اهتمام كبير وأمل أكبر بالوصول إلى حلول جذرية لمشكلات التغيرات المناخية التي تهدد العالم كله، في أثناء الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر المناخ الذي تستضيفه مصر.
وانصب الاهتمام في هذه الدورة، وبشكل كبير وملحوظ، على الأطفال والشباب، فرأينا منهم من يتحدثون بشكل مباشر مع صنّاع القرار عن المشكلات التي يتعرضون لها، ويدخلون المنطقة الزرقاء التي تستقبل مختلف الوفود.
ويتعرض الأطفال حول العالم لمخاطر جسيمة بسبب تداعيات تغير المناخ، وفق ما تقوله الأمم المتحدة، ومن هذه المخاطر سوء التغذية والمجاعات وتفشي الأمراض مثل الكوليرا والإسهال الذي يقتل نحو 1،400 طفل يومياً حول العالم، إلى جانب زيادة الأمراض المعدية، مثل الملاريا وحمى الضنك، وذلك بسبب تغيير التوزيع الجغرافي للحشرات الناقلة للمرض، كما ذكرت منظمة اليونيسيف.
يتعرض الأطفال لمخاطر جسيمة بسبب تداعيات تغير المناخ، منها سوء التغذية والمجاعات وتفشي الأمراض.
والطفل المصري ليس بمعزل عن هذا الخطر، حتى أن مصر تصدرت مؤشر المخاطر المناخية على الأطفال الذي أصدرته منظمة اليونيسيف عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الفائت.
وبسبب كل هذه المخاطر، ازداد التركيز في مؤتمر المناخ هذا العام على قضية الطفل من قبل الخبراء والناشطين في مصر، فكان هناك ما يزيد عن 15 فعاليةً تخص الأطفال، ودور الإعلام في إبراز الخطر الواقع عليهم، وكيفية تضمينهم في خطط التمويل، والأمن الغذائي، وغيرها من القضايا، إلى جانب التقارير التي عرضتها منظمة الصحة العالمية لتظهر خطورة التغيرات المناخية على الحامل والرُضّع.
تأثير التلوث على الأطفال
ينبّه الدكتور مجدي بدران، خبير المناعة والتغذية خلال حديثه مع رصيف22، إلى أن تلوث الهواء يؤثر بشكل خطير على الطفل في مصر، ويقول: "يزيد تلوث الهواء من فرص إصابة المواليد بالالتهابات التنفسية، خاصةً الالتهاب الرئوي. وأظهرت الأبحاث الحديثة أن تلوث الهواء يمكن أن يؤثر سلباً على الأطفال الذين لم يولدوا بعد، فالتعرض لتلوث الهواء يخفض وزن المواليد، وتنتج عنه معدلات أعلى لوفيات الرضع، وزيادة في الولادات المبكرة".
خبير المناعة أضاف: "يرتبط التعرض لبعض ملوثات الهواء بفقدان الحمل في الثلث الأول، كما الأطفال الذين تعرضوا لملوثات الهواء في الرحم ومن المحتمل أن يصابوا بالسمنة في مرحلة الطفولة".
قبل عام، كنت حاملاً في الشهر الرابع، وفقدت الجنين من دون سبب. أخبرني الطبيب بأنه بسبب التلوث، وتكرر معي الأمر نفسه مرتين. نحن في منزل ريفي، وأنا أجلس أمام الفرن البلدي وأتعرض للدخان باستمرار
ويحذر استشاري المناعة والتغذية، من أن تلوث الهواء بسبب الطبخ داخل المنزل يعرّض الأجنّة للخطر، كما نبّه إلى تأثير التغيرات المناخية على تغذية الأطفال وعلى مناعتهم بسبب ارتفاع الحرارة والملوثات في المياه، وهو ما أشارت إليه اليونيسيف حين أكدت أن أكثر من مليون طفل يواجهون مخاطر موجات الحر والارتفاع الشديد في درجات الحرارة، وأنه يجب أن تعمل كافة الدول على التكيّف العاجل مع التغيرات المناخية.
خطر في كل مكان
تقول عايدة (33 سنةً)، وهي من قرية في محافظة كفر الشيخ، لرصيف22: "لم أسمع عن تغير المناخ إلا منذ فترة قريبة، بالرغم من أنني خرّيجة جامعة. قبل عام، كنت حاملاً في الشهر الرابع، وفقدت الجنين من دون سبب. أخبرني الطبيب بأنه بسبب التلوث، وتكرر معي الأمر نفسه مرتين. نحن في منزل ريفي، وأنا أجلس أمام الفرن البلدي وأتعرض للدخان باستمرار".
أيضاً، يعاني ابن كريمة، ذو العشر سنوات، وهو من محافظة البحيرة، من الربو، وتقول السيدة الثلاثينية إن الطبيب طلب منها أن تبعده عن أي دخان، وهو أمر صعب جداً حسب تعبيرها.
عابد (44 سنةً)، من إحدى قرى محافظة كفر الشيخ، فقد ابنه وهو في عمر عامين، بسبب الجفاف، وبعد تعرضه لأكثر من نوبة إسهال، ويقول الرجل لرصيف22: "المياه عندنا في القرية ملوثة واشتكينا كتيراً ولكن مفيش فايدة".
"على لسان الأطفال"
ومع اهتمام المنظمات العالمية بالمخاطر التي يتعرض لها الطفل بسبب التغيرات المناخية، أوصت الأمم المتحدة بالاهتمام بالقضية خلال فعاليات مؤتمر المناخ، وجاء ذلك على لسان جيرمي هوبكنز، ممثل اليونيسف في مصر، إذ قال إن المنظمة تؤمن بأن القضية هي حقوق أطفال، إذ إن مليار طفل في العالم معرضون للخطر، ويجب توصيل صوتهم إلى المنصة العالمية.
وهذا ما أكدته مديرة الحملات في هيئة إنقاذ الطفولة الدولية، نورهان عبد العزيز، لرصيف22، وقالت: "قبل المؤتمر أطلقنا حملةً بعنوان ‘جيل الأمل’، تتحدث عن تأثير التغيرات المناخية على مختلف فئات الأطفال، فكلما يكون مستوى الطفل الاقتصادي أقل يكون التأثير أقوى، ويصعب الوصول إلى الخدمات التي يتكيف بها مع التغيرات. قمنا بجلسات استماع مع أطفال في محافظات مختلفة، حضرها 4 آلاف طفل، واستهدفت الحملة التوعية وجمع التوصيات الممكنة لتصل إلى أصحاب القرار".
هناك الكثير من الفئات التي تحتاج إلى المساعدة، ومنهم أطفال بلا مأوى وأطفال من ذوي الإعاقة.
وتضيف المتحدثة: "اخترنا أطفالاً لتدريبهم للمشاركة في مؤتمر المناخ، وهذا ما تتميز به دورة هذا العام، إذ شارك عشرة أطفال من جنسيات مختلفة بين مصريين وسوريين وسودانيين، تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً. تحدث الأطفال عن المشكلات التي تواجههم بسبب السيول وانتشار الأوبئة، وطالب بعضهم بالحد من استخدام الوقود الأحفوري، وتوفير الأمن الغذائي، وتعاون وسائل الإعلام مع قضيتهم".
وكان من بين هذه التوصيات التي جاءت على لسان الأطفال: "نطالب بعقد مؤتمر الأطراف العالمي السنوي للأطفال، قبل اجتماعات العالمية السنوية "COP"، والتأكد من أن أصواتنا مسموعة. نطالب ببناء المدن باستخدام مواد الاستدامة المعمارية، وبدعم منظمات المجتمع المدني لتنفيذ مشاريع تخفف من الآثار السلبية لتغيّر المناخ، وبتعاون دول العالم لوضع إستراتيجية لرصد حالة تغيّر المناخ في جميع أنحاء الكوكب، وبدعم البرامج المبتكرة لتعزيز الاقتصاد الأزرق وتنفيذ مشاريع تخزين الكربون وزراعة أشجار القرم، وبالمحافظة على الشعاب المرجانية والتنوع البيولوجي، وبتقليل استخدام الوقود الأحفوري والبصمة الكربونية واستبدالها بالطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وبزيادة الوعي بتغير المناخ والاستدامة، وبإضافة الأمر إلى المناهج التعليمية، وبالانتقال إلى أنظمة غذائية صديقة للبيئة".
وتحدث أسعد، وهو طفل من السودان، في إحدى الجلسات، عن اضطراره إلى ترك منزله الذي دمرته الفيضانات، وطالب ضمن الجلسة التي نظمتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى جانب مشاركين من النيجر واليمن وبنغلاديش، بضرورة التوعية بمخاطر الاحتباس الحراري، انطلاقاً من تجربته الشخصية المؤلمة والتي دفع فيها ثمن تداعيات التغير المناخي.
توصيات وحلول
ذكرت مسؤولة التواصل والإعلام في هيئة إنقاذ الطفولة، آمنة خليل، خلال حديثها إلى رصيف22، أن التوصيات الخاصة بالأطفال عُرضت على صنّاع القرار لإدراجها ضمن التوصيات النهائية للمؤتمر، مشيرةً إلى أن الهيئة توفر الدعم للعمل على التوصيات الممكنة للتنفيذ من خلال برامج ومبادرات على المستويين الوطني أو المحلي. وسيتم التواصل مع الأطفال في القرى ومختلف الأنحاء والحديث معهم عن أوضاعهم.
شارك عشرة أطفال من جنسيات مختلفة بين مصريين وسوريين وسودانيين في مؤتمر المناخ، وتحدثوا عن المشكلات التي تواجههم بسبب السيول وانتشار الأوبئة، وطالب بعضهم بالحد من استخدام الوقود الأحفوري، وتوفير الأمن الغذائي، وتعاون وسائل الإعلام مع قضيتهم
وتضيف خليل: "هناك أطفال يتحدثون عن القرى الخاصة بهم، وكيف تمر بأزمات كبيرة وهذا ما سنهتم به. وسيتم العمل مع الوزارات المختلفة، ومنها التضامن الاجتماعي ووزارة الشباب، للتركيز على الأطفال الأكثر ضعفاً والأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية، مشيرةً إلى أن هناك الكثير من الفئات التي تحتاج إلى المساعدة، ومنهم أطفال بلا مأوى وأطفال من ذوي الإعاقة.
وضمن السياق نفسه، أشارت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين قباج، في إحدى جلسات المؤتمر إلى حق الأطفال في المشاركة في طرح قضايا التغيرات المناخية، موضحةً أنه لا يمكن الفصل بين العدالة المناخية والعدالة الاجتماعية. كما أكدت على أن العمل سيتم بالتعاون مع المجتمع المدني للتركيز على الوعي المناخي، وهو ليس بالقوة المطلوبة ضمن المنطقة العربية. وذكرت خطوات سيتم العمل عليها، في ما يخص الصحة والتعليم والبيئة النظيفة وتوفير المياه ومحطات الصرف الصحي الآمنة، إلى جانب أهمية تواجد نظم للإنذار المبكر للتعامل قبل الأزمات، وليس الانتظار حتى ما بعدها.
ونبّهت الوزيرة في حديثها، إلى أن هناك الكثير من الإجراءات التي يمكن اتّباعها لحماية الأطفال، إذا حصلت الدول الإفريقية على التمويل اللازم لذلك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...