شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
شكل جديد لهجرة السودانيين إلى مصر... يفرضه تغيّر المناخ

شكل جديد لهجرة السودانيين إلى مصر... يفرضه تغيّر المناخ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الاثنين 31 أكتوبر 202212:59 م

تُعرِّف وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة المهاجر بأنه أي شخص ينتقل أو انتقل عبر حدود دولية أو داخل دولة ما، بعيداً عن مكان إقامته المعتاد، بغض النظر عن وضعه القانوني، وما إذا كانت الحركة طوعيةً أو لا، وأسبابها ومدة الإقامة.

قديماً، كانت الهجرة في إفريقيا هرباً من الفقر الناجم عن الصراعات، ومنذ القرن الماضي على أقل تقدير، كان يُنظر إلى فقراء إفريقيا على أنهم الأكثر تضرراً من الأمر. وبحلول القرن الحادي والعشرين أصبح الفقراء، وغير الفقراء في القارة السمراء، هم الأكثر تضرراً من تغيّر المناخ، ومضطرين إلى الهروب من فقر محتمل بسببه. ولعل الفيضانات التي ضربت السودان في الأعوام الثلاثة الأخيرة خير دليل على أن هناك تغيّراً في أشكال الهجرة وأسبابها.

دمّرت هذه الفيضانات شكل الحياة التقليدية البسيطة في معظم ولايات البلاد الثمانية عشر، وأدت إلى وفاة العشرات وإصابة المئات والإضرار بالآلاف، وأثقلت كاهل ملايين السوادنيين بأعباء زائدة عن تلك التي خلّفها عدم الاستقرار السياسي من نقص في الغذاء وندرة في المياه الصالحة للشرب والجفاف، هذا بخلاف أزمة العجز في المنتجات البترولية المؤثرة على تلبية احتياجات المواطنين من الكهرباء والغاز الطبيعي، وانخفاض العملة المحلية أمام سعر الصرف الأجنبي. ومع تفاقم الآثار المدمرة للفيضانات، من قطع سبل العيش والإغلاق التام للمدارس والجامعات والمصالح العامة والخاصة، بات السودان وطناً طارداً لمواطنيه.

مع تفاقم الآثار المدمرة للفيضانات بات السودان وطناً طارداً لمواطنيه.

تدهور سياسي واقتصادي وبيئي

في منتصف العام 2022، اتخذت مُعلّمة اللغة الإنكليزية في المدرسة الثانوية في ضاحية بوري اللاماب، في ولاية العاصمة السودانية الخرطوم، قرار الهجرة إلى مصر مع ابنتها الطالبة الجامعية، بعد إغلاق المدارس والجامعات والمصالح الحكومية والخاصة بسبب الفيضانات. تقول إحسان مصطفى في حديثها إلى رصيف22: "بعد رحيل زوجي، شعرت بعدم الأمان والاستقرار وصعوبة العيش وفكرت في الهجرة عام 2021، ولكن كان القرار صعباً خاصةً أن لدينا أملاكاً وتجارةً تصعب تصفيتها بين ليلة وضحاها، فأُجبرت على البقاء".

تدهورت الظروف السياسية في السودان منذ 2010، وتأثر الاقتصاد، وزادت الاضطرابات المناخية من صعوبة الحياة فيها. تضيف إحسان أن "الفيضانات قضت على آمال تحسن الأوضاع، ومر عام 2021 في تظاهرات واعتصامات عمالية، بسبب وفاة بعض المواطنين في الفيضان، والعجز في المياه والكهرباء والغاز والوقود، وانهيار العملة المحلية، وأُغلقت المدراس والجامعات، وكان هذا دافعي للهجرة. صفيت التجارة وبعت المنزل بسعر بخس، وهاجرت مع ابنتي الجامعية إلى القاهرة".

إحسان مصطفى

توفيراً لنفقات السفر، وتحسباً لواقع مجهول سعت إليه، قررت السيدة أن تهاجر عبر رحلة برية قد تستغرق من 36 إلى 46 ساعةً في الطريق، وتنطلق من معبر أرقين في السودان إلى المعبر المصري في أسوان. في القاهرة، استطاعت إحسان وابنتها، ترتيب أوضاعهما؛ استأجرت شقةً بثلاثة آلاف جنيه مصري شهرياً (قرابة 130 دولاراً)، في حي فيصل في محافظة الجيزة، وحصلت على عمل في مدرسة المجلس الإفريقي السودانية في منطقة الدقي في وسط القاهرة، وقدّمت لابنتها في مكتب الطلاب الوافدين في جامعة القاهرة.

تأثر بفيضان عام 2021، الذي ضرب السودان، نحو 315 ألف شخص، وعادةً ما يتعرض السودان لأمطار غزيرة وفيضانات شديدة بين أيار/ مايو وتشرين الأول/ أكتوبر من كل عام، بينما أدى فيضان 2022، إلى وفاة 129 شخصاً وإصابة آخرين، وإلى وقف الدراسة والأعمال العامة والخاصة.

السوداني مهاجر أم لاجئ "بيئي"؟

غرق منزل لاعب كرة القدم المعتزل نصر الدين الطيب (65 سنةً)، الواقع في منطقة المناجل عند أطراف ولاية الجزيرة شرق السودان، في الفيضان، فقرر الهجرة إلى الخرطوم مع أسرته المكونة من سبعة أفراد، ووجد أن أجرة السكن فيها تبلغ قرابة 120 ألف جنيه سوداني شهرياً (210 دولارات)، فنزل فترةً عند أحد أقاربه، حتى تدبّر إجراءات الهجرة إلى القاهرة بعد بيع ما تم إنقاذه من مقتنيات ثمينة في منزله الغارق، وسيارتين أتلفهما الفيضان.

بعد اعتزاله كرة القدم، عمل نصر الدين سمسار عقارات وأراضٍ. يقول لرصيف22: "كنت أكسب الكثير، وامتلكت أرضاً زراعيةً في الجزيرة، ومنها ادّخرت نفقات المعيشة وتعليم أبنائي، وجاء الفيضان الأول والثاني فدمرا المحصول وأدخلاني في ضائقة مالية في ظل تدهور اقتصادي تعيشه السودان، وضاعفت صعوبة العيش الأضرار التي أحدثتها الفيضانات، فقررت الهجرة إلى مصر".

الانهيار غير المسبوق في السودان جعل نصر الدين، يخرج من بلده تحت مسمى لا يجد له تعريفاً. يقول: "لا أعرف هل أنا لاجئ أم مهاجر؟ ولكني في مصر لا أشعر بغربة، فلدينا عوامل مشتركة، وهناك سوادنيون لهم أصول مصرية والعكس، ومصر هي الأقرب إلينا".

يحكي الرجل عن ذكرياته مع مصر بصوت متحشرج حزين، قائلاً: "زمان، كنا نأتي إلى مصر للسياحة أو لقضاء عطلة صيفية، أو لقضاء شهر رمضان، أو للعلاج، وكانت زيارتنا لفترة ثم نعود، بينما الآن نحن مهاجرون أو لاجئون. جئنا إليها للأسف للأكل والشرب والمعيشة، والسبب في ذلك الساسة السودانيون المتناحرون على السلطة، والذين أهملوا الوطن إبان أزمات طاحنة، إلى أن جاءت الظروف المناخية وقضت على كل الآمال في تحسّن المعيشة".

كنت أكسب الكثير، وامتلكت أرضاً زراعيةً ومنها ادّخرت نفقات المعيشة وتعليم أبنائي، وجاء الفيضان الأول والثاني فدمرا المحصول وأدخلاني في ضائقة مالية في ظل تدهور اقتصادي تعيشه السودان، وضاعفت صعوبة العيش الأضرار التي أحدثتها الفيضانات، فقررت الهجرة إلى مصر

منذ القرن التاسع عشر، يشكّل المهاجرون واللاجئون السودانيون جزءاً من التعداد السكاني في مصر. إبان الحكم البريطاني للبلدين كان معظم السودانيين الأوائل يتمتعون بكافة حقوق المواطن المصري في العمل والإقامة والخدمات الصحية والتعليم والتملك، وفقاً لاتفاقية وادي النيل الثنائية لعام 1976، وتوقفت هذه الامتيازات عام 1995، إلى أن منحت اتفاقية الحريات الأربع عام 2004، وضعاً مميزاً للسودانيين مرةً أخرى، وقدّرت المنظمة الدولية للهجرة في تموز/ يوليو 2022، عدد المهاجرين السودانيين في مصر بأربعة ملايين مهاجر، ويشكّل طالبو اللجوء منهم 1.3% من العدد الإجمالي.

نصر الدين الطيب

نمط جديد من المهاجرين

أرجع عبد الوهاب جمعة، الخبير الاقتصادي البيئي السوداني والباحث في قضايا التغيرات المناخية، في حديثه إلى رصيف22، الزيادة في معدلات الهجرة من السودان إلى مصر في السنوات الخمس الأخيرة، إلى الأزمة الاقتصادية السودانية وتغيّر المناخ، وإلى عدم الاهتمام الحكومي وإهمال القضايا البيئية في السودان على مدى 15 عاماً، ما أدى إلى تفاقم آثار تغيّر المناخ، التي هددت مختلف نواحي الحياة في البلاد.

وأكد جمعة، أن معظم الأراضي السودانية البعيدة عن النيلين الأبيض والأزرق ونهر النيل، تعرضت للغرق في الفيضانات، وأثر انخفاض معدل هطول الأمطار والجفاف على بعض الولايات في الغرب، فأصيبت بالتصحر نتيجة ندرة المياه وجفاف المياه الجوفية، مما ينذر بتضاعف أعداد النازحين والمهاجرين داخلياً وخارجياً، وخلق نوع جديد يمكن تسميته بالمهاجرين لأسباب اقتصادية أو اللاجئين البيئيين.

ولفت إلى أن مصر أصبحت من أكبر الدول المستضيفة والجاذبة للمهاجرين السودانيين في السنوات الأخيرة، نظراً إلى التطور الاقتصادي الذي شهدته في أكثر من جانب، مما دفع بالكثير من الأسر السودانية إلى بيع منازلها والهجرة إليها بحثاً عن فرص عمل وبيئة صالحة وسكن ملائم وتعليم وصحة.

معظم الأراضي السودانية البعيدة عن النيلين الأبيض والأزرق ونهر النيل، تعرضت للغرق في الفيضانات، وأثر انخفاض معدل هطول الأمطار والجفاف على بعض الولايات في الغرب، فأصيبت بالتصحر نتيجة ندرة المياه وجفاف المياه الجوفية، مما ينذر بتضاعف أعداد النازحين والمهاجرين داخلياً وخارجياً

وضمن هذا السياق، يرى هاني حنظل، وهو صاحب مكتب استشارات قانونية وتنمية عقارية، أن تزايد عدد المهاجرين السودانيين في مصر لافت، ويتضح في سوق العمل بشكل ملحوظ، فالعمالة السودانية أصبحت متوفرةً بكثرة في الأعمال الخاصة بكل أنواعها.

وعلى مستوى العقارات، يشير حنظل لرصيف22، إلى وجود طفرة في أسعار إيجار الشقق السكنية، خاصةً في مناطق تجمّع الجالية السودانية، إذ يعامل الملّاك المستأجر السوداني بأسعار سياحية، وهو ما يتسبب في رفع سعر الإيجار في هذه المناطق، ما يعود بالضرر على المواطن المصري، ولا يوجد قانون ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر على هذا المستوى.

قانون دولي لتنظيم الهجرة البيئية

أكدت دراسة بعنوان "اللاجئ البيئي من منظور الأمن الإنساني"، أعدّتها الدكتورة سمر إبراهيم، مدرّسة العلوم السياسية في جامعة الأهرام الكندية وعضوة المجلس المصري للشؤون الخارجية وعضوة الجمعية العربية للعلوم السياسية، أن اللجوء يشكّل ضغطاً اقتصادياً واجتماعياً بالنسبة إلى الدولة المستضيفة، خاصةً عند تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين تفوق قدرة الدولة الاقتصادية، وبشكل أخص في حالات الدول النامية، ما يجعلها غير قادرة على تحقيق التوازن بين حاجات مواطنيها وحاجات اللاجئين إليها.

تنتج عن ذلك، وفق الدراسة، حالة من النزاعات والخلل في التوازن في استخدام الموارد والاستفادة منها. كما أن الدولة المستضيفة تتضرر في ممتلكاتها نتيجة سوء استخدام المواد المحلية، أضف إلى ذلك زيادة الأعباء الصحية والاجتماعية والاقتصادية للدول المستضيفة. وخلصت الدراسة إلى أن الحل يكون في إصدار قانون دولي لتنظيم الهجرة واللجوء البيئي. والجدير ذكره أن قوانين حماية اللاجئين لا تنطبق على أولئك الذين يتركون بلادهم لأسباب بيئية، حتى اليوم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

البيئة هي كل ما حولنا، وهي، للأسف، تتغير اليوم باستمرار، وفي كثير من الأحيان نحو الأسوأ، وهنا يأتي دورنا كصحافيين: لرفع الوعي بما يحدث في العالم من تغييرات بيئية ومناخية وبآثار تلك التغييرات علينا، وتبسيط المفاهيم البيئية كي يكون الجميع قادرين على فهمها ومعرفة ما يدور حولهم، وأيضاً للتأكيد على الدور الذي يمكن للجميع القيام به لتحسين الكثير من الأمور في حياتنا اليومية.

Website by WhiteBeard
Popup Image