى الحرص على استرجاع الأموال المنهوبة من دون أن تكون هناك أي مجهودات دبلوماسية أو إجرائية في مستوى انتظارات الشعب التونسي الطامح إلى استرجاع أمواله المنهوبة طوال أكثر من عقد من الزمن.

أضافت أنا يقظ، أنه بالرغم من تشكيل الرئيس للجنة لاسترجاع الأموال المنهوبة من نحو السنتين، يترأسها وزير الخارجية شخصياً، فإن هذه اللجنة ظلت نقطةً غامضةً، خاصةً مع الوعود الرئاسية المتكررة بعودة "فلوس التوانسة"، بحيث أنها لم تجتمع ولم تنشر أي تقارير عن أنشطتها، بالرغم من أن أمر إحداثها ينص على أن ترفع اللجنة كل ثلاثة أشهر تقريراً إلى رئيس الجمهورية حول نشاطها وتقدّم أشغالها، إلا أنها بقيت مجرد وعود زائفة مثل بقية الوعود التي قطعها الرئيس منذ أكثر من 3 سنوات.

تبين مع مرور الزمن أن تقصير تونس في مسار استعادة حقوقها الضائعة، لم يكن فقط لأسباب داخلية، وإنما خارجية أيضاً، لأنها لم تحترم الإجراءات والآجال القانونية في التعامل مع الدول الأجنبية ذات العلاقة بالملف

أفاد يوسف بلقاسم، مدير البرامج في منظمة أنا يقظ، لرصيف22، بأن "المنظمة توسمت خيراً في البداية خاصةً بعدما تم إنشاء اللجنة لمتابعة الملف، إلا أنها كسابقاتها لم تكن لها إنجازات أو تقارير أو حتى اجتماعات ونحمّل مسؤولية التقصير للّجنة ومن شكلها"، وأضاف: "هؤلاء الأشخاص المجمدة أموالهم في الخارج، وكّلوا محامين لمتابعة قضاياهم واسترجاع ما يعدّونه حقوقهم المشروعة، حيث قدموا طلبات سنوية للاتحاد الأوروبي لرفع التجميد مقابل عدم وجود أي تحرك من الدبلوماسية التونسية التي لم تكن جادةً في التعامل مع ملف الشعب التونسي".

"إذا واصلنا على الوتيرة نفسها، نتوقع أنه سيتم حذف بقية الأفراد البالغ عددهم 35 من القائمة، ورفع التجميد عن أكثر من 10 أشخاص منذ 2015، سيقوي موقف بقية الأشخاص، ناهيك أن غياب الإرادة السياسية سيجعل من الاتحاد الأوروبي وغيره يحتقرون تونس"، وفق محدثنا يوسف بلقاسم.

سرقات بالمليارات وإحصائيات غائبة

في الوقت الذي لم تعلن فيه السلطات التونسية عن أي أرقام رسمية، وغابت الإحصائيات المحددة لقيمة الأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج، كانت منظمة "غلوبال فينينشيال إنتغريتي"، قد رجحت بلوغ قيمة السرقات حدود الـ60 مليار دولار أمريكي منذ سنة 1960، منها الثلث –أي ما يعادل 20 مليار دولار- خلال فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. فيما قدّرت منظمة الشفافية المالية التونسية (مؤسسة غير حكومية)، تلك الأموال، بنحو 23 مليار دولار، وحدد البنك المركزي التونسي سنة 2015، ممتلكات وأموال منهوبةً في عشرة بلدان وهي سويسرا وفرنسا وكندا وبلجيكا، بالإضافة إلى دول الإمارات وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا ولبنان ولوكسمبورغ.

تبين مع مرور الزمن أن تقصير تونس في مسار استعادة حقوقها الضائعة، لم يكن فقط لأسباب داخلية، وإنما خارجية أيضاً، لأنها لم تحترم الإجراءات والآجال القانونية في التعامل مع الدول الأجنبية ذات العلاقة بالملف. فالحال أنها عملت منذ مهد ثورتها على رصد قيمة السرقات المالية المودعة في البنوك الأجنبية، من خلال لجنة التحاليل المالية في البنك المركزي، وبفضل تنسيقها مع نظيراتها من الدول التي تحوي أرصدةً مجمدةً، كما ركزت تحركاتها خلال الفترة ما بين سنة 2011 وأواخر سنة 2014، على الاستناد إلى مبادرة "ستار" التابعة للبنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة الهادفة إلى تسخير كافة الموارد اللازمة لتدريب كل المتدخلين في الملف وتطوير خبراتهم بالإضافة إلى حصولها على دعم مالي إفريقي مكّنها من انتداب كفاءات قانونية تعهدت الملف في الخارج.

اشتراط "فساد المصدر" مثّل عائقاً جسيماً أمام السلطات التونسية التي أنهكتها صعوبة إثبات جرائم الفساد المالي المرتكبة من طرف حاشية النظام السابق والمقربين من بن علي

بالرغم من مجهوداتها الهزيلة والمخيبة للآمال وغياب الحماسة المطلوبة في الخروج بمعطيات تعيد إلى الشعب التونسي جزءاً من كرامته إزاء أحد أهم الملفات العالقة التي يرى فيها فرصةً لإنقاذ الاقتصاد المتداعي وإعادة الاستقرار الاجتماعي، فقد قوبلت بتعنّت وتلكؤ دول الملاذات المالية في التعاون والإعلان عن حجم الأموال المجمدة بشكل دقيق، إذ اشترطت أن تثبت تونس ما يُسمى بفساد المصدر، حتى يتسنى لها التعاون معها في هذا الملف، باستثناء سويسرا التي تُعدّ الدولة الأوروبية الوحيدة التي قدمت كشفاً دقيقاً عن حجم الأموال التي جمدتها لفائدتها التي قُدّرت بـ60 مليون يورو.

اشتراط "فساد المصدر" مثّل عائقاً جسيماً أمام السلطات التونسية التي أنهكتها صعوبة إثبات جرائم الفساد المالي المرتكبة من طرف حاشية النظام السابق والمقربين من بن علي والطرابلسية، بالرغم من تمكنها من ضبط قوائم المطلوبين ممن هرّبوا ثروات إلى خارج البلاد.

استرداد الأموال ممكن ولكن...

عن إمكانية استعادة هذه الأموال بالرغم من العوائق الجمة التي تحدثنا عنها، يقول الخبير الاقتصادي عبد الجليل البدوي، لرصيف22، إنها في غاية الصعوبة، لأنها تتطلب فريقاً قانونياً ملماً بالقوانين الدولية والمعاهدات وعمليات غسل الأموال، وتونس في هذه الحالة مطالبة بإجراء تحقيقات قضائية داخلية، يقع بموجبها تقديم الأدلة والوثائق للدول التي هُرِّبت إليها الأموال.

"وعلى افتراض أن تونس قامت بالخطوات السابقة، يُعتقد أن البلاد بحاجة إلى عشرات السنوات لاستعادة الأموال في ظل بطء الإجراءات القضائية الدولية ومطالباتها بالوثائق والإحصائيات غير المتوفرة لدى الحكومة التونسية أساساً"، بحسب تعبيره.

وأكد أن "سرية العمل المصرفي في كثير من الدول، مثل سويسرا، تمنع الوصول إلى أسماء وعناوين المودعين، إلا إذا عمدت الحكومة التونسية إلى استحصال قرارات قضائية في المحاكم الدولية معززة بالأدلة والوثائق".

خلاصة القول، لا يختلف ملف الأموال المنهوبة والمهربة في تونس عن غيره من الملفات التي لا تزال على الرفوف يعلوها الغبار، وتنتظر حسم صراعات الساسة وإنهاء معاركهم، وربما في حاجة أيضاً إلى حكومة قوية وعليمة بالأدوات الدبلوماسية التي تُكسبها الجرأة للضغط على الدول والمؤسسات المالية الدولية من أجل التعاون معها في هذا النوع من الملفات من دون قيود أو شروط.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard