يقترب مؤتمر الأمم المتحدة السنوي المعني بتغير المناخ "كوب 27 – OP 27" من نهايته التي تحل بعد يومين، وقبل انتهائه، واصلت مصر دفع ملف التعويضات عن الخسائر التي تلحق بالبلدان القليلة التصنيع جراء التوسع الاقتصادي الهائل في الدول الأكثر ثراءً وإضراراً بالبيئة، كما تدفع إلى جانب التسويات والتعويضات نحو مزيد من "القروض الخضراء" أي تمويل الدول والكيانات الاقتصادية الدولية الكبرى لمشروعات صديقة للبيئة في الدول النامية وذات الاقتصاد المتعثر مثل مصر.
بحسب ما يورده الإعلام المملوك للدولة وأجهزتها السيادية، فإن مصر التي استضافت النسخة السابعة والعشرين من مؤتمر الأطراف الشريكة في الاتفاقية الإطارية حول تغيير المناخ كوب 27 هذا العام، نجحت في توقيع "اتفاقيات" بلغت قيمتها 83 مليار دولار في مجالات الطاقة المتجددة. قبلها بعدة أيام أعلنت الحكومة المصرية توقيع اتفاقيات لـ"مشروعات مناخية" بلغت قيمتها 15 مليار دولار ضمن مبادرة "نوفي".
البيانات الحكومية المتلاحقة التي تعلن عن نجاحات مليارية، لم تحدد بدقة كنه المشروعات المعنية بالتمويل، وإن كانت تلك الأموال ستتلقاها مصر من شركاء مساهمين في رؤوس أموال المشروعات، أم أنها قروض سوف يتعين على مصر ردها محملة بالفوائد في أوقات لاحقة.
في مثل هذا اليوم من العام الماضي (16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021) نشرت دورية انتربرايز الاقتصادية المتخصصة في مصر تقريراً حول الاهتمام المتصاعد في مصر بـ"الاستثمار الأخضر"، وعزت ذلك الاهتمام المتنامي إلى "تعدد الجهات المانحة الدولية المستعدة للإقراض بشرط الاستثمار في مشروعات صديقة للبيئة" وعلى رأسها البنك الأوروبي للإعمار والتنمية، وهو أولى الجهات التي قدمت إلى مصر "قروض خضراء" في العام 2014.
البيانات الحكومية المتلاحقة التي تعلن عن نجاحات مليارية، لم تحدد بدقة كنه المشروعات المعنية بالتمويل، وإن كانت تلك الأموال ستتلقاها مصر من شركاء مساهمين في رؤوس أموال المشروعات، أم أنها قروض سوف يتعين على مصر ردها محملة بالفوائد في أوقات لاحقة
سؤال بيئي أم اقتصادي؟
تلك السياسة المعتمدة على الاستمرار في الاقتراض والتوسع فيه تحت مسميات مختلفة، تثير انتقادات خبراء متخصصين في علوم البيئة والمناخ، إلى جانب اقتصاديين مهمومين باستمرار السلطات المصرية في الاعتماد على القروض لدعم اقتصادها، لا سيما مع تنامي القلق المحلي من عدم قدرة مصر عن سداد ديونها الخارجية التي وصلت إلى 157 مليار دولار بنهاية مارس / آذار 2022، ولا تزال مستمرة في الارتفاع. مما يؤكد أن الاتجاه الغالب على التمويل الأخضر هو القروض، قال وزير المالية المصري محمد معيط في حديث مع بلومبيرغ العربية إن "الدول النامية تبحث عن تمويل منخفض التكلفة للاقتصاد الأخضر" في إشارة شبه صريحة إلى القروض ذات الشروط الميسرة، نفس الأمر ذكرته وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط في معرض حديثها عن التمويل، وقالت إن مصر تعتزم التقديم في برنامج تسهيلات ميسر تابع لصندوق الاستدامة والمرونة بصندوق النقد الدولي، وهو برنامج يخصص لأول مرة لمشروعات متعلقة بالبيئة والمناخ. على غير العادة التي جرت من صندوق النقد الدولي في تقديم قروض لسد عجز الموازنة، وبررت الوزيرة الحصول على "تمويلات ميسرة" في مؤتمر المناخ، بأن المنافسة للحصول على هذه التمويلات صعبة وكبيرة جداً، والحصول عليها يحفز القطاع الخاص للاستثمار.
وائل جمال: مصر والعالم العربي يفكران في البيئة والتغير المناخي على أساس أنه مصدر للاقتراض والتمويل والاستدانة... "إحنا في حاجة شديدة إننا نخلَّص التغير المناخي من براثن صناعة التمويل"
وبحسب الصحافي والباحث وائل جمال مدير وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية فإن "التمويلات الميسرة" هي في الأساس قروض ولكن بفوائد منخفضة.
وقال جمال على هامش ندوة المخرجات الرئيسية لمفاوضات قمة المناخ كوب 27 فيما يتعلق بالتمويل، التي نظمتها شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، إن مصر والعالم العربي يفكران في البيئة والتغير المناخي على أساس أنه مصدر للاقتراض والتمويل والاستدانة والاستثمارات الخضراء، بغض النظر عن التبعات المتعلقة بالتنمية، وبالتالي "إحنا في حاجة شديدة إننا نخلص التغير المناخي من براثن صناعة التمويل".
لأن المنافسة شديدة؛ سنقترض
في عام 2020 أصدرت مصر لأول مرة سندات سيادية خضراء بقيمة 750 مليون دولار، وبحسب البنك الدولي "خصصت حصيلة بيع السندات لتمويل النقل النظيف، والطاقة المتجددة، ومنع التلوث ومكافحته، والإدارة المستدامة لمياه الشرب والصرف الصحي، وكفاءة استخدام الطاقة، والتكيف مع تغير المناخ".
وتعتبر السندات الخضراء التي تدخل تحت مظلة الدين الحكومي جزءاً من رؤية مصر 2030 الرامية إلى زيادة نسبة المشروعات الخضراء في الموازنة الاستثمارية للحكومة من 14٪ في 2020 إلى 30٪ في 2022.
ولا يوجد رقم معلن عن حجم التمويل الأخضر الذي حصلت عليه مصر، ونسبة دخوله في مشروعات الطاقة النظيفة، هذا بخلاف حجم القروض التي حصل عليها القطاع الخاص والبنوك الحكومية والخاصة من الجهات المانحة، لذلك يدعو خبراء الاقتصاد إلى ضرورة "وجود إفصاح وشفافية حول إنفاق القروض على مشروعات خضراء".
من جهته، قال الباحث الاقتصادي وائل جمال في اتصال هاتفي مع رصيف22، إن إطلاق وصف "مشروعات خضراء" على هذه الاستثمارات "بحاجة إلى دراسة لمعرفة أثرها البيئي على السكان، وهل هي خضراء بالفعل أم لها أغراض أخرى". مشيراً في السياق نفسه إلى أن قروض المشروعات الخضراء تحتاج إلى شفافية وإفصاح حول الإنفاق لأن "الحكومة بتشوف الكباري استثمار أخضر على أساس إنها تقلل زحام السيارات وبالتالي تقلل التلوث" وفقاً لقوله.
كما أبدى جمال استغرابه من استدانة الحكومة من أجل مشروعات تخدم الأغنياء في مصر مثل مشروع قطار المونوريل في العاصمة الإدارية الجديدة، وهو مشروع تم تمويله من عائد السندات الخضراء. وبشكل عام تم تخصيص نحو 46% من نسب التمويل المستخدمة من عائد السندات الخضراء لمشروعات النقل النظيف، و 54% لمشروعات المياه والصرف الصحي المستدام، بحسب وزير المالية محمد معيط.
ارتفاعات الدين الخارجي لمصر حتى مارس/ آذار 2022- بيانات البنك المركزي المصري
تعتبر قضية التمويل أولوية للدول النامية وعلى رأسها مصر التي تبنت هذا الخطاب في كوب 27، في إطار التركيز على الاحتياجات المالية التي تواجهها الدول الإفريقية جراء التغير المناخي.
ورغم سعي الحكومة للاقتراض من أجل البيئة والمناخ، فإن الدكتور محمود محيي الدين نصح الرئاسة المصرية بعدم اتباع هذه السياسة، وقال إنه على الرغم من وجود قنوات جيدة لتمويل العمل المناخي من خلال المنح والقروض الميسرة، منها النموذج الذي تقدمه مؤسسة التنمية الدولية IDA والذي يعتمد فترات سداد طويلة المدى بفوائد مخفضة، من الأفضل ألا يعتمد تمويل العمل المناخي على الديون.
وتحتاج الدول النامية مجتمعة - من بينها مصر- إلى العمل مع المستثمرين والدول الغنية وبنوك التنمية لتأمين تمويل خارجي تصل قيمته تريليون دولار سنوياً بحلول نهاية العقد الحالي، لمواجهة آثار تغير المناخ، بحسب تقرير حول تمويل العمل المناخي كتبته لجنة من الخبراء الرفيعي المستوى بتكليف من الأمم المتحدة ورئاسة قمتي المناخ كوب 26 وكوب 27.
مدير تنفيذي بالبنك الدولي نصح الحكومة المصرية بألا تعتمد على القروض الخضراء حتى وإن كانت قروضاً ميسرة
و قالت فيرا سونجوي المشاركة في كتابة التقرير: "إن إطلاق العنان لتمويل كبير للمناخ هو المفتاح لحل تحديات التنمية الحالية"، مضيفة "وهذا يعني أن البلدان يجب أن يكون لديها إمكانية الوصول إلى تمويل ميسور التكلفة ومستدام ومنخفض التكلفة من بنوك التنمية المتعددة الأطراف للمساعدة في حشد الاستثمارات من القطاع الخاص والعمل الخيري."
كما دعا التقرير إلى منح وقروض بفوائد منخفضة من حكومات الدول المتقدمة لمضاعفتها من 30 مليار دولار سنوياً اليوم إلى 60 مليار دولار بحلول عام 2025، لتعزيز القدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية.
"الرجاء الصالح" إلى الاقتصاد المتعثر
وتعاني مصر من أزمة اقتصادية حادة بسبب عجز الموازنة العامة، ولجأت الحكومة إلى الاستدانة لتغطية هذا العجز الذي خلق ضغطاً شديداً على العملة المحلية، وأدى إلى تراجع قيمتها أمام الدولار الأمريكي، الذي اقترب من 25 جنيهاً لأول مرة.
ومع ذلك لا ينكر الباحث الاقتصادي وائل جمال في اتصاله مع رصيف22 حق مصر في الحصول على تمويلات مناخية، لأن "البلاد تأثرت بالفعل من ارتفاع درجات الحرارة، وأصبحت بعض المدن الساحلية كالإسكندرية ودمياط وبورسعيد مهددة بالغرق بسبب الاحترار المناخي، وفقاً لتقرير حكومي أممي مشترك"، لكنه يشير إلى نقطة مفصلية، وهي كيف تتعامل مصر مع القروض المُناخية: "هل مصر بتقترض عشان أزمة العملة ولا عشان مهتمة بالسياسة البيئية، لو عشان العملة يبقى بتسد زنقة لأولويات أخرى مش للبيئة"، بحسب جمال.
وائل جمال: التمويل المناخي حق للدول النامية المتأثرة من تبعات التوسع الاقتصادي للدول الصناعية الكبرى، ولكن لا بد من إيجاد آليات أخرى غير تحميل تلك الدول النامية بمزيد من أعباء الديون
وتكشف ممارسات الحكومة المحلية مع المساحات الخضراء جانباً من أولوياتها وحقيقة اهتمامها بقضايا البيئة، إذ بات قطع الأشجار ظاهرة تصاحب مشروعات بناء وتطوير المرافق الخدمية، ووفقاً للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بات نصيب الفرد من الأشجار في مصر شجرة واحدة فقط، وهي أقل نسبة مقارنة بدول شمال أفريقيا، كما بين تقرير المبادرة أن كل أحياء القاهرة تفتقر إلى الحد الأدنى من الغطاء الأخضر، وهي ممارسات وصفها وائل جمال بأنها "سياسات معادية للبيئة (...) ومينفعش اقطع الشجر وأدور على استثمار اخضر".
تعميق فخ الديون
لا تزال القروض تهيمن على تمويل المناخ، ووفقاً لأحدث تقييم أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، شكلت القروض 71 % من التمويل العام للمناخ في عام 2020 (48.6 مليار دولار) - كانت حصة كبيرة منھا غیر میسرة أي بشروط أصعب - مشيرة إلى أن البلدان النامية تضطر إلى الحصول على قروض للاستجابة لأزمة مناخية لم تكن السبب فيها، في حين أن الأموال المقدمة غالباً ما يكون تركيزها أقل على قضايا المناخ من ما ذُكر.
وسلط تقرير "لمنظمة أوكسفام الخيرية" الضوء على حالة السنغال، وهي واحدة من أكثر الدول عرضة لتغير المناخ، لكنها تلقت 85% من تمويلها في شكل ديون، وبشكل عام، ارتفعت مدفوعات الديون الخاصة بالدول الأقل نمواً إلى 31 مليار دولار في عام 2020.
تقول الدكتورة راجية الجرزاوي الباحثة ومسئولة ملف الصحة والبيئة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لرصيف22، إن التمويل المناخي "يأتي معظمه في شكل قروض ويحمِّل الدولة أعباء اقتصادية، ولا يوجه من الأساس لمشروعات تواجه التغيرات المناخية، لأنها قروض مقدمة من القطاع الخاص وتستهدف الربح على مدى قصير".
راجية الجرزاوي: التمويل المناخي يأتي معظمه في شكل قروض ويحمِّل الدولة أعباء اقتصادية، ولا يوجه من الأساس لمشروعات تواجه التغيرات المناخية، لأنها قروض مقدمة من القطاع الخاص وتستهدف الربح على مدى قصير
وتضيف: "فبدلاً من توجيه التمويل إلى الفلاحين ودعمهم بأجود أنواع البذور والتأمين عليهم من المخاطر الناجمة عن التقلبات الجوية، يتم توجيه ذلك إلى مشاريع قصيرة تستهدف الربح السريع"، يظهر ذلك في حزمة القروض الخضراء التي حصل عليها البنك الأهلي المصري (مملوك للحكومة) من أجل تمويل التحول البيئي لدى عدد من الشركات المصرية القائمة، فجاء القرض من البنك الأوروبي للإعمار والتنمية ليوزعه البنك الأهلي على حزمة من الشركات الرابحة ويعيد تحصيل القروض مشفوعة بالفوائد منها من دون مراجعة للمشروعات التي حيزت من أجلها تلك القروض أو أثرها البيئي.
وأضافت الجرزاوي أن "معظم التمويل الذي تتحصل عليه الدول النامية مثل مصر، يأتي على هيئة مشروعات تستهدف الربح، ولا تنقل التكنولوجيا إلى الدولة. وبالتالي تجد مصر نفسها تقوم بتنفيذ المشروعات وتصديرها دون أي استفادة (...) وبدلاً ما توجهها لمصلحتك؛ لأ! أنت بتعملها وتصدرها وبيكون عليك ديون".
ورغم هذه التحذيرات، يبدو أن الحكومة ماضية في سياسة القروض الخضراء، إذ دافعت الوزيرة رانيا المشاط عن سياسة الحكومة في جلب الديون لتنفيذ المشروعات المتعلقة بالبيئة، خلال لقاء تلفزيوني على هامش مؤتمر المناخ.
وفي معرض ردها على قلق المواطنين من سياسة الاستدانة، قالت "خليني أقول بردُه إن دايماً في الدين لازم نصنف، ودايما لما نسمع شركاء تنمية أو تمويل ميسر، المنافسة على هذا النوع من التمويل بيبقى كبير جداً جداً جداً، لأنه بيبقى واضح رايح لأنه مشروع، بيقى واضح التشغيل في قد إيه، وبيفتح آفاق جديدة (...) وبيدي دفعة قوية جداً للقطاع الخاص اللي بيشتغل في مصر".
ويحذر أستاذ الموارد الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة عباس شراقي من تحميل الدولة أعباء الديون لإقامة مشروعات طاقة نظيفة مثل الهيدروجين الأخضر، وقال لرصيف22: "لازم مصر تعمل دراسات جدوى لمشروعات الهيدروجين الأخضر، ومينفعش أروح أعمل مشروعات طاقة نظيفة والبلد تتحمل تكاليف الصناعة، مينفعش أدفع أموال لغرض البيئة فقط، يجب لما نعمل مشروع يكون لصالح البلد أولاً ثم البيئة، فالهيدروجين الأخضر لو تكلفته أقل نعمله، لو هيحمل عبء على الاقتصاد ويحملنا ديون يبقى منعملش".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع