"فرصة واحدة لمشاهدة "فرحة" - فيلم لدارين سلّام مستوحى من قصص حقيقيّة عن النّكبة، حاز جوائز عالميّة هامّة، ويمثّل الأردن في جوائز الأوسكار 2023. الأربعاء 30 تشرين الثاني/ نوفمبر السّاعة 20:00". هكذا أعلنَ مسرح السرايا العربي بمدينة يافا في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر، عن عرض الفيلم الأردني "فرحة" الذي تقع أحداثه في قرية الطنطورة شمال فلسطين المحتلة، مسلطاً الضوء على المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في نكبة عام 1948، إذ يتناول الفيلم قصّة مبنيّة على أحداثٍ حقيقة لفتاة في الرابعة عشرة يخبّئها والدها في بيت المؤن أثناء التهجير القسري لأهل القرية، لتظلّ أياماً طوالاً في الغرفة، وتشهدَ أحداثاً مروّعة ترتكبها العصابات اليهودية بحق عائلة فلسطينية، بمساعدة من الضباط الإنجليز.
تهديدات رسمية
أثارَ إعلان المسرح عن عرض الفيلم موجة من الغضب في الشارع الإسرائيلي، وصلت إلى حد مطالبة وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي، حيلي تروبر بسحب تمويل الحكومة للمسرح العربي. جاء هذا بعدما تقدّمت منظمة "ببتسلمو" اليمينية المتطرفة بشكوى ضد عرض الفيلم. ولم يتوقف الأمر هنا، بل وصل إلى حد التهديد بقطع التمويل من قبل وزير المالية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، إذ رأى أنّ الفيلم يشوّه سمعة جنود الجيش والقوى الأمنية التي تعمل على حماية المواطنين طوال الوقت.
عرض الفيلم الأردني "فرحة" الذي تقع أحداثه في قرية الطنطورة شمال فلسطين المحتلة، مسلطاً الضوء على المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في نكبة عام 1948، إذ يتناول الفيلم قصّة مبنيّة على أحداثٍ حقيقة لفتاة في الرابعة عشرة يخبّئها والدها في بيت المؤن أثناء التهجير القسري لأهل القرية
ارجعَ الكاتب الفلسطيني علاء حليحل – عبر منشورٍ كتبه على فيسبوك – تداعيات هذه التهديدات إلى أمرين: "الشق الأول يغيظهم لأنّ الفلسطينيّين يتجرّأون على منازعة الإسرائيليّين واليهود على رواية آنا فرانك، التي اختبأت في عليّة بأمستردام أثناء الهولوكوست، والتشبيه الضمني بين ممارسات الحركة الصهيونية المسلحة أثناء النكبة وبين النازيين". أمّا الشق الثاني فقد أرجعه إلى: "الممارسات الإجراميّة التي رافقت النكبة والتي تُعتبر جرائم حرب".
العرض في موعده
لم تستطع التهديدات الإسرائيلية أن تَقف في وجه إدارة المسرح التي أصرّت على عرض الفيلم، وقد حظي هذا العرض بحضورٍ جماهيري عريض وغير مسبوق، إذ امتلأت جنبات المسرح بالمشاهدين الذين جاؤوا من مختلف المناطق الفلسطينية بالداخل المحتل، في إصرار واضح على وضع الحقيقية أمام أعين الجناة وحماية الفن على اختلاف أشكاله وأنماطه، مما تسبب في ازدياد موجة الانتقادات التي لم تقتصر على مسرح السرايا، بل وصلت إلى سَعي الإسرائيليين إلى محاربة الفيلم وانتشاره من خلال منحه تقييماً منخفضاً على imdb.
تقدّمت منظمة "ببتسلمو" اليمينية المتطرفة بشكوى ضد عرض الفيلم. ولم يتوقف الأمر هنا، بل وصل إلى حد التهديد بقطع التمويل من قبل وزير المالية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، إذ رأى أنّ الفيلم يشوّه سمعة جنود الجيش والقوى الأمنية التي تعمل على حماية المواطنين طوال الوقت
كما نشرَ محمود أبو عريشة مدير مسرح السرايا بياناً بعد عرض المسرح للفيلم، يقول فيه: "ردّنا على التحريض والتّشويه: تمكين عرض فيلم فرحه في وقته وموعده. وردّكم أنتم جاء كما عوّدتمونا، بالتفاف جماهيري حول السّرايا. ملتزمون وملتزمات بالدّفاع عن حقّنا في الوجود والتّعبير، ملتزمون وملتزمات بحرّية الفن، كل فنّ". في الوقت الذي شهدتْ الساحة الفلسطينية تضاماً واسعاً مع إدارة المسرح عبر منصات التواصل الاجتماعي، كنوع من الدّعم في ظل حملات التشويه التي لم تتوقف.
غرفة واحدة لأكثر من نكبة
بعدما كانت شغوفة بفكرة الالتحاق بالمدرسة في المدينة وترك القرية، وجدت الطفلة فرحة نفسها في غرفة التّموين بعدما وضعها أبوها داخلها خوفاً عليها من العصابات الصهيونية، ليتحوّل حلمها بإكمال تعليمها في المدينة، إلى رغبة وسعي جاد للخروج من الغرفة التي باتت محبساً لها. وتبدأ بعد ذلك محاولاتها المستمرة في معانقة الحرية، لتكون شاهدة – من خلال ثقب صغير في الباب - على قتل أسرة فلسطينية مكوّنة من أب وأم وطفلين ومولود.
وفي ظل هذا التعبير الحقيقي عن ضيق البلاد على الفلسطينيين بسبب نيران العصابات الصهيونية عام 1948، استطاعت الكاتبة والمخرجة الأردنية الفلسطينية، دارين سلام أن تجعلَ قصّة "فرحة" صديقة والدتها، حكاية طويلة لها أكثر من فصل، فلم يكن الأمر مقتصراً على فيلم مدته ساعة ونصف، بل امتدَ ليشملَ سرداً منطقياً ومغايراً للنكبة التي شُرّد فيها ما يزيد عن 700 ألف فلسطيني. وقد ساهم في ذلك، الأداء المبهر لأبطال العمل تالا قموه وكرم طاهر وأشرف برهوم، إذ استطاعوا أن يؤدوا أدوارهم على أكمل وجه، ما جعل الفيلم يلقى احتفاءً عالمياً.
فرحة في بلدان كثيرة
التّميز الكبير للفيلم من الناحية الكتابية والفنّية ساهمَ في حضوره على المستوى العالمي، فقد عرض للمرة الأولى بمهرجان تورونتو السينمائي الدولي في مدينة تورونتو بكندا، ثمّ عُرضَ في عدّة دول أوروبية كإيطاليا وفرنسا والسويد، حتى وصل عدد المهرجانات التي عرض فيها إلى أكثر من 40 حول العالم. كما استطاع حصد جائزة الأفضل ضمن الأفلام الشبابية الطويلة في جوائز الأوسكار الآسيوية "APSA" في دورتها الخامسة عشرة، ورشّح مؤخراً ليكونَ ممثلاً رسمياً للأردن في جائزة الأوسكار بدورته الخامسة والتسعين.
ولم تتوقف نجاحات الفيلم عند هذا الحد، بل امتدت لتصل إلى منصّة نتفلكس العالمية التي قامت بعرضه في الأوّل من كانون ألأول/ ديسمبر الجاري، وقد تسببت هذه النجاحات المتتالية في زيادة الاحتقان لدى الاحتلال الإسرائيلي، حتى وصلَ الأمر إلى إطلاق حملات ضغط وتشويه للفيلم، بالإضافة للمطالبة بحذفه من نتفلكس واتهام المنصة بمعاداة السامية، إذ يرون فيه تشويهاً لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
حملات تشويه عنصرية
لم تقتصر حملات التشويه والتهديد والترهيب على إدارة مسرح السرايا في يافا ومنصة نتفلكس، ولم تقتصر على كونها دعوات وتصريحات من هنا وهناك، بل امتدت حتى وصلت إلى صنّاع الفيلم، وخصوصاً مخرجته وكاتبته دارين سلام التي تعرّضت لهجوم إلكتروني عنيف على منصات التواصل الاجتماعي من قبل الإسرائيليين، إذ حدث لها الكثير من المضايقات ووجِهَتْ إليها الاتهامات ووصلها الكثير من رسائل الكراهية، في محاولة لإلحاق الضرر بصنّاع الفيلم الذي باتَ يمثّل الأردن عالمياً.
وقد نشرت دارين سلام بياناً مكتوباً ردّاً على الهجوم الذي تعرّضت له هي وصنّاع الفيلم خلال الساعات الماضية، وتحديداً بعدَ عرض الفيلم في مسرح السرايا في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، وطرحه عبر منصة نتفلكس في اليوم التالي. وقد تحدّثت المخرجة في البيان عن دقّة اختيار توقيت الهجوم على الفيلم، حيث صرّحت قائلة: "اختيار هذا التوقيت للهجوم ليس محض الصدفة، وانما تزامن مع عرض الفيلم في مسرح السرايا في مدينة يافا يوم 30 تشرين الثاني/ نوفمبر وقبل بدء عرض الفيلم في جميع أنحاء العالم على منصة Netflix ابتداءً من الأول من ديسمبر وأيضا في ذروة الحملة الدعائية لفيلم "فرحة" في تمثيل الأردن في سباق الأوسكار بهدف منع مشاهدة الفيلم عالمياً وبنيّة واضحة لإلحاق الأذى به".
تأمّل واستنتاجات
إنّ ردة الفعل الإسرائيلية الغاضبة والمستنكرة تجاه فيلم "فرحة" تجعلنا نُدرك أهمية السينما في مواجهة آلة الاحتلال التي لم تتوقف عن إراقة الدماء الفلسطينية، ويأخذنا إلى منطقة أخرى مُهملة في الصراع، وهي السينما التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، داخل فلسطين أو على المستوى العالمي خارجها، ما يجعلنا أمام تحدٍّ كبير يتمثّل في صناعة رواية فلسطينية أكثر قوة ووضوحاً، تستطيع أن تخلخل الرواية الإسرائيلية التي اعتمدت على الزّيف وقوة الآلة الإعلامية واستغلال المواقف التاريخية منذ أكثر من سبعين عاماً.
ردة الفعل الإسرائيلية الغاضبة والمستنكرة تجاه فيلم "فرحة" تجعلنا نُدرك أهمية السينما في مواجهة آلة الاحتلال التي لم تتوقف عن إراقة الدماء الفلسطينية، ويأخذنا إلى منطقة أخرى مُهملة في الصراع، وهي السينما التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع
كما أنّ ردة الفعل العنيفة من الشارع الإسرائيلي على المستوى الرسمي أو الشعبي تجاه الفيلم، تؤكّد نجاح صُنّاع العمل في إيصال رسالة مختلفة عن الرسائل التي حملتها الأعمال السينمائية السابقة، ليكون فيلم "فرحة" بهذا النّجاح نقطة فارقة يُمكن البناء عليها لإسناد الرواية الفلسطينية السينمائية والتوثيقية. أما فيما يخص التعامل مع غضب دولة الاحتلال الإسرائيلي من الفيلم، فإنّ الرد المُناسب عليه هو المزيد من الأعمال المماثلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع