شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أخبرونا عن الحيوانات ولم يخبرونا عن أعضائنا"... ما الذي يعيق التربية الجنسية الشاملة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الأربعاء 30 نوفمبر 202201:55 م

"عيب"، و"انحلال أخلاقي"، و"غير لائق بمجتمعنا"؛ هذه هي العبارات التي نسمعها غالباً عند الحديث عن كل ما يتعلق بصحتنا الجنسية والإنجابية. هذه الحواجز الاجتماعية، ومعها حزمة واسعة من العناصر، تُشكل عائقاً أساسيّاً أمام الشباب، للحصول على حقوقهم في الثقافة والخدمات المتعلقة بصحتهم الجنسية والإنجابية.

"خلال الدراسة في المدرسة، تعلّمنا كل شيء عن الجهاز الهضمي، وأيضاً التنفسي، ولكن لم ندرس عن جهازنا التناسلي مثلاً. كل ما كنت أعرفه سابقاً عن الجنس وميولنا، كان في حصص الدين، ولكم أن تتخيلوا ما هي المعلومات التي كنا نأخذها تلك الفترة"؛ هذا ما يقوله محمد (27 عاماً، اسم مستعار)، عن فترة مراهقته التي قضاها في مدرسة إسلامية في منطقة صور، جنوب لبنان.

ويضيف: "لم أعرف شيئاً عن المثلية الجنسية آنذاك. كنت أشعر بأنني مختلف عن كل ما يقال في حصص الدين. حاولت مرات أن أصل إلى معلومات تُفسّر ميولي الجنسية، لكن لم أحصل سوى على معلومات مليئة بالكراهية أو محتوى إباحي بحت. أذكر حديثاً جرى مرةً في حصة الدين، عن ‘اللواط’، وقال لنا الشيخ: كل من هو مثلي يجب أن يُرمى من شاهق ومن ثم يُحرق لأنه ليس منّا وخارج عن الطبيعة؛ هذه الأحاديث جعلتني تحت الصدمة، وأعيش صراع هوية لا يمكن وصفه".

استمرت أزمة الحصول على معلومات صحيحة عن الجنسانية طوال فترة مراهقة محمد، وخلالها تعرّض لمواقف عدة فيها عنف وتحرش جنسي بسبب عدم معرفته بمصادر هذه المعلومات، ولجوئه إلى مصادر غير آمنة من أشخاص ومواقع، عدا عن صراعه مع نفسه. آخر مرة لجأ فيها محمد إلى منصة فيسبوك، تعرف على غروب باسم "كيف تتعالج من المثلية؟"، وهي منصة تنشر معلومات على أساس أنها طبية وصحيحة عن كيفية العلاج من المثلية.

يقول محمد: "المحتوى الذي كنت أقرأه كفيل بأن يجعل منك إنساناً عدوانياً مع نفسك، لأن المعلومات الموجودة على هذه المنصة ترى أن المثلية الجنسية عدو تجب محاربته، وهنا بدأت أعاقب نفسي نوعاً ما، وانعزلت عن المجتمع لفترة طويلة"، يضيف: "قد تنسحب أيضاً العدوانية على من هم حولك؛ فمثلاً هذه المجموعة توصي بأن الأشخاص الذين تنجذب إليهم هم أيضاً يتحملون جزءاً من الخطأ".

"الصحة الجنسية من حقنا"؛ هو شعار الحملة الإعلامية التي أطلقتها مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي "CRTDA"

بعد فترة استمرّت أشهراً، قرر محمد الاعتكاف عن قراءة المصادر المعادية للمثليين، ليبدأ بعدها بالبحث عن المعلومات الصحيحة باللغة الإنكليزية: "استخدمت كلمات مفتاحيةً دقيقةً نوعاً ما، للحصول على ما أريد واكتشفت حينها مفهوم حقوق مجتمع الميم-عين، وحقوقي في الصحة الجنسية، وكنت أبلغ تقريباً 17 عاماً، ولكن التقبل الحقيقي لنفسي وفهمي الأوسع لمفاهيم الجندر والجنسانية بدأا يترسّخان عندما بلغت الـ20 عاماً".

يشير محمد إلى أنّه في منطقة صور، "لم تتوافر أي خدمات للصحة الجنسية في المراكز الطبية، لا سيّما فحص الكشف عن فيروس نقص المناعة البشرية، وإن وُجد الفحص وغيره من الخدمات، فالوصمة التي قد تلحق بمن يجريه أو يشخَّص بفيروس منقول جنسيّاً ستلاحقه دائماً".

ويضيف: "أعتقد أنه منذ فترة قصيرة بدأ يتوفر فحص للكشف عن فيروس نقص المناعة البشرية في مستشفيات المنطقة، لكن بالطبع قلةً من الشباب والشابات تُجري هذا الفحص هناك لأنها خدمات غير آمنة وتحديداً لمجتمع الميم-عين".

أوّل مرة أجرى فيها محمد فحوصات تخصّ صحته الجنسية، كانت عندما انتقل للعيش في بيروت، وكان يبلغ من العمر 19 عاماً، وخلال هذه الفترة بدأ يعرف مصادر المعلومات الصحيحة حول الصحة الجنسية، عن طريق الجمعيات الناشطة أو عبر الإنترنت، المصدر الأساسي لهذه المعلومات.

"الصحة الجنسية من حقنا"

"الصحة الجنسية من حقنا"؛ هو شعار الحملة الإعلامية التي أطلقتها مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي "CRTDA"، وهي جمعية لبنانية تعمل على تعزيز مفاهيم المواطنة والمساواة بين الجنسين.

انطلقت الحملة في 25 كانون الأول/نوفمبر، بالتزامن مع اليوم العالمي لمناهضة كافة أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، وفي هذه الفترة أيضاً أجرت الجمعية دراسةً ستصدر قريباً بالتعاون مع Oxfam عن خدمات الصحة الجنسية والإنجابية والعوائق أمام الشباب للوصول إلى هذه الخدمات.

تناولت الدراسة 6 دول عربية هي: تونس، لبنان، المغرب، الأردن، مصر وفلسطين، وأُطلق خلالها استبيان للشباب الذين يبلغ عمرهم بين 18 و35 سنةً، وتمّ سؤالهم عن أمور عدة حول ما يعرفونه ويهمهم في ما خص صحتهم الجنسيّة والإنجابية، وبحسب النتائج جاءت خدمات إدارة الأسرة، أي طرق منع الحمل، ضمن الاهتمامات الأولى للشباب في كل من العراق وفلسطين والأردن أيضاً، أمّا في مصر وتونس، فاهتمامهم الأول هو كيفية الحماية من الأمراض.

خلال الدراسة في المدرسة، تعلّمنا كل شيء عن الجهاز الهضمي، وأيضاً التنفسي، ولكن لم ندرس عن جهازنا التناسلي. كل ما كنت أعرفه سابقاً عن الجنس وميولنا، كان في حصص الدين، ولكم أن تتخيلوا

وبحسب النتائج، هناك عوائق عدة تقف أمام حصول الشباب على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، منها معتقدات ومعلومات خطأ، ففي لبنان يعدّ جزء كبير من الشباب، بحسب الاستبيان، أن المشكلات الصحية المرتبطة بالصحة الجنسية والإنجابية يمكن استشارة الأهل فيها قبل استشارة طبيب مختص.

وبحسب الدراسة، شكلت الأعراف الدينية في كل من لبنان والعراق ومصر عائقاً أساسياً أمام الشباب للحصول على هذه الخدمات. وفي الأردن، جزء كبير من الشباب ليس لديه الوعي الكافي عن صحته الجنسية والإنجابية، ويرون أنهم ليسوا بحاجة إلى هذه الخدمات، ونحو 15% من الذين تجاوبوا مع الاستبيان يعتقدون أن هذه الخدمات محصورة فقط بالمتزوجين والمتزوجات.

وأوضحت الدراسة أن بعض الشباب وخاصةً في مجتمعات اللجوء، غير قادرين على تغطية تكاليف هذه الخدمات، كما أن هناك نقصاً في الوعي والمعرفة حول مكان وكيفية الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية.

تقول خبيرة الجندر زينة عبد الخالق، لموقع رصيف22، إنه "من بين كل العوائق التي تظهرها الدراسة، هناك عائق ‘العيب المجتمعي’ و’الوصمة’، وجزء كبير من الشباب ليست لديهم معرفة كافية عن أن خدمات الصحة الجنسية والإنجابية هي جزء أساسي من حقهم ويجب إدراج هذا المفهوم ضمن الخطاب وفي السلة الحقوقية نفسها".

وهنا، أحرز عمل مؤسسات المجتمع المدني مع المنصات الإلكترونية المختصة بالحديث عن الصحة الجنسية والإنجابية، تقدماً على هذا الصعيد، ولكن يجب أن تكون هناك جهود حكومية أيضاً لضمان وصول خدمات الصحة الجنسية والإنجابية والثقافة اللازمة إلى جميع الشباب بالتساوي وبجودة عالية، بحسب عبد الخالق، التي تضيف: "يجب إقرار التثقيف الجنسي في المدارس والثانويات والجامعات أيضاً، لأنه أمر أساسي نحو تطبيع الأحاديث عن هذه القضايا وهو أمر يجب أن تعمل عليه الحكومات في الدول العربية".

خطوة نحو الاندماج

في محتوى الدراسة، كان لا بد من الإشارة إلى التمييز والتهميش الحاصلين في حق فئات معيّنة من مجتمع الميم والنساء غير المتزوجات والناشطات جنسيّاً، وهذا ما شدد عليه الدكتور فيصل القاق، المُشرف على هذه الدراسة، مشيراً إلى أن التمييز في هذه الخدمات يحصل من قبل بعض مقدمي الرعاية الصحية، لأن معظمهم يتأثرون بمعتقداتهم الدينية والثقافية كما تنقص التدريبات في هذا الخصوص.

عادةً ما تتركز المراكز الصحية وخاصةً التي تتضمن خدمات صحة جنسية وإنجابية في المدن وليس في الأرياف، وهنا يصعب على الشباب الحصول عليه

كذلك، يلفت إلى أنه "مع ارتفاع أسعار هذه الخدمات من جهة، والتمييز الحاصل، يُمنع الشباب من طلب هذه الخدمات، ويجب هنا تعزيز وجود خدمات الصحة الإنجابية والجنسية ضمن مراكز الصحة الأولية الموجودة، ووضعها ضمن مفهوم ‘التغطية الصحية الشاملة’ وعدم عدّها أقل أهميةً من غيرها".

البعد الجغرافي أيضاً هو أحد العوامل المعيقة، فبحسب المُشرف على الدراسة، عادةً ما تتركز المراكز الصحية وخاصةً التي تتضمن خدمات صحة جنسية وإنجابية في المدن وليس في الأرياف، وهنا يصعب على الشباب الحصول عليها بسبب البعد الجغرافي وعدم قدرتهم على تأمين كلفة المواصلات مثلاً".

يحذّر القاق من أنّ "التهميش الحاصل على صعيد الصحة الجنسية والإنجابية له تأثيراته على مختلف الصعد، منها الصحي والجسدي، فهناك خسارة لفرصة تعزيز السلامة لدى الشباب بسبب عدم درايتهم بكيفية تجنّب الأمراض المنقولة جنسياً مثلاً أو الحمل غير المرغوب فيه. كما أن هناك أثراً على الصعيد النفسي، لأن خوف الشباب من التعبير عن حاجتهم إلى هذه الخدمات وعدم معرفتهم الكافية بصحتهم الجنسية والإنجابية أمر تنتج عنه فجوة نفسية، وشعور بالكبت في كل ما يخص صحتهم وميولهم الجنسية أو هويتهم الجندرية، لأن الصحة الجنسية تشكل عاملاً أساسياً لاندماجهم في المجتمع".

التثقيف الجنسي هو ثقافة حياة، وهو جزء أساسي من حقوق الشباب لضمان اندماجهم في المجتمع، وهذا ما يشدد عليه القاق خلال الحديث عن أبرز الخطوات التي يجب اتّباعها لضمان حق الشباب بالصحة الجنسية والإنجابية، مشيراً إلى أن موضوع التثقيف الجنسي لا ينحصر في العلاقات الجنسية فقط، بل يتم فيه التركيز على أمور عدة منها: فترة المراهقة، البلوغ والميول الجنسية والهوية الجندرية، وتقبل الآخر وكيفية حماية المراهقين والمراهقات من العنف الذي يمكن أن يتعرضون له، وهي مفاهيم وثقافة ضرورية لضمان فترتي مراهقة وشباب سليمتين وهذه الثقافة مفقودة في كل المناهج الدراسية في العالم العربي".

الحماية من العنف الجنسي أولاً

غياب مفهوم "التربية الجنسية الشاملة"، في كل المناهج الدراسية في العالم العربي، له تأثير سلبي على صحة الطفل والمراهقين الجسدية والنفسية ويزداد بسببها خطر التعرض للعنف الجسدي والجنسي، وعلى الرغم من كل المحاولات لإقرار هذه المناهج الدراسية، إلا أنه لا يوجد أي تغيير يُذكر على هذا الصعيد.

تونس مثلاً، شهدت محاولةً لإقرار مادة عن التربية الجنسية ضمن المناهج التعليمية عام 2019، في خطوة أعدت لها وزارة التربية التونسية بالتعاون مع المعهد العربي لحقوق الإنسان. المادة كانت تستهدف الأطفال الذين تبلغ أعمارهم بين 5 و15 سنةً، وهدفها الأساسي "حماية الأطفال من العنف الجسدي والجنسي"، ما يعني أنها ليست مادة "تربية جنسية شاملة"، وعلى الرغم من كل الآراء السلبية التي طالت هذه الخطوة بحكم أنها تدعو إلى "الانحلال الأخلاقي"، تم تجريب المنهاج في مدارس عدة لوضع تقييم له، ولكن إلى اليوم لم يتم إقراره وتعميمه على بقية المدارس.

تقول الدكتورة فتحية سعيدي، وهي باحثة اجتماعية من تونس، لرصيف22، إن "المشروع توقف مؤقتاً بسبب التغييرات السياسية في تونس، وبمجرد أن غادر وزير التربية السابق حاتم بن سالم، عُلّق هذا المشروع ولم يعد يُسمع عن الموضوع وأحاط به الغموض التام، فلا معلومات جديدةً صدرت عن وزارة الإشراف إلى الآن".

برأيها، المعارضة لهذا المشروع كانت قليلةً نسبيّاً، وانقسمت إلى قسمين: الأول معارضة اجتماعية ربطت بين هذا المنهاج وفكرة "الانحلال الأخلاقي"، والقسم الثاني كان معارضةً دينيةً.

كتابة المحتوى عن التثقيف الجنسي هو تحدّ في حد ذاته، إذ نحاول استخدام لغة شمولية وعامة مع تقديم معلومات طبية دقيقة وسهلة، فكيف يتعامل الجمهور مع هذا المحتوى وكيف يُحارب؟

تُشير سعيدي إلى أن "هناك العديد من المبادرات التوعوية التي يقوم بها الطب المدرسي في تونس في إطار الصحة الجنسية بإشراف من الديوان الوطني والعمران البشري، وهي حملات انطلقت منذ أن اعتمدت تونس سياسة التنظيم العائلي، وفي إطارها يتم توزيع الواقي الذكري مثلاً على المراهقين والمراهقات، وتفسير العديد من الأمور عن الصحة الجنسية والإنجابية والأمراض الجنسية أيضاً، ما يعني أن الخطاب في ما يخص الصحة الجنسية والإنجابية بات متقدماً ولكن هذا الأمر لا ينفي الحاجة إلى مادة التربية الجنسية في المدارس".

المصدر الأول للمعلومات

في ظل غياب مواد التربية الجنسية الشاملة في المدارس في العالم العربي، فرضت مساحات الأونلاين نفسها كمصدر أساسي للمعلومات عن الصحة الجنسية والإنجابية باللغة العربية، وعلى الرغم من مخاطر الوقوع في المعلومات الخطأ وغير الدقيقة، إلا أنها شكلت جزءاً أساسياً من التطور الحاصل على صعيد هذا الخطاب في العالم العربي.

"كتابة المحتوى عن التثقيف الجنسي هو تحدّ في حد ذاته، إذ نحاول استخدام لغة شمولية وعامة مع تقديم معلومات طبية دقيقة وسهلة، ولكن يجب أن نقدم المحتوى للجمهور بشكل يحدّ من الهجوم الذي يُشنّ علينا"، هذا ما تقوله دينا عبد النبي من مصر، مسؤولة التواصل وبناء الشراكات لمشروع "الحب ثقافة"، وهو موقع متخصص في تقديم المعلومات عن الصحة الجنسية والإنجابية للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنةً، ويتوجه في الدرجة الأولى بمحتواه إلى المجتمع المصري.

تُشير عبد النبي إلى أن خلق المساحة الآمنة للحديث عن مواضيع تتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية، أحد أهداف المشروع، وهذا ما حصل من خلال منتدى النقاش الموجود أونلاين والتابع للمشروع الذي يختصّ بالإجابة عن أسئلة المتابعين/ ات المتعلقة بالصحة الإنجابية من دون وصم، أو أحكام".

ما يمكن ملاحظته، بحسب دينا، هو تطور مستوى الخطاب على صعيد الصحة الجنسية والإنجابية وحق المعرفة في هذا الخصوص، "ما يعني أن المجتمع بدأ يتقبل الحديث عن هذه القضايا، خاصةً أن جزءاً كبيراً من المحتوى الذي تقدّمه المنصة كان يتوجه بشكل أساسي إلى الأهل أيضاً، لكسر معتقد ‘العيب المجتمعي’، في الحديث عن الجنس وأهمية أن يتوجه الأهل إلى أولادهم بالحديث عن الصحة الجنسية والإنجابية لعدم لجوء الطفل مثلاً إلى مصادر أخرى محفوفة بالمعلومات المغلوطة".

في ظل غياب مواد التربية الجنسية الشاملة في المدارس في العالم العربي، فرضت مساحات الأونلاين نفسها كمصدر أساسي للمعلومات

يسدّ عمل هذه المنصات، فجوةً كبيرةً على مستوى التثقيف الجنسي، ولكن لا بد من إقرار التربية الجنسية الشاملة في المدارس لضمان وصول هذه المعلومات إلى كافة شرائح المجتمع، وهذا ما تشير إليه عبد النبي، مضيفةً أنه "بحسب استبيان أطلقته منصة الحب ثقافة، توجهت فيه إلى الأهل وسألتهم عن رأيهم في إدخال التربية الجنسية الشاملة ضمن المناهج الدراسية، تبيّن أن هناك تفاعلاً إيجابياً مع الموضوع" .

بالإضافة إلى العقبات التي يواجهها الشباب على صعيد غياب التثقيف الجنسي، تتحدث عبد النبي عن أن هناك عقبات تواجههم على صعيد الخدمات المقدمة والتمييز الحاصل من قبل مقدمي الرعاية الصحية، مشددةً على ضرورة وجود مساحات آمنة أيضاً في القطاع الطبي تسمح للشباب بالوصول إلى الخدمات الطبية من دون أي أحكام. وفي هذا الصدد يتم العمل على إطلاق تطبيق فيه جزء معنيّ بنظم الإحالة إلى الخدمات الصحية الآمنة بناءً على توصيات وتقييمات شركاء مشروع الحب ثقافة.

غموض يحيط بأجسادنا

غياب الخدمات الآمنة من العوائق التي تواجهها ميساء (26 عاماً-لبنان)، فعلى الرغم من أنها كانت تراجع طبيباً مختصاً في جنوب لبنان دورياً، لمعالجة مشكلتها في تكيّس المبيض، إلا أنها لم تستطع زيارته عندما واجهت مشكلة "التشنجات المهبليّة". تقول لرصيف22: "خفت من أن تعرف والدتي بالأمر. الموضوع غير آمن، وحتى في بيروت ليس سهلاً أن تجدي طبيباً/ ةً لا تطلق أحكاماً مسبقةً، وتسألكِ إذا كنت ناشطةً جنسيّاً ولست متزوّجةً، بالإضافة إلى القدرة على تغطية التكاليف أيضاً خلال الأزمة الاقتصادية، لذلك أحاول اللجوء إلى الجمعيات الناشطة في هذا المجال لتغطية تكاليف الفحوصات".

تضيف: "لم أعرف عن صحتي الجنسية والإنجابية حتى سن العشرين تقريباً، عندما بدأت دراستي الجامعية. في المدرسة كانت مادة العلوم تعطينا معلومات أكثر عن الحيوانات والنباتات. لم نتحدث أبداً عن الجنس والجهاز التناسلي والميول الجنسية، حتى في ما بيننا كفتيات، والخرافة الأبرز التي كنا نتداولها وصدّقناها آنذاك هي أنه بالقبلة مثلاً يمكننا إنجاب الأولاد".

المعلومات عن الدورة الشهرية هي أبرز ما تعلمته ميساء عن صحتها الجنسية والإنجابية مع زميلاتها في المدرسة الداخلية للفتيات في منطقة الجنوب، والوضع لم يتغير حتى عندما انتقلت إلى مدرسة مختلطة، حيث الحديث عن الميول والرغبات هو تابو فُرضت عليه رقابة من المدرسة والأهل، تقول: "نحن نمارس رقابةً على أنفسنا أيضاً في مرحلة ما، لأن غياب المساحة لنقاش هذه الأفكار والمواضيع يحتّم علينا قمعها".

موضوع العذرية وغشاء البكارة هو أكبر الهواجس التي كانت تحيط بميساء وغيرها من الصديقات، ليس فقط لأبعادها الاجتماعية، وإنما للخرافات عن الأوجاع في أثناء إقامة العلاقة الجنسية والنزيف على سبيل المثال: "كنا نسأل صديقاتنا عن ليلة الزواج الأولى لهنّ لنعرف أكثر عن هذا الموضوع، ولكن من دون جدوى، فالحديث يكون مقتضباً جداً، نخجل من أن نتحدث بهذه الأمور حتى بيننا كفتيات، وهذا الموضوع كان له أثر نفسي كبير أيضاً، وخوف من العلاقات الجنسية. أحاول إلى الآن أن أتخلص من هذه الترسّبات".

لم أعرف عن صحتي الجنسية والإنجابية حتى سن العشرين تقريباً. في المدرسة كانت مادة العلوم تعطينا معلومات أكثر عن الحيوانات والنباتات. لم نتحدث أبداً عن الجنس والجهاز التناسلي والميول الجنسية

المواقع الإلكترونية شكلت مصدر المعلومات الأساسي لميساء لزيادة معرفتها بصحتها الجنسية والإنجابية، ولكنها لم تتعرف عليها حتى سن الـ21 عاماً: "تأخرت كثيراً لأعرف الكثير عن جسدي، ولكن هذه المنصات شكلت مساحةً جيدةً لأعرف أكثر، وما هو مختلف هي فكرة تمكين النساء وتقويتهن بأنهن يمكنهنّ قول ‘لا’ ورفض أي ممارسة لا نريدها".

تضيف: "كان من المهم أن نعرف كيف نحمي أنفسنا من التحرش ومن أي اعتداء جنسي. كان يجب أن نميّز اللمسة الخطأ من الأشخاص وأيضاً النظرات ولكننا خسرنا هذه الفرصة في طفولتنا".

النظرة الإيجابية الشاملة

منصات مثل جيم ودكتور سندرين عطالله وغيرهما، كان لها دور كبير في "تطبيع الحديث" عن الصحة الجنسية والإنجابية في العالم العربي، بالإضافة إلى مبادرات أطلقتها منظمات غير حكومية تقدّم محتوى إعلامياً عن هذه القضية، مثل بودكاست مشروع "الألف فاصلة"، وكلها منصات ومبادرات تقدّم محتوى هدفه إتاحة المعلومات العلمية بنظرة إيجابية عن الصحة الجنسية والإنجابية.

ومن هذه المنصات أيضاً، منصة the sex talk arabic، وهي صفحة موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، تقدّم محتوى نسوياً عن الصحة الجنسية والإنجابية وتتوجه في الدرجة الأولى إلى النساء وتؤمّن مساحةً آمنةً لهنّ.

فكرة المنصة بدأت بمجموعة مغلقة على فيسبوك، تضم عدداً من النساء وتوفر لهن مساحةً للحديث عن صحتهن الجنسية والتساؤلات كافة حولها، وفي هذه المجموعة متخصصون ومتخصصات من المجالات كافة يجيبون عن الأسئلة والاستفسارات، وبعد التفاعل الكبير تم إطلاق منصات الأونلاين المفتوحة وتطوّع فيها عدد من الناشطات في المجال ومن المتخصصات، ليقدّمن المحتوى باللغة العربية فحسب.

تقول الناشطة النسوية فاطمة إبراهيم، وهي إحدى مؤسِسات المنصة، لرصيف22، إن "الفجوة المعرفية الموجودة في المجتمع كانت الدافع الأساسي وراء إنشاء هذه المنصة وهي انطلقت في وقت تنتشر فيه معلومات عن الصحة الجنسية والإنجابية ذات طابع ذكوري، يتم إقصاء النساء منها وخطابها يتماشى مع الأعراف السائدة في المجتمع، ومثال على ذلك، المحتوى الذي تقدمه الطبيبة هبة قطب في مصر".

تنتشر معلومات عن الصحة الجنسية والإنجابية ذات طابع ذكوري، يتم إقصاء النساء منها وخطابها يتماشى مع الأعراف السائدة في المجتمع

تروي إبراهيم أنها أخذت قرار إنشاء المجموعة على فيسبوك بدايةً لأسباب عدة، منها منشور وصلها عن "الجنس الشرجي" ومتعة الرجل، ولكن المنشور لم يذكر أي شيء عن تدابير السلامة التي يمكن أن تتخذها النساء في هذا الموضوع، وعن رغباتهن فيه، وهنا "تأكدت من أهمية وجود معلومات صحية لا تقصي النساء"، تقول.

وتضيف: "لا بد من الانتقال في مستوى الخطاب على صعيد الصحة الجنسية والإنجابية. لا يمكن التوجه فقط إلى المتزوجين والمتزوجات، بل يجب أن يكون الخطاب شمولياً يجمع كل السيّدات بمختلف تقاطعاتهن، ويشمل مجتمع الميم-عين أيضاً، وهذه خطوة أساسية نحو تطبيع الحديث عن الجنس".

على الرغم من المحاولات الحثيثة التي تبذلها منصة the sex talk arabic، وغيرها من المنصات التي تؤمّن مساحةً آمنةً للنساء والشباب بشكل عام، إلا أن هذه المنصات تواجه صعوبات عدة، فالوجود في مساحات الأونلاين هو تحدٍّ كبير كون خوارزميات فيسبوك مثلاً، تحجب المحتوى الجنسي على الصفحات حتى ولو كان تثقيفياً، ويصعب توزيع المحتوى ونشره على صعيد كبير بين المستخدمين.

في هذا الخصوص، تقول إبراهيم إنه على الرغم من أن المجموعة كانت مغلقةً، إلا أنها كانت تتعرض للحجب كل فترة لأن المحتوى بحسب خوارزميات فيسبوك غير لائق، وكذلك عند إنشاء صفحة مفتوحة على فيسبوك، تم حذف عدد من المنشورات سواء بسبب التبليغات أو الخوارزميات".

تعتقد فاطمة أن السبب وراء الهجمات والانتقادات التي تتعرض لها من المجتمع، هو أن المحتوى المقدّم يستخدم خطاباً راديكالياً وشمولياً، وهو ما يصعب أحياناً على الأفراد تقبّله خاصةً عند الحديث عن مواضيع عدة منها: خرافة غشاء البكارة، وسلبيات حبوب منع الحمل وتأثيرها أحياناً على صحة النساء، والمتعة الجنسية للمرأة وليس فقط للرجل، وأيضاً الحديث عن مجتمع الميم-عين.

في المقابل، لا يمكن إنكار الجمهور الذي يستقبل هذه المعلومات بشكل "إيجابي"، ما يعني أن هناك تطوراً على صعيد ثقافة الشباب في العالم العربي في هذا الخصوص، تختم إبراهيم. 



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نؤمن بأن للإنسان الحق في التفكير وفي الاختيار، وهو حق منعدم في أحيانٍ كثيرة في بلادنا، حيث يُمارَس القمع سياسياً واجتماعياً، بما في ذلك الإطار العائلي، حيث أكثر الدوائر أماناً، أو هكذا نفترض. هذا الحق هو الخطوة الأولى نحو بناء مجتمعات ديمقراطية، فيها يُحترم الإنسان والآخر، وفيها يتطوّر وينمو بشكل مستمر. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا!/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image