منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان، باتت حياة المقيمين وصحتهم/ ن، عرضةً للخطر الدائم. وما يمكن ملاحظته بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، هو التهميش والإهمال المبرمج لحاجات النساء الأساسية، بدءاً من رفع الدعم عن الفوط الصحية وصولاً إلى خدمات الصحة الإنجابية كافة، إذ باتت نساء كثيرات غير قادرات على تأمين مستلزمات صحتهن الإنجابية والجنسية نظراً لارتفاع أسعارها من جهة، وفقدانها بشكل شبه نهائي من الصيدليات من جهة أخرى.
في لمحة عامة على أسعار أدوية الصحة الإنجابية والجنسية، نلاحظ أن حبوب منع الحمل المتوفرة في الصيدليات يبلغ سعر أرخصها 75 ألف ليرة لبنانية، وهي بحسب الصيدلاني حسن جمعة، قد انقطعت لفترة معيّنة عام 2021، وعادت إلى الأسواق بأسعار مرتفعة أكثر بـ12 مرةً عما كانت عليه، وكذلك بالنسبة إلى الواقي الذكري.
أما عن حقن سيلان الدم والزيت التي عادةً ما تأخذها النساء الحوامل وخاصةً اللواتي أجرين عملية IVF (عملية تخصيب خارج الجسم)، فإن تواجدها قليل جداً في السوق، ما يعرّض الحوامل لخطر الإجهاض وهناك أدوية مقطوعة منذ عام 2021، بحسب جمعة.
حقن سيلان الدم والزيت التي عادةً ما تأخذها النساء الحوامل وخاصةً اللواتي أجرين عملية IVF، فإن تواجدها قليل جداً في السوق، ما يعرّض الحوامل لخطر الإجهاض
ويشير إلى أن أكثر ما ارتفع سعره خلال الأزمة، ويخص الحوامل، هي الفيتامينات أو المكمّلات الغذائية إذ بلغ سعر علبة الفيتامين الواحدة 700 ألف ليرة في الحد الأدنى (أي ما يوازي الحد الأدنى للأجور في لبنان)، وهذا السعر قابل للارتفاع مع تغيّر سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
النساء في خطر
تقول مديرة مركز مرسى الطبي، سارة بو زكي، لرصيف22، إن "ارتفاع أسعار خدمات الصحة الإنجابية والجنسية له آثاره على صحة النساء الجسدية"، مشيرةً إلى أن "الصحة الجنسية والإنجابية في لبنان عادةً ما تأتي في آخر سلّم أولويات الأشخاص. ومع توالي الأزمات من اقتصادية إلى جائحة كوفيد19 وانفجار مرفأ بيروت عام 2020، ازداد عدم اكتراث النساء بصحتهنّ الإنجابية والجنسية وخاصةً ما يتعلق بالفحوصات الدورية".
فمثلاً، كلفة فحص الزجاجة الذي يكشف عن الإصابة المبكرة بسرطان عنق الرحم لدى النساء، ارتفعت كلفته إلى ما يقارب 500 ألف ليرة، كذلك بالنسبة إلى الماموغرافي للكشف المبكر عن سرطان الثدي الذي صارت كلفته تبلغ ما يقارب 50 دولاراً أمريكياً، وبحسب بو زكي أدى ارتفاع الأسعار إلى تمنّع النساء عن إجراء هذه الفحوصات، ما يؤخر الكشف عن هذه الأمراض وهنا تتعرض حياة المرأة للخطر.
أمّا ارتفاع سعر "الكوندوم"، فقد يؤدي أيضاً إلى ارتفاع نسبة الأمراض المنقولة جنسياً، وأيضاً فقدان حبوب منع الحمل وارتفاع سعرها، يرفعان من نسبة الحمل غير المرغوب فيه خاصةً مع ارتفاع كلفة تركيب اللولب الاصطناعي إلى ستة ملايين ليرة. وهنا تحذر بو زكي من "ارتفاع نسبة الإجهاض غير الآمن في بلد لا يشرّع الإجهاض إلا في حالات الخطر على حياة المرأة الحامل، هذا عدا عن حياة الجنين التي تتعرض للخطر بسبب انقطاع أدوية مثبتات الحمل بشكل كبير".
وتلفت إلى أن "النساء بدأن بالتردد إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية التي بدأت توسّع عملها منذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان، وهذا الأمر لا بد أن يسدّ ثغرةً، ولكن لا يمكن الاعتماد عليه بشكل كلي لأنها غير قادرة على استيعاب حاجات النساء كافة".
قلق الولادة
"أول مشكلة واجهتها في بداية حملي، هي البحث عن طبيبة نسائية تكون فحصيتها تناسب وضعي المعيشي. فوجئت بأن هناك كشفيات تصل كلفتها إلى 700 ألف ليرة لبنانية، حتى أن جزءاً منهم يحدد الكشفية بالدولار الأمريكي والدفع على سعر صرف السوق السوداء".
كل الظروف من حولي تحتم علي التفكير في أقل التفاصيل وتحرمني أحياناً من سعادتي بحملي. أوقفت المكمّلات الغذائية بسبب غلائها وبدأت بالتحضير لتكاليف الولادة منذ بداية الحمل
تروي أمل (26 سنةً)، لرصيف22، ما مرّت به إلى الآن في رحلة متابعة صحة جنينها، وهي اليوم في الشهر السادس للحمل، خاصةً أن لا تأمين أو ضماناً صحياً يغطي تكاليف حمل أمل الشهرية التي تبلغ نحو مليون ليرة بين فحصية لدى طبيبتها النسائية وصورة صوتية للجنين فقط، من دون ذكر فحوصات أخرى إضافية، أو الأدوية.
تقول: "من حسن الحظ أن حملي مستقر ولم أحتج إلى الكثير من الأدوية سوى في أول أربعة أشهر، وكانت كلفتها عالية وصلت إلى حدود المليونين شهرياً. أمّا المكمّلات الغذائية (فيتامينات)، فأسعارها باتت خياليةً، وأوقفتها عمداً ومجبرةً بعد مرور أربعة أشهر على حملي نظراً لتكلفتها التي تفوق قدرتي".
تفاصيل كثيرة تشغل تفكير أمل خلال هذه الفترة، من مصاريف الطبيبة إلى كلفة الولادة لاحقاً بعد ثلاثة أشهر، عدا عن "الحفاضات" والحليب وأدوية الطفل: "كل الظروف من حولي تحتم علي التفكير في أقل التفاصيل وتحرمني أحياناً من سعادتي بحملي. بدأت بالتحضير لتكاليف الولادة منذ بداية الحمل. سأنجب في مستشفى خاص ولكن خارج بيروت لأن الكلفة تكون أقل"، تقول أمل.
تكلفة الولادة في المستشفيات الخاصة تبدأ من 500 دولار أمريكي، وهو مبلغ يصعب على أمل وكثيرات غيرها تأمينه، لذلك تلجأ النساء إلى الإنجاب في مستشفيات حكومية، ولو أن هذا الخيار ليس محبباً إليهن خاصةً لجهة تغيير الطبيب الذي عاينهن طوال فترة حملهن، أمّا إذا دخلن إلى مستشفيات خاصة على حساب الوزارة، فالأخيرة لا تغطي سوى جزء قليل من التكلفة تصل إلى 20% فقط.
مشكلات متراكمة
ارتفاع سعر الخدمات الصحية الإنجابية بدأ بعد ارتفاع الكلفة التشغيلية للعيادات من فاتورة كهرباء إلى إيجارات وغيرها من مصاريف صيانة للأدوات الطبية الموجب دفعها بالدولار
"منذ عام 2021، تعاني النساء في إيجاد أدويتهن وخاصةً المثبتات للحمل الضعيف وعدد كبير منهن يستوردن أدويتهن من الخارج"، يقول الطبيب النسائي فيصل القاق، لرصيف22، مشيراً إلى حال "الخوف والقلق التي تحيق بالنساء طوال هذه الفترة وأيضاً هشاشة القطاع الطبي والمستشفيات في لبنان في ظل انعدام أي إجراءات تساعد هذا القطاع على الاستمرار".
ويشرح أن "ارتفاع سعر الخدمات الصحية الإنجابية بدأ بعد ارتفاع الكلفة التشغيلية للعيادات من فاتورة كهرباء إلى إيجارات وغيرها من مصاريف صيانة للأدوات الطبية الموجب دفعها بالدولار، لذلك رفع الأطباء سعر الكشفية الطبية من 60 ألف ليرة إلى 400 ألف وما فوق. وعليه، بدأت النساء عموماً، والحوامل منهن خصوصاً، في تقليل زياراتهن الدورية إلى الطبيب النسائي، إلا في الحالات الطارئة ولهذا التخفيف آثاره على صحة النساء الإنجابية".
بحسب القاق، "الكشف المبكر ومتابعة المريضة بشكل دائم، عادةً يخففان من حدة الأعراض الصحية، ولكن هذا الوضع قد يراكم المشكلات الصحية لدى النساء".
كذلك، ارتفعت تكلفة الصورة التفصيلية للجنين من 200 ألف إلى مليون و500 ألف ليرة، وتتغير بحسب سعر صرف الدولار، وكذلك بالنسبة إلى فحوصات أخرى تجريها النساء عامةً (فحوصات هورمونية)، عدا عن كلفة الإنجاب في المستشفيات الخاصة التي ارتفعت وبدأت تُحدَّد بالدولار الأمريكي.
يقول القاق: "الكلفة المحددة رسمياً للإنجاب لم تتغير بعد الأزمة الاقتصادية، وهي 300 ألف ليرة، ولكن هذه الكلفة لا تبدو منطقيةً ولا يمكن المضي بها في ظل الأوضاع الاقتصادية".
أما المستشفيات الحكومية، فلا تتشجّع النساء على زيارتها إلا في الحالات الضرورية، نظراً لعدم جهوزيتها بعد إهمال متراكم من قبل الحكومات المتعاقبة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع