شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
لأنني أحب مدينة دمشق التي لم أعد أحب

لأنني أحب مدينة دمشق التي لم أعد أحب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الأربعاء 8 فبراير 202311:41 ص

لم أعد أحب دمشق! وبصوت خفيض أعترف بأنني أصبحت أكرهها. فأنا أحيا في اللاذقية منذ خمس سنوات، وأمام دهشة السائل عن عظمة لدمشق وروعتها، وهم غالباً من الشباب الصغار في السن، أزيد الطين بلة وأشرح أن عدم محبتي لا يتعلق بما فعلت الحرب بدمشق، نعم قامت الحرب بدورها كاملاً، ولكن دمشق أصبحت مدينة كريهة قبل الحرب بسنوات!

قبل الحرب

كانت مقاهي دمشق للشباب تحت سن الثلاثين قليلة ومحدودة، فالمقهى بمفهومه العام كان للكبار في السن والمتقاعدين، وما زلت أذكر حديث العم أبو محمد صانع الشاي في مقهى النوفرة في بداية مراهقتي في التسعينيات، أنه لولا وجود أبي معنا لطردنا وأخي الصغير بلطف من المقهى، فللشباب أماكنهم في المدرسة والجامعة والنادي والحديقة وليس المقهى. هكذا كانت الحكمة الاجتماعية.

ولكن في أثناء مراهقتي أيضاً، أصبحت النوفرة على سبيل المثال تغص بالمراهقين والصغار في السن، وأذكر أن ذلك ترافق مع ظاهرة انتشرت كالفطر: ظاهرة إقامة مقاهٍ ومطاعم على امتداد القيمرية وتفرعاتها، وأصبحت الظاهرة مزعجة جداً. ذلك لأنّ مكيفات تلك المطاعم والمقاهي وموسيقاها الهابطة ورائحة أراكيلها (فمعظمها بلا فسح سماوية) كانت تحرق الشوارع الضيقة أصلاً.

كما أغلقت محلات سكان المنطقة في القيمرية وتفرعاتها لتفسح المجال أمام فتح محلات سياحية الطابع وتراثية المضمون، فأذكر أحد المحال المختصة ببيع الحمص والفول تحول إلى أصناف من الإكسسوارت التي تحمل تقليداً تراثياً قبيحاً لحد ما، أو محلات أشغال القطن والصوف القديمة التي تحولت إلى مراسم لبيع اللوحات والتي بمعظمها تنويعات متشابهة بلا أي ذوق فني لأحياء دمشق القديمة.

كانت الربوة متنفساً للطبقتين الوسطى والمحافظة بدمشق بمطاعمها التي كانت تستقبل سكان دمشق كلّ جمعة، حيث تحتك الفئتان نفسياً بكل معنى الكلمة (فإحدى الفئتين تصل قبل صلاة الجمعة والثانية بعد انتهاء صلاة الجمعة), تحولت الربوة شيئاً فشيئاً إلى نوادٍ للسياحة الخليجية الليلية، فأصبح حضور العائلات المحافظة في ذلك المكان قضية منسية وحضورُ الطبقة الوسطى واقعاً محدوداً.

لا يعرف الكثير أن العيد الصغير والكبير في دمشق كان مناسبة لمعارض الكتب المستعملة في دمشق، والتي تمتد من دوار يوسف العظمة في الصالحية حتى البرلمان إلى شارع الحمراء. فكلّ ما كنتم تحفظونه من عناوين البسطات التي كانت منتشرة عبر العام كان يجعلكم أمام دهشة جديدة بعناوين أكثر تخصصاً وتنوعاً، وهي ظاهرة انقرضت في أثناء دراستي الجامعية في مطلع القرن الجديد ولا أعرف لاختفائها سبباً.

لم أعد أحب دمشق! وبصوت خفيض أعترف بأنني أصبحت أكرهها. لا يتعلق بما فعلت الحرب بدمشق، نعم قامت الحرب بدورها كاملاً، ولكن دمشق أصبحت مدينة كريهة قبل الحرب بسنوات

عندما دخل صحن الستالايت إلى سوريا، كنت أقطن في إحدى ضواحي دمشق الفقيرة، وفي إحدى شروداتي على سطح البناية شاهدت اللواقط الفضائية وقد انتشرت كأكف المصلين باتجاه السماء على أسطحة البيوت. يومها سألت أبي بسذاجة ودون تفكير: "انظر يا أبي كمية الدشات! هل يكذب وليد معماري؟". عشقت زاوية وليد معماري في صحيفة تشرين، وخاصة عندما ينتقد ساخراً بطرائف لا تنتهي ضعفَ حال الموظفين المادية وعدم كفاية الرواتب لمستوى لائق من الحياة. وقتها كان تركيب الستالايت يكلف رواتبَ عدةِ أشهر للموظف في حال عدم الاضطرار لحساب تغيير التلفاز. لم يجب أبي، وتركني شارداً بجذريات المراهق بين فضيحة المعماري الماثلة على أسطح الأبينة، فهي تكذب جميع مقالاته، أو فضيحة مجتمع يكذب وهو في أفقر مناطقه ولكنه يمتلك نقوداً.

نضجت وتعلمت في ما بعد أن الأكثر فقراً هم دائماً الأكثر استعداداً استهلاكياً للتخلي عن ضروريات الحياة اليومية من أجل قليل من أوهام التسلية أو التحرر أو التفرد. تعلمت كيف تظهر أنياب الرأسمالية في الدول الاشتراكية بأشكال فجة وعارية جداً، وتكون مقبولة ومطلوبة ونخبوية. وبالتأكيد تنصاع دمشق لعادة تأخر أصحاب معظم المحلات عن فتح محلاتهم صباحاً بسبب السهر الجديد على المحطات الفضائية، بينما كانت العادة قبلاً أن التأخر هو الاستثناء ولبعض المهن فقط. لم يكن دخول الهاتف المحمول إلى سوريا ببعيد عن الحالة السابقة في حال مقارنتها بنزاهة بين ضرورة واقع وجود الجوال في مجتمعات الدول المصنعة وكيف كنا ومازلنا نستخدمه حتى الآن.

كان المقهى بمفهومه العام لكبار السن والمتقاعدين، وما زلت أذكر حديث صانع الشاي في مقهى النوفرة في بداية مراهقتي في التسعينيات، أنه لولا وجود أبي معنا لطردنا وأخي الصغير بلطف من المقهى. فللشباب أماكنهم في المدرسة والجامعة والنادي والحديقة وليس المقهى

كانت الأكشاك تحت جسر الرئيس وبسطات كُتبها التي تمتد حتى منطقة الحلبوني تحتوي كنوزاً؛ فكنا نستطيع في التسعينيات أن نقتني سلسلة "ناشونال غرافيك" أو سلسلة "بي بي سي الوثائقية" مترجمين وثمن الـCD الواحد 15 ليرة سورية، أو أشرطة التسجيل للموسيقى السورية الشعبية الغائبة إعلامياً من كردية وأرمنية وتركمانية ولبعض قرى المنطقة الوسطى في سوريا أو الساحلية أو الجنوبية إلى جانب معظم أعمال فرقة PINK FLOYD! وقد يبدو مضحكاً أنني استطعت عام 2000 شراء CD لفرقة Jethro Tull التي أعشق من أحد الأكشاك تحت جسر الرئيس، وبقي وصول هذا الـCD لغزاً لأن صاحب البسطة لم يتذكر كيف وصله هذا العمل، ولا يعرف عن الفرقة شيئاً. اختفى المضمون الموسيقي لهذه الأكشاك مع الحرب وبقيت بسطات الكتب التي بمعظمها وبنظرة سريعة لفظتها بيوت أصحابها الحقيقيين نتيجة الحاجة المادية.

كان للموسيقى في دمشق مختصّوها؛ فكان محل "حواصلي" في شارع الحمراء، ثم انتقل إلى نفق مسرح الحمراء في الصالحية الأقوى في الموسيقى الكلاسيكية بالتحديد، وكان محل "فجر" مقابل موقف "نورا" في الشعلان، النبعَ الوحيد للباحثين عن نوادر موسيقى الجاز والبلوز القديم والمعاصر، وحتى موسيقى heavy metal أو black metal وغيرها من الأنواع التي أصبحت ممنوعة رسمياً في سوريا أواخر التسعينيات، وبقي لها محلاتها وروادها المتابعون بعناية أبوية غيورة. أغلقت هذه المحلات أبوابها مع الحرب وبقي على سبيل المثال محل المحطة في باب توما معيني لشراء الأعمال الموسيقية الكلاسيكية وفي أصعب ظروف الحرب، ولا أعلم إذا كان مستمراً أم أغلق أبوابه.

بعد الحرب

حطمت الحرب في سوريا بقايا القدوة التقليدية لقوى المجتمع من الأب والأم والمعلم ورجل الدين، وكان الأمر أشدَّ وطأة في دمشق كونها العاصمةَ والفاعل الاجتماعي الرائد لبقية المحافظات؛ فكانت فيها المعاناة الاقتصادية والاجتماعية كمدينة كبرى، وكذلك حلب، أشد وطأة بما لم تعرفه المدن الصغيرة، وهذا أحد أسبابي لتفضيل الحياة في المدن الصغيرة ورغبتي للبقاء فيها، لما توفره هذه المدن من شروط ما زالت إنسانية مقارنةً بالمدن الكبيرة التي أخذ التوحش فيها أبعاداً قاهرة جداً.

نضجت وتعلمت في ما بعد أن الأكثر فقراً هم دائماً الأكثر استعداداً استهلاكياً للتخلي عن ضروريات الحياة اليومية من أجل قليل من أوهام التسلية أو التحرر أو التفرد

صحيح أن لا بسطات كتب مستعملة في اللاذقية على سبيل المثال، ولكن مقارنة بدمشق لم تغلق أي مكتبة أبوابها في اللاذقية؛ فظاهرة إغلاق كبرى المكتبات: مكتبة ميسلون ونوبل والزهراء وغيرها، بقيت في دمشق فقط، ومكتبات اللاذقية بالميرا والمجد وكردية مستمرةٌ رغم الصعوبة التي يحدثنا عنها أصحابها بمرارة. لا، بل أعرف صاحب مكتبة في اللاذقية بالقرب من الجامعة دخل في طريقة جديدة لبيع الكتاب وإعارتها، وتدر عليه ربحاً مقبولاً، والسبب ببساطة أن الناس في المدن الصغيرة ما زالت تحتاج أن تقرأ وتحتاج أن تبني علاقة مع من يقرأ، وهي من المشاعر التي ما زال فيها القليل من النبض في المدن الصغرى.

زرت دمشق في أثناء الحرب، وعلى إحدى بسطات بيع الكتب في جسر الرئيس شاهدت العم صلاح صلوحة رحمه الله يبيع عليها كتباً. الوراق الأخير في سوريا وربما العالم العربي كان يبيع كتباً على بسطة. تأملت كتبه واخترت أحدها، فاوضته بالسعر، فلم يتراجع واشتريت.

الوراق الأخير في سوريا وربما العالم العربي كان يبيع كتباً على بسطة

ذكرته بنفسي عندما كنت طفلاً وكنا نزوره برفقة أبي في مستودعه الكبير في الحجر الأسود، وكيف كان يشير لي ولأخي الصغير ببضع رفوف أن ننتقي منها الذي نشاء من الكتب كهدية لنا، وأنه عندما يلاحظ إقبالنا على مجلة "ميكي" كان ينتقي من سلسلة "كل شيء عن..."، فيهدينا إحداها مع مجلة ميكي. ضحك وهو يقترب من البكاء. ذكر لي الكثير مما يقهر النفس وهو يبتسم، واعتذر أنه لم يراعني في سعر الكتاب لأن الكتب ليست ملكه، بل هو يعمل عليها! إذاً الوراق الأخير لا يملك كتبه، بل ربما كان أجيراً أو شريكاً. يا لبؤسكِ يا دمشق الحزينة! نسيت أن أخبر العم صلاح أن نسخته الهدية من الفيزياء المسلية ما زالت في مكتبة البيت وقد قرأها عشرات الأولاد.

المدن الصغيرة أكثر رخصاً، وهي قاعدة لا أفهم لها سبباً؛ فنحن في سوريا ابتلينا منذ ما قبل الحرب بعدم توحد الأسعار على الكثير من السلع إلا ما قلّ. فأثناء الحرب وحتى يومنا هذا لدمشق دائماً زيادة على أي سلعة من الدخان إلى زجاجات النبيذ إلى مستلزمات الطعام اليومية إلى الملابس والمواصلات ببضع مئات أو آلاف على ذات السلعة أو الخدمة الموجودة في المدن الصغيرة، وهو مبلغٌ شكل فارقاً في حياة الإنسان السوري اليومية.

أعترف أنني طوال السنوات الخمس التي عشتها في اللاذقية، لم أعرف أي محل يختص بأي نوع من الموسيقى، برغم وجود جمهور يحب الموسيقى، ولكنه قليل ويكتفي باليوتيوب، ولا يريد أكثر من ذلك. أعترف أن محل الفن السابع في اللاذقية، ورغم الأرشيف السينمائي الضخم الذي يقدمه لجمهور واسع يعشق السينما القديمة والحديثة في اللاذقية، لا يشكل إلا جزءاً صغيراً أمام أرشيف وزبائن محل الحانوت في القيمرية في دمشق الذي كان صاحبه شاب يدعى محمود (على ما أذكر)، وقد أغلق محل الحانوت في بداية الحرب وأشكر الآلهة أن الفن السابع ما زال قادراً على الاستمرار.

أعترف أن دمشق تبتلع الأصدقاء، فلا يمكن لأي مصادفة أن تجعلنا نلتقي بأحدهم في الشارع، وفي اللاذقية نشاهد من الوجوه المكررة التي سنألفها ونبتسم لها في إحدى مرات اللقاء العابر الكثيرة، وربما تتشكل صداقة جميلة، وهي قضية سهلة ويسرة في المدن الصغيرة، ولكنها صعبة في المدن الكبيرة. أعترف أن المصادفة النادرة في دمشق هي ما تمنحنا كل بضعة آلاف من الوجوه المنهكة والعابسة وجهاً مبتسماً، وفي اللاذقية تغدو النسبة أكبر أمام مئات الوجوه المنهكة والعابسة، فثمة وجوه مبتسمة سنشاهدها بالتأكيد. نعم دمشق أمّ مقطعة، فمن يستطيع معالجتها ومواساتها؟

لقد وصلت إلى العمر الذي يتبلور فيه صراع الأجيال بأكثر أبعاده تناقضاً؛ فقد تجاوزت الأربعين وعامين، فأحاول بشرحي لدمشق التي أعرفها مد جسور التفاهم للاتفاق حول قيم إنسانية واجتماعية تستوعب إنسانيتنا في كل الأعمار. وما يخيفني في نقاشي مع الشباب ليس قيمة المشهد الذي خسرناه في دمشق قبل وبعد الحرب لديهم، بل عدم اكتراث من أحدثهم لمعنى ما خسرنا في دمشق باعتباره لا يمثل قيمة في نظرهم، وتحت تهويم أي مبرر يقدم. يبدو أننا نستحق أن نخسر تلك القيمة.

لا أريد أن أكون رجعياً أو محافظاً متعنتاً، لذلك سأخبركم بسرّين عن دمشق؛ الأول: أن دمشق ليست حفلات الموسيقى الكلاسيكية للفرقة الوطنية، وليست دراما ما قبل "باب الحارة" أو ما بعدها، وليست مطبل رمضان ولا حكواتي المقهى أو بناءً قبيح الهيئة لعراقة تدعى السيف الدمشقي، وبالتأكيد ليست أي عادة غذائية في أي محل بوظة أو عصائر أو مطعم بجدران من الحجارة والطين مع نافورة ماء وأركيله بصوتهما المزعج أو أي إفطار رمضاني مجاني يبث على الهواء تلفزيونياً، وليست أي قامة أدبية أو وطنية أو علمية أو تاريخية يطيب لـ"نوستالجيا مثقفة" أن تنتقي بين الحين والآخر اسماً ما منها وتطرحه في سياق حنينٍ سقيم أمام الرأي العام لتعتصر القليل من مشاعرها الخاصة.

لا أكره دمشق، بل ما زلت أحبها، ولكنني محبّ عاجزٌ ومريضٌ، وقد شاهدت كلّ ما أحب فيها يسحق ويهمل رويداً رويداً ولم أستطع شيئاً، لتغدو دمشق مغشوشة، ولا أقدر على إنقاذها

دمشق هي قصص المحبين من أبناء العائلات المحافظة الذين كانوا يلتقون بعيداً عن رقابة الأهل والمجتمع الضاغطة في أزقة باب توما ودمشق القديمة وحديقة السبكي والمدفع؛ دمشق هي أصحاب بسطات الكتب المستعملة الذين كانوا يسرون لكم أن أي كتاب تريدونه موجود حتى لو كان ممنوعاً، أو يفتحون لكم صفحة لتشتروا بالتقسيط والدين كونكم طلاباً جامعيين؛ دمشق هي محلات بيع الجرائد في محيط شارع المدارس بمخيم اليرموك والتي كنا نستطيع أن شتري منها المجلات والجرائد اليومية والشهرية من عربية وأجنبية (إنكليزية وفرنسية وألمانية) يومياً وطازجة؛ دمشق هي مهرجان موسيقى الجاز الذي كان يقام في الشهر العاشر من كل عام لمدة عشرة أيام في حديقة تشرين.

دمشق هي تمثال يوسف العظمة في ساحة الصالحية وقد كان شاهراً سيفه، فاستبدل بتمثال له وسيفه في الغمد؛ دمشق هي قصة تمثال العقيد عدنان المالكي الذي دفنت معه أسرار عائلات وصراعات سياسية اختصرت تاريخ وطن لم يكن مشرقاً ولا مشرفاً؛ دمشق هي قصة أسماء الشوارع الرسمية وأسمائها القديمة بذاكرة المقيمين الحية؛ دمشق هي الشلة الجامعية التي كانت تصخب نقاشاً في قضايا ثقافية أو سياسية ثم أصبحت تصخب نقاشاً من أجل قضايا كروية أو مميزات الأجهزة المحمولة.

دمشق هي بيت سهيل وارغدة رستم العائلة الحمصية من المقعبرة والتي تلقيت ثقافتي الأخيرة على أيديهم، وهي عائلة مقيمة في العباسيين وبمكتبتها الضخمة جداً وروادها من كبار الضباط والكتاب والصحافيين والمغتربين والدارسين الذين كانوا يجتمعون تقريباً بشكل شبه يومي عند تلك العائلة النبيلة التي رفضت أن تغادر منطقة العباسيين عندما كانت ولزمنٍ طويلٍ على خط التماس وبرغم كل معارك فتوحات دمشق، ولكن ليست المكية (عذراً من شيخنا محي الدين) بل الزهرانية.

دمشق هي المكتبة العدلية والمكتبة الظاهرية اللتان أُغلقتا في الحرب بأرشيف كتبهما الذي يحمل بعضُه إهداء مؤلفيه إلى الملوك والأمراء والعلماء؛ دمشق هي تفرع لأحد شوارع باب توما المرتفعة والذي نستطيع من خلال تجاوز زقاق على جهة اليمين بعد المرتفع أن نطل على دمشق وجبل قاسيون. لقد انتهى هذا المشهد لمصلحة بناء مخالف ركب بطريقة عجيبة على أبنية قديمة.

السر الثاني: أنني لا أكره دمشق، بل ما زلت أحبها، ولكنني محبّ عاجزٌ ومريضٌ، وقد شاهدت كلَّ ما أحب فيها يسحق ويهمل رويداً رويداً ولم استطع شيئاً، لتغدو دمشق مغشوشة، ولا أقدر على إنقاذها. نعم، أحب المدن الصغيرة ولا يعرف أصدقائي أنني كل مرة أعود من زيارة دمشق إلى اللاذقية بقلبٍ باكٍ على مدينتي التي أعشقها. 

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image