شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا أحب الرأسمالية؟

لماذا أحب الرأسمالية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

كثيراً ما تتعمد المسلسلات العربية مهاجمة كلمة الرأسمالية، فيعمد الكاتب إلى ذكرها بوصفها شتيمة أو لعنة، أو ربطها بشخصيات شريرة في العمل الدرامي.

في ورقة بحثية بعنوان "المثقفون والاشتراكية"The Intellectuals and Socialism، يتحدث الاقتصادي النمساوي فريدريتش فون هايك عن أنه غالباً لا توجد مجموعة معارضة للاشتراكية أكثر من الاقتصاديين وطلاب الاقتصاد. هذا ينطبق عليّ. فبالفعل، لم أمتلك موقفاً معادياً بشدّة للاشتراكية قبل أن أتعلم الاقتصاد.

وكلما تطوّرت النظرية الاقتصادية، كلما لاحظ الاقتصاديون أن لا سبيل أفضل من الفردية المنهجية Methodological Individualism لدراسة الظواهر الاقتصادية. ويمكنني أن أشعر بالثقة حين أعمم أكثر وأقول إن كل الدراسات الاجتماعية التي لا تتبنى الفردية المنهجية لا يمكنها سوى الوقوع في فخ الأفلاطونية الفلسفية، فتصير ماهية المعرفة ذاتية، بدلاً من أن تكون موضوعية كما في منهج أرسطو.

ترتبط الرأسمالية بالحرية. الرأسمالية شرط أساسي للحرية السياسية لكنها ليست شرطاً كافياً، أي أنّ غيابها يحتّم غياب الحرية لكن وجودها لا يكفي لوحده. تعريف الرأسمالية ببساطة هو "امتلاك الأفراد لوسائل الإنتاج". ورغم بساطة هذا التعريف وسهولة فهمه، إلا أنّه يغيب عن كثيرين من معارضي الرأسمالية. نقيض هذا التعريف هو امتلاك الحكومات لوسائل الإنتاج من معامل ومزارع، ومصانع، وموانئ، وغيرها.

في اقتصاد رأسمالي، يمتلك الأفراد وسائل الإنتاج. لنفترض وجود مجموعة من البشر ممَّن يزرعون التفاح. كلٌّ منهم يمتلك وسائل الإنتاج من أرضٍ زراعية ومعداتٍ، وآلياتٍ، وأسمدة، وغيرها. ثم يبدأ السباق. فكلٌّ منهم يريد أن يصبح تاجر التفاح الأكبر ليحقق أكبر ربح. بعد البدء بالعمل، نلاحظ أنهم يمتلكون إمكانياتٍ ووسائل مختلفة، ونلاحظ ناتج ذلك من خلال اختلاف نوعيات التفاح المنتَج (ألوانه، أحجامه، قيمته الغذائية، كمية التفاح على كلّ شجرة، وغيرها). هنا نقف عند مفترق طرق، فنحن بحاجة إلى معرفة التفاح الأفضل ذي السعر المناسب لإمكانياتنا الشرائية. تحت شرط التبادل الطوعي بين المشتري والبائع، يذهب محبو التفاح إلى الأسواق ويبدأون بمعاينة هذا التفاح وذاك، ويمسكونه بأيديهم، وينظرون إلى لونه، ويشتمّون رائحته، وبالتأكيد يعاينون أسعاره. في هذه المرحلة، تبدأ المعرفة العملية بالتشكّل فهي معرفة لا يمكن الحصول عليها من الجامعات أو مراكز البحث العلمي، ولا يمكن الحصول عليها سوى بالتجربة لنعرف ما هو التفاح الفائز في هذه المسابقة.

عند نهاية اليوم، سيكون هناك بعض المزارعين الذين حققوا أرباحاً كبيرة لأن تفاحهم استطاع إرضاء رغبات الزبائن كما سيكون لدينا بعض المزارعين الخاسرين الذين لم يستطيعوا بيع تفاحهم.

ورغم خسارة الخاسرين، إلا أنهم يتعلّمون درساً قيّماً من خلال معرفتهم لأخطائهم، عبر مقارنتهم منتجهم بمنتجات المزارعين الآخرين. وعليه، يعمد كلّ مزارع إلى تحسين منتجه حسب رغبات المستهلكين أو ربّما يغامر أكثر ليختبر أشياء جديدة.

"كثيراً ما تتعمد المسلسلات العربية مهاجمة كلمة الرأسمالية، فيعمد الكاتب إلى ذكرها بوصفها شتيمة أو لعنة، أو ربطها بشخصيات شريرة في العمل الدرامي... وهذا الأمر ليس سوى تعزيزٌ للفقر والاضطهاد، حتى وإنْ لم يكن مقصوداً"

تحسين المنتَج ينتج عن حرية الزبائن في انتقاء ما أعجبهم من السوق. وهكذا يدخل الاقتصاد في حلقة مستمرة من التطور والنمو والازدهار، بالرغم من وجود تفاصيل أكثر تعقيداً من ذلك.

ما الاختلاف هنا عن الاشتراكية أو الشيوعية؟

في الشيوعية أو الاشتراكية، تعمد الحكومات إلى امتلاك وسائل الإنتاج وبالتالي تقضي على حالة المنافسة، ما يؤدي إلى غياب كل الحالة التطورية للاقتصاد. إنْ لم يمتلك الأفراد وسائل الإنتاج وحريتهم في التجريب والابتكار، لن نحصل على منتجات متنوعة تتنافس في ما بينها في الأسواق ويسعى منتجوها لأن تكون منتقاة كي ينجوا ويستمروا.

من جانبٍ آخر، تعمد الحكومات الاشتراكية والشيوعية إلى محاولة الحفاظ على الواقع الاقتصادي المتوازن التي تريده. ومن أجل ذلك، تضطر إلى تعظيم حجم الإنفاق الحكومي لزيادة أعداد العاملين في السلطات التنفيذية وفرض القانون من شرطة، ومخابرات، وأمن، وغيرهم. هذا الانفاق يعتمد على الضرائب إذ أن الحكومات لا تنتج لتحصل على المال لأنها ليست شركاتٍ ربحية وغالباً ما يكون هذا الإنفاق غير فعّال فنلاحظ أنّ السلطات التنفيذية نفسها قد تعمد إلى استغلال نفوذها لتحصل على منتجاتٍ أجنبية مهرّبة لإعجاب الأفراد بجودتها.

وهكذا، تضطر تلك الحكومات إلى تكثيف السلطات التنفيذية مجدداً لتراقب بعضها بعضاً. وهكذا، فإن ما تظنّ الحكومة أنها وفّرته من موارد بكبح الحالة التطورية للاقتصاد تنفقه بحجم أكبر على وظائف مقنّعة لا تؤدي إلى أيّ نموٍّ اقتصادي.

"ترتبط الرأسمالية بالحرية. الرأسمالية شرط أساسي للحرية السياسية لكنها ليست شرطاً كافياً، أي أنّ غيابها يحتّم غياب الحرية لكن وجودها لا يكفي لوحده"

بالإضافة إلى ذلك، في الاشتراكية يُقضى على ظاهرة الأسعار التي تعكس معلومات كثيرة عن السلعة المعروضة. من خلال السعر، نعلم إنْ كانت السلعة متوفرة بشكل كبير أم لا، ونستطيع معرفة إنْ كان عليها طلبٌ كبير أم لا، ومعرفة ندرة المواد الأولية الداخلة في صناعتها. كل ذلك يقدّم لنا معرفة مهمة من ضمنها يمكننا التنبؤ بأسعارها المستقبلية وما إذا كان هناك قطاع اقتصادي يعاني من مشاكل في سلاسل التوريد أو آليات التصنيع أو غياب الكفاءات المهنية... كل هذه المعلومات تمثّل قاعدة بيانات مهمة تعيننا على اتخاذ قراراتٍ أكثر دقة في ما إذا كنّا نريد الاستثمار في هذا القطاع أو ذلك.

بعيداً عن التبريرات الاقتصادية، لا تخلو الرأسمالية من فلسفة تقدّم شرحاً عن كونها أكثر نظامٍ اقتصادي أخلاقي عرفه البشر. تختلف الرأسمالية عن الاشتراكية في ما تعتمده من وسائل لمكافحة الفقر وتوزيع الثروة.

في الأنظمة الاشتراكية، يُكافَحُ الفقر من خلال فرض ضرائب باهظة وتأميم وسائل الإنتاج، أي سرقة الأغنياء لإعطاء أموالهم للفقراء بشكلٍ مشابهٍ لروبن هود. وبالطبع، لا أقصد أن استعادة الأموال المنهوبة من رجال الأعمال المنتفعين من علاقاتهم الفاسدة مع الحكومات، فهؤلاء ليسوا منتجين ولا يمتلك المشترون منهم إمكانية رفضهم فثرواتهم ليست سوى نتاج تحالفاتٍ قذرة عوضاً عن أن تكون ثرواتٍ تعبّر عن مدى براعتهم في الإنتاج وإرضاء المستهلكين.

أما الرأسمالية، فتعتمد مكافحة الفقر عبر زيادة الثروة للجميع بدلاً من أن تحصر تفكيرها في كيفية توزيعها. يقترف كثيرون من الاقتصاديين أخطاءً عندما يركزون نقدهم على زيادة ثروات الأثرياء. عوضاً عن ذلك، عليهم أن يحققوا في بيانات الفقراء والمصعد الاجتماعي (معدل انتقال الأفراد من طبقة إلى طبقة أعلى).

ما علينا التركيز عليه هو التعمق في دراسة الثروة. كيف تُصنَع وكيف نقدّم الفرص للجميع لكي يشاركوا في صناعتها؟ أول الشروط من وجهة نظري هي حرية الناس الاقتصادية والمجتمعية ليتمكنوا من تعزيز الحالة التطورية للاقتصاد، فلا قبيلة ولا سلطة ولا عائلة ولا مجتمع يحاصرهم عند التفكير في غير المألوف، ولا يستخدم الأفراد المشاعر كوسيلة لتوليد المعرفة فهي أسوأ وسيلة ولا تعطي إلا نتائجَ مشوّهة لا تمت إلى المنطق بصِلة.

أنا أحبّ الرأسمالية، ومن وجهة نظري، محاربتها (كما يحصل في الإعلام العربي) ليست سوى تعزيزٌ للفقر والاضطهاد، حتى وإنْ لم يكن الأمر مقصوداً. لا نحتاج للاستغناء عن الرأسمالية، بل نحتاج إلى العمل على تطويرها وتحسين نظرياتها لاستنباط سياساتٍ اقتصادية تحقق الرفاهية للجميع دون سرقة أو اضطهاد أي أحد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

لا ليل يطول، ولا خريف

بعد ربيعٍ عربي كان يزهو بفورات الأمل ونشوة الاحتجاج، ها هي نوستالجيا الحريّة تملأ قلوب كلّ واحد/ ةٍ منّا حدّ الاختناق.

نوستالجيا أفرغها الشلّل القسريّ الذي أقعدنا صامتين أمام الفساد العميم والجهل المتفشي. إذ أضحت الساحات أشبه بكرنفالاتٍ شعبية، والحقيقة رفاهيةً نسيناها في رحلتنا المضنية بحثاً عن النجاة.

هنا في رصيف22، نؤمن بالكفاح من أجل حياةٍ أفضل لشعوب منطقتنا العربية. ما زلنا نؤمن بالربيع العربي، وربيع العالم أجمع.

Website by WhiteBeard
Popup Image