شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
من جمهورية مَهاباد عام 1946 إلى مظاهرات 2022... القضية الكردية في إيران

من جمهورية مَهاباد عام 1946 إلى مظاهرات 2022... القضية الكردية في إيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 16 يناير 202305:37 م

شكّلت وفاة الشابة الكردية جينا أو مهسا أميني في مخفر شرطة الحجاب بطهران في أيلول/سبتمبر الماضي نقطةَ انطلاقة لاحتجاجات عارمة في المدن الكردية، إذ أطلقوا الشعار الكردي"المرأة، الحياة، الحرية"، وراح يجوب مدن إيران واحدة تلو الأخرى مندداً بأسلمة المجتمع ومطالباً بالحرية التي تقيدها الدولة الإسلامية.

ومع توسيع رقعة المظاهرات، والغضب الشعبي من أفعال النظام، والحالة السياسية والاقتصادية الخانقة التي تشهدها البلاد، باتت المطالب تأخذ بعداً أكبر وتريد تنحي النظام الإسلامي، بيد أن الدولة أطلقت على الاحتجاجات بأنها "أعمال شغب" وأكدت على ضرورة مواجهتها.

وشهدت المدن الكردية قمعاً عنيفاً للاحتجاجات الشعبية هناك، حيث سقط عشرات القتلى ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين، كما شنت الجمهورية الإسلامية هجوماً بالصواريخ على كردستان العراق، بعد ما اتهمت أحزاباً كردية إيرانية تقطن في الإقليم بأنها تعمل على تأجيج الوضع وخلق الفوضى والوقوف خلف أعمال الشغب في الداخل.   

قبل أن يجري النظام الإسلامي استفتاءً في اختيار النظام الجديد (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) عام 1979، حرمّ الشيخ عزّ الدين التصويتَ في الاستفتاء، وقال إن النظام الإسلامي "غامض، خاصة في مجال حق تعيين المصير والحكم الذاتي في كردستان"

نلقي هنا نظرة على علاقة الكُرد والأنظمة المتعاقبة في إيران والتي اتسمت بالمد والجزر، ولم تخل من صدامات دامية طيلة 100 عام. وتقطن القومية الكردية في غرب وشمال غرب البلاد في أربع محافظات (أذربيجان الغربية وكردستان وكِرمانشاه وإيلام).

دولة مستقلة لبضعة أشهر

مع اندلاع أحداث الحرب العالمية الثانية، وبسبب خشية قوّات التحالف من انحياز الملك رضا شاه لمعسكر دول المحور، قامت بالإطاحة به، وصعد إلى الحكم ابنه محمد رضا بَهلَوي، ما أدى إلى فترة اضطراب في البلاد، دخلت فيها القوّات السوفياتية من الشمال والإنكليز من الجنوب، وفي هذا السياق تبلور بين الشباب الكردي الناشط في إيران، طور جديد ابتعد هذه المرة عن الشكل التقليدي المعتمد على الزعامات القبليّة، واتجه إلى تأسيس إطار حزبي يتبنّى صيغة حديثة عن الحراك القومي.

في عام 1945 تطوّرت الأفكار المبدئية إلى تأسيس "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بقيادة الزعيم الكردي قاضي محمد، ورفع الحزب مطلب الاستقلال لكردستان.

مع تواجد القوّات السوفياتية شمال البلاد، تمكّن الحزب من قيادة تحرّك استقلالي، وأعلن قيام جمهورية كرديّة مستقلة، وعاصمتها مَهاباد في شمال غرب إيران، واختير قاضي محمد رئيساً، وذلك في كانون الثاني/يناير عام 1946. وكان الحزب آنذاك يعلن تبنّيه الفكر الماركسي ومناصرته للاتحاد السوفياتي، لكن بعد انسحاب الاتحاد السوفياتي بضغط من القوى الكبرى، تمكّنت القوّات الإيرانيّة من القضاء على الجمهورية الوليدة، بعد أن استمرت مدة أحد عشر شهراً، وفي آذار /مارس 1947 تم إعدام قاضي محمد ورجاله.

فصل جديد

مع مطلع السبعينيات انتخب عبد الرحمن قاسمْلو بصفته أمين عام جديد للحزب في مؤتمر الحزب عام 1973، وتبنى الحزب الذي كان يعمل بشكل سري شعار "الديمقراطيّة لإيران والاستقلال الذاتي لكردستان"، تعبيراً عن انخراطه أيضاً في الحراك المتصاعد في إيران ضدّ حكم الشاه، الذي اتجه إلى تأسيس نظام حكم قمعي منذ الانقلاب على حكم رئيس الوزراء محمد مصدّق عام 1953.

اصطفّت الحركات المعارضة الإسلاميّة إلى جانب الماركسيّة، وفي عام 1977 انطلقت الثورة وانتشرت في المدن الإيرانية حتى نجحت عام 1979 بإسقاط حكم الشاه، وتأسست إثر ذلك الجمهوريّة الإسلامية، وهنا بدأت قصة فصل جديد من النضال الكردي في إيران.


في البداية استعد الأكراد لتحقيق حلمهم بعد انتصار الثورة الإيرانية، والتقى زعيم الأكراد الشيخ عز الدين الحسيني بمؤسس نظام الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني، وطالب برسمية حق تعيين المصير والحكم الذاتي كما كان يهدف له النضال الكردي ضد الملكية، لكن الخميني رفض ذلك، فوجد عز الدين الأبواب مغلقة أمامه لحلّ قضية كردستان سلمياً.

وقبل أن يجري النظام الإسلامي استفتاءً في اختيار النظام الجديد (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) في عام 1979، حرمّ الشيخ عز الدين، التصويت في الاستفتاء وقال إن النظام الإسلامي "غامض، خاصة في مجال حق تعيين المصير والحكم الذاتي في كردستان".  

كفاح ضد الجمهورية الإسلامية

نتيجة لذلك اندلعت مرحلة جديدة من الثورة الكردية، وعادت مطالب الاستقلال والكفاح المسلّح من جديد، وذلك في منتصف آذار/مارس عام 1979، وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى جانب الحزب اليساري الكردي "كومه له" في قيادة الحركات الثورية.

هاجمت طهران المناطق الكردية براً وجواً، وقتلت الكثير حتى عرفت الأحداث في ما بعد بمجزرة "عيد نوروز الدامي في مدينة سنندج"، ومن الأحداث المهمة التي وقعت في ذلك العام هي مظاهرات مدينة مَريوان الكردية، تطالب بإغلاق مقرّ الحرس الثوري هناك، وبعد قمع عنيف قام الأهالي بحركة رمزية وأخلوا المدينة باتجاه الحدود العراقية المجاورة، وكانت هجرة مريوان الجماعية حدثاً تاريخياً، حيث زاد من معنويات المناضلين الأكراد ضد الحرس الثوري.

ورغم ذلك استطاع الأكراد في السيطرة على مناطق واسعة، إلا أنّ اندلاع الحرب العراقية الإيرانيّة في 1980، أعطى دفعة جديدة للأكراد، وذلك بعد تقديم الرئيس صدام حسين الدعم للثوّار واحتضانه لهم، لكن استطاع النظام الإيراني القضاءَ على الثورة الكردية وفي أواخر عام 1983. هزم الأكراد وجرى إعدام المئات من السجناء السياسيين الأكراد، وغادرت الأحزاب السياسية والمسلحة الكردية من الحدود الإيرانية بشكل نهائي.

إغتيال القادة والأئمة

بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن المنصرم، دعا قادة الجمهورية الإسلامية برعاية الزعيم الكردي العراقي جلال طالباني، الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني عبد الرحمن قاسملو للمفاوضات.

كان قاسملو يرى أنّ لا حل عسكرياً للقضية الكُردية ويجب التوصل إلى حلّ سياسي عن طريق المفاوضات، فتمت الموافقة على الدعوة وبدأت المفاوضات عام 1989 في فيينا عاصمة النمسا حول الحكم الذاتي للإقليم الكردستاني الإيراني.


ولكن نفّذت عناصر الاستخبارات الإيرانيّة عمليةَ اغتيال الأمين العام في فيينا أثناء اجتماع المفاوضات، وبعد 3 سنوات أي في عامعام 1992 اغتال النظام الإيراني خلفه محمد صادق شرف كَندي في برلين، ما أدى إلى تجدد اندلاع سلسلة من الهجمات المتبادلة بين الحزب والقوات الإيرانية خلال الأعوام (1989-1996).

واستمرت إيران بتنفيذ سلسلة من الاغتيالات داخل المناطق الكردية بحقّ أئمة المساجد لأهل السنة، وكان النظام الجديد قد نجح في التفريق بين الأكراد الشيعة والسنة في ما يتعلق بمطلب الاستقلال. وشهدت محافظة كرمانشاه، اندلاع مواجهات عنيفة بين الأكراد وقوات الأمن عام  1996 بعد مقتل إمام جامع الإمام الشافعي ملا محمد ربيعي، عقب تنديده ببث مسلسل الإمام علي الذي اعتبره يطلق الإهانات المتكررة لرموز أهل السنة.

كما طال مسلسل الاغتيالات عازفَ الدف وأبرز وجوه الطائفة اليارسانية أو الكاكائية خليل عالي نَجاد في السويد.

دمج الأكراد

في عهد حكومة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي (1997-2005) انبثق حراك سلمي كردي نابذ للعنف وحمل السلاح، وكان من ضمن الإصلاحات التي أتى بها خاتمي للأكراد تنصيب أول محافظ كردي، وتعيين أكراد في مناصب حكومية رفيعة، إضافة إلى تشكيل حزب الإصلاح الكردي، ومنظمة الدفاع عن حقوق الأكراد.

ما زال الأكراد يتوارثون نضالهم المستمر جيلاً بعد جيل، فإنهم وبرغم ما عانوه من مصائب، يصنعون من أحزانهم أملاً للعيش بسلام

مع ذلك يبدو أن الإصلاحات لم تكن كافية، وعلى إثر إلقاء القبض على زعيم الأمة الكردية في العالم، عبد الله أوجلان في كينيا وتسليمه إلى دولة تركيا انتفضت المدن الكردية الإيرانية من جديد محتجة على ذلك، بيد أن القوات الإيرانية واجهت هذه المظاهرات حتى عرف يوم 22 من شباط/فبراير 1999 بـ"اليوم الدامي".

وصرح حينها وزير الداخلية موسوي لاري في جلسة البرلمان: "لقد قمعناهم وخير ما فعلنا، لأن أمن النظام كان في خطر، قضية أوجلان تتعلق بدولة تركيا ولا علاقة لها بإيران. من خرج متظاهراً في هذه القضية هو متآمر".

استمرت عملية اعتقال وتعذيب وقتل النشطاء الأكراد طوال السنوات القادمة، وفي عام 2005 أثارت صورة جنازة الناشط السياسي كمال أسفرم، الذي تظهر على جسده آثار التعذيب، غضبَ  الشارع وخرجت المسيرات الاحتجاجية والمواجهات العنيفة من جديد.  

وفي عام 2010 شهدت المدن الكردية موجة تظاهرات عقب إعدام 5 سجناء سياسيين لم تسلّم السلطات جثثهم إلى عوائلهم بحجة قيام فوضى في تشييع الجنائز.

وهكذا استمر الوضع في عام 2018 عندما أعلنت السلطة القضائية عن إصدار حكم بالإعدام في حق 3 سجناء سياسيين، فعمّت الإضرابات والاحتجاجات مدنَ كردستان. كما أن السجينة السياسية الوحيدة في إيران التي حكم عليها بالسجن المؤبد، هي زينب جلاليان من أصول كردية.

ما زال الأكراد يتوارثون نضالهم المستمر جيلاً بعد جيل، كان آخر محطاته حضورهم الواسع عقب وفاة الكردية جينا أو مهسا أميني في عام 2022. فالأكراد ورغم ما عانوه من مصائب، يصنعون من أحزانهم أملاً للعيش بسلام، وهذا سر إطلاقهم شعار "المرأة، الحياة، الحرية" الذي تحول إلى عنوان المظاهرات في عموم إيران.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image