شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الغريب فيلم روائي سوري يصور الجولان ويمثل فلسطين في الأوسكار

الغريب فيلم روائي سوري يصور الجولان ويمثل فلسطين في الأوسكار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 10 ديسمبر 202110:00 ص

منذ عشر سنوات تقريباً، وأثناء مناقشتي لرسالة الماجستير بعنوان "صورة المرأة في السينما الروائية السورية وعلاقتها بالواقع"، قامت الدنيا ولم تقعد في القاعة حين سألني الناقد المصري وعضو لجنه المناقشة، الراحل علي أبو شادي، عن موضوع الجولان الذي كنت قد استغربت تجاهل قضاياه، وخاصة فيما تعلق منها بالمرأة، من قبل المخرجين السوريين.

وكنت في رسالتي قد نوّهت إلى الجولان الجزء المحتل من سوريا والمنسي تماماً، والذي تعاني به ومنه المرأة السورية الكثير، فالمرأة السورية حين تتزوج من قريب لها يعيش في الجولان أو تتزوج جولانية من قريب لها يعيش في سوريا، تفقد حقها في العودة، ويصبح اللقاء بالأهل والأقارب ضرباً من الخيال.

 وكانت صورة هؤلاء الفتيات والأمهات، وحتى الجدات، حين يقفن خلف حاجز الأسلاك الحدودي الممتد على طول هضبة الجولان، من جبل الشيخ مروراً بالقنيطرة، والذي يفصل سوريا عن الجولان المحتل، للتواصل مع ذويهم عبر مكبرات الصوت، في منطقة تسمى "تلة الصراخ" أو "وادي الدموع" في الهضبة، مطبوعة في ذهني، لم أعد أذكر أين شاهدتها أول مرة... هل عبر ريبورتاج تلفزيوني أو من خلال فيلم وثائقي لعمر أميرالاي، أو أنني تخيلتها بعد أن سمعت عشرات القصص عنها؟

في الحقيقة، كاد يقتلني الفضول للسؤال عن هؤلاء السوريين المنسيين في الجولان، وكنت أتمنى أن أعرف قصصهم وحياتهم، وكنت أستغرب كيف لم يلتفت المخرجون السوريون، وخاصة الجولانيين منهم، لتقديم فيلم روائي عن قضاياهم ومعاناتهم النفسية القاسية والحقيقية، والتي لا يعرفها الكثيرون وفي مقدمتهم السوريون أنفسهم.

وضعتني هذه النقطة الحساسة من الرسالة موضع شك بعروبتي ووطنيتي، قال لي أبو شادي حينها حرفياً: "هل هذه دعوة للتطبيع، وهل تريدين مثلاً أن يذهب محمد ملص ليصور في الجولان؟"، رغم أنني كنت قد أشرت في متن الرسالة إلى أننا يمكن أن نتعرض لتلك القضايا ونصورها دون الحاجة للذهاب للجولان، يكفي أن نلتقط أي قطعة خضراء من سوريا ونجعلها افتراضياً "جولاننا".

"الغريب" فيلم سينمائي يثبّت قدم أمير فخر الدين كمخرج سينمائي قادم بقوة لعالم السينما وقادر على المشاركة في مهرجانات عالمية، كوجوده على سبيل المثال ضمن مسابقة أيام المخرجين في البندقية في دورته 78 وغيرها من مهرجانات الدرجة الأولى، بالإضافة لترشيحه للأوسكار من قبل فلسطين

قبلت على مضض ديباجة أن الحديث عن الجولان ولو عبر قصة اجتماعية إنسانية قد يكون نوعاً من التطبيع في نظر البعض، لكني بقيت عاتبة جداً على هذا التجاهل، إلى أن شاهدت مؤخرا الفيلم السينمائي "الغريب" الذي كتبه وأخرجه السوري الجولاني أمير فخر الدين، وهو الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج والذي رشحته فلسطين للمشاركة في الأوسكار، والذي عُرض مؤخراً في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته 43، ضمن مسابقة أسبوع النقاد الدولي، التي يديرها الناقد أسامة عبد الفتاح، ويشارك في تحكيمها كل من الناقد الفرنسي سيدريك سوكيفالي والناقد التونس إبراهيم لطيف إلى جانب الممثلة المصرية ناهد السباعي.

فيلم الغريب

تدور أحداث الفيلم (الذي شارك في مسابقة أسبوع النقاد الدولية إلى جانب سبعة أفلام أخرى وحصل في ختام المهرجان على جائزتين، الأولى جائزة شادي عبد السلام كأحسن فيلم وتمنح للمخرج، وجائزة أفضل فيلم عربي في المسابقة العربية) في خطين متوازيين، الأول خط عدنان، ويلعب دوره الممثل الفلسطيني أشرف برهوم، الطبيب القادم من روسيا والذي يعيش اليوم وسط الجولان في حالة غربة، ورغم أن زوجته تقترح عليه الرحيل إلى ألمانيا، هرباً ليس فقط من الجولان بل أيضاً من محيطه الاجتماعي.

فوالده من جهة يعتبره طبيباً فاشلاً وقد حرمه من الميراث، بينما عائلة زوجته تطلب منه تطليقها، الأمر الذي يضطره للعيش بعزله تامة بعيداً عن كل من حوله كالغريب، عزلة تكاد تشبه تماماً عزلة الجولان نفسه عن وطنه الأم سوريا.

الجولان في الفيلم صورة أخرى عن فلسطين المحتلة، فجدار العزل العنصري الفاصل لا يختلف كثيراً عن تلك الأسلاك الحديدية التي تفصل السوريين عن بعضهم البعض ضمن الأرض الواحدة

 وعلى مدار الفيلم، يجول المخرج بكاميرته بطريقة سينمائية شاعرية مع عدنان الذي يقود بسيارته في الهضاب، فنرى الجولان من الداخل ونلحظ الأسلاك الشائكة والحاجز الحديدي الذي هو بشكل من الأشكال الحاجز النفسي بالنسبة لعدنان، والممتد على مئات الأمتار التي تفصل سوريا عن الجولان، ونلمح في الوقت عينه دخان النيران، ونسمع صوت الحرب القادم من سوريا، كدليل على مدى القرب الجغرافي من جهة والنفسي من جهة أخرى، والذي يعتبر نقطة أساسية ومركزية عند المخرج الكاتب، فجزء كبير من عائلات الجولانيين أنفسهم مازالت في ذلك الجانب من سوريا، لا يفصلهم عنهم جسدياً سوى هذا السلك أو السور الحديدي. .

في الفيلم، يعاني عدنان من الغربة النفسية، غربة عن أهله وأصدقائه وغربة عن المكان نفسه، فهو بالنهاية رجل سوري منسي، يعيش يومياً نوعاً من الحنين (النوستالجيا) لمكان ربما لم يعش به سابقاً، لكنه ينتمي له وجودياً ووجدانياً، والدليل على ذلك رحلاته المتكررة لنقاط الحدود مع سوريا، والتي من خلالها سيلتقي الغريب الهارب الطالب للنجدة.

يقول أمير فخر الدين في أحد لقاءاته: "ليس بالضرورة أن يكون الحنين لمكان عشنا به ونعرفه، قد يكون الحنين لمكان أيضاً لم نعرفه. أنها حالة فقدان وعزل، حالة حلم وفانتازيا. إنه رجل يبحث عن وطن لا يعرفه كما كل الجولانيين الواقعين تحت الاحتلال، ويحلمون حتى اليوم بالتحرر".

وعلى جانب آخر، هناك نوستالجيا أخرى قادمة من سوريا باتجاه الجولان، أنه الغريب الآخر القادم والهارب إلى الجولان حاملاً بيده صورة لبيت جده الذي لا يعرف مكانه، والذي سيساعده عدنان بدوره ويسعفه بشكل غير مشروط، ولكنه سيموت غريباً في الجولان، حتى قبل أن يعرف نسبه أو حتى يتمكن من زيارة بيت جده ويلتقط صورة له أمامه.

الجولان في الفيلم

الجولان في الفيلم صورة أخرى عن فلسطين المحتلة، فجدار العزل العنصري الفاصل لا يختلف كثيراً عن تلك الأسلاك الحديدية التي تفصل السوريين عن بعضهم البعض ضمن الأرض الواحدة.

"نحن جيل ما بعد العام 1967. رفضنا حمل جنسية العدو وأصبحنا اليوم بلا جنسية، نحمل فقط وثيقة سفر تؤهلنا للسفر، لكن بعناء كبير للحصول على تأشيرة، وهذه الوثيقة لا يذكر فيها أننا سوريون، نحن اليوم غير معرّفين"

لكن هل فعلاً وصل الفيلم للجمهور المصري، وهل استطاع أن يتلمس حساسيته ولغته السينمائية الشاعرية، أم كان مجرد فيلم ممل حول رجل يعتزل الحياة وأب قاس وعنيد (يلعب دوره باقتدار محمد البكري) يدفع ببقرته إلى الموت على أن يسعفها ابنه الطبيب؟

 أثناء مشاهدتي للفيلم في القاعة، وجدتني أشرح للصديقة الناقدة الجالسة بقربي عن الفيلم، أقول لها بدهشة الطفل: "هذا جولاننا المحتل، وهي المرة الأولى التي أراه فيها، هذا هو الحاجز المعدني الذي يفصلنا عن أهلنا هناك، ها هم من لحم ودم". والحقيقة أن كلامي هذا جعل للفيلم طعماً آخر، وربما خلق وجهه نظرة مختلفة لي ولها، لقد أصابنا نحن أيضاً بنوع من الحنين لمكان لم نزره من قبل.

يقول فخر الدين: "أنا من أم وأب جولانيين، ولكني ولدت في الاتحاد السوفيتي السابق، لاحقا عشت ودرست في الجولان (مجدل شمس) وحالياً أنا موجود في ألمانيا فقط بسبب تحضيري لفيلمي الجديد، الأمر الذي منحني الفرصة للتصوير في الجولان دون طلب تصاريح، لكننا تجنبنا تصوير جنود الاحتلال، حتى أننا بنينا الحدود الافتراضية لأنه كان من الصعب التصوير على الحدود الحقيقية".

متابعاً: "نحن جيل ما بعد العام 1967. رفضنا حمل جنسية العدو وأصبحنا اليوم بلا جنسية، نحمل فقط وثيقة سفر تؤهلنا للسفر، لكن بعناء كبير للحصول على تأشيرة، وهذه الوثيقة لا يذكر فيها أننا سوريون، نحن اليوم غير معرّفين".

فكيف ولماذا وضع في "جنريك" الفيلم أنه من إنتاج سوري بداية، وأضاف فلسطين وألمانيا للقائمة، رغم أنهما المنتجان الحقيقيان للفيلم؟

عن هذه النقطة يقول فخر الدين: "أردت أن يكون الفيلم سورياً من حيث الإنتاج، لأنني أنا كاتب ومخرج الفيلم وأعتز بهويتي، رغم أنني لا أحمل أي وثيقة رسمية تثبت أنني سوري الجنسية، ولكن في حقيقة الأمر لم يكن لدينا أي صندوق دعم سوري، بينما شارك في إنتاجه شركة فرسكو فيلم Fresco Film وريد بالومRed Ballom Film  فيلم، إلى جانب عدد من صناديق الدعم، كصندوق دعم آفاق والمورد وغيرها من الصناديق".

"الغريب" فيلم سينمائي يثبّت قدم فخر الدين كمخرج سينمائي قادم بقوة لعالم السينما وقادر على المشاركة في مهرجانات عالمية، كوجوده على سبيل المثال ضمن مسابقة أيام المخرجين في البندقية في دورته 78 وغيرها من مهرجانات الدرجة الأولى، بالإضافة  لترشيحه للأوسكار من قبل فلسطين، وهو ويقوم حالياً بالتحضير لفيلمه الروائي الطويل الثاني المعنون "لا شيء يبقى".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image