شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الأكراد أصحاب أسماء مزدوجة... ژينا أميني نموذجاً

الأكراد أصحاب أسماء مزدوجة... ژينا أميني نموذجاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!


اغتيلت ژينا أميني، على يد نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، ودُفنت في مدينتها سقز في محافظة كردستان. وضع أهلها على قبرها شاهدةً كُتب عليها: "ژينا جان... لم تموتي، سيكون اسمُك رمزاً". قبل وضع الشّاهدة على قبرها، ومعرفة أنّ الفتاة الكردية التي اغتيلت في طهران اسمُها "ژينا" وليس "مهسا"، كان مفهوماً أن تتداول المؤسّسات الإعلامية والنسويات والناشطات اسمها الفارسي، لأنّ المعلومة لم تكن معروفةً للمتلقّي الذي ناصر الفتاة ليس لانتمائها القومي، بل لما تعرّضت له من اغتيال، وما يحدث للنساء في إيران.

ژينا أيضاً، هي الفتاة الكردية التي يعني اسمها "الحياة" بالكردية.

بدا أنّ كثراً توجّهوا نحو إضافة اسمها الحقيقي الكردي إلى جانب الاسم الفارسي المُثبّت في سجلات الجمهورية الإسلامية، لكن الكثيرات/ ين أبقوا الاسم الفارسي فقط، مع أنه ليس اسمها، بل فُرض عليها، وهي لم تتبناه يوماً، وهو جزء من القمع والاضطهاد الذي مورس بحقّها كفتاة كانت تودّ أن تكون ژينا، لكن النظام الإيراني أجبرها على أن تكون مهسا؛ أكثر ما يلفت النظر هو إصرار المعارضة الإيرانية على الاسم الفارسي فقط.

يواجه الأكراد استغراباً من أصدقائهم والمناصرين لهم في مدى اهتمامهم بالاسم الكردي للفتاة المغتالة، وعدّه نقطةً جوهريةً في قضية ژينا أميني؛ فلماذا هذا الاهتمام وهذه الرمزية؟ ولماذا الأسماء الكردية هي من أسس الهوية القومية الكردية، ومن أهمّ الأدوات التي يعتمد عليها الأكراد في نضالهم؟

لماذا الأسماء الكردية هي من أسس الهوية القومية الكردية، ومن أهمّ الأدوات التي يعتمد عليها الأكراد في نضالهم؟

كنت أحدهم، أحد الذين لا يعرفون أن ثمّة مجموعةً من البشر تعيش باسمين: اسم حقيقي يعرفه الجميع ويعبّر عن صاحبه/ ته، واسم يعرفه النظام فقط ويفرضه. في مرحلة التعليم الإعدادية، نقل خالي ابنه من مدرسته البعيدة إلى المدرسة التي أدرس فيها، وللمصادفة فإن ابنه، وهو الصديق الذي تربيت معه في بيت جدي، ومن أوائل الأشخاص الذين عرفتهم في حياتي، نُقل إلى الصف الذي أدرس فيه. وعندما جاء المدير مردداً اسمه الثلاثي، اعترضت، و"صححت" له، فرد علي صديقي بأن والده، أي خالي، له اسمان، اسم في الهوية الرسمية، وآخر هو الذي نعرفه به نحن. كانت هذه تجربتي الأولى في معرفة أن بين الأكراد من هم أصحاب أسماء مزدوجة.

هذه إحدى الحكايات التي غالباً ما واجهت الأكراد عموماً، وكل كردي يحتفظ بمثال مماثل في ذاكرته؛ فالأكراد لم يكن يحقّ لهم تسمية أسماء مواليدهم بالكردية في إيران وسوريا وتركيا، ولا يزال المنع مفروضاً في إيران وتركيا، والتسمية باسمٍ كردي، أو التحدّث وتعلّم الكردية، تقود صاحبها إلى السجن.

كنت أحدهم، أحد الذين لا يعرفون أن ثمّة مجموعةً من البشر تعيش باسمين: اسم حقيقي يعرفه الجميع ويعبّر عن صاحبه/ ته، واسم يعرفه النظام فقط ويفرضه.

في 19 أيار/ مايو 2019، اعتقل النظام الإيراني مدرّسة اللغة الكردية، زارا محمدي، بتُهمة "معاداة الأمن الوطني الإيراني". لاحقاً في عام 2020، حكمت المحكمة عليها بعقوبة السجن عشر سنوات. زارا التي رفضت أن تتحدث حتّى أمام المحكمة وإلى مؤسّسات الإعلام بغير الكردية، أضربت عن الطعام منذ عشرة أيام تضامناً مع ژينا أميني، ورفضاً للاعتداءات ضد النساء المعتقلات نتيجة مشاركتهن في الاحتجاجات ضدّ النظام الإيراني في سجن "سنندج" في محافظة كردستان. زارا هي واحدة من مئات الفتيات الكرديات اللواتي اعتقلن وقُتلن وتعرضن للتعذيب بسبب دفاعهن عن اللغة الكردية والقضية الكردية في إيران.

في عام 2010، أعدم النظام الإيراني خمسة أشخاص كرد، بينهم امرأة، هم: "شيرين الأمهولي، فرازاد كامانجار، علي حيدريان، فرهاد فاكيلي، ومهدي إسلاميان". من بين هؤلاء الخمسة، كان المُدرّس فرازاد كامانجار، وتهمته تدريس اللغة الكردية للطلبة بشكلٍ سرّي. نُشرت له رسالة قبل إعدامه، قال في جزء منها: التاريخ الكردي عبارة عن قصة امرأة تحصل فقط على الشتائم والضرب من زوجها. وعندما يُسأل زوجها: "أنت الذي لا تدعمها ولا تقدّم لها أي دليل على الحب، لماذا تضربها وتذلّها كل يوم؟"، يجيب: "إذا لم أفعل ذلك، فكيف أعرف أنني زوجها؟".

ثمّة عوامل عدّة تدفع بالأكراد نحو الأسماء الكردية على حساب غيرها، مهما كانت الأسباب، ولا تقتصر هذه الأسباب على الانتماء القومي واللغوي فحسب؛ بل تتجاوزها إلى تحويل أسماء المواليد الكردية إلى رمزية مقاومة، تحدّياً لممارسات الفرنسة والتتريك والتعريب التي يتعرّض لها الكرد. فحتّى حين تُجبر دوائر النفوس العوائل الكردية على تسجيل مواليدها بأسماء غير كردية، يبقى ذلك الاسم في سجلات الدولة، فيما يكون اسمه الحقيقي والمعروف للآخرين هو الاسم الكردي. لذا ثمّة نسبة كبيرة مثل "ژينا" التي كانت في سجلّات الدولة "مهسا"، لكنها بقيت ژينا، وشاهدة قبرها تدل على ذلك. هكذا هم الأكراد، أصحاب أسماء مزدوجة. تطوّر هذا الأداء، حتّى بات الأكراد الذين يملكون اسماً غير كردي، يطلقون على أنفسهم أسماء كرديةً، فنسبة من الأكراد المعروفين باسماء كردية، لديهم اسم آخر في سجلات الدولة، وربما هذه الأسماء هي لأجدادهم وغالباً ما تكون الأسماء ذات طابع ديني، لكن اختاروا تغيير أسمائهم إلى أسماء كردية كشكل من أشكال الاحتفاء بالقومية الكردية، وتحدّياً للأنظمة.

الأسماء الكردية هي شكل من أشكال تعويض الوطن لدى الأكراد؛ فالبحث عن الوطن بالنسبة لهم، يمرّ بمواليدهم الكردية، وهذا يفسّر وجود مجموعة من الأسماء هي الأكثر تداولاً، ومنها أسماء المدن والثورات والشخصيات الكردية

في السياق أيضاً، الأسماء الكردية هي شكل من أشكال تعويض الوطن لدى الكرد؛ فالبحث عن الوطن بالنسبة لهم، يمرّ بمواليدهم الكردية، وهذا يفسّر وجود مجموعة من الأسماء هي الأكثر تداولاً، ومنها أسماء المدن والثورات والشخصيات الكردية. فغالبية الفتيات اللواتي ولدن في عام مجزرة الكيماوي في حلبجة، سمِين حلبجة، والكثيرات من الكرديات السوريات سمين مهاباد، نسبةً إلى عاصمة جمهورية كردستان مهاباد (مدينة كردية إيرانية)، إلى جانب أسماء المدن والقرى والجبال والينابيع والأنهار والرموز القومية. بصورة ما، يشكّل الكرد خريطة بلادهم كردستان من خلال أسماء مواليدهم.

ژينا أيضاً، هي الفتاة الكردية التي يعني اسمها "الحياة" بالكردية. بدأت حياتها مقتولةً في لغتها وثقافتها واسمها لكونها كرديةً، لكنها اختارت التّحدي كما عموم الكرديات، تحدّي الحفاظ على اللغة، وعلى اسمها وثقافتها، وواجهت النظام حينما أعلنت نفسها الحياة، حتّى اغتال النظام الجانب الآخر من هويتها، هويتها كامرأة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image