فرح يعم إيران بعد هزيمة المنتخب الإيراني في مباراة مع منتخب إنكلترا في كأس العالم 2022 قطر، وأجواء إيرانية غير مسبوقة بعد هذه المباراة التي هي أول مباراة للمنتخب الوطني، وقد هزم فيها 6-2، مما يشير إلى الفجوة الحاصلة في أوساط المجتمع الإيراني.
نشرت قناة بي بي سي الفارسية ووسائل إعلام أخرى عدة مقاطع لمواطنين إيرانيين يحتفلون بعد تسديد الأهداف في مرمى شباك منتخبهم خلال المباراة الافتتاحية من المجموعة الثانية يوم أمس الاثنين 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2022.
تعود أسباب هذا الفرح بخسارة المنتخب إلى الأحداث الجارية في إيران، حيث فقد المنتخب دعم الجمهور بعدما اتخذ اللاعبون الصمتَ تجاه القمع المستخدم ضد المتظاهرين، حسب قولهم. واتُهم الفريق الإيراني الذي شهد أكبر هزيمته بسداسية نظيفة لهدفين، بعد نحو 60 عاماً، بأنه منتخب النظام، وليس منتخب الوطن.
"لا أجد كلمة تعبر عن ما في داخلي تجاه مباراة إيران وإنكلترا، فهو خليط من الفرح والحزن واليأس والأمل، والغضب والنشوة، هو كل ذلك وليس ذلك"
وتعرض أعضاء المنتخب الإيراني إلى حملات شديدة من قبل مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي الذين اعتبروا صمتهم تجاه ما يجري في البلاد، اصطفافاً إلى جانب النظام وليس الشعب، وما زاد الطين بلة، كان لقاءهم بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قبيل مغادرة طهران إلى الدوحة، حيث نشر مكتب الرئاسة صوراً من اللاعبين وهم على هيئة الطاعة للرئيس.
"لا أجد كلمة تعبر عن ما في داخلي تجاه مباراة إيران وإنكلترا، فهو خليط من الفرح والحزن واليأس والأمل، والغضب والنشوة، هو كل ذلك وليس ذلك"، هكذا عبر الناشط الإيراني سيامَك قاسمي.
الأقليات القومية الإيرانية والمنتخب الوطني
في غضون ذلك، كان تفاعل الأقليات القومية في إيران مع ما يجري من مشاعر تجاه المنتخب الإيراني ملفتة للنظر، فقد أعاد بعض الرواد التذكير بنفس المشاعر التي تحملها القوميات تجاه ما يُسمى بـ"أُسود بلاد فارس" في الرياضة.
"في وقت ما، كان فرحُ المجتمع العربي في إيران إزاء هزائم المنتخبات الإيرانية رمزاً للانفصالية، واليوم نفس المشاعر في المستوى الوطني يتم تفسيرها كرمز للإبداع في النضال وحب الوطن."، هكذا علّق باحث الشؤون الاجتماعية العربي الإيراني عقيل دغاغلة.
كما كتبت إحدى المواطنات الإيرانيات من أصول تركية: "ألا يعتبر الاحتفال بهزيمة المنتخب الإيراني، حراكاً ضد الوطن؟ عندما كان الأتراك يفرحون من خسارة نفس المنتخب لماذا كنتم تلصقون تهم الانفصالية والشوفينية بهم؟ الوطنية لكل المواطنين، وليس لفئة خاصة، فتفهموا مشاعرنا".
منتخب السلطات وليس الوطن
وخلال عقود، اعتبر المنتخب الإيراني بالنسبة للكرد والعرب والترك والبلوش وأقليات أخرى تقول إنها تعاني من الاضطهاد، بأنه منتخب السلطات وليس الوطن، فكانوا يشجعون خصومه، ويفرحون لهزائمه، وفي المقابل كان الفرس بمختلف آرائهم السياسية، يشنون هجماتٍ، ويطلقون الحرب النفسية على تلك الشعوب، ويصفونهم بمرتزقة البلدان الأخرى، وبأنهم يبحثون عن الانفصال من إيران.
لكن هذه المرة، تحولت الفرحة بهزيمة المعسكر الإيراني من المدن ذات الأغلبية غير الفارسية إلى أهم المدن التي تقطنها غالبيةٌ فارسية، أي طهران وإصفهان ومشهد وشيراز، وغيرها.
في مدينة مشهد نشر بعض رواد شبكات التواصل، أنباء عن إغلاق مقهى كان قد دعا عبر حسابه في إنستغرام، إلى الاجتماع في المقهى ومشاهدة المباريات دعماً للمنتخب البريطاني ضد المنتخب الإيراني. كما تداولت صور وفيديوهات من بهجة وفرحة ورقص وتوزيع حلويات مكتوب عليها: "نهنئ هزيمة منتخب النظام القاتل للأطفال"، في شوارع المدن الإيرانية بعد هزيمة المنتخب الوطني، وترديد شعار "الموت للنظام ذي 6 أهداف" و"الموت لجمهورية الـ6 أهداف".
الأجواء الإيرانية في الدوحة
في العاصمة القطرية، الدوحة، بدأت المباراة وسط امتناع لاعبو المنتخب عن أداء النشيد الوطني، إذ ظهروا جادين حين عزف النشيد قبل المباراة، وقام التلفزيون الإيراني بتعتيم هذه اللحظات، وبث صوراً أخرى لمشاهديه.
وفي الفترة الأخيرة، كان الامتناع من ترديد النشيد الوطني من قبل الرياضيين الإيرانيين في الرياضات والمباريات المختلفة واحداً من أساليب التضامن مع الاحتجاجات، والذي أثار غضب السلطات الإيرانية بشدة.
وعشية المباراة، عبّر كابتن المنتخب الإيراني، إحسان حاج صفي، عن تضامن المنتخب مع عوائل ضحايا الاحتجاجات، قائلاً: "نحن معهم، ونحن ندعمهم ونتعاطف معهم"، لكن هذا التضامن لم يشفع لهم لدى الجمهور الغاضب تجاه صمتهم في فترة 65 يوماً من اندلاع الاحتجاجات.
والجمهور الذي جاء بعضه من داخل إيران والبعض الآخر من الجالية الإيرانية المقيمة حول العالم، ارتدى بعضهم قمصاناً مكتوب عليها شعار الاحتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، ورفع بعضهم لافتات كتب عليها هذا الشعار، كما هتفوا باسم "علي كريمي"، أسطورة كرة القدم الإيرانية الذي يُعدّ من الوجوه الأكثر شعبية في الحركة الاحتجاجية الحالية في إيران، ومغضوب النظام الإيراني. كما تم تداول فيديوهات وأنباء من إطلاق هتافات "عديم الشرف"، من على المدرجات موجهة لللاعبين الإيرانيين.
ردود الفعل هذه والتي بدأت منذ بدء المباراة واستمرت حتى نهايتها، برغم تسجيل 6 أهداف من إنكلترا ضد إيران، أثارت غضب مدرب المنتخب الإيراني، كارلوس كيروش، الذي قال: "أطلب من الذين لا يريدون دعم المنتخب الوطني أن لا يحضروا الملعبَ. لسنا بحاجة إليهم، وهذا ما يشعر به اللاعبون أيضاً".
ونُشرت فيديوهات عن رفع عدد من الإيرانيين شعار "الموت لخامنئي" خارج الملعب بعد نهاية المباراة.
وحدث ذلك، برغم بذل السلطات الإيرانية التي يتهمها المتظاهرون باستخدام العنف الشديد تجاههم، جميعَ الأساليب لكسب دعم الشعب للمنتخب الوطني، ولدعم للمنتخب الإيراني كي يحقق النصر على منافسيه، إذ تعتبرهم طهران خصوماً سياسياً، كالمنتخب الأمريكي والبريطاني وويلز ضمن المجموعة الثانية، والتي وُصفت بأنها المجموعة السياسية في المونديال القطري.
وبثت وسائل الإعلام الرسمية خلال الفترة الأخيرة دعايات كثيرة وتقارير عديدة حاولت فيها إظهار الشعب الإيراني بأنه متابع لكأس العالم ومناصر للمنتخب الوطني، ووضعت بلدية طهران العديد من اللافتات التي حملت "الكل يدعم إيران"، وقد تم إحراق عدد من هذه اللافتات في طهران، من قبل المحتجين، كما وُضعت لافتات أخرى من قبلهم دعوا فيها أعضاء المنتخب الإيراني إلى التضامن مع الاحتجاجات في البلاد.
عندما تغسل الاحتجاجات الإيرانية أعين المتشددين
حول تدخلات السلطات الإيرانية في كرة القدم، يقول الأستاذ السياسي الإصلاحي الإيراني صادق زيبا كلام: "أثناء كأس العالم قبل سنوات، قلت إنني لا أحب أن يفوز المنتخب الإيراني، كون النظام يستغل ذلك سياسياً، فاتهمَني المعارضون، وأنصار النظام المتشددون، وهواة الحكم الملكي، ولكن بعد سنوات عندما غسلت احتجاجات (المرأة، الحياة، الحرية) الأعين، انتبه الكثيرون أنني لم أكن على خطأ".
"لم يكن في الحسبان أن يصل يوماً، لم نحزن به لخسارة منتخبنا الوطني في مواجهات دولية ككأس العالم، ماذا حلّ بنا حتى تحولنا إلى هذا؟"، هي تغريدة لإحدى ناشطات شبكات التواصل والتي تفاعل معها الإيرانيون على نطاق واسع.
كما عنونت صحيفة "كيهان" المتشددة في نسختها اليوم الثلاثاء: "إيران 2، وإنكلترا وإسرائيل وآل سعود والمرتزقة في الداخل والخارج 6"، كما انتقدت أعضاء المنتخب الإيراني الذين لم يرددون النشيد الوطني ووصفتهم بـ"عديمي الشرف".
في أحدث مستجدات الاحتجاجات... الأكراد في إيران تحت رحمة الرصاص
في غضون ذلك، شددت أجهزة الأمن الإيرانية قمعها على المتظاهرين في المناطق الكردية غربي البلاد في الأيام الأخيرة. وأظهرت فيديوهات وصور، رتلاً عسكرياً متوجهاً نحو مدينة مَهاباد التي شهدت احتجاجاتٍ واسعةً واشتباكات، كما أعلن الحرس الثوري عن إرسال العتاد لتعزيز قواته هناك، بالتزامن مع قصفه مقراتِ الأحزاب الكردية المعارضة الواقعة في إقليم كردستان العراق.
وتتهم إيرانُ جماعاتٍ كرديةً مسلحة معارضة تقيم في كردستان العراق بالتحريض على الاحتجاجات داخل إيران، وقامت بقصفها لأكثر من مرة في الفترة الأخيرة، مطالبة سلطاتِ الإقليم بإخراجها.
"أثناء كأس العالم قبل سنوات، قلت إنني لا أحب أن يفوز المنتخب الإيراني، كون النظام يستغل ذلك سياسياً، فاتُّهمت... بعد سنوات عندما غسلت احتجاجات (المرأة، الحياة، الحرية) الأعين، انتبه الكثيرون أنني لم أكن على خطأ"
وانتشرت في الأيام الأخيرة صوراً من المدن الكردية التي اشتعلت فيها الاحتجاجات بعد جنازة الشابة الكردية مهسا أميني في مدينة سقِّز في 16 من أيلول/سبتمبر الماضي، والتي تظهر محتجين غير مسلحين يحملون الحجارة وهم عرضة للرصاص الحي.
وفي مقطع فيديو تداوله الكثير يظهر أشخاص مضرجون بالدماء في الشارع، يصرخ أحدهم بأن طفلة تعرضت لإطلاق نار في الرأس. ونشر الكثير من رواد شبكات التواصل نداء إغاثة للإيرانيين كي يخرجوا في مظاهرات تطالب بعدم قمع الأكراد.
وأصدر 110 رجل دين سني في مدينة سَنَندج الكردية ونواحيها، بياناً طالبوا فيه بـ"إصغاء الدولة إلى مطالب الشعب بجدية". وتضامن أئمة المساجد مع عوائل الضحايا ودعوا إلى "استفتاء عام بإشراف دولي". كما دعا قبل أسابيع الزعيم الروحي لأهل السنة في إيران وخطيب جمعة مدينة زاهِدان البلوشية، الشيخ عبد الحميد إسماعيل زهي إلى "الاستفتاء العام حول نمط الحكومة"، لكن السلطات الإيرانية لم ترد على هذه المطالبات حتى الآن.
وفي أحدث تقاريرها، أعلنت وكالة أنباء منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، ومقرها في النرويج، عن مقتل 419 بينهم أطفال ونساء، واعتقال 17 ألف إيراني خلال الاحتجاجات الجارية منذ 66 يوماً. ولا زالت تتحول جنائزً ضحايا الاحتجاجات في إيران إلى تجمعات لآلاف المحتجين، وإطلاق شعارات مناوئة للجمهورية الإسلامية مثل "الموت للديكتاتور"، "الموت لخامنئي"، إلى جانب تجمعات طلابية وتجمعات احتجاجية ليلية وإطلاق شعارات وكتابتها على الجدران في المدن المختلفة.
ما هو نص النشيد الوطني الإيراني؟
ما هي كلمات النشيد الوطني الإيراني الذي لا يرى معارضو النظام والمحتجون بأنه يمثلهم؟ وهو النشيد الذي اعتُمد بعد الثورة الإسلامية (1979)، بدلاً لسابقه الذي كان متداولاً أيام نظام الشاه. لعقود كان يتلى هذا النشيد قبل كلّ احتفال رسمي -وأحياناً غير رسمي-، وقبل أي برنامج حكومي، وحتى في المدارس قبل الدخول إلى الصفوف الدراسية، إلا أنه اليوم بات هذا النشيد ولا سيما المقطع الأخير منه يثير حفيظة المحتجين، فلا يطيقون سماعه اليوم. وهذا نصه بالفارسية وترجمته إلى العربية:
سَرزَد از افُق
بزغت من الأفـق
مِهرِ خاوَران
شمسُ المشرق
فُروغِ دیدِه ئِ حقْباوَران
التي تستنير بها أبصارُ المؤمنين بالحق
بَهمَن، فَرِ ايمانِ ماست
بَهمَن (يعادل شباط/فبراير في التقويم الإيراني وهو الشهر الذي انتصرت فيه الثورة الإسلامية) بهاءُ إيماننا
پَيامَت ایْ امام
ونداؤك أيها الإمام:
استقلال، آزادی
الاستقلال والحرية
نقشِ جانِ ماست
منقوشٌ في أرواحِنا
شهيدان، پيچيده در گوشِ زمان فريادِتان
أيها الشهداء، صيحاتكم تملأ مسامعَ الزمن
پاينده مانی وجاودان
فلتبقيْ أبيةً وخالدةً
جمهوری إسلامی إيران
أيتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين