شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الاستثمار في العراق... هروب الأموال من فوهات البنادق ومزاريب الفساد

الاستثمار في العراق... هروب الأموال من فوهات البنادق ومزاريب الفساد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 12 ديسمبر 202012:28 م

بعد 17 عاماً على سقوط نظام صدام حسين والتغيير، لم تتغير في العراق أي ملامح في ما خص البنية التحتية أو حتى في ملامح الشوارع التي غابت عنها، في معظم المناطق، أي مظاهر للإعمار، رغم حديث جميع مفاصل الحكومة عن أهمية الاستثمار وضرورة التصدي للعراقيل التي تواجهه.

تشتكي الحكومة كما يشتكي المستثمر، في حين أنها هي مَن يجب عليه إيجاد الحلول، وهو ما ليس باستطاعة المستثمر.

مسببات الفساد بحسب المراقبين تتصدرها هيمنة أحزاب وجماعات مسلحة على جميع المقاولات والفرص، بقوة السلاح تارةً، وباستغلال مواقع السلطة في البرلمان والحكومة تارةً أخرى، إلى جانب غياب الإرادة الحكومية وعوامل أخرى.

سلطة الأحزاب وورقة البيروقراطية

على رأس العوائق أمام الاستثمارات، يأتي الروتين الحكومي وآليات مَنْح المشاريع والتراخيص المعقدة والطويلة كما تبيّن لرصيف22 المستثمرة زينب الجنابي.

للجنابي تجربة مرّة أثناء سعيها للحصول على عقد تنفيذ مشروع "مدينة بغداد الاقتصادية" على أرض مساحتها 2000 دونم، في مدينة النهروان، شرق العاصمة، وهي مدينة تضم محلات تجارية ومعامل صناعية ومخازن.

تروي لرصيف22 أنها حصلت على المشروع بدون مساندة جهات حزبية، لكنها اصطدمت بتأخر تنفيذ المشروع الذي كان من المؤمل أن ينتهي تنفيذه قبل ست سنوات.

وعن أسباب التأخير، تقول "إن السقف الزمني لإنجازه كان أربع سنوات ولكن مضت عشر سنوات ولم يبدأ، بسبب الروتين القاتل في مؤسسات الدولة".

وتضيف أن "هذا المشروع هو الوحيد الذي حصل على مجموعة قرارات من مجلس الوزراء، لكن بعض المؤسسات لا تكترث لقرارات المجلس وتبتكر العراقيل بوجه المشروع".

تتحدث الجنابي عن تجربتها في هذا المشروع وعن محاولاتها إكمال سلسلة الموافقات من الدوائر المعنية، وتقول إنها تجد أحياناً مديراً عاماً منتمياً إلى حزب سياسي ولديه نفوذ ويؤخذ بكلمته ولا أحد يستطيع أن يرفض قراراته، في حين أن مسؤولين أعلى منه منصباً وصلاحيات، نظرياً، تُرفض قراراتهم لأنهم لا ينتمون إلى أحزاب.

تعتبر الجنابي أنه من الخطأ الاستثمار داخل المدن التي تشهد تكاملاً خدمياً، وتدعو إلى اعتماد الاستثمار المطور، أي الابتعاد عن المدينة إلى مناطق ليس فيها مشاريع، لأن الاستثمار في هذه المناطق سيفتح الباب أمام مشاريع أخرى استثمارية وسيولّد تطوراً عمرانياً فيها، و"هذا لا تعمل عليه الجهات الحكومية المعنية بالاستثمار، فهي تعطي الموافقات بعشوائية وبطرق غير مدروسة".

وأفادت الجنابي بأنها قدّمت طلباً إلى أمانة بغداد للحصول على أرض استثمارية في محيط العاصمة لإنشاء مستشفى متخصص بمعالجة الأمراض السرطانية، لكن طلبها قوبل بالرفض من قبل أمينة بغداد السابقة ذكرى علوش، بحجة عدم وجود أراضٍ للاستثمار.

إثر ذلك، قدّمت شكوى ضد أمانة بغداد أمام الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فطلبت الأولى من أمينة بغداد منح قطعة أرض استثمارية للمشروع، ولكن رفض أمينة بغداد استمرّ، متحديةً بذلك قرارات الأمانة العامة لمجلس الوزراء.

محاباة وتزوير وفساد

غياب الرقابة على مَنح الإجازات الاستثمارية وفق الشروط القانونية فتح الباب أمام منح مجموعة من الإجازات الاستثمارية غير المطابقة للحد الأدنى من المواصفات المطلوب.

وكشف محافظ بغداد الأسبق علي التميمي عن أن لجنة تحقيق أظهرت أن أغلب إجازات الاستثمار مُنحت لأشخاص وشركات خارج تخصصهم ولم ينفّذوا سابقاً أعمالاً مماثلة وحتى بدون وثائق أساسية للتعريف عن الشركات، كشهادة التأسيس، ما سمح بحصول أشخاص على إجازات استثمار بوثائق مزوّرة.

"المستثمر الذي يمتلك علاقات جيدة بالجهات المعنية بالاستثمار وينجذب إلى فساد الموظفين، بقبول دفع الرشاوى، يستطيع الحصول على الموافقات المطلوبة لتنفيذ مشروع خلال فترة سنتين"، أما مَن يرفض الفساد فلا يحصل على شيء

في سياق آخر، كشفت رئيسة الهيئة الوطنية العليا للاستثمار سها النجار عن وجود 850 مشروعاً استثمارياً "متلكئاً" في الهيئة وهددت بسحب الرخص من المستثمرين "المتلكئين"، أي الذين لا ينجزون الأعمال.

وعام 2015، أصدر رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي قراراً يقضي بإيقاف العمل بأكثر من 9000 مشروع متلكئ منذ عام 2003، تُقدّر اللجنة النيابية البرلمانية ضياع أكثر من 300 مليار دولار فيها.

قرار العبادي أوضح حجم الهدر وضياع الأموال التي صرف أغلبها وبقيت عبئاً متراكماً على الدولة وما زال المقاولون يطالبون بالحصول على مستحقاتهم رغم أن نسبة الإنجاز في معظم الحالات لم تتجاوز الـ35%.

أغلب تلك المشاريع هي استثمارية وخدمية ووُزّعت على رجال أعمال وشركات يعدّها كثيرون من الاقتصاديين واجهات لجهات نافذة لا أكثر، وما زالت تحصل أغلب هذه الشركات على أغلبية الفرص الاستثمارية.

أحلام الاستثمار في مهب الأزمات الاقتصادية

بين الهدر والهيمنة الحزبية، يجد المستثمرون غير المرتبطين بمراكز نفوذ في العراق فرصاً ضئيلة للعمل. ورغم انخفاض أسعار النفط الذي تسبب بأزمة مالية حادة للعراق، إلا أن الروتين والعراقيل التي تواجه الاستثمار لا تزال باقية، ولا تعمل الحكومة على تطبيق القوانين بقوة وحزم.

برأي المستثمر حسن الأسدي، لا تعمل الحكومة على توفير الظروف الملائمة لاستثمار حقيقي، وأساس الفشل يكمن في الروتين المتّبع والذي يفرض القيام بسلسلة إجراءات إدارية تضيف تعقيدات على عقود الاستثمار.

ويشير إلى أن زيادة كمّ ونوع الجهات الرقابية، وهدفها نظرياً الحد من الفساد، انقلبت على القصد من هدفها بسبب ممارسة هذه الجهات الفساد المالي والإداري.

أتى مستثمر بريطاني إلى بغداد برأس مال كبير من أجل الاستثمار، وسعى إلى تنفيذ مشروع مهم وكبير، وعندما وصل إلى المراحل الأخيرة من الاتفاق تفاجأ بوضع مبلغ 20% إضافي على تكلفة المشروع من قبل موظفي اللجان الاقتصادية، ما دفعه إلى الانسحاب

ويضيف الأسدي لرصيف22 أن المستثمر الذي يمتلك علاقات جيدة بالجهات المعنية بالاستثمار وينجذب إلى فساد الموظفين، بقبول دفع الرشاوى، يستطيع الحصول على الموافقات المطلوبة لتنفيذ مشروع خلال فترة سنتين، في حين أنه في الدول التي تسود فيها القوانين يمكن الانتهاء من الإجراءات التنظيمية لمشروع استثماري خلال فترة وجيزة وربما خلال أيام.

وعن أصحاب النفوذ والمرتبطين بالجهات السياسية والذين يعملون لصالح أحزاب، يقول الأسدي إن لا أحد يستطيع منافستهم في الحصول على مشاريع استثمارية مهمة، لأن تلك المشاريع غير خاضعة للمنافسة أساساً ويتم الحصول عليها عبر العلاقات مع أصحاب النفوذ، وهذا ما غيّب تكافؤ الفرص بين المستثمرين، وهذا أحد أسباب تدمير فرص الاستثمار في العراق.

استغلال القوانين

كُتبت بعض فقرات قانون الاستثمار بصياغات غير جازمة تحمل الأخذ والرد، يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي لرصيف22، مضيفاً أن الموظفين في دوائر الاستثمار يستغلون الفقرات الموجودة في القانون ويضعون عراقيل تذهب بالمستثمر إلى رغباتهم وتحقيق غاياتهم على حساب المشاريع.

ويتحدث الشيخلي عن اللجان الاقتصادية في الوزارات، وهي لجان غير رسمية تابعة لأحزاب سياسية ينتمي إليها الوزير، ويصفها بالحلقات الزائدة غير القانونية ويتهمها بممارسة ضغوطات على المستثمرين من خلال وضع مبالغ إضافية على تكلفة المشاريع في نهاية الاتفاق، بهدف الحصول على مبالغ عن كل مشروع استثماري تذهب لصالح الأحزاب السياسية.

ويذكر تجربة مستثمر بريطاني، بدون ذكر اسمه، جاء إلى بغداد برأس مال كبير من أجل الاستثمار، وسعى إلى تنفيذ مشروع مهم وكبير، تحفظ عن ذكر تفاصيل عنه أيضاً، وعندما وصل إلى المراحل الأخيرة من الاتفاق تفاجأ بوضع مبلغ 20% إضافي على تكلفة المشروع من قبل موظفي اللجان الاقتصادية لأغراض شخصية، كنسبة تُبوَّب بشكل رسمي ضمن عقد المشروع، ما دفعه إلى الانسحاب والعودة إلى بريطانيا هرباً من الفساد.

على طاولة الحكومة قانون لم يطبّق

كانت التداخلات الإدارية الكبيرة في الوزارت الحكومية على جنس الأراضي الاستثمارية وتبعتها، وما زالت، المشكلة الأكبر التي تعطّل الاستثمار.

"لا أحد يستطيع منافسة أصحاب النفوذ والمرتبطين بالجهات السياسية في الحصول على مشاريع استثمارية مهمة، لأن تلك المشاريع غير خاضعة للمنافسة أساساً ويتم الحصول عليها عبر العلاقات مع أصحاب النفوذ"

يقول عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب، النائب علي اللامي، لرصيف22، إن قانون الاستثمار فكك مشكلة تبعية الأراضي الاستثمارية للوزارات وألزم كل مؤسسة تمتلك أرضاً صالحة للاستثمار بعرضها على هيئة الاستثمار الوطنية لتكون ضمن الأراضي المقترحة للاستثمار، على أن يحصل عليها المستثمر خلال فترة لا تتجاوز الشهرين من تاريخ تقديم الطلب، بعد دراسة المشروع والموافقة عليه.

ويضيف: لكن الحكومة لم تعمل بما جاء في القانون ولم تطبّق فقراته وما زالت أغلب الوزارات تتمسك بامتلاك الأراضي ولا تعرضها للاستثمار، وبذلك تبقى المشكلات الإدارية قائمة لعدم تدخّل الحكومة لفرض تطبيق القانون.

ويشير اللامي إلى أن المستثمر يقدّم طلباً للحصول على قطعة أرض استثمارية ولا يحصل عليها إلا بعد مرور سنتين أو أكثر بسبب عدم تنازل الوزارة المالكة للأرض عنها، مخالفةً بذلك القانون الذي إذا طُبّق بشكل صحيح ستكون للمستثمر بيئة مناسبة ومشجعة على وضع رؤوس الأموال في مشاريع مهمة يحتاج إليها العراق.

وقلل النائب من احتمالية نجاح الاستثمار خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن لجنة الاقتصاد في مجلس النواب شخّصت ضعف الحكومة وهيئة الاستثمار في إدارة الملف بشكل صحيح.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image