وصفت إحدى الشاعرات حالات الفوبيا التي تنتابها في الحياة، وحوّلت كل واحدة منها إلى خوف منطقي متحدية بذلك تعريف علم النفس الذي يصف الرهاب (أو الفوبيا) بأنه خوف غير  مبرر وغير منطقي، حين وصلت إلى فوبيا الحشرات قالت:

تخيّلها كبيرة 
بكل هذي الأذرع والسيقان 
بلعاب يسيل على الأنياب اللامعة 
برمزية الوبر الخفيف فوق ظهورها 
بالشرف المقزز للموت الضئيل  
تخيلها كبيرة كأسد 
ككلب
أو حتى بحجم قطة تجلس في حضنك 
أكنت ستسبقني في الهروب؟ 

لماذا نخاف من الحشرات؟

حاولت رجاء صالح (27عاما) وهي إعلامية تعيش في صنعاء أن تتخلص من فوبيا الحشرات أكثر من مرة، معاناتها من هذه الكائنات الصغيرة سواء الزاحفة أو الطائرة تدفعها للقفز والهرب الفوري، حتى لو كانت حشرة صغيرة جداً تلك التي تزحف إلى جانبها بحسب وصفها لحالتها لرصيف22. 

يبدأ الدكتور عبده محسن الشليلي، أخصائي أمراض نفسية واجتماعية، حديثه لرصيف22 بالإشارة إلى أساس الخوف البشري، ويقول إن الشعور بالأمان هو أحد الاحتياجات الأساسية للإنسان حاله حال الأكل والشرب والجنس؛ الغريزة هي ما تدفع الإنسان للهرب من أي مفترس سواء أكان حيواناً ضخماً لاحماً أو أفعى زاحفة.  

الشعور بالأمان هو أحد الاحتياجات الأساسية للإنسان حاله حال الأكل والشرب والجنس؛ الغريزة هي ما تدفع الإنسان للهرب من أي مفترس سواء أكان حيواناً ضخماً لاحماً أو أفعى زاحفة

يقول: "هذا خوف طبيعي عند كل البشر، أما غير الطبيعي فيسمى الخوف المرضي (فوبيا) ويصاب به بعض الناس نتيجة لحدث صادم في الطفولة خصوصاً من عمر 7 إلى 15 سنة، مثل لدغة حشرة أو غيرها، وهو يعد نوعاً شائعاً من رهاب أو فوبيا الحيوانات.
تتفق معه الدكتورة أمل أحمد الرياشي أخصائية الطب النفسي في تعريف الفوبيا على أنها خوف غير مبرر، وفي حالة صالح تحديداً أي فوبيا الحشرات أو  "الأنتوموفوبيا" يشعر المريض برغبة ملحة بالهرب من الحشرات بكل أنواعها. لأنه يحس بأنها ستهدد حياته أو ستنقل له عدوى خطيرة.
تقول: "الرهاب قد يشمل نوعاً محدداً كالصراصير والنحل والنمل وذوات الريش والأجنحة، أو بضعة أنواع أو كل الحشرات، ويتضمن الخوف الشديد والمستمر من أشياء أو مواقف معينة حصلت سابقاً أو حديثاً  تمثل تهديداً حقيقياً ضئيلاً أو معدوماً ولهذه الحالة مظاهر سلوكية ومعرفية وفسيولوجية، ويؤدي التعرض للمحفز الرهابي إلى إثارة القلق الذي قد يصل إلى نوبة هلع".
الغريب أن رجاء ورغم خوفها الشديد من الحشرات إلا أنها عندما تتذكر المواقف التي تواجهت بها معها ترغب بالضحك، إحداها حين رماها أخوها بجرادة فقفزت من مكانها وتسببت في التواء قدمها. 

الأعراض نفسية وجسدية وسلوكية 

تشير الرياشي إلى أن البالغين قد يدركون أن الخوف مفرط أو غير معقول ولكن قد تكون هذه الميزة غائبة عند الأطفال، وعن الأعراض تقول: "هنالك الأعراض النفسية وهذه كثيرة وتختلف باختلاف درجة الرهاب، وعلى حسب الموقف الذي تعرض له المريض مثلاً:  شعوره بالقلق الشديد والخوف من رؤية الحشرات أو خوفه من أماكن وجودها،  وكذلك إحساس المصاب بالقلق من مجرد سماع أي أصوات تشبه أصوات الحشرات، أو تشبه صوت تحركها على الأكياس أو الأوراق وتفكيره الزائد والمستمر بالطريقة التي تجعله بعيداً عنها، وتؤكد الرياشي أن الإحساس بالخوف الموجود لدى المريض بالفوبيا ليس عقلاني، وهذا يجعله يشعر بالتوتر أكثر" .

الرهاب قد يشمل نوعاً محدداً كالصراصير والنحل والنمل وذوات الريش والأجنحة، أو بضعة أنواع أو كل الحشرات، ويتضمن الخوف الشديد والمستمر من أشياء أو مواقف معينة حصلت سابقاً أو حديثاً  تمثل تهديداً حقيقياً ضئيلاً أو معدوماً

ويذكر الشليلي أيضاً من الآثار النفسية القلق والتوتر والخوف أثناء رؤية الحشرات. 
أما الأعراض الجسدية فتشمل الشعور بالدوار والرجفة، واضطرابات في المعدة إضافة إلى مشاكل في الهضم، وأحياناً النسيان وفقدان التركيز، وحتى ارتفاع ضغط الدم وضيق التنفس والصداع، وفي الحالات المتقدمة قد يعاني المرص/ـة من زيادة دقات القلب والهلع وجفاف الفم، والإسهال، ورجفة اليد. 
أما الأعراض السلوكية فتشمل حرص المريض على عدم الحديث مع أي شخص حول الحشرات، وعدم تمكن المريض من التعامل مع الحشرة في حالة مواجهتها والقيام بسلوكيات تهدف إلى التأكد من عدم وجود أية حشرات ومنها: المبالغة في التنظيف، المبالغة في استخدام المبيدات الحشرية، إغلاق النوافذ بإحكام، واحتياج شخص مرافق في حالة التواجد في مكان يمكن أن يحتوي على حشرات وتجنب الذهاب إلى الحدائق أو الأماكن العامة التي يمكن أن توجد بها حشرات.

فرق الطفولة في المدن والريف

أم أكرم (50 عاماً) ربة منزل تقيم في قرية قدس في محافظة تعز، تقول لرصيف22 إنها تربي أطفالها وفق أعمال القرية ومتاعبها بما في ذلك مقابلتهم للحشرات في كل الأوقات، سواء في داخل المنزل  في الدرج أو في المطبخ أو حتى في غرفة المعيشة، أو في خارجه.
وترى السيدة الريفية أن على الطفل في الريف أن يعتاد وجود الحشرات الدائم في حياته اليومية، لذا نجد أغلب الأطفال يبادرون إلى قتلها في القرى بتشجيع أهاليهم، كجزء من مهارات التعايش الضرورية مع المحيط.

الطفل في الريف يعتاد وجود الحشرات الدائم في حياته اليومية، لذا نجد أغلب الأطفال يبادرون إلى قتلها في القرى بتشجيع أهاليهم، كجزء من مهارات التعايش الضرورية مع المحيط

في المقابل فقد نقلت أم هيفاء (58 عاماً) وهي مقيمة في المدينة في محافظة الحديدة خوفها الشديد من الحشرات إلى أولادها، وبحسبها لا تستطيع لا هي ولا أطفالها الانتقال للحياة في القرية كي لا تصادفهم تلك الحشرات وتتسبب لهم بالمرض.
أما أم أيمن (45 عاماً) وهي ربة منزل تعيش في صنعاء في مديرية معين، فتقول لرصيف22 إن أحد أحفادها يخاف من الصراصير بسبب تعرضه للتخويف المستمر من قبل أخيه الأكبر دون علم والدته. لا يزال هذا الخوف يلازمه حتى وهو شاب.
وتقول إنها في السابق عاشت في الريف في قدس بمنطقة دار السادة قرابة ثلاث عشرة سنة، وأنها لم تتضايق من الحشرات الكثيرة الموجودة في الريف؛ فالريفيات على عكس ساكنات المدينة هن أول من يبادر إلى قتل الحشرات أو إخراجها، وهذا طبيعي نتيجة تربية الحيوانات كالماعز والكلاب والقطط والبقر وغيرها.
يبين الشليلي أن هذا الفرق بين الريف والمدينة طبيعي، وهو يعتقد أن قساوة الريف ومشاهدة الحشرات والوحوش والثعابين بشكل يومي يجعل الريفي أكثر شجاعة من ساكن المدن، ويربط الحالة بالتجارب المتكررة، لكنه في نفس الوقت يشير إلى أنواع أخرى من الرهاب قد تنتشر في الريف أكثر من المدينة مثل فوبيا الأماكن المرتفعة والبرق والرعد.

العلاجات

تقول الرياشي: "هناك بعض الأدلة العلمية على أن دواء (Benzodiazepines) يقلل من القلق عند مواجهة التحفيز أو الوضع المخيف. ومع ذلك، فقد ظهر من خلال البحث أن اللقاءات اللاحقة مع التحفيز أو مواجهة الخوف لم تتحسن، لكن في الآونة الأخيرة، أظهرت تجارب (D-Cycloserine) بعض النتائج الواعدة.

العلاج السلوكي هو الأهم ويسمى بطريقة (الغمر) أي وضع الشخص بين حشرات داخل غرفة صغيرة لمدة محدده تطول تدريجياً كل يوم، وهذه الطريقة لا تستخدم إلا تحت إشراف طبيب مختص

أما الشليلي فيؤمن بالعلاج السلوكي والمعرفي الذي يتم تصميمه بحسب حالة الفرد. المعرفي يكون بتوضيح طبيعة الشرات العلمية للمريض/ــة بأنها ليست كلها ضارة أو تسبب الموت أو الأذى، ويضيف: "العلاج السلوكي هو الأهم ويسمى بطريقة (الغمر) أي وضع الشخص بين حشرات داخل غرفة صغيرة لمدة محدده تطول تدريجياً كل يوم، وهذه الطريقة لا تستخدم إلا تحت إشراف طبيب مختص على أن تتناسب مع عمر الفرد، مثلاً: طفل عمره عشر سنوات يأخذ خمس دقائق فقط لأنه قد يصاب بالهلع، وهناك طريقة أخرى وهي مشاهدة الحشرات بشكل تدريجي بالصور ثم المشاهدة ثم اللمس".