شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
في نقد النظامين الإيراني والسعودي

في نقد النظامين الإيراني والسعودي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

عندما يكتب أحد ما نقداً عن النظام الإيراني، عن أثر هذا النظام التدميري وعن طرق الهيمنة وعلاقات القوة التي يفرضها داخل وخارج إيران، قد يصادف عدداً ممن يدّعون الموضوعية، وهؤلاء سيقولون له، كما حدث مع كاتب هذا المقال في أحد التعليقات على مقال سابق: "وماذا عن السعودية، ألا ترى ماذا تفعل أيضاً؟ ثم لماذا كل هذا العداء لإيران؟".

لا بد من القول بداية إن هذا التعليق يعبّر عن مزاج أو وعي سياسي لدى عدد من الناس ليس بالقليل، أي أنه ليس مجرد رأي شخصي لشخص واحد لا يشاركه فيه أحد، لذلك فإن تفكيك الرؤية التي يستند إليها ليس نافلاً.

هذا القول يتضمن جملة من الافتراضات:

أولاً، أن النقد للنظام الإيراني يعني السكوت عن أفعال النظام السعودي، أو أن الحديث عن أحد هذين النظامين لا بد أن يتطرق إلى النظام الآخر، بغضّ النظر عن السياق أو عن الموضوع الذي يتناوله النقد.

ثانياً، أن لدى الكاتب نية لتبييض صفحة النظام السعودي، أو أنه لا يتحدث عن النظام الإيراني إلا لأنه لا يريد أن يتحدث عن النظام السعودي.

ثالثاً، أن النقد للنظام الإيراني يعني اصطفافاً وراء النظام السعودي، كأن النقد اصطفاف وتصفية حسابات، أو كأن النقد هو دفاع عن نظام ما ضد نظام آخر.

رابعاً، أن النقد هو نفسه العداء، والحال أن النقد بأبسط تعريفاته مقاومة وممارسة للحرية وثمة فروق جوهرية بين هذه الأمور.

خامساً، لا يميز هذا الاعتراض بين النظام والبلد الذي يهيمن عليه هذا النظام، بل هو لا يرى إيران والسعودية إلا من بوابة نظاميهما الحاكمين.

من أين يأتي المزاج أو الوعي السياسي الموالي للأنظمة السياسية؟ أليس في أحد أسبابه من هيمنة الأفكار والرؤى التي تسعى هذه الأنظمة نفسها إلى غرزها في مخيلة الناس؟

قد يكون مفيداً أن نشير مرة أخرى إلى أن النظام السعودي أو الإيراني ليس إلا النظام، ولا يصح اختصار أي بلد بنظام سياسي وأمني. ولأن الحديث هنا عن السعودية وإيران سنجيب باختصار عن السؤال التالي: عن ماذا نتكلم عندما نتكلم عن السعودية وإيران؟

"مقاومة الأنظمة السياسية لا تنتهي، ولكن من المضرّ أن تمنعنا من الاستفادة من إمكانات التفكير التي تفتحنا عليها ثقافات الشعوب، خصوصاً عندما تكون ذات إرث عميق كإيران أو السعودية"

في ما يخص السعودية، الحديث عنها بطريقة ما هو حديث عن بلد يمثل عمقاً من أعماق الوعي والثقافة العربية والإسلامية الذي لا عيب في الدفاع عنه، وهو بصيغة أخرى، أحد مصادر النفس التي ينتمي إليها العرب والمسلمون، ولا حرج من تقدير القيمة العالية لمصادر النفس التي يمثل العنصر العربي والإسلامي أحد أهم أجزائها.

أما في ما يخص إيران فهي أيضاً بلد ذو ثقافة عميقة، له دوره في بناء الثقافة الإنسانية بشكل عام، بل وله إسهامات كبيرة في بناء الثقافة الإسلامية خصوصاً.

ولا بد من الإشارة إلى أن هذه العجالة ليست كافية ولا تستوفي معنى أو دلالة هذين البلدين، إنما مررنا عليها بهدف القول إن نقد نظاميْ هذين البلدين لا ينتقص مما يمثله البلدان بأي شكل من الأشكال، بل هو على العكس من ذلك، يتضمن مديحاً لشعبيهما ولثقافتيهما.

"العيش تحت هذه الأنظمة (التسلّطية) لا يعني أن حياة الناس محددة ومحكومة بكل أبعادها من قبل الأنظمة، فالحياة أعقد وأرحب من أن تُرى كذلك، والجماعات والأفراد في حال من المقاومة اليومية المستمرة"

إن معاودة الحديث عن النظامين الإيراني والسعودي بصيغة نقدية هي موقف سياسي لا يُلزم أحداً، وهي موقف يلتفت في كل مرة أقلّه إلى الأثر التدميري على أربع دول عربية قام النظام الإيراني باحتلالها إما بشكل مباشر أو عن طريق وكلائه. وفي ما يخص النظام السعودي، أقل ما يمكن الالتفات إليه هو قضية حرية المرأة وقضايا حقوق الإنسان عامةً.

لكن الجدير بالذكر دائماً أن العيش تحت هذه الأنظمة لا يعني أن حياة الناس محددة ومحكومة بكل أبعادها من قبل الأنظمة، فالحياة أعقد وأرحب من أن تُرى كذلك، والجماعات والأفراد في حال من المقاومة اليومية المستمرة، وهو ما يتطور في كثير من الحالات إلى ثورات شعبية كما يحدث الآن في إيران...

وبوابة التحرر لا بد أن تُفتح بشكل أو بآخر مهما طال الزمن، والتغيير هو سنّة التاريخ ومصيره، ووقوف الكتّاب مع التغيير ومديحهم للتمرد على الأنظمة ودعواهم المستمرة للخروج من عباءة التسلط هو في أحد وجوهه استقراء للتاريخ وكشف لنقاب العنف.

"الحديث عن السعودية هو حديث عن بلد يمثل عمقاً من أعماق الوعي والثقافة العربية والإسلامية، وهو بصيغة أخرى، أحد مصادر النفس التي ينتمي إليها العرب والمسلمون، أما في ما يخص إيران فهي أيضاً بلد له دوره في بناء الثقافة الإنسانية عامةً، والإسلامية خصوصاً"

ما يعنينا هنا هو التشديد على التفريق بين الأنظمة والدول والآفاق الثقافية، وعدم خلط هذه المفاهيم ببعضها البعض، فكل واحد من هذه المفاهيم له حقله التداولي وله معناه المختلف ولا يصح الخلط بينها، أما مقاومة الأنظمة السياسية فلا تنتهي ولكن من المضرّ أن تمنعنا من الاستفادة من إمكانات التفكير التي تفتحنا عليها ثقافات الشعوب، خصوصاً عندما تكون ذات إرث عميق كإيران أو السعودية، فنقد الأنظمة عندما يتحول إلى مجرد عداء قد يعمي العيون عن رؤية ما تحجبه وما توفره هذه الأنظمة في الآن نفسه من إمكانات التفكير.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image