شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الفن في الأردن... بضاعة أتلفها الهوى

الفن في الأردن... بضاعة أتلفها الهوى

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 6 نوفمبر 202202:00 م

تعاني المواهب الفنية الشابة في الأردن، من نقص الكوادر الأكاديمية المنوط بها تدريس أشكال الفنون المتنوعة من الغناء والعزف والتلحين والتمثيل بمختلف أنواعه والنقد الفني، مما دفع بالهواة والموهوبين والراغبين في دراسة الفنون، إلى البحث عن بيئة بديلة تتيح لهم إشباع رغباتهم العلمية. فلماذا لا توجد مؤسسات أو أكاديميات مستقلة تقوم بتدريس الفنون في الأردن؟ وكيف يؤثر ذلك على الصناعة الفنية الأردنية؟

العيب والحرام يحجبان النور عن الفن في الأردن

تعتمد الإبداعات الفنية في الأردن، على الاجتهادات الفردية للهواة الذين تتلمذوا على يد أستاذة الفن في مصر ولبنان والعراق، مما يُظهر نوعاً من القصور في مجالات الفنون، من الغناء والموسيقى والتمثيل، وتقتصر دراسة الفنون في المملكة الهاشمية، على جامعتي "اليرموك" الواقعة شمال الأردن في إربد، والجامعة الأردنية في وسط العاصمة عمان. لكن ما السبب في عدم انتشار مؤسسات تخدم الفن والمواهب الفنية؟

مستوى التدريس المسرحي في الأردن متدنٍّ، وأن المهرجانات الفنية التي يتم تنظيمها فيه تعتمد بالأساس على أعمال فنية عربية.

يقول الملحن الأردني حيدر كفوف، الذي تعلّم التلحين باجتهاده الشخصي، ولم يتلقَّ تعليماً أكاديمياً لدراسة فن التلحين، إن الحرام والعيب يقفان حائطاً منيعاً في وجه تطور الصناعة الفنية الأردنية. ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "الموسيقى في الشرع الإسلامي حرام، لذا نجد أن عدد الموسيقيين الأردنيين قليل، فالموسيقى مخالفة للشرع".

يُعدّ الأردن دولةً قائمةً على العشائر، أي أنها تأسست وتكوّن نهجها الاجتماعي على أكتاف القبائل والبدو، لذلك تحكمها ثقافة القبيلة، وهذه العائلات الأردنية لا تهتم بالموسيقى، التي تُعدّ ممارستها عيباً وحراماً، إلا أن هناك اهتماماً ضئيلاً بآلات موسيقية شعبية قديمة، مثل آلة الشبابة والبزق، ولهذا فإن إنتاج الموسيقى فقير وقليل، حتى أن الأسماء التي برزت ولمعت في سماء الموسيقى في الأردن، تلقّى أصحابها تعليمهم الجامعي في مصر، وتعلموا الموسيقى هناك، ومنهم الأخوان مالك وعامر ماضي، والفنان موسى حجازين أو سمعة وهو أيضاً درس في مصر العزف على آلة العود، وفؤاد ملص، وغيرهم.

وإن كان المجتمع الأردني يحتاج إلى الموسيقى ويتذوقها ويحبها، إلا أنه يخاف منها ويبتعد عنها بسبب "الحرام"، ويؤكد كفوف، أن هناك مراكز في إربد، تدرّس الموسيقى بشكل خاص، لكن هذه الدراسة كلفتها مرتفعة، ولا يستطيع الدراسة إلا الأثرياء وهذه المراكز لا تنتج أعمالاً فنيةً موسيقيةً.

أسعار الدراسة نار

حسب تصريحات الممثلة الأردنية أريج دبابنة لرصيف22، فإن تكلفة دراسة فن التمثيل في الأردن، تبلغ نحو 13 ألف دولار أمريكي، تُدفع سنوياً لمؤسسات خاصة قليلة، وهي كلفة باهظة مقارنةً بالعائد المادي الضعيف الذي يتحصل عليه الممثل نظير مشاركته في أي عمل فني، مهما بلغ حجم هذا العمل. لم تتلقَّ أريج، أي تعليم أكاديمي يخص الفن، غير أنها تُعدّ من الهواة الذين أحبّوا الانخراط في مجال التمثيل، وتشارك في أعمال فنية منذ 13 عاماً، وحصلت على دورتين فقط في العمل الفني.

التحق الطالب الأردني زيد سبايلة، بالمعهد العالي للسينما لدراسة الإخراج السينمائي، بالرغم من توفر قسم داخلي في كلية الفنون الجميلة في الأردن، لهذا التخصص، إلا أن هذا القسم يعاني من نقص في الكوارد الأكاديمية للتدريس، التي يبحث عنها زيد، وكذلك عدم توافر فرص للتدريب الميداني خارج المعهد. ويقول خلال حديثه إلى رصيف22، إن السوق الفني للأفلام في الأردن محدود.

إن مصطلح الصناعة الفنية كبير وشامل وعام، وهذا يعني بالضرورة اشتمال هذه الصناعة على كل مقوماتها وعناصرها ووجود كل القنوات الرافدة والداعمة لها، ومن أهم مقوماتها المعاهد والكليات الأكاديمية المتخصصة، المكملة لهذه الصناعة. في الأردن، كانت الدراما التلفزيونية تحديداً حاضرةً مع نشأة التلفزيون الأردني، وبداية مشواره وانتشاره، وازدهرت مطلع سبعينيات القرن الماضي، حتى أصبح المسلسل الأردني يُعدّ الأكثر قبولاً وانتشاراً، مطلع الثمانينيات، بعد المسلسل المصري، وذلك على مستوى الدول العربية. لكن تراجعت هذه الصناعة بسبب عدم وجود بيئة حاضنة للفن والفنانين والهواة، وهذا ما يؤكده الكاتب المسرحي يوسف ناجي، إذ يقول خلال حديثه إلى رصيف22، إن أهم الممثلين والمغنّين الأردنيين مشهورون خارج الأردن، لافتاً إلى أن الممثل الأردني منذر ريحانة، انطلقت شرارة شهرته من مصر، والمطرب أدهم نابلسي وديانا كرزون، اشتهرا بعد مشاركتهما في برامج اكتشاف المواهب في لبنان.

ويضيف ناجي: "لو أنهم ما زالوا في الأردن... بعمرهم ما بنالوا ذات الشهرة".

المجتمع الأردني يحتاج إلى الموسيقى ويتذوقها ويحبها، إلا أنه يخاف منها ويبتعد عنها بسبب "الحرام"

"نحن نطالب دائماً بأكاديميات مستقلة لها قانونها الخاص"؛ بهذه العبارة يعبّر الناقد الفنّي الأردني ماهر عريف، عن الحل الذي يمكن أن يفتح باب الأمل والفرص أمام المواهب الفنية المتعددة في المملكة الهاشمية. يتوافق هذا الرأي مع رأي الكاتب والمؤلف الأردني، تيسير نظمي، بأن الأردن في حاجة ملحة إلى تأسيس "المعهد العالي للفنون المسرحية"، على غرار ما تم تأسيسه في الكويت منذ البداية، على يد المخرج المسرحي المصري زكي طليمات، لتكون هذه المؤسسة بمثابة منبع لتقديم المواهب المسرحية الشابة بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للبحث عن القضايا الاجتماعية ومعالجتها بصورة أفضل. ويضيف: "معظم الخريجين لدينا من جامعة اليرموك، ولاحقاً من الجامعة الأردنية"، كما يرى أن مستوى التدريس المسرحي في الأردن متدنٍّ، وأن المهرجانات المسرحية والفنية التي يتم تنظيمها فيه تعتمد بالأساس على ما يتم تقديمه من أعمال فنية عربية. تحتاج صناعة الفن في الأردن إلى بيئة حاضنة للطاقات والمواهب والفنانين الحقيقيين، بالإضافة إلى الاهتمام بفرض الهوية الأردنية في الأعمال الفنية، والاطّلاع على التجارب الفنية العربية الناجحة، كما في سوريا ومصر والعراق، وكيفية صناعة فنان حقيقي، في المعاهد المختصة بالموسيقى أو التمثيل". ويضيف ناجي: "يجب أن تتم إعادة تأهيل الأقسام الفنية في الجامعة لتكون جاهزةً لإنتاج نجم فني وليس موهبةً فقط".

الصناعة تبدأ من هنا

عندما نتحدث عن الصناعة الفنية في الأردن، بفهومها الشامل، فإننا لا نقتصر على الحديث عن الكليات ومعاهد التدريس فقط، بل يلزمنا البحث في الكل المتكامل الذي يحتوي هذه الصناعة، ومنها بقية الاختصاصات المكمّلة، مثل الموسيقى والتصميم والفنون التشكيلية عامةً، بالإضافة إلى الاختصاصات الدقيقة، مثل التصوير وتصميم الملابس وهندسة الديكور... إلخ. وهذه الآن جميعها تُدرَّس وتوجد لها تخصصات في الجامعات الأردنية عامةً، بل إن قسم الفنون في جامعة اليرموك اليوم، أصبح كليةً مستقلةً تشتمل على كل الأقسام بتفرعات التخصصات فيها، ولكن كل هذا لا يحقق صناعةً حقيقيةً كالتي نجدها في مصر مثلاً. ويعلّق على هذا الممثل الأردني أشرف طلفاح، خلال حديثه إلى رصيف22، بأن الأمر تلزمه رعاية خاصة من الدولة وتشجيع لهذه الصناعة بكل ما يضمن استمرارها وتطورها، ومنها الدعم المباشر في تسويق العمل الأردني وتجويده وضمان سويّته الفنية وجلب الاستثمارات إلى هذا المجال، وتقديم كل التسهيلات لهم والتبادل الثقافي والإنتاجي مع الدول العربية ودعم المنتجين المحليين في تسويق أعمالهم عالمياً وعربياً ومحلياً، بالإضافة إلى الإشراف على المعاهد ذات الاختصاص وذلك بإيفاد المتميزين والموهوبين إلى دول متقدمة في هذه الصناعة للاستفادة من خبرات هذه الدول، وأيضاً قبول الطلاب بالأعداد التي يحتاجها السوق، لضمان عدم تكدّس الخريجين بأعداد التي لا يمكن توظيفها لخدمة المجال، ورعاية الفنانين جنباً إلى جنب، مع نقابتهم، بتأمينهم صحياً وأسرهم وضمان تقاعد (لمن يلزمه الأمر)، يليق بهم وبما يؤمّن لهم حياةً كريمةً، هذا بالإضافة إلى كل ما من شأنه أن يُشكّل حالة جذب للعاملين في هذا القطاع، وليس العكس. ويضيف: أصل الصناعة موجود بوجود المعاهد المتخصصة والكليات ذات الصلة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image