تنتاب محبّات ومحبّي الحيوانات، أسئلة حول طرق التعامل مع الحشرات المنزلية، بما يمنع إلحاق الضرر بها. فبينما تحظى بعض الحيوانات الأليفة بنوع من المحبة والرعاية، تتعرض الحشرات لشتى أنواع العنف. ويفتح هذا السؤال النقاش حول أهمية اكتساب مهارات تسمح لنا بالعيش بسلام مع بيئتنا، خاصةً مع كون أغلبنا قد ورثوا عادات سلبيةً تجاهها.
ارتباط تجاربنا الفردية بثقافة عامة، وبمنظومة تخلق خطاباً وممارسات معيّنةً تجاه البيئة، يجعل من مشاركة التجارب كنافذة للتعلم، والتي تنفتح على قبول نصائح وتجارب الأخريات والأخرين، أمراً مفيداً.
بينما تحظى بعض الحيوانات الأليفة بنوع من المحبة والرعاية، تتعرض الحشرات لشتى أنواع العنف.
تعليم "غير متسامح"
من تجربتي، يمكنني القول إنني لم أتلقَّ تعليماً متسامحاً مع هذه الكائنات الضئيلة، وعلى العكس، كبرت في دمشق في عائلة مصابة برهاب الحشرات. ويُعزى هذا إلى وجود ثقافة مجتمعية عدائية كارهة لها.
وفي مواجهات عدة لي مع العناكب، كنت أبادر بشكل بدائي إلى رشّها بالمبيدات الحشرية، لأصاب بالندم وأسعى إلى إصلاح الأمر، محاولةً اتّباع الطرق السلمية التي تعلمت بعضها من صفحات النت، مثل محاولة الإيقاع بالعنكبوت في مصيدة، يتم فيها حبسه في علبة أو كأس، وزلق ورقة تحتها لإغلاقها وإخراجه بعدها من المنزل إلى الفضاء الحر.
لم أوفّق في ذلك، إذ إن العنكبوت، وهذا ما لا يظهر في فيديو اليوتيوب، كائن سريع لامتلاكه عدداً من الأرجل بحسب ما يتضح! وعليه، وبالرغم من كوني نظرياً مع أهمية تحقيق علاقة سلمية مع العناكب، إلا أنني أعجز على أرض الواقع عن تجاوز رهاب وموروث متأصل من ممارسات كارهة للحشرات.
ليس النقاش هنا قضيةً عابرةً وغير محورية، بل يقع في صلب علاقتنا مع البيئة ورؤيتنا لها. نحن الآن ضمن عصر ندرك فيه أثر ممارستنا السامة والكارهة للبيئة علينا. الشكل الذي اتخذته المدن كمنظومة عدائية تجاه البيئة وإقصائية ومتعالية وعنيفة ضدها، هو نتيجة سياسات إستراتيجية، لم تراعِ النتائج التي ستترتب عليها. نعيش في مدن تخلو من الشجر والحيوانات والحشرات، التي نسعى إلى إقصائها ومحاربتها، ونجد لنا أحقيةً في حرق مساحات خضراء ومستعمرات بيئية، لبناء مدن جرداء ملوثة.
هناك طرق تتلخص في استخدام مواد طبيعية، مثل الليمون والخل والقرفة، والتي إن تم مسح الزجاج بها أو تعزيز روائحها في المنزل، فقد تساهم في منع الحشرات من الدخول. كما يُفضّل التخفيف من استخدام مواد التنظيف ذات المركبات الكيماوية
موروث شعبي
من المهم الإشارة، إلى أن الموروث الشعبي والقصص الدينية، لا تخلو من حكايات ومواعظ تؤكد أهمية الرحمة تجاه أضعف الكائنات. فليست قصة سيدنا سليمان مع النملة التي سمعها تهرب خائفةً من الدهس، سوى عبرة تؤكد على رفض العنف تجاه الأضعف. لكن في الغالب تنطلق هذه القصص من رؤية تضع الإنسان في مرتبة أعلى وتدعوه للرفق بمن هم في مرتبة أدنى. هذه التراتبية تغفل عن العلاقة التبادلية بين الإنسان والكائنات الحية الأخرى، والتي أثبتت التجارب أنه لا حياة للإنسان خارجها.
في مقال لآن تي موكو، وهي بروفيسورة في الأديان الآسيوية، بعنوان "الاهتمام بالحشرات"، تبيّن فيه حاجة الغرب إلى التعلم من ديانة الجاينيّة أو اليانيّة، وهي ديانة هندية قديمة تقوم على مبدأ اللا عنف تجاه جميع الكائنات الحية مهما بلغ حجمها، يظهر أن الغرب ومع ادّعائه محبة الحيوانات، تقتصر هذه العاطفة لديه على عدد محدد منها.
تقول موكو: "يحدد مجتمعنا القواعد التي يُسمح فيها لعدد من الحيوانات المقبولة بدخول حيزنا. عندما تتعدى أشكال الحياة غير البشرية على الشروط التي وضعناها، نتفاعل بشكل سلبي، وحتى بعنف. المسؤولون الحكوميون مطالبون بتحديد مصير الكلاب والقطط الأليفة التي ليست من ملكية الإنسان، وغالباً يقتلون الحيوانات التي لا تُقبل في منزل بشري. تقتل الحكومات الدببة التي تشقّ طريقها إلى البلدات والمدن، وتفوّض أصحاب المزارع بإطلاق النار على الذئاب التي تقترب من ممتلكاتهم. كثيرون منا يسيّجون الحدائق بعيداً عن الأرانب أو الغزلان، ويرشون المواد الكيميائية على البزاقات أو الخنافس التي لديها جرأة التغذي على الورود أو الملفوف. نغلق معظم المساحات الداخلية لدينا ضد أشكال الحياة القادمة من الخارج، وإذا كان على النمل أو النحل أو الفئران أو العناكب الدخول إلى مجالات خاصة بنا، نصطادها أو نسحقها أو نشوهها أو نسممها، أو نوظف شخصاً آخر للقيام بذلك ‘العمل القذر’ نيابةً عنا".
إذا كان على النمل أو النحل أو الفئران أو العناكب الدخول إلى مجالات خاصة بنا، نصطادها أو نسحقها أو نشوهها أو نسممها.
وترى موكو، أن الأديان الإبراهيمية تندر فيها الإشارة إلى أهمية التعايش مع الكائنات الحية الأخرى، وتقتصر على علاقة تتمحور بين الإنسان والإله، أو التوجيه للتعاطي مع الكائنات الحية الأخرى ضمن علاقة تبادلية تتضمن التساوي. في المقابل، ترى أن الديانة اليانية تختلف جذرياً إذ "تقوم على اهتمام متّبعاتها ومتّبعيها بسلامة وراحة غير البشر بشكل روتيني، فيهتمون بأشكال الحياة غير اللطيفة أو الجذابة أو التي ينفر منها البشر، ويقضون كثيراً من الوقت والطاقة في رعاية الحشرات، فضلاً عن أشكال الحياة التي لا يمكنهم/ ن حتى رؤيتها، أي الكائنات الحية الدقيقة".
أهمية كبيرة للحشرات
في كتاب لآن سفيردروب ثيجيسون، بعنوان "طنين ولدغ وعض: لماذا نحتاج الحشرات؟"، صادر باللغة الإنكليزية، تبيّن أن الإنسان يتعامل مع الكائنات الأخرى على أساس منفعي. تقول: "إننا نقع في مطب تصنيف الأنواع الأخرى من منظور يرى إن كانت تنفعنا أو تعرقلنا؟". لكننا لا نرى بحسبها، كيف تساهم هذه "المخلوقات الصغيرة والغريبة في تغذية بعض الأسماك والطيور والخفافيش، وفي تفريق البذور وتلقيح النباتات والمساهمة في التخلص المجاني من النفايات، وفي بناء التربة، وحتى، في بعض الحالات، رعاية وتعليم بعضها البعض، على الرغم من امتلاكها في كثير من الأحيان، دماغاً لا يتعدى حجم النقطة".
وتبين سفيردروب ثيجيسون، وهي بروفسورة في الجامعة النرويجية لعلوم الحياة، أهمية حشرات صغيرة مثل أنواع من البراغش في تلقيح أزهار الكاكاو، وتالياً توضح مساهمتها في إنتاج الشوكولا، والذي يبدو مبرراً كافياً للتسامح مع هذا الكائن المستفز. وتبعاً لها، فإن "المخلوقات ذات الأرجل الستة تستحق الاحترام، ليس فقط لمساهماتها، ولكن أيضاً لصمودها على صعيد التطور. لقد رأت الحشرات الديناصورات تأتي وتذهب، وطارت قبل أي من الكائنات الأخرى. صمود الحشرات زمنياً أعطاها فرصةً للتطور بطرق تحسّن كفاءتها في الصيد والجمع، كما ساعد هيكل أجنحتها في إلهام تصميم الطائرات من دون طيار".
نحو التغيير
وبالحديث عن الجهود التي يمكننا بذلها لتغيير مكتسباتنا السلبية تجاه الحشرات، يمكن القول إن المبيدات الحشرية هي مواد سامة للإنسان والحشرات على حد سواء، وإن بمقدار مختلف، وهناك سعي عالمي إلى الحد من استخدامها في كافة مناحي الحياة ومنها الفضاء المنزلي. وأثبتت التجربة أن المبيدات الحشرية، خاصةً على المحاصيل الغذائية، هي سموم ضارة للإنسان والبيئة، وتجب محاربتها ونشر الوعي حولها في أوساط المزارعات والمزارعين.
كما يمكن تجنّب الصناعات التي تعتمد على الحشرات، ومنها، صناعة الحرير وملبوساته، لكونها تساهم في قتل الآلاف من دود القزّ. وكذلك، من المهم الانتباه إلى وجود مواد كيماوية تعتمد في إنتاجها على الحشرات، ومنها مثلاً مادة الشيلاك التي تصنع من حشرة قشبية (لاكا)، والتي تتغذى على صمغ الشجر، وتُستخدم المادة في مستحضرات صيدلانية وتجميلية، ويمكن للمبالغة في الاعتماد عليها إيذاء الحشرات المنتجة لها.
وبحسب دراسة نُشرت في بريطانيا عام 2018، تتسبب قيادة السيارات المسرعة، خاصةً في أوقات المطر، في قتل حشرة واحدة كل 5 أميال أو ثمانية كيلومترات، لذا يُعدّ تخفيف الاعتماد على السيارات من الأساسيات لحماية البيئة، لتخفيف الانبعاثات الحرارية لتجنّب قتل الكائنات الحية. كما أن عدم السير على المساحات الخضراء يساهم في تجنّب دهس الحشرات والكائنات الحية.
وتُعدّ الأجهزة المنزلية، التي تُستخدم لإبعاد الحشرات، ضارّةً للإنسان والبيئة. يتم الترويج لأجهزة تعمل بالموجات فوق الصوتية، وتُصدر موجات عاليةً تنفر الحشرات وتمنع اقترابها. لكن قد تتعرض الحشرات للموت أو الأذى، ومنها النحل وهو حشرة تتم المحاربة لمنع انقراضها. لذا يبدو أنه ليس الخيار الأفضل لمن يرغب في مراعاة الحشرات.
في مواجهات عدة لي مع العناكب، كنت أبادر بشكل بدائي إلى رشّها بالمبيدات الحشرية، لأصاب بالندم وأسعى إلى إصلاح الأمر، محاولةً اتّباع الطرق السلمية التي تعلمت بعضها من صفحات النت، مثل محاولة الإيقاع بالعنكبوت في مصيدة وإخراجه من المنزل إلى الفضاء الحر
هناك طرق تتلخص في استخدام مواد طبيعية، مثل الليمون والخل والقرفة، والتي إن تم مسح الزجاج بها أو تعزيز روائحها في المنزل، فقد تساهم في منع الحشرات من الدخول. كما يُفضّل التخفيف من استخدام مواد التنظيف ذات المركبات الكيماوية، والسعي إلى استبدالها بمواد طبيعية، مثل الخل والليمون وغيرهما.
ولمنع حبس الحشرات في المنزل، من المفيد منع دخولها منذ البداية من خلال إغلاق النوافذ والأبواب، وعند حصول ذلك، تُفضّل مساعدتها على الخروج بطرق سلمية وتجنّب دعسها أو رشها، إن لم يكن الشخص ممن تخاف أو يخاف من الحشرات. ومن الوسائل المهمة تربية الأطفال للتعاطي مع الحشرات بشكل ودي عبر التعلم ورفض ثقافة التخويف، للمساهمة في خلق أجيال تمتلك ثقافةً مراعيةً للبيئة.
التساؤل المطروح هنا هو دعوة لنعمل معاً للبحث عن حلول وبدائل، وهو محاولة للمساهمة في العجلة التي تسعى إلى خلق ثقافة بيئية سلمية تتصف بالرحمة والتعاطف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع