قبل نحو أسبوعين من الانتخابات المقرر تنظيمها يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، بدأ المواطن التونسي يتلقى "وابلاً" من الوعود الانتخابية التي لو كان تحقيقها ممكناً لتمكنت تونس من تجاوز أزمتها الراهنة منذ زمن. وعود في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية والصحية وغيرها من الملفات الشائكة التي يطالب التونسيون بحلحلتها منذ عقود، عجزت الحكومات والبرلمانات المتعاقبة عن تنفيذها.
وعود على الهواء...
يومياً ومنذ تاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وحتى 15 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، تؤمّن القناة الوطنية الرسمية مداخلات تلفزيونيةً مباشرةً تتيح فيها للمرشحين للانتخابات التشريعية، البالغ عددهم 1،058 مرشحاً (936 رجلاً و122 امرأةً)، تُعدّ فرصةً لمخاطبة الشعب التونسي والتعبير بكل حرية وفي كنف المساواة بين جميع المرشحين.
على مدى ساعتين يطلّ المرشحون على المواطن التونسي، محملين ومثقلين بوعود انتخابية وشعارات شعبية ويسارعون في ثلاث دقائق مخصصة لكل منهم إلى التعريف بأنفسهم وبالدوائر الانتخابية التي يترشحون عنها، ثم يسترسلون في ما تبقى من وقت وجيز في الحديث عن مشاريعهم وبرامجهم الانتخابية ويجتهدون في إقناع التونسي بمستقبل أفضل إذا ما صوّت لفائدتهم وآمن بنظرتهم للمرحلة القادمة.
على مدى ساعتين يطلّ المرشحون على المواطن التونسي، محملين ومثقلين بوعود انتخابية وشعارات شعبية...لكن هل سيكون بوسعهم تحقيقها؟
"سنعمل على..."؛ هي أكثر الكلمات تداولاً بين المرشحين، يذيلّونها بتحقيق المطالب الأساسية للشعب، وهي الخفض من نسب البطالة ومكافحة الفساد وبتغييرات خارجية وغيرها، وهو ما يثير أكثر من تساؤل حول إمكانية تحقيق هذه الوعود على أرض الواقع في ظل الصلاحيات الراهنة للبرلمان المقبل.
"شاذة عن الفلسفة العامة لأنظمة الانتخابات"
تدفعنا الوعود الانتخابية التي تتكرر على مسامعنا بشكل يومي، والتي تتجاوز صلاحيات البرلمان المقبل التي تم تحديدها في دستور تونس الجديد، إلى التفكير في فرضيتين لا ثالث لهما، فإما أن المرشحين للانتخابات التشريعية غير ملمّين جيداً بصلاحيات البرلمان الذي قد يكونون أعضاء فيه في المستقبل، وإما أن الوعود التي يقدمونها تندرج في إطار حملة انتخابية هدفها الوحيد هو الحشد وكسب أكثر ما يمكن من أصوات تخوّل إليهم الفوز بمقاعد في البرلمان.
يؤكد المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، أنه وفقاً للقانون الجديد للانتخابات ووفقاً للفلسفة العامة لنظام الحكم في المرحلة الحالية، فإن البرلمان ليست له صلاحيات محاسبة الرئيس ولا الحكومة وكل عضو في مجلس النواب يجب أن يكون له مشروع محلي على مستوى المنطقة التي ينتمي إليها، وتالياً لا مجال للحديث عن مشاريع ذات طابع وطني ومن يتحدث عن هذه المشاريع فهو إما غير ملمّ بالقانون الانتخابي أو لم يفهم الانتخابات من أساسها.
البرلمان ليست له صلاحيات محاسبة الرئيس ولا الحكومة وكل عضو في مجلس النواب يجب أن يكون له مشروع محلي على مستوى المنطقة التي ينتمي إليها
يرى الجورشي، في حديثه إلى رصيف22، أن الانتخابات الحالية غريبة وشاذة على الفلسفة العامة لأنظمة الانتخابات في العالم، مرجحاً أن البرلمان القادم سيغرق في المشاريع المحلية، ولا يسمح له بمناقشة قضايا وطنية حسب ما حدده رئيس الجمهورية.
ورأى المتحدث ذاته أن جزءاً من المرشحين الذين يتحدثون عن وعود انتخابية خارج صلاحيات البرلمان، يبدو من خلال مداخلاتهم عدم فهمهم. أما الجزء الآخر، فيستعمل هذه الوعود من باب التأكيد على اكتسابهم وعياً وطنياً وشاملاً ويريدون أن يقنعوا بأنهم قادرون على فهم القضايا الوطنية، أما البعض الآخر، فينتمي إلى أحزاب سياسية ومن خلال مداخلاتهم وخطابهم الانتخابي يقدمون برنامج الحزب الذي ينتمون إليه، وهي تقريباً الأصناف الثلاثة التي ستشارك في العملية الانتخابية والتي تحاول تبرير نزوعها إلى مسائل ذات طابع وطني. كما لفت إلى أن الأحزاب السياسية على دراية بأن البرلمان المقبل ليس برلمان المشاريع الوطنية وهو قائم على المشاريع الفردية والمحلية.
عن موقف المواطن التونسي إزاء هذه الوعود الانتخابية، قال المحلل السياسي: "الحديث عن رأي عام في تونس عملية صعبة جداً، لأن التونسي عندما تتحدث معه ليس له اقتناع بالذهاب للانتخابات والمشاركة فيها والعديد يتساءلون من سينتخبون؟ ولماذا سينتخبون؟ وهناك جزء من المواطنين بحكم العلاقات على مستوى الأحزاب والجهات سيشارك في الانتخابات، لكن الجزء الأكبر لن يشارك وسيحصل عزوف ونسبة المشاركة ستكون أقل من نسب المشاركة في الاستشارة الوطنية"، وفق تقديره. وهي الاستشارة التي كانت نُظّمت بأمر من الرئيس قيس سعيّد، وأفرزت دستوراً جديداً ونظاماً يوصف بالرئاسي.
حملة الانتخابات التشريعية تشهد وعودا كبيرة يطلقها المرشحون لكن هل يمكنهم تحقيقها على أرض الواقع فعلا؟
ذهب الجورشي، إلى أن البرلمان القادم سيكون صورياً ودوره محدود جداً وسيكون أضعف بكثير من البرلمانات السابقة ولن يؤثر تأثيراً ملحوظاً على التوجهات السياسية والقرارات السياسية مرجحاً أن يكون البرلمان مشوّهاً على مستوى الاختيارات والصلاحيات.
ما هي صلاحيات البرلمان المقبل؟
على عكس دستور 2014، الذي اتسمت هويته بالغموض، وتم فيه تقاسم السلطة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والبرلمان، جاء دستور تونس الجديد ليعيد إرساء نظام رئاسي يتجلى من خلال الفصل بين السلطات والتنصيص على صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، مع التقليص من صلاحيات البرلمان مقارنةً بسابقه.
تتحدد صورة المؤسسة من خلال الفصول التي تم التنصيص عليها في الباب الثالث للدستور الجديد "الوظيفة التشريعية"، وقد تم تقسيمه إلى قسمين : مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم. ينص الفصل السابع والستون على أن مجلس النواب يمارس وظيفته التشريعية في حدود الاختصاصات المخوّلة له في الدستور، أي أنه تم تحديد جملة من الضوابط التي تحصر دور المجلس في مجالات معينة.
انتُزعت من المجلس، بمقتضى الفصل الثامن والستين، صلاحية تقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات ومشاريع قوانين المالية التي اختص بها رئيس الجمهورية بصفة حصرية، فيما تحظى مشاريع رئيس الجمهورية بأولوية النظر. كما تُعدّ مقترحات القوانين ومقترحات التنقيح التي يتقدم بها النواب غير مقبولة، إذا كان من شأنها الإخلال بالتوازنات المالية للدولة طبقاً لمقتضيات الفصل التاسع والستين.
أما على المستوى الرقابي، فإن صلاحيات البرلمان لا تخول له مساءلة رئيس الجمهورية عن الأعمال التي يقوم بها في إطار أدائه لمهامه، كما أن مراقبة عمل الحكومة تُعدّ من مشمولات رئيس الجمهورية لا البرلمان.
يرى ملاحظون أن الدستور الجديد ضيّق صلاحيات البرلمان التشريعية والرقابية، فيما يرى البعض الآخر أن النظام السياسي الجديد كرّس مبدأ الاستقلالية بين السلطات وأن ثنائية الغرف في السلطة التشريعية تُستعمل في أعتى الديمقراطيات في العالم ومن بينها بريطانيا.
أحزاب تدعو إلى مقاطعة الانتخابات
في الوقت الذي يتنافس فيه أكثر من مرشح على عضوية البرلمان المقبل، تتمسك العديد من الأحزاب التونسية بمقاطعة الانتخابات التشريعية تماهياً مع رفضها لمسار ما بعد "25 تموز/ يوليو 2021"، برمته، كما ساهم الخطاب الأخير للأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، الذي أكد فيه عدم قبول الاتحاد بالمسار الحالي في توسيع دائرة المقاطعين للانتخابات التشريعية.
صلاحيات البرلمان لا تخول له مساءلة رئيس الجمهورية عن الأعمال التي يقوم بها في إطار أدائه لمهامه
دعت خمسة أحزاب، هي حزب العمال والحزب الجمهوري والتيار الديمقراطي وحزب التكتل وحزب القطب، في بيان موحد، التونسيين إلى مقاطعة ما وصفته "بالانتخابات المهزلة"، عادّةً أنها "ستتوج مساراً من الردّة عن المكتسبات من بينها سن دستور بشكل انفرادي ووضع قانون انتخابي بشكل انفرادي وتنصيب هيئة انتخابات موالية تحتكر كل الصلاحيات لتنفيذ الأجندة السياسية للحاكم بأمره"، وفق تعبيرها.
كما رأت الأحزاب الخمسة أن "أولى مقدمات إنقاذ البلاد من هذه المنظومة الشعبوية، هي نزع الشرعية عن مؤسسات نظامها ومقاطعة مهزلتها الانتخابيّة".
بدورها، كانت أحزاب النهضة والحزب الحر الدستوري وآفاق تونس والحزب الاشتراكي وحزب ائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس وحزب القطب وحزب الأمل وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، قد أعلنوا عن مقاطعتهم للانتخابات منذ فترة طويلة فيما تمسكت أحزاب حركة الشعب والتيار الشعبي وحركة تونس إلى الأمام وحراك "25 جويلية" (تموز/ يوليو)، بالمشاركة في الاستحقاق الانتخابي المقبل.
جدير بالذكر أن نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد، كانت في حدود 27.5 في المئة، وهي نسبة ضعيفة تؤكد عزوف التونسيين عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، وهو ما يجعل المرشحين للانتخابات التشريعية المزمع تنفيذها يوم 17 من الشهر الحالي، أمام امتحان صعب هو إقناع الموطنات والمواطنين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع وانتخاب من سيمثلهم في الفترة المقبلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع