شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كيف تحول عشرة ملوك سومريين إلى عشرة أنبياء توراتيين؟

كيف تحول عشرة ملوك سومريين إلى عشرة أنبياء توراتيين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 3 ديسمبر 202211:50 ص

يُعتبر كتاب الدكتور خزعل الماجدي "أنبياء سومريون: كيف تحول عشرة ملوك سومريين إلى عشرة أنبياء توراتيين؟" أول دراسة علمية دقيقة تكشف التشابه بين عشرة من الآباء أو الملوك السومريين، والأنبياء الذين وردوا في الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية والإسلامية، وهُم آدم، شيث، إنوش، قينان، مهلالئيل، يارد، أخنوخ، متوشالح، لامك، ونوح.

ويتوصل الكتاب إلى أنهم عشرة ملوكٍ سومريين تولوا حكم ممالك أو مدن معروفة في بلاد الرافدين، ولكن حوّلهم كتّاب الأسطورة اليهودية من ملوكٍ إلى رسل أو أنبياء أو آباء للإنسان الأول.

سونارتو، شنعار، أريدو، ألولم، آدم

سُميت الشعوب المهاجرة إلى السهل الخصيب في منطقة بلاد الرافدين باسم "سونارتو"، ومع تتالي المرويات والتلاقح الثقافي والحضاري بين الأمم القديمة، تحولت التسمية إلى "شنعارتو" ثم "شنعار"، وهو اسم عبري محوّر لكلمة (سومر)، ومن المرجح حسب الآركيولوجيا أنّ حضارة "سونار" هم نفسهم شعب وحضارة "إريدو" (Eridu)، التي ظهرت في 5000 ق.م وانتهت في 4500 ق.م.

وكان ملك أريدو هو ألولم أو ألوليم أو ألولو، وكلها أسماء لهذا الملك، وهي تعني باللغة السومرية الرجلَ الأول أو العليم أو الحكيم أو العاقل، وقد تمّ تحويلها إلى "آدم" في التراث الديني.

وتقول النصوص السومرية إن "أريدو" هي أول مكان تنزل فيه الملوكية من السماء إلى الأرض، وأصبح الملك الأول هو "ألولم" في إريدو، إلى أن جاءت الأساطير العبرية وحوّلته إلى "آدم"، وهذا الملك كان لديه حكيم اسمه "أدابا".

أريدو، إيدن، أدابا، آدم

أريدو غالباً هي المكان المرجح لما عُرف بالسومرية باسم "إيدن" (Eden) أو عدن في الأسطورة الدينية، و إيدن في اللغة السومرية تعني المرج أو السهل.

يقول خزعل الماجدي إنّ أول مدينة أُنشئت على وجه الأرض هي "أريدو"، تقع على ضفة نهر الفرات، ويشدد الماجدي في أحد لقاءاته أنها أول مدينة وليس قرية أو بلدة، أي أنها تتمتع بمواصفات المدينة، من ناحية التعداد السكاني العالي ووجود الأسواق والمرافق العامة، والشيء الأهم هو المعبد الموجود في مركز المدينة.

ويقول الماجدي إن أريدو كانت في التراث السومري تسمى مدينة "أدابا" التي هي أصل لاسم "آدم".

نينتي وحواء

نأتي إلى الآلهة "نينتي" التي يقول الماجدي إنها كانت عند السومريين الآلهة التي تُحيي، ومن هنا أتت تسميتها في الاسطورة العبرية (حواء) أي التي تُحيي، ولكي يكتمل شكل الأسطورة لدينا، فالنهاية "تي" في اسم الآلهة "نينتي" تعني في اللغة السومرية "ضِلع"، في إشارة واضحة إلى القصة التوراتية التي تقول إنّ حواء قد خُلقَت من ضلع آدم.

يُعتبر كتاب الدكتور خزعل الماجدي "أنبياء سومريون: كيف تحول عشرة ملوك سومريين إلى عشرة أنبياء توراتيين؟" أول دراسة علمية دقيقة تكشف التشابه بين عشرة من الآباء أو الملوك السومريين، والأنبياء الذين وردوا في الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية والإسلامية

"فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا. وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. فَقَالَ آدَمُ: هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ". (سفر التكوين، الإصحاح الثاني، 21-23).

إنكي، أوانيس، يؤانيس، يونس

وقال الباحث العراقي الدكتور خزعل الماجدي في مقابلة مع قناة RT العربية، إن قصة النبي يونس تبنتها الديانات الإبراهيمية من الحضارة السومرية، وورثتها الكلدانية والسريانية والآشورية.

وأكد الماجدي أن الحضارات الكلدانية والسريانية والآشورية كانت معروفة بتسجيل معتقداتها وتاريخها وأساطيرها بشكل دقيق؛ "إنكي، إله الماء السومري، كان له خادم أو مساعد يدعى أوانيس أو يؤانيس؛ كان الجزء السفلي من جسده متقشراً مثل السمك، والجزء العلوي كان بشرياً".

وربما فسرت اليهودية والمسيحية والإسلام صورة أوانيس (أوانيس) على الآثار السومرية القديمة على أنها سمكة تبتلع إنساناً، ونُقلت الأسطورة إلى كتبهم المقدسة على أنها قصة النبي يونس الذي ابتلعه الحوت، وبقي في بطنه عدة أيام.

وفي القصة أنقذ الله أوانيس أو يونان، وسافر بعد ذلك إلى نينوى، وحثّ الناس هناك على التوبة.

آخنوخ، إنميدورانكي، إنوتش، إدريس

الملك السابع في قائمة الملوك السومريين هو إنميدورانكي (enmeduranki)، الذي تقول الأسطورة السومرية إنه لم يمت، بل صعد إلى السماء، وجلب عناصر الحضارة وعلمها للبشر. وهنا نجد تشابهاً كبيراً مع الأسطورة التوراتية التي تتكلم عن إنوتش (Enoch) أو آخنوخ (أو إدريس في الرواية القرآنية) الذي لم يمت أيضاً، وأخذه الله إلى السماء، ويُحكى عنه بأشياء كثيرة بأنه أول من خاط الثياب، وأول من علم الناس اللغة.

"وَعَاشَ أَخْنُوخُ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَوَلَدَ مَتُوشَالَحَ. 22وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ بَعْدَ مَا وَلَدَ مَتُوشَالَحَ ثَلاَثَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. 23فَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ أَخْنُوخَ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَخَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً. 24وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ" (سفر التكوين، الإصحاح الخامس. 21).

"وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْناهُ مَكانًا عَلِيًّا" (القرآن، سورة مريم. 57).

زيوسيدرا، شروباك، نوح

في الأسطورة السومرية يوجد الملك "زيوسيدرا" التي تقول الأسطورة ‘نه أنقذ سكان مدينة "شروباك" من الطوفان بواسطة سفينته، حيث يقول النص السومري: "يا زيوسيدرا اصنع مركباً يأتي له الإله إنكي". وهو تشابه واضح مع الرواية التوراتية الشهيرة عن إنقاذ نوح للأرض من الطوفان. وتحولت هذه الحادثة إلى أسطورة تم تناقلها وتضخيمها وتعديلها.

كانت الردود على كتاب الدكتور خزعل الماجدي قوية جداً، باعتباره وضع قصص الأنبياء التي تناولتها الكتب المقدسة موضعَ النقد والتحليل والدراسة، وكانت الردود انفعاليةً أكثر من كونها ناقدة

نوح التوراتي والقرآني يقابله من ملوك سومر زيوسيدرا أو زوسودرا، ومعنى اسمه "الذي جعل الحياة طويلة"، وترجمته في الأكادية البابلية "أوتانابشتم" ومعنى اسمه "وجدتُ حياتي"، وله اسم أكادي آخر هو "أتراحاسس" ومعنى اسمه "فائق الحكمة".

وقال الماجدي في إحدى مقابلاته على قناة RT بالعربية بأن الطوفان حدث بحسب النصوص السومرية في مدينة شروباك، وهو أمر منطقي باعتبار وجود المدينة بالقرب من دجلة، حيث كان مشهوراً بطوفانه المفاجئ، على عكس النيل الذي كان لطوفانه مواعيد معروفة، ومن هنا أتت تسمية هذا النهر بدجلة، ومعناه السّهم المنطلق.

وأضاف الماجدي: "لم نجد أثراً لهذا الطوفان في الأساطير المصرية، ولا في الأساطير الكنعانية، وبقية حضارات بلاد الشام، مع أنها قريبة جغرافياً من بلاد الرافدين".

وَقَالَ الرَّبُّ لِنُوحٍ: "ادْخُلْ أَنْتَ وَجَمِيعُ بَيْتِكَ إِلَى الْفُلْكِ، لأَنِّي إِيَّاكَ رَأَيْتُ بَارًّا لَدَيَّ فِي هذَا الْجِيلِ. 4 لأَنِّي بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا أُمْطِرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَأَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ كُلَّ قَائِمٍ عَمِلْتُهُ" (سفر التكوين، الإصحاح السابع).

"وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا" (القرآن، سورة الفرقان: 37).

الردود على الماجدي

لقد كانت الردود على كتاب الدكتور خزعل الماجدي قوية جداً، باعتباره وضع هذه القصص التي تناولتها الكتب المقدسة موضع النقد والتحليل والدراسة، وكانت الردود انفعالية أكثر من كونها ناقدة، وتعاملت بإسفاف وظلم مع الجهد المضني الذي بذله، وفانتُقد بطريقة غير موضوعية. في حين أن التعامل مع الآركيولوجيا مختلف عن أي شيء آخر، حيث يبحث علماء الآثار في ألواح ورقم تعود لآلاف السنين قبل الميلاد، ويستغرق فكُّ شيفراتها زمناً طويلاً وجهداً كبيراً.

وأكد الدكتور الماجدي في جميع لقاءاته، أنه لا يهدف إلى التجريح بالأديان، ولكن عمله كباحث يُحتم عليه جمع النصوص والرقم والألواح ودراستها دراسةً تحليلية نقدية موضوعية بغضّ النظر عن معتقداته، أي أنّه حين يدخل إلى المخبر ينزع عن نفسه كلَّ الأيديولوجيات، لأنه يتعامل مع أدلة آركيولوحية بحثية وعلمية.

هل كان خزعل الماجدي وحيداً في طرحه؟

لم يكن الدكتور خزعل الماجدي الوحيدَ الذي درس النصوص السومرية القديمة وتشابهها مع الكتب المقدسة، فقد تناول الباحث السوري فراس السواح هذا الموضوعَ في كتابه الشهير "مغامرة العقل الأولى" عام 1976، لكنه لم يقم سوى بجمع عددٍ كبير وهام من نصوص بلاد الرافدين التي تشبه حكايا التوراة، وترك المقارنة والتحليل والاستنتاج للقراء.

وأكد العالم وينكلر وزملاؤه من علماء مدرسة "توراة بابل" على أن أغلبية قصص وأساطير العهد القديم، وخاصةً أسفار موسى الخمسة، هي نتاج التلاقح مع الأدب المسماري في بلاد الرافدين، وكذلك العالم ماير، زميل وتلميذ العالم الشهير ويلهاوزن، قال إن القصص التوراتية كانت في الأصل مروياتٍ شفهيةً ومجموعاتٍ من الحكايات الشعبية والأساطير والملاحم.

ومن الباحثين الأجانب المهتمين بالمقارنة بين النصوص السومرية ومثيلاتها التوراتية، هو فردريك ديليتش الذي ألف كتاب "بابل والكتاب المقدس"، والباحث العراقي فاضل عبد الواحد مؤلف كتاب "من سومر إلى التوراة"، ولكنّ جميع الباحثين العرب والأجانب لم يتطرقوا إلى موضوع الملوك السومريين الذين تحولوا إلى أنبياء، مثل الدكتور خزعل الماجدي من حيث الدقة والتخصص وتنوع الأدلة وغزارتها


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image