شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
فيلم

فيلم "علم" لفراس خوري... الأبرتهايد على سارية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 12 نوفمبر 202204:46 م

بعد فيلمه القصير "إجرين مارادونا" الذي جاب مهرجانات سينمائيّة وحصل على جوائز عديدة، يصنع المخرج الفلسطينيّ فراس خوري فيلمه الروائيّ الطويل الأوّل "علم"، الذي عُرض للمرّة الأولى في الدورة الفائتة من مهرجان توورنتو السينمائيّ الدوليّ، وسيعرض قريباً ضمن المسابقة الرسميّة في مهرجان القاهرة السينمائيّ الدوليّ، إذ استطاع خوري أن يقدّم نفسه كمخرج متفرّد في صناعة حكاية أبطالها من جيل الشباب، مثل فيلمه القصير، وهذه ميزة إضافيّة، يرسم معها خوري، وهو كاتب السيناريو، طريقة بمنح الكلام لجيل يكاد يظهر في أفلام فلسطينيّة عديدة بمشاهد ضئيلة ولا يحمل الفيلم على عاتقه.

"علم"، الذي تدور أحداثه في مدرسة، أبطاله من فئة المراهقين، تكمن أهميّته في سيناريو لامس فعلاً عقل هذه الفئة وطريقة تفكيرها، فالنصّ لا يحتاج إلى عبارات رنّانة، إلّا إذا كانت متوارثة ويتمّ حفظها، ولا ضرورة لكلمات منمقة ولا ردود أفعال تحتاج إلى تخطيط عميق يثير التساؤل إن كان ذلك حقيقة أم خيالاً، بل يحتاج إلى أن تضع/ي نفسك مكان المراهق/ة مع استيعاب تفكيره/ها.

ومع ذلك، يثبت هذا الفيلم معنى أن يكون الفرد فلسطينيّاً، مهما حاول النأي عن السائد، في حضرة نظام إسرائيلي عنصري، يدّعى ديمقراطيّته طوال الوقت. أبطال فيلم "علم" من فلسطينيّي الداخل، وال يطلق عليهم الإعلام مصطلح "عرب 48"، وهذا هو عنصر القوّة الذي يدفع خوري، الكاتب والمخرج، إلى لفت الانتباه لمن تمسّك ببيته وأرضه، ومع ذلك، تحمّل كلّ هذا الرفض من فئات اعتادت وسمه بأقسى العبارات.

 يثبت هذا الفيلم معنى أن يكون الفرد فلسطينيّاً، مهما حاول النأي عن السائد، في حضرة نظام إسرائيلي عنصري، يدّعى ديمقراطيّته طوال الوقت

الإعجاب بسيناريو الفيلم والحديث عنه، على حساب عناصر أخرى، له علاقة بالتأكيد على أنّ قوّة السيناريو أساس الشكل المراد منه في الفيلم، فلن تحتاج إلى البحث عن عنصر يطغى على آخر، لأنّ الأساس كان متماسكاً، حتّى الممثّلون أمام كاميرا الكاتب كمخرج، كان من السهل لمسها، إذ كانت وقفة تعبّر عن راحة انعكست على أدائهم الذي يبشّر بأسماء سيكون لها المستقبل في أفلام وأعمال قادمة.

أحداث فيلم "علم" تنتقل بين مكانين رئيسيّين، المدرسة ومنزل الطالب تامر (محمود بكري)، ولهذا المنزل حكايته الخاصّة، حيث يعيش تامر في منزل جدّه القريب من منزل والده، وأمام المنزلين، عفش بسيط وحرائق مستمرّة صغيرة يهواها عمه المجنون ناجي (صالح بكري)، الذي هوأيضاً ستتضّح حكايته بعد مضيّ الأحداث التي لن يتمّ الكشف عنها لكي لا يجري حرق الأحداث، لكن هذا المحيط هو الذي يشكّل وعي وسلوك تامر، على الرغم من مخاوف والده (عامر حليحل). في منزل الجدّ الذي يعيشه سامر، نتعرّف أيضاً على ميساء (سيرين خاص) المطرودة من مدرستها القديمة، وأصبحت طالبة في مدرسة تامر وجارته، ومن أول نظرة تستشعر اهتمامه بها.

في المقابل، وبمشاهد مكثّفة تدور في المدرسة، تبدأ الحكاية التي تجري أحداثها مع اقتراب موعد تاريخ النكبة، الذي يدعوه الإسرائيليّون بـ"عيد الاستقلال"، إذ تُجبر فيه الحكومة الإسرائيليّة جميع المدارس على رفع العلم الإسرائيليّ. هذا الإجبار، لجيل جديد يُدرك تماماً معنى النكبة، جعله يفكّر في طريقة لعدم الخضوع لهذا القرار، بل وصلوا إلى مرحلة التفكير في أنّ الخطّة ستكون في رفع علم فلسطين، مهما كانت النتائج، وطوال الوقت، يبدأ أحد الطلاب واسمه صفوت (محمد عبد الرحمن)، والذي يظهر عليه ملامح القائد، وذلك بسبب انتمائه لعائلة مناضلة يعتزّ بها، وهو يحاول تشكيل الفريق لإتمام المهمّة، أمّا ميساء، فهي الحاضرة المطرودة من مدرستها السابقة، بسبب ثورتها التي دائماً ما تعلنها. وجودها يشجّع تامر على الانضمام كي يثير إعجابها، وهنا مكمن التوظيف الذكي الذي اتبعه خوري في إدارة الممثلين ومعنى التفكير الذي يتماشى مع فئتهم العمريّة.

بمشاهد مكثّفة تدور في المدرسة، تبدأ الحكاية التي تجري أحداثها مع اقتراب موعد تاريخ النكبة، الذي يدعوه الإسرائيليّون بـ"عيد الاستقلال"، إذ تُجبر فيه الحكومة الإسرائيليّة جميع المدارس على رفع العلم الإسرائيليّ. هذا الإجبار، لجيل جديد يُدرك تماماً معنى النكبة، جعله يفكّر في طريقة لعدم الخضوع لهذا القرار، بل وصلوا إلى مرحلة التفكير في أنّ الخطّة ستكون في رفع علم فلسطين

حسناً، سيتمّ تتبّع الخطّة التي تتخلّلها أيضاً مشاهد تلفت الانتباه إلى مستوى التعليم والموادّ التي يتمّ تدريسها، والتي تزيّف الحقائق، سيحصل التعرّف على عناصر أخرى مكملة للأحداث، من خلال حركات شبابيّة في الداخل وتتبّع طرق مقاومتهم، وكيف لمناضلين سابقين تحوّلوا بسبب اليأس ربّما، تجار مواد مخدرة ، وفي الوقت نفسه، سيتمّ تتبّع علاقات الحبّ التي تنمو بين تامر وميساء، هذه العلاقة هي التي يتضح معها معنى المجابهة، خاصّة عقب إدراك معنى الفقد، في رصاصة غير طائشة، بل مدروسة تقتل صديقاً لأنّه صرخ "فلسطين" مثلاً، هذا الحبّ هو الذي يجعل تامر يعرف معنى الظلم والقهر، ويعرف كيف عليه أن يدافع عن حبيبته بل ويحميها، ومن الممكن أن تكون الحبيبة بشكل أو بآخر هي "فلسطين" نفسها، كلّ هذه المشاعر المتداخلة تؤدي إلى تشكيل الوعي السياسي والثوري.

يأتي هذا مع تعزيزات لها ذات علاقة بأحداث تمر بخفّة وتترك غصّة و أملاً أيضاً، فالشخصيّة الرئيسة تامر، الذي تعتقد أنّه لا علاقة له بالسياسة، يدرك معنى جنون عمّه ناجي الذي يحرق الحطب وكلّ شيء قديم، ليبرد ناره الخاصة التي حوّلته إلى مجنون، ويدرك معنى الحرق وأبعاده الفلسفيّة التي ترتبط بمراحل من السهل إدراكها خلال مشاهدة الفيلم، مثل إدراك تامر نفسه للحن يحبه يصدح من كوب كلما أراد شرب رشفة منه، إنّ اللحن هو النشيد الأممي، وهذا ما ينبهه إليه زميله صفوت.

حالة تشكل الوعي والإدراك لجيل من المراهقين، استطاع أن يقدمه خوري بطريقة تصل بمعناها الدقيق دون أي تحامل أو تشكيك، واستطاع فعلاً أن يوصل إجرام "إسرائيل" بحق كل من ينطق بالعربية، ومعنى العنصرية المتجسّدة في تفكيرهم الذي يبرمج بسلوك لاإنساني.

و مع موسيقى من تأليف فرج سليمان، تتماسك خيوط الحكاية، وكأنها بطل في هذا الفيلم المتماسك بجميع عناصره، ولم تنته قصة "علم" بعد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard