شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"اكتشفت إصابتي بالسرطان ولا أستطيع السفر"... أعضاء البرلمان التونسي المنحل يعيشون ظروفاً قاهرةً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 7 أكتوبر 202203:15 م

منذ 25 تموز/ يوليو 2021، يعيش الأعضاء السابقون في مجلس نواب الشعب التونسي وضعيةً استثنائيةً بعد تعليق مهامهم ثمّ حل برلمانهم في 30 آذار/ مارس 2022، وإخضاعهم لإجراءات خاصة تتمثل في منع بعضهم من السفر وإيقاف أجورهم خلال فترة التجميد وعدم قدرة البعض منهم على العودة إلى مهنهم الأصلية.

وضعية صعبة ما زال يعاني منها نواب عديدون بسبب الإجراءات المتخذة من قبيل المنع من السفر، خاصةً النواب الذين يعانون من مشكلات صحية، وعدم حصولهم على التغطية الاجتماعية اللازمة، بالإضافة إلى عجزهم عن مغادرة البلاد من أجل التداوي.

خلال هذه الفترة عانت نائبتان، هما هاجر بن هلال ولطيفة الحباشي، من مرض عضال ألمّ بهما بينما أعلن النائب عماد الخميري وفاة زوجته بعد عدم حصوله على التغطية الاجتماعية الضرورية.

"المرض يتمكّن مني والدولة تمنعني"

قالت النائبة السابقة في البرلمان المنحلّ عن حركة النهضة، لطيفة الحبّاشي، في تصريح لرصيف22، إنّها تعاني من المرض: "اكتشفت قبل أشهر إصابتي بورم سرطاني خبيث ونادر يستوجب انتقالي إلى الخارج للعلاج، لكن السلطات تمنعني من حقّي في السفر بالرغم من أن المرض يتمكّن مني".

أضافت الحباشي، أنّ أربعة مستشفيات تونسية أكّدت ضرورة انتقالها إلى خارج البلاد للتداوي لكنّها تقدّمت بطلب تحيين جواز سفرها وتغيير عملها في الجواز من نائب في البرلمان إلى محامية، لكن السلطات الرسمية تلكّأت في منحها جواز السفر الجديد، ثم تم تمكينها منه بعد مرور أسابيع وتدخّل مؤسسات منها العمادة الوطنية للمحاماة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

صرّحت الحباشي، بأنّها في صدد استكمال إجراءات سفرها إلى الخارج إذا سمحت لها الدولة بذلك، حسب تعبيرها.

عانت نائبتان، هما هاجر بن هلال ولطيفة الحباشي، من مرض عضال ألمّ بهما بينما أعلن النائب عماد الخميري وفاة زوجته بعد عدم حصوله على التغطية الاجتماعية الضرورية

كما بيّنت أنّها ممنوعة رسمياً من السفر بالرغم من أنّ أي شبهة أو أي قضية قضائية لا تتعلق بها، مشيرةً إلى أن سفرها لا يتعلّق بأخذ دواء أو إجراء تدخّل جراحي، وإنّما بعلاج دقيق بالأشعّة بآلات مُكْلفة جداً ليست موجودةً في تونس.

أفادت الحباشي بأنها كشفت الورم في مرحلة متقدّمة، وهو في صدد الانتشار أكثر في جسدها، ويمكن أن يؤثّر على الحواس مثل فقدان البصر أو غيره وعلاجه في الخارج سيكون للحدّ من تطوره أكثر. 

في السياق ذاته، رأت الحبّاشي أن هنالك تنكيلاً بالنواب السابقين إذ يخضعون كلّهم للـ"استشارة" قبل السفر، وهو إجراء مخالف للقانون والمواثيق الدولية، مشيرةً إلى أن هنالك 121 نائباً شاركوا في الجلسة البرلمانية عن بعد، يوم 21 آذار/ مارس 2022، وهم ممنوعون كلهم من السفر.

منع "زمّال" من السفر

تواصل منع النواب السابقين في تونس من السفر من دون قرار قضائي يطال كثيرين، إذ أعلن رئيس حركة "عازمون" والنائب السابق في البرلمان التونسي العياشي زمّال، يوم 28 أيلول/ سبتمبر الماضي، منعه من السفر من قبل شرطة المطار في تونس ومطالبته بإحضار وثيقة تثبت عدم وجود أي مانع للسفر يشمله.

وقال زمال في تصريح لرصيف22، إنّه لا وجود لقرار قضائي يمنعه من السفر، وإن قرار منعه غير قانوني ويتنافى مع المعاهدات الدولية والدستور التونسي الجديد وتصريحات رئيس الجمهورية الذي أكّد في مناسبات عدة أنه لن يمسّ من حرية التنقّل والتعبير وأنه لم يعطِ تعليمات بخصوص منع النواب أو غيرهم من السفر.

وأفاد زمّال بأنه لا يوجد قرار بمنع السفر للنواب السابقين، مبيّناً أن "قرار منعه يمكن أن يكون بسبب حضوره في جلسة اجتماع البرلمان عن بعد في آذار/ مارس الفارط بالرغم من أن بعض النواب الذين حضروا ذلك الاجتماع تمكّنوا من السفر"، حسب قوله.

رأت الحبّاشي أن هنالك تنكيلاً بالنواب السابقين إذ يخضعون كلّهم للـ"استشارة" قبل السفر، وهو إجراء مخالف للقانون والمواثيق الدولية، مشيرةً إلى أن هنالك 121 نائباً شاركوا في الجلسة البرلمانية عن بعد، يوم 21 آذار/ مارس 2022

كما استبعد زمّال أن يكون نشاطه في رئاسة لجنة الصحة البرلمانية سابقاً، وراء منعه من السفر، مشيراً إلى أنّه عارض رئيس الجمهورية ووزير الصحة السابق في قرارات عدة، وساندهم في قرارات أخرى حسب ما تقتضيه مصلحة البلاد.

قال زمّال إنّه تقدّم بشكايتين للقضاء الإداري والجزائي على إثر منعه من السفر من دون سند قانوني، وفي غياب أي قرار قضائي بمنعه من السفر أو إدراجه ضمن "التفتيش"، مشيراً إلى نيته التوجّه إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف كونه مواطناً عالمياً يتمتّع بكل الحقوق الإنسانية بالإضافة إلى مخالفة السلطات في تونس لقوانين مضت عليها.

وعبّر زمّال عن أمله بأن ينصفه القضاء وأن يكون الحل داخل تونس وألا تمنعه السلطات من حقّه الطبيعي في التنقّل.

"عشنا وضعيات صعبةً"

قال النائب السابق في البرلمان المنحل رضا الزغمي، في حديث إلى رصيف22، إنه عرف مع عدد كبير من النواب وضعيةً صعبةً جدّاً في مرحلة قطع الأجور عنهم، وعدم وجود التغطية الاجتماعية، وعدم السماح للنواب بالعودة إلى مهنهم الأصلية خاصةً النواب المنتمين إلى الوظيفة العمومية الذين لم يتمكنوا من العودة إلى عملهم الأصلي إلا بعد حل البرلمان.

أضاف الزغمي أن "بعض النواب عاشوا وضعيات كارثيةً خاصةً أن هنالك نائبةً أصيبت بمرض عضال لم تستطع العلاج لأن إمكاناتها المادية لا تسمح لها به، ثمّ إن المستشفيات العمومية لم توافق على علاجها بسبب غياب التغطية الصحية بينما توفيت زوجة أحد النواب بسبب عدم تمكينه من حقّه في التغطية الاجتماعية.

في السياق ذاته، أشار الزغمي إلى أنّ النواب مرّوا بمرحلة مزرية وكارثية وغير إنسانية وغير مقبولة، عادّ    اً أن النواب هم مواطنون تونسيون من حقّهم العودة إلى العمل والتغطية الصحية.

"بعض النواب عاشوا وضعيات كارثيةً خاصةً أن هنالك نائبةً أصيبت بمرض عضال لم تستطع العلاج لأن إمكاناتها المادية لا تسمح لها به، ثمّ إن المستشفيات العمومية لم توافق على علاجها"

أفاد الزغمي بأن الدولة التونسية تعاملت مع النواب كونهم متهمين في انتظار إثبات براءتهم، وأصبح كل إنسان تحمّل مسؤوليةً متهماً حتى يتم إثبات العكس خلافاً للمنطق القانوني والإنساني.

محاكمات اجتماعية وإعلامية

بعد 25 تموز/ يوليو 2021، رفع رئيس الجمهورية قيس سعيّد الحصانة عن النواب وتم التحقيق مع عدد كبير منهم بسبب تهم مختلفة منها شبهات الفساد وغيرها، ما جعل صورة النائب غير ناصعة في الأوساط الشعبية وفي وسائل الإعلام.

في هذا السياق، قال النائب السابق رضا الزغمي، إنّ هنالك فئةً من المجتمع تضع كل النواب في سلة واحدة وترى أنهم أساؤوا إلى البلاد مشيراً إلى أن النواب تعرّضوا لقصف إعلامي من القنوات والإذاعات وكذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتمت شيطنة النواب وهذا ما أعطى نظرةً دونيةً عن البرلمان وكل النواب.

وكشف الزغمي أن الإعلام في تونس غيّب أن عدد النواب في البرلمان المنحلّ الذين تتعلّق بهم قضايا أو شبهات هم 35 نائباً فقط، من أذل 217 نائباً، بينما سوَّق بعض وسائل الإعلام للرأي العام أن كل النواب متورطون في تهم فساد وسرقات.

من جانبه، رأى النائب في البرلمان السابق فاكر الشويخي، في تصريح لرصيف22، أنّ النواب تعرّضوا لـ"هرسلة" (مضايقات) وتصفية حسابات سياسة، مبرزاً أن الأمر طبيعي في نظام خارج عن النطاق الدستوري والديمقراطي وهو أمر غير غريب عن الوضع الذي تعيشه تونس.

أضاف الشويخي -وهو نائب استقال سابقاً من كتلة ائتلاف الكرامة- أن "ارتفاع منسوب الشعبوية يجد لهذه السياسة مؤيدين يرون سياسة التنكيل التي يواجهها بعض للنواب نوعاً من المحاسبة".

كما أرجع الشويخي "الملاحقات التي يواجهها نواب ائتلاف الكرامة تعود إلى العداوات المجانية والصبيانية والمراهقة السياسية والتنطّع الذي أقدم عليه نواب الكتلة وهو ما جلب لهم المتاعب"، وفق تعبيره.

الإدارة تتكتّم عن سبب المنع من السفر

ما حدث داخل مجلس نواب الشعب، بين 2019 و2021، جعل النواب يواجهون سخطاً شعبياً وانتقادات واسعةً من المنظمات والجمعيات الحقوقية التي كان صوتها خافتاً في الدفاع عن "الديمقراطية البرلمانية في تونس"، لكن ذلك لم يمنع بعض المنظمات من الدفاع عن وضعية الإنسانية الاستثنائية لبعض النواب.

نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بسام الطريفي، قال في تصريح لرصيف22، إن الرابطة تتابع عن كثب وضعية النواب منذ تجميد مجلس نواب الشعب في 25 تموز/ يوليو 2021، مشيراً إلى أن شكاوى كثيرة وصلت إلى الرابطة من النواب خاصةً لها علاقة بالمنع من السفر وبرفع التغطية الصحية للنواب.

أفاد الطريفي بأنّ الرابطة تتواصل مع الحكومة ووزارة الداخلية لحلّ المشكلات المتعلّقة بمنع النواب من السفر، مبيّناً أن رئيس الرابطة خاطب وزارة الداخلية من أجل تسليم النائب لطيفة الحباشي، جواز سفرها لعدم وجود أحكام قضائية قد صدرت في حقّها أو منعٍ من السفر أو أي شبهات أخرى حولها.

أضاف المتحدث نفسه أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تحاول إيجاد حلول مع الجهة المختصّة في خصوص الوضعيات المستعجلة.

كما رأى أنّ المنع من السفر بالنسبة إلى كل المواطنين، يمثّل اعتداءً على حق السفر في تونس، وهو حقّ مكفول في الدستور والمعاهدات الدولية، مشيراً إلى أن "كل مواطن لم يصدر في حقّه حكم قضائي يمنعه من السفر، نعدّ منعه من السفر اعتداءً على حقّه في التنقّل".

أضاف الطريفي أنه ليس لدى الرابطة عدد محدد للنواب الذين تم منعهم من السفر ولا القاعدة القانونية التي تم على أساسها إقرار هذا القرار، مشيراً إلى تكتّم الإدارة في هذا الشأن.

وفي خصوص وضعية النائب لطيفة الحبّاشي، أكّد الطريفي ضرورة أن يتم السماح لها بالسفر من أجل المداواة عادّاً الأمر مرتبطاً بالحقّ في الحياة وليس فقط بالتنقّل.

تباين الآراء حول المستقبل

تتجه تونس إلى انتخاب برلمان جديد في 17 كانون الأوّل/ ديسمبر القادم، بعد إجراء استفتاء على دستور جديد في 25 تموز/ يوليو الماضي، وإصدار القانون الانتخابي الجديد، وسط استعدادات البلاد للاستحقاقات القادمة، وهنالك تباين في وجهات النظر وسط أعضاء البرلمان السابق حول الوضع العام في البلاد مع إعلان أحزاب عدة مقاطعة المسار برمته.

النائب السابق في البرلمان رضا الزغمي، أشار إلى الفراغ الذي تركه مجلس النواب، خاصةً أنه في كل الديمقراطيات في العالم هناك دور أساسي يلعبه البرلمان من خلال الدور الرقابي والتشريعي الضروري بقطع النظر عن النظام السياسي.

قال الزغمي إنّه بعد تجميد البرلمان هناك مشكلة في عمل مؤسسات الدولة لكنه استدرك قائلاً: "عند النظر إلى دور البرلمان في تونس منذ 2014، وبالرغم من الدور الرقابي الذي مثّله بعض النواب وكذلك تشريعات عدة مهمّة، لكن بعض ممارسات النواب من قبل مجموعات لا تؤمن بالحرية ولا تؤمن بالديمقراطية جعل البرلمان يتردّى إلى درجة غير مقبولة واستحال فيه العمل البرلماني السليم".

ورأى الزغمي أن صدور القانون الانتخابي الجديد خطوة جديدة نحو استعادة الديمقراطية البرلمانية كونه مطلباً وطنياً وشعبياً في الداخل والخارج.

وقال الزغمي إنه من بين نقاط الخلاف بين الدولة التونسية والمؤسسات المالية المانحة، غياب البرلمان والفراغ الذي تركه في مستوى الوظيفة التشريعية، عادّاً أن انتخابات 17 كانون الأوّل/ ديسمبر 2022، ستكون خطوةً أخرى نحو حلحلة الأزمة التي تعيشها البلاد.

في السياق ذاته، قال النائب السابق في مجلس نواب الشعب فاكر الشويخي، في تصريح لرصيف22، إنّ قرار رئيس الجمهورية في 25 تموز/ يوليو 2021، حل البرلمان كان خطوةً إيجابيةً من أجل إيقاف مهزلة كانت تحدث في مجلس نواب الشعب الذي لم يأبه لمشكلات التونسيين.

وأكّد الشويخي أن رئيس الجمهورية خيّب آماله بالمسار الذي انتهجه في ما بعد، وظهور نزعة سلطوية تعمقت لديه بدعم شعبي خاصةً بعد حل المجلس الأعلى للقضاء وإرساء المرسوم 117 الذي منحه صلاحيات واسعةً وأعطاه إدارة شؤون الدولة بالمراسيم من دون وجود آليات رقابة.

وختم الشويخي حديثه بأن رئيس الجمهورية يدير البلاد وفق هواه، لذلك تتجه البلاد من أزمة إلى أخرى، وإصدار دستور وقانون انتخابي جديدين هو برنامج شخصي لرئيس الجمهورية يريد إرساءه ويعتقد أن الفرصة سانحة لذلك.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image