في تحدٍّ صارخٍ لمقتضيات المرسوم الرئاسي عدد 117، والقاضي بتجميد أعمال مجلس نواب الشعب، قرر رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، عقد جلسة احتفالية بالذكرى الثامنة لختم دستور سنة 2014 "المجمّد"، شارك فيها نواب حركة النهضة، ونواب الكتل الموالية للحركة. وحذّر رئيس المؤسسة التشريعية المجمّدة، في الجلسة الافتراضية المنعقدة في 27 كانون الثاني/ يناير الجاري، من "الوضع الاجتماعي المهيّأ للانفجار، ومن الانقسام الذي يتّسع بين أبناء الشعب"، عادّاً أن 25 تموز/ يوليو، هو "تاريخ الانقلاب على الدستور كمكسب وطني، وتمزيق لوحدة التونسيين المتجلّية في دستورهم"، وفق تقديره.
رغم تعطيل عمل البرلمان قرر رئيسه، راشد الغنوشي، عقد جلسة احتفالية بالذكرى الثامنة لختم دستور سنة 2014 "المجمّد"، شارك فيها نواب حركة النهضة، ونواب الكتل الموالية للحركة.
وأقرّ الغنوشي في كلمته، بالصعوبات التي تواجه التجربة الديمقراطية الناشئة في تونس، عادّاً أن إصلاحها لا يكون بالانقلاب عليها، والذهاب نحو المجهول، ولا بالدعوة إلى "فاشيات جاثمة، أو شعبويات تائهة، أو ترتيب استشارات شكلية لتسويغ خيارات أحادية، وتمريرها".
الجلسة الافتراضية شارك فيها عدد من النواب المعارضين للإجراءات الاستثنائية، مثّلوا كتل النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس وبعض النواب المستقلين، وأعرب النواب عن رفضهم لجميع المراسيم الرئاسية، وتجميد البرلمان بطريقة غير دستورية، عادّين أن الديمقراطية في تونس مهددة بتمركز كل السلطات بيد شخص واحد، وأنه لا مجال للتنازل عن الدستور، داعين إلى انعقاد المجلس بشكل دائم، كما ينص دستور 2014.
كما اعترف المتدخّلون بوجود أخطاء في البرلمان تستوجب الاعتذار من الشعب التونسي، حتى وإن كانت العملية مدروسةً وممنهجةً من طرف أشخاص وأحزاب لـ"ترذيل" العمل البرلماني.
كسر الجمود وتنشيط الحياة السياسية
بعد ستة أشهر من تعليق أعماله، تمكن البرلمان من عقد جلسة افتراضية انتقد فيها أعضاؤه الوضع السياسي والاقتصادي الراهن، كما حمّلوا رئيس الجمهورية قيس سعيّد، المسؤولية القانونية والأخلاقية لما يحدث في البلاد، وقد أثارت هذه الجلسة العديد من التساؤلات حول جدوى هذه الخطوة في ظل استمرار العمل بالإجراءات الاستثنائية، وتمسّك أعلى هرم السلطة بتجميد البرلمان.
يرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، أن انعقاد الجلسة البرلمانية يدخل في إطار الصراع والتجاذب بين رئيس الجمهورية والأطراف المشاركة فيها، وحتى الذين لم يلتحقوا بالجلسة، لديهم خلاف جوهري مع الرئيس قيس سعيّد حول تجميد عمل البرلمان.
كما رأى الجورشي، في حديثه إلى رصيف22، أن الأطراف المجتمعة تسعى إلى التأكيد على أن البرلمان ما زال قائماً، ويتمتع بشرعية، كما يرى الاجتماع وسيلة ضغط على الرئيس لتحديد موقفه النهائي، فإذا كان يرى أن البرلمان جزء من الماضي، وجب عليه ألا يجمّده، بل عليه الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها، وتالياً يعطي فرصةً لتجديد الحياة البرلمانية.
ويضيف المحلل السياسي: "خلق الرئيس نوعاً من الجمود. والنواب يريدون كسر هذا الجمود، وتنشيط الحياة السياسية. هذه الخطوة لا يمكنها تغيير الواقع، لكنها إحدى وسائل الضغط السياسي لتحريك الوضع القائم، وهي شكل من أشكال لفت نظر العالم إلى أن البرلمان مجمد بقرار رئاسي، وبشكل غير دستوري. وبطبيعة الحال، هذا يدعم موقف هذه الأطراف على الصعيد الدولي، خاصةً وأن أغلب المنظمات الدولية لا تعترف بقرارات رئيس الجمهورية، وترى أن ما قام به مساس بإحدى الثوابت الأساسية، وهي البرلمان".
جلسة شرعية أم عبثية؟
تزامناً مع انطلاق استشارة شعبية إلكترونية، وحديث رئيس الجمهورية قيس سعيّد، عن نتائجها الأولية، يجدد رئيس البرلمان المجمّد دعواته إلى إطلاق حوار وطني شامل حول الخيارات الكبرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يسبقه إلغاء الأمر 117، والعودة إلى الشرعية الدستورية.
ورأى الباحث في القانون الدستوري، والمحلل السياسي، رابح الخرايفي، أن الجلسة التي عُقدت ليست لها أي آثار قانونية ولا سياسية، والأثر الوحيد لها هو الأثر الإعلامي، وهو محدود، وتم التعامل معه كخَبَر، وفق تقديره.
" هذه الخطوة لا يمكنها تغيير الواقع، لكنها إحدى وسائل الضغط السياسي". جلسة افتراضية للبرلمان التونسي في تحد للقرارات الرئاسية
ويرى الخرايفي، أن الاجتماع موضوع مؤاخذة قانونية طبق الفصل 315 من مجلة القانون الجزائية، الذي جاء فيه: "يعاقَب بالسجن مدة خمسة عشر يوماً، وبغرامة قدرها أربعة دنانير وثمانمئة مليم، الأشخاص الذين لا يمتثلون لما أمرت به القوانين والقرارات الصادرة ممن له النظر، "عادّاً أن النوّاب لم يستوعبوا إجراءات 25 تموز/ يوليو، لأنهم يطالبون بإرجاع البرلمان بأعضائه أنفسهم، وهذا عبث سياسي أكثر منه عقلانية.
وأشار الخرايفي في حديثه إلى رصيف22، إلى أن بعض النواب اعترفوا في مداخلاتهم بسوء سير البرلمان، وقدّم نواب حزب "قلب تونس" للشعب التونسي اعتذارهم، كما اعترفوا بالإنفاذ، لأنه عند مطالبتهم بإلغاء الأمر 117، فذلك يعني أنهم اعترفوا بآثاره القانونية وإنفاذه.
نواب عارضوا انعقاد الجلسة
عارض عدد من نواب البرلمان المجمّد عقد الجلسة الاحتفالية التي أشرف على افتتاحها رئيس مجلس نواب الشعب، وقال النائب عن التيار الديمقراطي هشام العجبوي، في تدوينة له: "أنا سأحضر في أيّ جلسة برلمانية افتراضية يتضمّن جدول أعمالها نقطة واحدة: الاحتفال بإقالة راشد الغنوشي، أو استقالته"، وأضاف: "هنيئاً لقيس سعيّد بحلفائه الموضوعيين! وجود هؤلاء يبرّر لقيس سعيّد، لدى جزء مهم من الشعب، انقلابه الدستوري، وكل أخطائه وتناقضاته وعجزه عن تغيير واقع التونسيين، وواقع تونس، وعدم كفاءته في إدارة شأن البلاد، وسوء اختياراته!".
كما أوضح النائب الثاني لرئيس البرلمان، أنه لم تتم دعوته ولا استشارته بخصوص الجلسة، قائلاً: "هذه الجلسة يغلب عليها الطابع غير الرسمي من حيث الإجراءات وجدول الأعمال (الاحتفال بالذكرى الثامنة للدستور). مع احترامي للجميع، فإني غير معنيّ بهذه الجلسة التي لم أُستشَر حول تنظيمها، أو المشاركة فيها، وكان حريّاً بمن سهر على تنظيمها أن يعمل على توسيع الاستشارة، وإشراك رؤساء الكتل، ودعوة مكتب المجلس، قبل الدعوة إلى جلسة مماثلة. ختاماً، أذكّر بأنني ضد الحكم الفردي، وعلى قيس سعيّد أن يتدارك أموره في علاقته بإدارة شؤون البلاد قبل فوات الأوان، وربّي يحمي بلادنا وشعبنا".
وقال محسن النابتي، القيادي في التيار الشعبي: "دولة تحترم نفسها، لا تسمح بمهزلة مثل تلك الحاصلة الآن، حيث مواطن فيها ينتحل صفة رئيس برلمان منحلّ، أو مجمّد حتى، ويستدعي مطلوبين للعدالة ومجموعةً من الفارّين إلى الخارج، في جلسة افتراضية، ويسميها جلسةً برلمانيةً، وتبثها قنوات. لا يوجد خطر داهم على الأمن القومي، وعلى وحدة الدولة، أكثر مما فعل المواطن راشد الغنوشي اليوم، إذ دشن فعلياً، ولو افتراضياً، ازدواجية المؤسسات، وهي عملية من المفروض أن تجابَه كعملية تمرد، حتى ولو كانت افتراضيةً".
بدوره، ندّد الحزب الدستوري الحر، في بيان له، بما وصفه بـ"التجاوزات والخروقات الخطيرة التي يقوم بها راشد الغنوشي، ودان التلاعب المفضوح بالإجراءات والسطو على صلاحيات هياكل المجلس ومخالفة نظامه الداخلي لتقرير جلسة عامة باطلة بطلاناً مطلقاً، وأعلن عدم التزامه بأي مخرجات تنتج عن هذه الجلسة، ويحتفظ بحقه في مقاضاته من أجل ما اقترفه من مخالفات".
كما أعرب الحزب عن رفضه لـ"توظيف راشد الغنوشي لصفته رئيساً للبرلمان، في معركته الشخصية مع رئيس سلطة تصريف الأعمال، وتدين سياسة الكر والفر بين الطرفين، في إطار تصفية حسابات خاصة بهما، ولا علاقة لها بالمصلحة العليا للوطن، وحذّر من مغبة تواصل هذه الممارسات على استقرار البلاد، وأمنها القومي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين