شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الرحالة المصريّ بيشوي فايز... رحلة البحث عن وطن تبدأ من الابتعاد

الرحالة المصريّ بيشوي فايز... رحلة البحث عن وطن تبدأ من الابتعاد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 23 نوفمبر 202204:22 م


على رأس صفحته الشخصية في فيسبوك، طابور عريض من الصور التي التقطها بنفسه، في مصر وخارجها، وبينها صورة صغيرة ربما لا تلحظها بعض الأعين، لكن كل عين مصرية خبرت الأحداث التي مرت بها البلاد عقب ثورة 25 يناير، ستميزها على الفور كواحدة من أشهر الصور التي باتت علامة على ما شهدته الشوارع المصرية في تلك الفترة، وكانت صور بيشوي فايز من أهم الأعمال الفوتوغرافية التي وثقتها.

"ربما لا يقضي السفر على التعصب، لكنه يبين أن كل الشعوب تبكي وتضحك وتأكل وتموت، ويُظهر أننا لو حاولنا فهم الآخرين لربما نصبح أصدقاء"
مايا أنجيلو

هذه الحقيقة اختبرها بيشوي بنفسه عبر رحلاته وتجواله للتعرف على شعوب وثقافات مختلفة، منذ غادر مصر قبل سنوات قليلة، باحثاً عن وطن يشبهه أكثر.

بيشوي فايز شاب مصري يعمل مصوراً ومدرب غطس وأخيراً مرشداً سياحياً في أوروبا. يقول لرصيف22: "أحاول البحث عن نفسي ووطني في الترحال".

البداية لم تكن في سفرياته الأحدث، وإنما في رحلة قديمة قام بها في العام 2006 إلى "كوكب اليابان" كما يطلق المصريون على الدولة الأسيوية الثرية. يحكي بيشوي: "اشتريت كاميرا حديثة لأوثق الرحلة. فأحببت الأمر، ولما رجعت كملت تصوير في الشوارع وكل ما أراه أمامي. جعلتني الكاميرا أنظر للحياة بعين مختلفة. لا سيما أن والدي أيضاً كان يحب التصوير. ووجدت أن صوري تعجب الأصدقاء وكل من يشاهدها. كان ذلك قبل انتشار السوشيال ميديا ومواقعها".

"علمونا في بلداننا أن العادات والتقاليد لا يمكن كسرها. تربينا على ما تربى عليه آبائنا. نخاف من الغريب ولا نريد التحرك من مكاننا. لكن بالنسبة لي؛ السفر هو كورس مجاني طويل في الحياة"

في نفس العام بدأ فايز مشروعاً لتصوير وتوثيق للعملات المصرية بطريقة مختلفة، فقد قام بزيارة المعالم السياحية الموجودة على كل العملات المصرية بداية من الجنيه وحتى ورقة المائتي جنيه، وصوّر كل عملة بجوار المعلم الحقيقي المرسوم عليها. الصور التي لاقت رواجاً كبيراً بين رواد الشبكات الاجتماعية كانت مفتاحه للحصول على تأشيرة إلى الولايات المتحدة ليقوم بالرحلة نفسها مع العملات الأمريكية: "توثيق العملات المصرية جعلني أسافر إلى كل أنحاء مصر تقريباً لمدة ثلاث سنوات لتخرج بهذا الشكل. كنت أول واحد يحصل على تأشيرة أمريكا بجورنال في يده. قابلت القنصل الأمريكي وأطلعته على الصور وشرحت له الفكرة وما أقوم به، وأخبرته أنني أريد عمل توثيق للدولار الأمريكي بنفس الشكل، فمنحني التأشيرة في دقيقتين". 

بيشوي ساخراً من التصميم الجديدة لعملة 10 جنيهات الورقية في مصر 

هناك شيئان يمنحانني السعادة الكاملة – القيام بالتصوير المثالي والسفر. أشعر بالتوتر الشديد بسبب حقيقة أن هناك الكثير لرؤيته، ولن أعيش طويلاً بما يكفي لزيارة جميع الأماكن التي أريد أن أزورها.

أنوشكا شارما

الشغف وحب التصوير هما ما جعلا بيشوي يقرر الترحال الدائم، يضيف: "أحببت السفر بسبب الكاميرا والتصوير، كان عندي شغف كبير أن أصور في أماكن ودول مختلفة لم أزرها من قبل. قررت أن أصور حتى أشبع شغفي من التصوير. وانتقلت للعيش في مدينة دهب المصرية بعد أن سحرتني طبيعتها. وهناك تعلمت الغطس في مياه البحر الأحمر، فازداد شغفي وفضولي لعالم أعماق البحار والكائنات البحرية المدهشة. فقررت تصوير هذا العالم تحت الماء، وعشت ثلاث سنوات أخرى في دهب، أمارس الغطس والتصوير، حتى أصبحت مدرباً للغطس وحصلت على شهادات معتمدة في المهنة، وبدأت في حملات توعية  للحفاظ على الشعاب المرجانية والكائنات البحرية في دهب، وحملات أخرى لمناهضة إلقاء المخلفات والبلاستيك على الشواطئ وخطورتها على الكائنات البحرية والبيئة".

لكن هذا النجاح لم يؤمِّن لبيشوي فايز ما كان يبحث عنه: "ظننت أنني وصلت إلى ما كنت أبحث عنه. أعيش سعيداً في بيئة نظيفة وهادئة. لكن بعد ثلاث سنوات شعرت أنني وصلت إلى مرحلة التشبع من المكان والمكوث بلا سفر، رغم جمال دهب وتفرد بيئتها ومناخها. لقد طاردتني رغبة أخرى أريد إشباعها، وهي الترحال والسفر حول العالم".

بالموهبة والتجربة والجرأة... كيف تحصل عى تأشيرة أمريكا في دقيقتين؟

 في أوروبا، زار بيشوي معظم المعالم السياحية، وثقها وكتب عنها في حكاوي السفر مع بيشوي على صفحته بمواقع التواصل فيسبوك. حتى حصل على رخصة الإرشاد السياحي في أوربا، ويروي: " بقيت مرشد سياحي في أوروبا. ودي كانت خطوة مهمة في رحلتي على كل المستويات؛ رحلتي مع اكتشاف نفسي والعالم اللي حواليا. السفر خلاني أحب الحياة وأشوفها حلوة وتستحق المغامرة والاكتشاف. كل ما أروح مكان عايز أروح أبعد. السفر يشبع جوايا نهم المعرفة الحقيقة. معرفة الناس على حقيقتهم من خلال معايشتهم مش بالقراءة أو السمع عنهم من الميديا".

 ثلاث سنوات أخرى قضاها بيشوي في أوروبا، قبل أن يعود مضطراً إلى دهب بسبب جائحة كورونا حول العالم. فور انحسار انتشار الفيروس وبدء عودة الحياة إلى طبيعتها، قرر الرحالة الشاب خوض مغامرة أخرى جديدة.

 لن نتوقف عن الاستكشاف، وستكون نهاية كل استكشافاتنا هي الوصول إلى حيث بدأنا ومعرفة المكان لأول مرة.

تي إس إليوت

يؤمن بيشوي أن السفر جعل له عيناً جديدة، وأنه استكشف حواسه وأحاسيس لم يختبرها قط، في التخييم في الصحراء في مصر، في غابات ومرتفعات أوروبا. التعرف على المسافرين ومشاركتهم الكلام والضحك والأكل والسفر.  

 حسب بيشوي كانت "أكبر مغامرة عملها في حياته لغاية اليوم"  في مايو/آيار الماضي، مفسرًا ذلك بقوله: "كانت مغامرة فريدة. بدأت مشي من مدينة بورجوس الإسبانية، ومشيت أكتر من 550 كيلو لمدة 35 يوماً، في أشهر طريق للـHiking  في أوروبا وهو طريق الحجاج الكاثوليك وموجود في شمال إسبانيا".

"أحاول البحث عن نفسي ووطني في الترحال"

بيشوي هو أول مصري يقطع هذا الطريق "كامبيو دي سانتياجو" الذي يعود تاريخ أهميته الروحية إلى سنة 44 ميلادية، حينما كان القديس يعقوب يبشر بالمسيحية في أوروبا، وتم اكتشاف رفاته على الطريق نفسه في القرن التاسع، ويضيف: "بعدين بنوا كاتدرائية عملاقة في سانتياجو، وسنة 1140 ميلاديًا رسمت أول خريطة للطريق، وبدأ الناس تجيله من كل حتة في العالم. وبتعدي فيه على جبال وهضاب ومدن وقرى ومزارع وأنهار، وبتشوف فيه كل أنواع الطقس، حر وبرد ومطر وتلج، بتواجه صعاب وتحديات كتير، وبتقابل ناس من كل العالم".

نشأ مجتمع صغير على طول الطريق. "ناس يساعدونك وتساعدهم طول الطريق. بتسمع حكايات أغرب من الخيال من كل البشر اللي حواليك. تحكي مع الناس ويحكوا معك بحرية وراحة من غير ما تتقابلوا تاني بعد نهاية الرحلة".

من ناحية أخرى، يبدي بيشوي إعجابه بالشباب في مصر الذي يقرر المغامرة والسفر داخل محافظاتها، والتخييم في صحاري سيوة وسيناء، والزيادة الملحوظة في سياحة الشباب وثقافة المشي في الصحراء وإقامة كامبات للشباب والمراهقين تجربة التخييم في الصحراء.

التواصل الإنساني هو الشغف الأكبر الذي يسيطر على بيشوي اليوم. معرفة البشر والتعرف عليهم أكثر وأكثر. من كل مكان ومختلف الثقافات والمرجعيات. ويبدو أنه اختار وطناً يعيش فيه، لقد وجد ضالته في "مدريد"، ومجتمعها المتسامح والمتقبل للآخر لأقصى مدى، حسب رأيه. يقول: "مدريد أفضل كوميونتي في أوربا فعلاً، تقريباً ماحدش من مدريد نفسها، الأغلب لاتينيين من مختلف أوروبا والنسبة الباقية أسبان وجنسيات تانية مختلفة عرب على اسيويين على أفارقة وأمريكيين. مافيش عنصرية تماماً وكل الناس بتحب الحياة عدنهم همومهم ومشاكلهم، لكنهم لا يشكون طوال الوقت بسبب المشاكل والظروف. لا يسمحون أن تؤثر هذه الصعوبات على حياتهم الاجتماعية واستمتاعهم بالحياة". 

كان بيشوي يفكر بعد جولته في أوروبا أن يستقر في المكسيك، لكنه بعد عام هنا في مدريد أحب الحياة فيها، وقرر عمل شركة سياحة صغيرة متخصصة في سياحة السفاري والغطس في مصر. ويقول: "قررت أعمل شركة سياحة في أسبانيا أخد الأجانب يشوفوا سياحة مختلفة في مصر عن سياحة الأماكن التاريخية ويشوفوا اللي مش ممكن يشوفوه مع الأفواج، ويجربوا يتعايشوا مع أهل المكان. بحاول أعرف مصر من خلال صوري اللي بصورها، بيشوفوا صور البحر الأحمر، ومرسى علم، ووادي الجِمَال، والصحراء البيضاء والسماء والنيل في أسوان. بعرفهم على أكلات وملابس وأغاني وموسيقى من مصر، علشان يعرفوا ثقافة الشعب ده وطريقة حياتهم. وده اللي بعمله أنا لما بسافر أي مكان بعرف طبيعة المكان والناس هي دي التجارب الحقيقية".

تغرب عن الأوطان في طلب العلا

وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفريج هم واكتساب معيشة

وعلم وآداب وصحبة ماجد 
الإمام الشافعي

يقولون إن للسفر سبع فوائد، لكن بيشوي يرى أن السفر له مئات الفوائد وليس سبعاً فقط. ويقول: "علمونا في بلداننا أن العادات والتقاليد لا يمكن كسرها. تربينا على ما تربى عليه ابائنا. نخاف من الغريب ولا نريد التحرك من مكاننا. لكن بالنسبة لي؛ السفر هو كورس مجاني طويل في الحياة. أنت تعرف نفسك من السفر، وليس المكوث والتعود. تواجه المشاكل المختلفة وتعرف كيف تحلها. تطور من نفسك دائما وتقتل مخاوفك مش في القعدة في مكان واحد. تفتح أفقك وعقلك للاختلاف وتقبل الآخر كما هو. السفر يجعلك مقبل على الحياة وتحبها وتكسر ما تعودت عليه وتعيش كل يوم في مغامرة جديدة. خلاف ما يخلفه السفر من أفكار وصنع ذكريات لا يمكن أن تصنعها في مكان واحد".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard